بين القاهرة والإسكندرية...

السينما السورية, فندق / فنادق, المهرجان القومي للمسرح المصري, مهرجان الموسيقى العريقة, عادات وتقاليد, شركة صوت القاهرة, سياحة, حميد القصري, مهرجان الإسكندرية السينمائي, نجيب محفوظ, مضيق جبل طارق, ممثلي وسائل الإعلام العالمية العاملة, المتاجر, حي الأه

04 أكتوبر 2011

عندما تلقيت دعوة من هيئة تنشيط السياحة المصرية، شعرت بالحماسة رغم أن كل من حولي أحبط عزيمتي. كيف أسافر إلى القاهرة والاسكندرية معقلي الثورة التي لم تنته تردداتها؟! فالأخبار التي تتداولها وسائل الإعلام تجعل من يقرأها يفكّر ألف مرة قبل اتخاذ قرار السفر. ولكني لم آبه لتحذيرات الزملاء والأقارب، لأني أعرف مسبقًا أن ليس كل ما تسمعه وتقرأه صحيحًا، فنحن في لبنان لدينا تجارب كثيرة، ونعرف كيف تضخم وسائل الإعلام الأحداث مهما كانت تافهة.

خمسة أيام بين القاهرة والإسكندرية في فندق سوفيتيل بفرعيه اللذين يقعان على مسافة خطوات من قلب الثورة، ميدان التحرير في القاهرة، وميدان سعد زغلول في الاسكندرية.
حزمت حقيبتي وتحضرت لتحليق بين فضائي بيروت والقاهرة يستمرّ نحو الساعة. بين مدينتين يجمعهما تاريخ مشترك منذ آلاف السنين.
ففي عهد الفراعنة يقال إن الفرعون نكاو الثاني أراد مد نشاطه البحري والتجاري، فاستعان بالبحارة الفنيقيين وطلب منهم القيام برحلة حول أفريقيا استغرقت ثلاث سنوات من البحر الأحمر إلى رأس رجاء الصالح ثم عادوا عبر مضيق جبل طارق.
ولم يستطع العالم القديم أن يصدق أن الشمس التي تشرق دائمًا من الشمال تشرق أيضًا من يمين البحارة. وفي عصر النهضة كانت مصر ملجأ  المفكرين اللبنانيين الذين هربوا إليها لأنها كانت واحة الحرية التي أفلتت من قبضة الدولة العثمانية، وأسسوا فيها الصحافة الحرة والمسرح والسينما.
حطت الطائرة في مدرج مطار القاهرة الدولي مساء وكانت قاعاته تغص بالمسافرين الذين كانوا ربما مثلي يتوقون إلى لقاء قاهرة المعزّ.
استقبلنا شاب بملامح فرعونية أنا وزميلة الرحلة عفّت، وعمل على إنهاء إجراءات عبورنا، وبعدها سلمنا إلى زميله محمود مرشدنا السياحي الذي يرافقنا طوال مدة وجودنا في القاهرة.
لم تتغير العاصمة المصرية، كنت أتوقع أنه في التاسعة مساء لا زحمة السير، ولكن توقعي لم يكن في محله، فازدحام السير والناس في كل مكان. لفتني احتفال زفاف في إحدى الحدائق العامة الموجودة وسط الأوتوستراد، والحياة تسير بشكل طبيعي والكل سعيد، وكأن شيئًا لم يكن.
وأسقطت المشاهد الأولى التي استقبلتني، كل المقولات والادعاءات أنه لم يعد هناك أمن في القاهرة. إنها عروس النيل التي لا تنام، تغيب الشمس عن وجهها فترفع برقعها مستحضرة «شمساً» فضية من أضواء الكهرباء وأضواء حياتها الليلية لترمي غشاء الفضة اللامع كل ليلة على مياه نيلها الذي يرويها منذ آلاف السنين وترقص على خرير مائه الذي لا ينضب.
عبرنا ميدان التحرير القريب من فندق سوفيتل الجزيرة، وكان يغصّ بالباعة المتجولين يعرضون بضاعتهم ليلاً.
وخدمت عربات باعة الترمس والذرة المشوية الجوالة المتنزهين الذين يمارسون طقوس الفرح والسهر، أما الحناتير فكانت تتبختر على كورنيش النيل، بعضها يركبها عروسان ويلتقطان الصور، وبعضها الآخر يركبها من يهوى التنزه على وقع الخيل الذي يتبختر بأبهة.
دخلت وعفّت الفندق وكان بانتظارنا زملاء الرحلة في مطعم كبابجي أحد مطاعم الفندق يتناولون العشاء. وكان المطعم المستلقي على ضفة النيل يغص بالرواد الذين يتناولون ما لذ وطاب من الطعام.

