Home Page

ملبورن مدينة أوسترالية...

إيطاليا, رحلة إلى الفضاء, الخليج العربي, شاطئ, إسبانيا, حقيبة, مطاعم , قاعة /صالة / غرفة فندق, عرض ازياء تراثية, البحر الأبيض المتوسط, الأسعار, بوتيك, برنامج صدى الملاعب, المحيط الهادىء, أستراليا, شجرة الكاكاو, ملبورن

28 يونيو 2011

تركنا كانبرا وعدنا وحلقنا في الفضاء الأوسترالي نحو ملبورن، كانت الحماسة شعورًا مشتركًا بيننا جميعًا، ولكن حماستي كانت أكبر، فلقاء من نعرفه يحرّكه الشوق، بينما لقاء من نجهله يحرّكه الفضول.
وصلنا إلى مطار ملبورن عند العاشرة، كانت المدينة هادئة صباح يوم الأحد والحركة خجولة نسبيًا، لكنها رحبّت بنا على طريقتها، إلى أن وصلنا إلى فندق سوفيتيل الموجود في شارع كولينز.

كانت غرفتي في الطبقة السابعة والثلاثين، من نوافذها الكبيرة رحت أتأمل ملبورن التي لم تتغيّر، فنهر يارا لا يزال يخترقها بهدوء، والناطحات يحتشد بينها الأخضر الذي يحافظ على نضارة المدينة.
بعدما وضعت حقيبتي انتظرت هبة للذهاب إلى الوسط التجاري، فقد اتفقنا على استغلال الوقت والتجوال في المنطقة القريبة من الفندق، قبل التوجّه إلى فيليب أيلاند. سرنا في شارع كولينز حيث البوتيكات التي تعرض لأهم دور الأزياء العالمية تتجاور بأناقة، علّقت هبة قائلة: « أشعر بأنني في  ميلانو الإيطالية.
البوتيكات والأبنية التاريخية ذات النمط الفيكتوري والناس، كل هذا يذكّرني بميلانو». لفت نظرنا بوتيك اسمه غاسب Gasp يعرض لأزياء الهوت كوتور.

في البداية ترددنا في الدخول لأننا افترضنا أن الأسعار ستكون مرتفعة، ولكن قلت لهبة «ماذا سنخسر؟ لندخل ونرَ». استقبلنا البائع بترحاب.
أعجبت هبة بقميص وأنا بفستان، ومع أننا لم نكن ننوي الشراء فإن حنكة البائع ولطفه جعلانا نجّربهما وهنا دخلنا في لعبة التسوّق والمساومة، فكريس البائع حاول إقناعي، وأنا ساومته على السعر رغم أنني أعرف مسبًقا أنه لن يقبل ولكن المفاجأة أنه خضع لإرادتي وقدّم لي حسمًا وصل إلى 70 في المئة، فاجأني قبوله وعندها لم أجد مخرجًا سوى أن أعطيه بطاقة الفيزا وأشتري، وكذلك هبة حازت حسمًا على القميص الذي اشترته، لم نصدّق أن يحدث هذا معنا. أكملنا مشوارنا نحو الوسط التجاري وكان يعجّ بالمتسوّقين والمشاة والفرق الترفيهية وكأن مهرجانًا قائم في هذا الشارع العريض الذي تنتشر فيه الأبنية التاريخية الأشبه بتحف فنية. من الجميل أن تتجول في مدينة كل شارع فيها يشبه المتحف.
مررنا الى جانب متجر كبير كتب عليه تنزيلات خيالية، قلت لهبة لندخل، فترددت قائلة:» ألا ترين الأسعار؟ لا بد أن نوعية البضائع غير جيدة».
ولكن أمام إصراري دخلنا وكانت المفاجأة، فرغم الأسعار الزهيدة مقارنة بتجربتنا التسوّقية في سيدني، فإن الملابس كانت من النوعية الجيدة وعلى الموضة، مما دفع بهبة إلى إطلاق العنان لهواية التسوّق لديها.
تنبهنا إلى الوقت وقررنا العودة إلى الفندق لأننا سوف ننطلق نحو فيليب أيلاند عند الأولى والنصف ظهرًا.
إنطلقت بنا الحافلة نحو جزيرة فيليب حيث نخوض تجربة رؤية طيور البطريق تجتاح الشاطئ لحظة غروب الشمس، كانت الطريق طويلة، بعضنا نام وبعضنا تآمر على الوقت بتبادل أطراف الحديث إلى أن وصلنا إلى جزيرة فيليب.

