عند المحيط الأطلسي شرقي المغرب ثمة أرخبيل تلقي الشمس على جزره السبع، خيوطها الأرجوانية تلاعب الأمواج التي تستريح على شطآنها فيذوب في رمالها زبد البحر وقصص الأولين. إنها جزر الكناري التي يبدو اسمها للوهلة الأولى مستوحى من طير الكناري المغرّد، فيما يذكر المؤرخون...
 أنه أتى من الأصل اللاتيني كاناريا أنسولاو أي جزيرة الكلاب. أطلق عليها هذا الاسم  المسكتشفون عندما نزلوا في الجزيرة ووجدوا فيها كلاباً وحشية تدعى «كان» تعيش فيها. والمفارقة أن طير الكناري يقال إنه سُمي كذلك لأن أصله من جزر الكناري. فمن منح اسمه لمن؟ وحدها جزر الكناري تعرف السر.

تأخذك جزر الكناري إلى عالم فريد يسبح بين القارتين الأفريقية والأميركية، لتكتشف ثقافة ملتصقة بوجوه عدة. تحضن ريفاً قاحلاً وآخر أخضر خصباً، قرى صيادين صغيرة، ترتزق مما يلفظه البحر في شباكها، تشرف عليها قرى جبلية صغيرة تتسلق الهضاب، وغابات مغلفة بالضباب الرطب، وهدير براكين نائمة إذا ما تفجرت يتحوّل مشهد قذف حممها إلى لوحة مهيبة تشكلت ألوانها من السحر المحلق فوق الجزر.

لاس بالماس ( الكناري الكبرى)
لاس بالماس عاصمة جزرالكناري وأكبرها. تقع عند أقصى شمال غربي الأرخبيل، وهي أولى جزر الأرخبيل مما جعلها تحوز ألق المدن الكبرى. ويمكن القول إن لاس بالماس هي المدينة الوحيدة في أرخبيل الكناري التي يحتاج التنقل فيها إلى سيارة. يشكل شارعا فغيتا وتريانا وسطها التاريخي. فمنهما تمتد المدينة على ثلاثة كيلومترات نحو الشمال وعلى طول الشاطئ حتى سانتا كاتالينا وبويرتو دو لوز، حيث بدأت تقضم إيستيللا وهي جزيرة صغيرة تسبح شمال المدينة مقابل  شاطئ بلايا دو لاس كانتيراس الذي ينفلت عند شرقه جسر يصله بإيستيللا. وتنتشر على هذا الشاطئ معظم الفنادق الفخمة والنوادي الليلية والبوتيكات التي تعرض لأهم دور الأزياء العالمية.

تضم المدينة عدداً من المتاحف التي تروي تاريخ الأرخبيل وحضارته.  ويتميز متحف لو كازا / موسو دو كولون بشرفاته المشغولة من الخشب والمنحوتة بدقة والتي تشرف على مداخله. ليعكس روعة الهندسة المعمارية الكنارية. كان مقر سكن الحكام الأوائل للأرخبيل ولم يعرف ما إذا سكن فيه كريستوف كولومبوس أم لا. وتجاور متحف  ديوسيسانو الذي يحيط باتيو دو لوس ناراخوس، كاتدرائية سانتا أنّا مركز المدينة الرئيسي، وفي هذا المتحف تحتشد روائع الفن الديني. بينما يروي متحف كاناروي تاريخ غراند كاناري والاستعمارات التي مرت عليها، فيما يتخصص سانترو دو أرت مودرن للفن المعاصر. ويعتبر الشارع الرئيسي للمدينة كال مايور دي تريانا ملاذ المشاة حيث تتجاور الفنادق من كل الفئات. وقد اجتمعت قرب شاطئ سانتا كاتالينا والمرفأ، المطاعم والنوادي الليلية المتواضعة والمترفة في آن واحد.

اللافت في لاس بالماس وفي كل مدن أرخبيل الكناري، تأثر سكانها بعادات سكان البحر الأبيض المتوسط التي ربما تسللت إليهم من مضيق جبل طارق،  فعند التجوال في شوارعها تجد أصحاب المحلات يقفون أمام متاجرهم يتبادلون أطراف الحديث  فيظن المتجول فيها أنه في أحد أحياء المغرب، وفي مطاعمها تفوح روائح المطبخ الأسباني. كل هذا يجعل لاس بالماس متاهة تحتشد فيها كل أنواع المتناقضات التي لا يمكن سبر أغوارها، فيتحول شروق شمسها وغروبها لغزاً لا يستطع أحد فك رموزه.

تينيريف
يعتبر رصيف سانتا كروز دو تينيريفي أحد المرافئ الأسبانية الأكثر حيوية في الجزيرة. فكل الحركة الاقتصادية والسياحية تتمركز في منطقة جغرافية لا تتعدى مساحتها الكيلومتر الواحد وحول ميدان بلاز دو إسبانيا الذي يضم متاحف المدينة الثلاثة وهي موسو دو لا ناتورلازا أو متحف الطبيعة الذي يحتوي على مجموعة مومياءات تعود لقبيلة الغانش، وكاتدرائية سان فرانسيسكو التي تعتبر تحفة الفن الباروكي وشيدت بين القرنين السابع عشر والثامن عشر. ويقف عند جبهة البحر قصر سان خوان الذي تشهد جدرانه وأسواره على ماض كئيب حيث كان سوقاً للعبيد الذين كان يتم إحضارهم من القارة الأفريقية في القرن السابع عشر.

يعتبر متنزه غارسيا سانابريا ملاذ الباحثين عن الاسترخاء في ظلال أشجار عملاقة وارفة حيث يتناولون القهوة في جو طبيعي أخاذ. وتضم جزيرة تينيرف مطارين يستقبلان الرحلات الآتية من المدن الأسبانية وباقي مدن الأرخبيل، إضافة إلى بعض الرحلات الدولية.

بلايا دول إنغيليه و ماسبالوماس
لا يوجد في هذه الجزيرة معالم تاريخية أو مراكز ثقافية بل شواطئ لؤلؤية يرتاداها هواة السمرة يتركون العنان لخيوط الشمس الذهبية تلفح بشرتهم. وينبض قلب بلايا دل إنغيليه يومبو سنتروم وهو مركز تجاري يشبه البازارت العربية، يعرض فيه الباعة البضائع المقلدة، كما تنتشر في هذا السوق المطاعم التي تقدم الأطباق العالمية.