بعد العشاء توجهنا إلى غرفنا المشرفة على النيل. وقفت على شرفة غرفتي التي بدت لي كأنها تحلق فوق مياه النيل حيث كانت المراكب الشراعية تخترقه بصمت صاخب وبموسيقى شعبية تصدح غير آبهة بعتمة المساء.
أدركت أن القاهرة التي تعرفت عليها قبل خمس سنوات لم تتغير، مدينة تعرف كيف تقهر الزمان مهما جار عليها، وتشبثها بفرح الحياة يكسر كل القيود مهما كانت ثقيلة وأغلالها مُحكمة الإقفال.

اليوم الأول: موعد مع الفراعنة 
استقبلني صباح القاهرة كما مساؤها، بمشاهد النيل الذي لم يتعب من الجريان منذ آلاف السنين، نهر لم يشب ولم يملّ من ري كل من يزوره أو يبحر في مياهه بأخيلة لعالم مصري لا يستطيع أحد فك ألغازه إلا إذا غاص في متاهاته.
نزلت إلى مطعم سو الموجود في الفندق لأتناول فطوري، فاخترت فطورًا مصريًا بامتياز يضم طبق فول بالطحينة والكمون، وطعمية (فلافل).
كل ذلك على ضفاف النيل. قبل الذهاب إلى عالم التاريخ المصري توجهنا إلى دائرة هيئة التنشيط السياحي حيث التقينا رئيسها عمرو العزبي الذي حدثنا عن مهرجان «فوانيس رمضان» الذي حمل شعار «مصر روحها في رمضان».

أما سبب إطلاق هذا الشعار بحسب العزبي فهو أن المصريين على اختلاف طبقاتهم الإجتماعية يستعدّون لرمضان وعلى مدار ثلاثين يومًا يحتفلون بهذا الشهر، و تهدف وزارة السياحة من هذا المهرجان الى تنشيط الحركة السياحية الوافدة الى مصر من الدول العربية وخاصة من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة والكويت والاردن وقطر خلال شهر رمضان و عيد الفطر المبارك، فضلا عن وضع المهرجان على خريطة الاحداث السنوية التي تستهدف تنشيط حركة السياحة الداخلية وإعطاء الشباب من مختلف المجالات فرصة لعرض مواهبهم من خلال أحداث المهرجان المختلفة.
بعد اللقاء استعددنا جميعًا لزيارة الأهرام، وركبنا الحافلة نحو التاريخ لكن العصر أحيانًا يستوقفنا ليؤخرنا رغمًا عنّا فازدحام السير في القاهرة حرق الوقت، لذا قررنا تناول الغداء قبل زيارة الأهرام.
كان غداؤنا في أحد مطاعم مينا هاوس مقدّمة للتاريخ في شكل معاكس، فالفندق كان في الأصل قصرًا للملك اسماعيل يستقبل فيه ضيوفه من مختلف أنحاء العالم.
عند دخولنا شعرنا برهبة التاريخ ورقي أهله، فكل تفصيل في هذا القصر ينطق فنًا تزاوجت فيه الأساليب العربي والتركي والفرعوني والغربي.