ذكّرتني المدينة الساحلية المستلقية عند المحيط الهادئ بمدينة جونية اللبنانية، خصوصًا يوم الأحد، إذ تجد فيها الناس يرتدون الملابس المريحة وهم متوجهون نحو الشاطئ، والمحلات التجارية بعضها يبيع الآيس كريم وبعضها الآخر التذكارات الخاصة بالمدينة، فيما كانت مطاعم الرصيف التي تقدّم الأطباق البحرية والوجبات السريعة مزدحمة بالروّاد الذين قرّروا أن يتناولوا الغداء خارج منازلهم. بدت المنطقة كأنها منفتحة على البحر والهواء وكان الانطباع عند الجميع أنهم يشعرون بأنهم في إحدى مدن البحر الأبيض المتوسط الساحلية.

شعرنا بالجوع جميعًا وقررنا تناول الغداء في مطعم إيطالي اسمه «بينو». اللافت في المدن الأوسترالية الثلاث التي زرناها وجود المطاعم الإيطالية أينما ذهبنا فضلاً عن أن العاملين فيها غالبيتهم إيطاليون.
كانت الأطباق شهية والأسعار معقولة جدًا. بعد الغداء وتناول المثلّجات توجهنا نحو متنزّه فيليب أيلاند الطبيعي Philip Island Nature Parks الذي كان يضج بالزوّار من تلامذة مدارس وأهالٍ مع أبنائهم، بدت على وجوههم الحماسة لخوض تجربة رؤية اجتياح البطريق للشاطئ Penguins Parade. يضم المتنزّه بوتيكات لبيع التذكارات ومطاعم للوجبات السريعة.

الكل كان يسرع الخطى نحو مدرجات المراقبة، كي لا يفوته المشهد، واللافت أن التصوير ممنوع والسبب، كما نجوم هوليوود، فإن فلاشات الكاميرا تزعج البطريق مما يجعله يتحاشى عدسات المصوّرين ويأخذ مسالك سرية، أو يفضل البقاء في بطن المحيط. جلسنا على المدرجات وانتظرنا الساعة السادسة والواحدة والعشرين دقيقة كما ذُكر في لائحة التعليمات، غابت الشمس وظهر القمر بدرًا يتراقص ضياؤه على وجه أمواج المحيط التي بدت كأنها تستعد لطقس يومي تقوم به كل مساء، مشهد مهيب خدع أبصارنا وجعلنا نعتقد للحظات أن طيور النورس هي قطيع البطريق الذي تأخر عن موعده، مما جعلني أمل الانتظار وقررت العودة وحدي إلى الحافلة.
وأثناء انتظاري زملائي لاحظت أن الناس الذين كانوا كلهم حماسة عند دخولهم بدوا خائبي الأمل عند خروجهم، فقطيع البطريق كان صغيراً جدًا ولم يكن المشهد كما توقّعوه، هذا ما أكّده لي زملائي عند عودتهم.
عادت بنا الحافلة إلى ملبورن، وكنا متعبين فقررنا تناول العشاء في أحد مطاعم الفندق. جعلتنا خيبة أملنا نضحك عند أقل مشهد يحدث أمامنا، فالنادلة التي كانت تهتم بطاولتنا شعرت بالحرج لأنها لم تكن تفهم علينا وظنّت أننا نستهزئ بها وقررت ألا تهتم بنا، رغم أن زميلها أكدّ لنا أن دوامها قد انتهى ولكننا علمنا أنها كانت مستاءة منا.
وأثناء تبادلنا الحديث لاحظت هبة شعلة النار تنبثق من بعيد، فقلت لها « أعلم جيدًا أنهم يضيئونها كل ليلة ولكن السائق شكك في معلوماتي».

