جعيتا

جعيتا, جبل لبنان, مرشد سياحي, وادي نهر الكلب, المغارة العليا, المغارة السفلى, صواعد, قارب, مصعد, نوازل, الاستدامة في الشرق الأوسط

17 يونيو 2009

على مسافة ١٨ كيلومترًا شمال بيروت عاصمة لبنان، تقع جعيتا المغارة التي تنبض في رحم جبل لبنان. كانت الزيارة إليها بمثابة مغامرة لأنني للمرة الأولى ألعب دور المرشد السياحي لأختي وعائلتها القادمة من ألمانيا والتي لا تعرف شيئًا عن لبنان سوى ما تسمعه وتشاهده من أخبار على التلفزيون.

بعد حوالى نصف الساعة من التقدّم  بالسيارة على الطريق الساحلي بين بيروت وجعيتا، بدأنا الصعود حتى وصلنا إلى منطقة جبلية يسكنها الهدوء بكل بهاء بين جبلين تتوجهما أشجار السرو والسنديان التي تستقبل زوار المنطقة بجرعة نسائم عليلة ونقية تجعل رئتي زائرها تتخلصان من تلوّث المدينة وازدحامها.

للوهلة الأولى ظنت أختي أنني ضللت العنوان لأن الطريق الجبلية الحلزونية كانت تنزلق بنا نحو وادي نهر الكلب، وكدت أشك في معلوماتي لولا ظهور الإشارات التي أرشدتنا إلى مدخل المغارة الرئيسي حيث دلنا حارس المراقبة إلى طريق موقف السيارات المغلق قائلاً: «في إمكانك رَكن السيارة مجانًا في الموقف المسقوف لتفادي حرارة الشمس». بالفعل ركنت سيارتي وترجل الجميع حينها سمعنا هدير شلال يصدر من المغارة.

هناك وسيلتا نقل للدخول إلى المغارة إما عبر التلفريك أي المصعد الهوائي، أو القطار. قررنا ركوب التلفريك الذي كان يتأرجح  فوق النهر إلى أن وصلنا إلى المغارة التي تتألف من مغارة عليا ومغارة سفلى. بدأنا زيارة المغارة العليا كما يفعل معظم الزوار.

اكتشف المغارة العليا منقبّون لبنانيون عام ١٩٥٨ وافتتحت عام ١٩٦٩ بعد تجهيزها بممرات للمشاة تلائم طبيعتها. في هذه المغارة تشعر بأنك وسط معرض للمنحوتات لا يمكن لإزميل أعظم فناني العالم أن ينحتها بهذه الروعة، إنها معجزة الخالق، تطلق لمخيلتك العنان في تصور الأشكال، فمن سقف المغارة تتدلى «ثريات» بلورية وعلى جنبات الممرات تقف منحوتات تعود إلى آلاف السنين. كلما صعدنا السلالم  بحذر، بسبب رطوبة الأرض، كانت الأشكال الفريدة تتالى على أنظارنا لتبهرنا فتعجز الكلمات عن وصفها.

خرجنا من المغارة العليا وجلسنا في محطة انتظار القطار الذي أقلنا إلى المغارة السفلى أو المغارة المائية. هنا في المغارة السفلى تشعر بأنك جنين في رحم الجبل المائي تتهادى وسط المياه وتتمنى لو تسكن هنا إلى الأبد.

اكتشف المغارة السفلى أو المائية المبشر طومسون عام ١٨٣٦ وافتتحت عام ١٩٥٦ أمام الزائرين. 

أبحر بنا القارب الكهربائي وسط السحر بهدوء، فلا نسمع سوى صوت المياه على مسافة ٥٠٠ متر يتلاعب بمسمع الزائر  ونظره الذي يحار في تأمل المياه البلورية والنوازل والستائر الشفافة أم يصغي إلى همسات مطرقة الطبيعة و هي تنحت هذه المعجزة في أحشاء الجبل.

انتهينا من المغارة وخيالاتها وروائعها وخرجنا إلى النور، حيث على طول الممر المؤدي إلى موقف السيارات يتعرّف الأطفال إلى الحيوانات الداجنة الموجودة في أقفاص وضعت في الهواء الطلق، فهنا يتبختر الطاووس بألوانه واثق الخطى يمشي ملكًا فينافسه الديك بصياحه رغم أنف الظهيرة، وهنا يقفز الأرنب وكأنه يتحدث إلى الأطفال الذي يرمون إليه الخضر عبر ثقوب الأسلاك المعدنية. وعند المتاجر التي تبيع التذكارات يحتشد الزوّار لشراء ما يذكّرهم بما رأوه في جعيتا.

وبعض الزوّار يجلسون في مطعم المغارة وكأنهم لم يكتفوا بما شاهدوه في بطن الجبل فأرادوا أن يستمتعوا بمشهده البديع وهم يتناولون ما لذّ وطاب من المطبخ اللبناني.

انتهت الزيارة إلى مغارة جعيتا والجميع كان مدهوشًا بهذه الأعجوبة، أما عنوان الموقع الإلكتروني للتصويت للمغارة في مسابقة عجائب الدنيا الطبيعية السبع، فهو www.n7w.com.