الأسقف الخشبية المنقوشة بدقة لا متناهية، والجدران التي غطت بعضها مرايا عملاقة تأطرت بمنمنمات من الخشب والصدف، والأروقة التي تعلو أسقفها أقواس تستريح على أعمدة رخامية، كل شيء في هذا الفندق - القصر، يعبق بتاريخ يسمح لك بتقليب صفحاته من دون ملل.
تناولنا غداءنا في المطعم المشرف على الأهرام والدهشة رفيقتنا. انتهينا من الغداء وتوجهنا إلى مصر الفرعونية. اشترينا بطاقة دخول سمحت لنا بعبور البوابة العصرية التي تفصلنا عن التاريخ الفرعوني الممتد على رمال الصحراء منذ آلاف السنين.
أن ترى الهرم في الصور وعلى شاشة التلفزيون شيء، وأن تكون في حضرته تقف أمامه وتدرك ضخامته وتحاول أن تفهم كيف أمكن تشييده قبل حوالى خمسة آلاف سنة شيء يعجز الإنسان المعاصر عن استيعابه، بل تنتابه الرهبة ويجد نفسه قزمًا أمام مردة التاريخ.
كانت الأهرام حاضرة واقفة تستقبل أزمنة وتودع أخرى، تداعب أخيلة ناس بسطاء وتتحدى عبقرية مهندسين.
حاولنا غوص جوفها لكن وقت السماح بدخول بواطنها واكتشاف أسرار ملوكها الذين أرادوها مسكنهم الأبدي لم يكن متاحًا فاكتفينا بالتجوال بينها سيرًا على الأقدام أحيانًا وفي الحافلة أحيانًا أخرى، إلى أن وصلنا إلى أبي الهول الذي ودعنا بصمته المزمن الذي هو أبلغ من الكلام.
عدنا إلى الفندق بعدما تفنّن تاريخ مصر في إدهاشنا ليعيدنا إلى القاهرة المعاصرة حيث ينتظرنا نوع آخر من أسلوب حياة القاهريين.
مساء توجهنا إلى أحد المراكب النيلية لنتناول العشاء في مطعم تراقصه مياه النيل. بدأ برنامج السهرة بعدما اكتمل عدد روّاد المطعم العائم الذي تحرّك بخفر في مياه النيل.
جذب انتباهنا احتفالان الأول حفلة خطوبة، والثاني طلب للزواج، الأول كان مصريًا والثاني يونانيًا.
بعدما انتهت وصلة الغناء الغربي، بدأت وصلة صوفية لشاب يرتدي اللباس الصوفي راح يدور بتنورته بخفة مذهلة واحتراف عالٍ، بما يجعلك تستغرب كيف يحافظ على الدوائر وينزلها ويرفعها تارة بخصره وأخرى بيديه مما جعلنا نصفق له بحماسة.

بعد الرقص الصوفي كانت وصلة الرقص الشرقي الذي كانت بطلته راقصة أجنبية. رغم كل برنامج المنوعات كان هناك رجل صيني نائم بعمق إلى درجة أنه لم يستيقظ إلا لحظة انتهاء البرنامج، وما كان من زميلي إلا أن التقط له صورة في مواضع اتخذها تلقائيًا أثناء نومه.

أما ريهام مديرة العلاقات الدولية في هيئة التنشيط السياحي فعلقت قائلة: «أرأيتم لكثرة ما يشعر السائح في مصر بأمان ينام حتى في الأماكن العامة دون خوف».

انتهت سهرتنا في المطعم العائم بعدما رسا على ضفة النيل، ولكن القاهرة لم تنته ليلتها الساهرة بل ربما بدأت عند الثانية عشرة موعد نومنا لأننا في اليوم التالي سنسافر إلى الإسكندرية.

إلى الإسكندرية
كثيرًا ما سمعت عن الإسكندرية وكورنيشها وأنها مدينة هادئة مقارنة بالقاهرة، فكانت حماستي كبيرة للقائها.
تركنا القاهرة ونحن مدركون أننا سوف نسير لحوالي الثلاث ساعات ولكننا جميعًا عرفنا كيف نتحايل على الوقت ووهم مسافاته الذي نصنعه، فإما أن يسيطر علينا ويتحالف مع الزمن حتى يصيبنا الملل، أو يكون طريقة نتوسّلها لنغوص في عالم خيالي جميل يُنسينا صخب الواقع.
عند إحدى الاستراحات الموجودة على الطريق السريع بين القاهرة والإسكندرية، تناولنا القهوة وأخذنا قسطًا من الراحة، فمجمع الاستراحة هو عبارة عن مجموعة مقاه وبوتيكات تبيع التذكارات ومتاجر صغيرة لبيع ما يحتاجه المسافر خلال رحلته بين المدينتين.
بعد الاستراحة قررنا التوجه إلى الساحل الشمالي حيث يوجد منتجع بورتو مارينا البحري، وبعد نحو 40 دقيقة وصلنا الى المنتجع الذي يغص بسكانه وضيوفهم، فبورتو مارينا ليس مجمعًا بالمعنى المعتاد، بل نموذج لمدينة بحرية فيها كل وسائل الراحة، إذ يضم شاليهات وفندقاً وبوتيكات بعضها يعرض لدور أزياء عالمية وأخرى للمجوهرات، إضافة إلى سلسلة كبيرة من المقاهي والمطاعم وكلها مفتوحة على البحر الأبيض المتوسط.
كما يضم مرفأ لليخوت. وفي هذا المجمع كل يمارس رياضته البحرية بحسب رغبته، وكأنه مهرجان. أثناء تجوالنا صادفنا عائلة مصرية، فأصرّ ربّ العائلة وزوجته على دعوتنا إلى فنجان قهوة، وبعد نقاش طويل أكدنا له أن الوقت لا يسمح لنا، وربما في المرة المقبلة، خصوصًا أن هند مسؤولة العلاقات العامة في المجّمع في انتظارنا لتعرّفنا إلى أقسام الفندق وأجنحته التي جمعت بين ترف الطبيعة البحرية وابتكار الإنسان في هندسته.