اليوم الثاني موعد مع المغامرة
صباح اليوم الثاني لنا في ملبورن كنّا على موعد مع مغامرة ذا إيدج في برج أوريكا تاور Eureka Tower
 في الضفة الجنوبية لملبورن وثاني أعلى برج في أوستراليا. كان مدخل البرج مزدحمًا بالزوّار الذين يريدون خوض مغامرة ذا إيدج، خلال37 ثانية وصلنا إلى الطبقة الأخيرة على ارتفاع حوالى 297 مترًا.
تكرر مشهد سيدني تاور والإجراءات نفسها وخاض زملاء الرحلة تجربة ذا إيدج وهي دخول مكعب زجاجي يشبه الصندوق الكبير ليخرج هذا الصندوق من الغرفة الثابتة وتجد نفسك فجأة واقفًا على علو 300 متر يفصل بين أرض ملبورن وفضائها لوح زجاجي.
تجربة تزيد ارتفاع الأدرينالين أما أصحاب القلوب الضعيفة أو الحوامل فالأفضل لهم عدم خوضها. خرج الزملاء من الصندوق الزجاجي مؤكدين لي أنني فوّتُّ علي لحظة رائعة.
عدنا إلى الأرض الثابتة وتوجهنا إلى إستاد الاتحاد الموجود في قلب ملبورن دوكلاند، الذي أصبحت شركة طيران الاتحاد الراعي الرسمي لكل مبارياته والمهرجانات التي تحدث على أرضه. جلنا في أجنحة الإستاد ومن بينها جناح الدرجة الأولى. رغم أن المشهد لا يتغير، فإن تناول وجبة غداء أو عشاء ومشاهدة مباراة وجهًا لوجه فيه من الترف لمن يريد أن يدلّل نفسه، ولا يفكر في سعر البطاقة.

أما نحن فاكتفينا بالجلوس على مقاعد الدرجة الأولى وتأمل الملعب الأخضر الذي يخضع للكثير من التجهيزات والتحضيرات التي لم أكن أتخيلها شخصيًا، فمباراة كرة القدم التي تجرى على أرضه المعشوشبة يتم التحضير لها بطريقة لا تعرقل حركة لاعبي الكرة، فأرضه يجب أن تكون متساوية وتمنع الانزلاق، وأنا التي كنت أفكر أنه يكفي أن تكون مغروسة بالعشب الأخضر... بعد الجولة في أجنحة الإستاد تناولنا الغداء في أحد مطاعمه.

بعد الجولة الرياضية عدنا إلى هواية التسوّق وطلبنا من السائق التوجه إلى شارع كولينز فقد اصطحبنا زميلات الرحلة إلى البوتيك نفسه للتسوّق.
ورغم أنني وهبة قررنا أن نكبح جماح رغبتنا في التسوّق فإننا خضعنا لإغرائه، ولم يوقفنا إلا موعدنا على العشاء في مطعم أتلانتك الموجود في مجمع كراون تاور.

رغم أن زيارتي الثانية لملبورن تغيرت خلالها الأمكنة التي زرتها قبل ست سنوات، فالثابت أنها مدينة تفيض بالحيوية والأناقة.

طلبت من السائق أن نمر بشارع شابل الذي تجوّلت فيه قبل ست سنوات حيث التقيت أناسًا من مختلف جنسيات حوض البحر الأبيض المتوسّط وكأنه شارع كوزموبوليتاني- متوسطي.

لم يتغيّر الشارع فالأبنية التراثية نفسها والتي لا يتعدّى معظمها طبقتين تذكّر هندستها المعمارية ببيوت إسبانيا أو اليونان، لاسيّما الشرفات ذات القناطر المزركشة.

وبعدما اجتزنا الشارع وصلنا إلى مجمع كراون تاور، كنت سعيدة لأننا سنتناول العشاء في أحد مطاعمه، ولأنني كنت أعرفه جيدًا عرضت على زملاء الرحلة معلوماتي لأنني بت فيه خلال الزيارة الماضية، والسؤال الأول الذي طرحته على صاحب الدعوة: «ألن تشعل أعمدة النار المتراصة أمام المجمع» فأكدّ لي الأمر. شجعت زملائي على مراقبة المشهد.
انهالت علينا أطباق ثمار البحر بمختلف أنواعها وأحجامها وأشكالها وكانت لذيذة جدًا إلى درجة أصابتني بالشراهة قبل أن أجعل عقلي يسيطر على القوى الغذائية عندي وآمر معدتي بالتوقف.

في صباح اليوم السادس والأخير لوجودي في أوستراليا ودّعت ملبورن لأحلق نحو مطار سيدني الدولي. مفارقة غريبة... صحيح أن ملبورن لم تدخلني في لعبة العودة بالزمن إلى الوراء كما حدث معي في سيدني، ولكن في المرتين اللتين زرت فيهما أوستراليا تكون ملبورن محطّتي الأخيرة! هل هي مصادفة لا أدري.

ركبنا طائرة تابعة لشركة فيرجين بلو التي أبرمت اتفاق مشاركة بالرمز share-code مع طيران الإتحاد، وسلكنا دروب الفضاء الكوني، لنعود إلى الجزء الآخر من الكرة الأرضية، محلّقين فوق المحيط الهادئ والمحيط الهندي ولنستريح عند الخليج العربي، ونحط رحالنا في البحر الأبيض المتوسط.