ثقافة وموسيقى ودموع... هي عناوين الدورة الخامسة من “أيام قرطاج الموسيقية” صابر الرباعي مكرماً... وروح حسن الدهماني الحاضرة الغائبة

كارولين بزي - تونس 28 أكتوبر 2018

في تونس الخضراء، المدينة المحاطة بعبق التاريخ، في تلك المدينة المرتبطة بقرطاج التي ما إن تسمع اسمها حتى يتبادر إلى ذهنك ذاك المسرح العريق الذي وقف عليه عمالقة الفن والإبداع. في تلك المدينة من الصعب أن تجد من لا يفقه الثقافة الموسيقية، من يغوص في بحرها الفني ويغرق في طبيعتها الخلابة التي تزود ضيوفها بالطاقة والفن والموسيقى.


على مدى ثمانية أيام، استضافت المدينة الثقافية في العاصمة التونسية “أيام قرطاج الموسيقية” بدورتها الخامسة، تحت إدارة الفنان والعازف التونسي أشرف الشرقي، والذي يُرجح أن يتم تعيينه مديراً للدورة السادسة للمهرجان. أما عرّاب الدورة الخامسة فهو “أمير الطرب” صابر الرباعي، ذلك الفنان الذي غرست فيه تونس العمق الثقافي للموسيقى، وزرعت فيه حب الوطن والإنسان واحترام الآخر، فورث من مياه تونس التي تحيط بالمدينة السلاسة والبساطة، ومن متاحفها وقلاعها العراقة والعطاء والتضحية...

تضم المدينة الثقافية داراً للأوبرا وقاعات متعددة وحّدت العالم باسم الموسيقى التي لا تملك هوية ولا جنسية، وعمادها أنامل تلتقط الأوتار لتأسر الجمهور وتصطحبه إلى عالم من الحب والخيال والانفعال والثقافة والفن.

موسيقى عالمية

أمسيات موسيقية متنوعة أحياها فنانون من مختلف دول العالم، عزفوا على آلات موسيقية اخترقت أحاسيس الجمهور وطرقت أبواب ثقافات عدة... فحضر الفنان التركي مراد ساكاري الذي عزف على كمنجته موسيقى الفرح والحب من التركي إلى العربي ليُطرب كل من سمعه. أما العود فكانت عروضه متعددة، وحضر الفنان العراقي عمر بشير الذي أهدى العراق مقطوعاته الفنية التي عزفها.

كما أبدع الفنان التونسي جمال قلة بالمقطوعات الموسيقية التي أداها عزفاً وغناءً، وأبرزها “طير برني”، ضمن فقرة “كلمات والفن الملتزم”، التي تنوعت بين الشعر والغناء، وكانت مشاركة قيّمة لمجموعة البحث الموسيقي التي أدت عدداً من الأغنيات السياسية والوطنية، منها “يا تونس الحرّة”، “يا حجل”، ومقطوعة الشيخ إمام “شيّد قصورك”، التي تفاعل معها الجمهور التونسي والعربي الذي غصّت به مدرّجات القاعة.

طارق العربي طرقان

وفي الأوبرا في المدينة الثقافية التي تضم 1800 مقعد، أحيا طارق العربي طرقان وأولاده حفلين وصل صدى أصوات الجمهور فيهما إلى قلب العاصمة التونسية، فحضر الجمهور من مختلف الفئات العمرية ليؤدّوا مع الفرقة أغنيات تربّوا عليها في طفولتهم، مع أفلام ومسلسلات الكرتون، التي تؤدي عائلة طرقان أغنيات الجنيريك الخاصة بها، من “كابتن ماجد”، إلى “ماوكلي” وهي أول أغنية في مسيرة طرقان الفنية، “سلاحف النينجا” وغيرها الكثير من الأغنيات التي ترسخت في ذاكرتنا، لما تحمله من حِكم وعِبر.

عاش طارق العربي طرقان مع والدته بعد انفصال والديه، وهو من أب جزائري وأم سورية، أنجب من زوجته أولاده تالا وديما ومحمد الذين يغنّون معه منذ صغرهم. واللافت أننا لم نكن نتوقع لكل أغنية من أغنيات جنيريك أفلام الكرتون أن ترافقها أوركسترا تضم نحو خمسين عازفاً، هذه الفرقة التي حضرت على مسرح الأوبرا في تونس وعزفت خلف طارق وعائلته.

يُذكر أن عائدات الليلة الثانية التي أحياها طارق العربي طرقان خُصصت لمتضرري الفيضانات الأخيرة في ولاية نابل التونسية.

وبعيداً من الطرب، كان لموسيقى الهيب هوب حضور قوي، وللاعبي الموسيقى الالكترونية أمسية خاصة في الهواء الطلق، فحضر الـ”دي جي” الفرنسي الشهير دافيد فانديتا إحدى ليالي المهرجان ليعزف أقوى أنواع الموسيقى الالكترونية.

الدهماني الغائب الحاضر

وبعد صولات وجولات من الفن والموسيقى والفرح، كان الوداع مؤلماً في حفل الختام الذي استُهل بالنشيد الوطني التونسي ثم بالمقطوعة الموسيقية “الغياب”، تلك المقطوعة التي عزفتها الأوركسترا بقيادة المايسترو عبدالرحمن العيادي، والمُهداة الى روح الفنان التونسي الراحل حسن الدهماني الذي لاقى حتفه في الثلاثين من شهر آب/أغسطس الماضي إثر تعرضه لحادث سير وهو في طريقه لإحياء حفل موسيقي. وقد خُصصت الليلة الأخيرة من المهرجان لروح حسن الدهماني، فكان الغائب الحاضر بصوره وصوته وروحه ومحبيه.

كما أدى عدد من الفنانين التونسيين أغنيات مشهورة للدهماني، وفي ختام السهرة قدّم “الجليدي العويني” شعراً للفقيد، أدته غناءً نجمة “ذا فويس” صفاء سعد، والأغنية بعنوان “أبو الحسن” إلا أن صفاء لم تتمالك نفسها فذرفت دموعاً على فقدان الفنان التونسي في حضور أفراد عائلته.

وحضر الحفل أيضاً عرّاب المهرجان “أمير الطرب” النجم التونسي صابر الرباعي، وقدمت له إدارة المهرجان درعاً تكريمية.

كما تخللت أيام قرطاج الموسيقية مسابقات فنية متنوعة، ووُزعت الجوائز على الفائزين في ختام الليلة الأخيرة.