يضم الفندق قاعة رياضية وسبا  حيث  كل منتجات العناية بالبشرة فيه صناعة مصرية مئة في المئة. بعدما تناولنا الغداء في بوتور مارينا، عادت السيارة ودارت بنا نحو الإسكندرية، التي وصلنا إليها مساء، وكان ازدحام سير، فما كان مني إلا أن سألت ممازحة: «هل هي فعلاً أهدأ من القاهرة؟».
فعلى طول الكورنيش كان الناس يتجوّلون، مشهد كورنيش النيل وميدان التحرير يتكرر، كل يغني على ليلاه على شاطئ الإسكندرية، والبحر يتفنن في ضخ هوائه الذي ينعش سكّانه الإسكندرانيين وزوّارهم.
وصلنا إلى فندق سوفيتل سيسل الإسكندرية الذي بني عام 1929 عند ميدان سعد زغلول حيث يعتصم شبان الثورة.
لا يزال الفندق على سيرته الأولى بكل تفاصيله. هنا نزل الملوك والرؤساء والفنانون من كل أنحاء العالم.
استقبلنا مدير الفندق بحفاوة تعكس روح المصريين ووزع علينا مفاتيح غرفنا، فشعرت بأنه أعطاني مفتاح التاريخ الذي سأنام في حضرته.
كانت غرفتي تشرف على البحر وميدان سعد زغلول مما أثار حماستي للتعرف إلى المدينة ليلاً، ولكن النعاس غلبني وغلب حماستي فغططت في نوم عميق لم يوقظني منه سوى زملاء الرحلة يدعونني لمشاهدة برنامج فني ينظمه الفندق في أحد مطاعمه عند الثانية صباحًا.
في البداية اعتقدت أن زملائي يمازحونني، وجاريتهم في الأمر ونزلت من غرفتي. بالفعل لم يكن مزاحًا فالسهرة تبدأ متأخرة، وكان المطعم يغص بالروّاد وتكرر المشهد إذ هناك عائلتان تحتفلان بالخطوبة.
لم ننه البرنامج وقررنا التنزه على الكورنيش وكان لا يزال يغص بالناس وإن كانت حركتهم خجولة. عدنا إلى الفندق لكني لم أستطع النوم فقررت مراقبة لحظة الشروق لأراقب طقوس المدينة الصباحية وهي تغسل وجهها بماء البحر وتجففه بهوائه.
نزلت إلى المطعم لتناول فطوري وكانت عفت قد سبقتني، وقررنا أن نتجول في المدينة، فتوجهنا إلى الصيدلية حيث اشترت دواء للزكام ودخلنا الشوارع الفرعية وكانت هادئة، فيوم الجمعة يستعد الاسكندرانيون لصلاة الجمعة جماعة، وبعد الصلاة تفتح المتاجر أبوابها.
عادت عفت إلى الفندق أما أنا فأردت أن أتعرّف إلى المدينة عن كثب، وقررت الجلوس في أحد المقاهي الموجودة على الكورنيش حيث كان يوجد مجموعة من الشبان والشبات بدا عليهم أنهم شبان الثورة، فكل واحد منهم يحمل كمبيوتره المحمول لينشروا أخبار الاعتصام عبر التويتر والفيس بوك، مما أثار فضولي وبدأت التحدث إليهم، وجرى حوار بيننا استمر حوالي الساعة.
هؤلاء الشبان والشابات طلاب جامعات متعددو الاختصاصات يجمعهم الأمل في أن يعيشوا في وطن يحميهم ويوفر لهم العدالة الاجتماعية ويحترم حقوقهم ويحفظ كرامتهم، كما كل شباب العرب.
تركت شبان الثورة وشاباتها وعدت إلى الفندق، وبعدما أدى محمود ومتولي صلاة الجمعة، توجهنا لتناول الغداء في مطعم فيش ماركت.
قررت أن أسير إليه بينما فضّل الزملاء ركوب الحافلة. وفي الطريق إلى المطعم صادفت مجموعة صيادين يجرون حبلاً علّقت به شبكة صيد عملاقة رميت في قاع البحر، إنه صيد الجاروفة.
وصلت إلى المطعم  الذي يبدو أنه يستضيف مشاهير العالم وأيضًا الملوك والرؤساء الذين علّقت صورهم عند مدخله الرئيسي، مما يشير إلى أن الأطباق ستكون شهية.
بعد الغداء كان القرار أن نمر بأحد المجمعات التجارية للتسوّق ثم نكمل نحو قصر المنتزه ولكن دائمًا إزدحام السير كان عدوّنا الوحيد في مصر، وبعد ساعات وصلنا إلى المركز التجاري الذي يضم بوتيكات وسلسلة مطاعم، وتناولنا القهوة في أحدها إلى أن أسدل الليل ستاره وعدنا لنتوجه نحو قلعة قايتباي التاريخية حيث فوجئت بحشود الناس البسطاء الذين اتخذوا من رصيف القلعة البحري متنزهًا ليمضوا لياليهم الساهرة وسط البحر.
هنا في هذا المكان تشعر بأنك في مهرجان لا تنطفئ أنواره. في حضور القلعة التاريخية فرشت البسط التي يبيع أصحابها التذكارات، تجاورها عربات الذرة المشوية واللب، ورصفت على طول الرصيف البحري الطاولات والكراسي التي ضجت بالإسكندرانيين.
انتهت ليلتنا الأخيرة في الاسكندرية بصور متحركة لمدينة ساحلية لا تنطفئ فيها الأنوار ولا تمل حركتها مثل موج البحر الذي يزنّرها.
في صباح اليوم الرابع عدنا إلى القاهرة التي كان ينتظرنا فيها خان الخليلي حيث تناولنا الغداء في مطعم نجيب محفوظ.
غصنا في جوف المطعم وكأن بي أغوص في عالم تاريخ مفكّري مصر وأدبائها، وقد فاجأني المطعم بهندسته الداخلية التي تعكس الأسلوب المصري بكل تفاصيله الجميلة والحميمة.
عند المساء كنّا على موعد افتتاح مهرجان «فوانيس رمضان» في حديقة الجزيرة القريبة من الفندق والمستلقية على إحدى ضفاف النيل. بدأ المهرجان بإنشاد صوفي رافقه رقص صوفي لحوالي الساعة، ثم بدأت الألعاب النارية والمفرقعات تعلن افتتاح المهرجان. كانت الحديقة تغص بالناس الذين بدت عليهم السعادة العارمة لاستقبال شهر رمضان.
بعد الافتتاح توجهنا إلى خان الخليلي الذي كان يضج بالناس والمتسوقين والسياح، وكأن شيئًا لم يكن، إلى درجة أنك لا تجد لقدميك موطئًا لكثرة الازدحام.
وعلى الطريقة المصرية جلسنا في قهوة الفيشاوي لتناول الشاي بالنعناع، يمر بك أثناء ذلك الباعة المتجولون يعرضون عليك بضاعتهم، هنا يمكنك أن تمارس فن المساومة على السعر وغالبًا ما يفوز الزبون.
تركنا خان الخليلي في ذروة سهرته عند الأولى صباحًا فشعرنا بغصة لأننا سننام والكل يسهر في القاهرة.
صباحًا ودعّت القاهرة، هذه المدينة التي تقهر الزمان وأحداثه وتعرف دائمًا كيف تدخلك في متاهات الفرح والسهر، لتعطيك جرعة سحر من نيلها، فتستحضر منها صورًا لمدينة تجمع كل التناقضات بفوضى فريدة من نوعها لن تتعرف إليها إلا في القاهرة.