تواطؤ رباعي وراء انتشاره ومحاولة جديدة لمواجهته: كابوس اسمه: زواج القاصرات

القاهرة - أحمد جمال 03 نوفمبر 2018

رغم الجهود التي تبذلها مصر للتصدي لـ”زواج القاصرات”، إلا أن هذه الظاهرة تزداد انتشاراً في ظل تواطؤ رباعي أطرافه، الأب والأم والزوج والمأذون، مما دفع النائبة مارغريت عازار، وكيل لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب المصري لإعداد مقترح قانون يقضي بتشديد العقوبة على هذا الرباعي المتواطئ، بل ورفع سنّ الزواج من 18 إلى 21 عاماً، وهو ما أثار جدلاً واسعاً، فما هي ردود الفعل على مشروع القانون المقترح هذا؟ وكيف يمكن مواجهة كابوس زواج القاصرات؟


في البداية، تقول النائبة البرلمانية مارغريت عازار: “زواج القاصرات يaقضي على المجتمع ككل، وليس على المرأة وحدها، لأن المرأة هي نواة الأسرة التي تشكل بدورها نواة المجتمع، وهناك من يقول إن الزواج كان يُعقد قديماً في عمر 13 أو 14 سنة من دون أن تعترضه أي مشكلات، لكنني أؤكد لهؤلاء أن الزمن تغير وكذلك الظروف، فجدّاتنا اللواتي تزوّجن في سنّ صغيرة لم يدخلن المدارس ولم يتحمّلن مسؤولية، لأن هناك من يتحمّل المسؤولية عنهن، لذا أرى أن جدّاتنا تحمّلن نصف المسؤولية الملقاة على عاتق النساء في أيامنا هذه”.

وتضيف مارغريت: “اليوم، وفي ظل التطور الحاصل في العالم أجمع، نجد أن زواج القاصرات يحرم الفتاة من متابعة تحصيلها العلمي. حتى وإن تزوجت في سن الـ18، فإنها تُحرم من دخول الجامعة، ولذلك أصررت في مشروع القانون الذي اقترحته على المطالبة برفع سنّ الزواج إلى 21 عاماً، كي تتمكن الفتاة من استكمال دراستها الجامعية، إلى جانب أنها تصبح أكثر نضجاً في هذه السنّ”.

وتعجب مارغريت لبعض ردود الفعل غير المنطقية قائلةً: “للأسف، هناك زميل في البرلمان اقترح أن تكون سنّ زواج الفتاة 16 عاماً بدلاً من 18، فالفتاة في هذه السنّ لا تختار الزوج بل يُفرض عليها، ولهذا تقدّمت بمشروع قانون أطالب فيه برفع سنّ الزواج إلى 21 عاماً، لأنها في رأيي السنّ المنطقية للزواج، إذ تخوّل الفتاة تكوين أسرة وتنشئة أجيال واعدة”. وتشير مارغريت إلى أنها اقترحت في القانون أيضاً، تجريم كل من يشارك أو يساهم في زواج القاصرات، لما له من آثار سلبية على المرأة والمجتمع، ولاندراجه ضمن قضايا العنف ضد المرأة، بحيث تصل عقوبة والد الفتاة وأمها وزوجها والمأذون القائم بعقد القران الى السجن لمدة 7 سنوات على الأقل، و10 سنوات على الأكثر، وقضية مثل هذه لا تحتاج إلى توعية فحسب، بل يجب عدم السكوت عليها، لأنها أصبحت ظاهرة متفشية في المجتمع، ولا بد من سنّ قوانين صارمة تردع كل من يساهم في انتشارها.

وتلفت مارغريت الى “أن هناك أسراً مصرية ترى الزواج “ستراً” للفتاة، وهي لذلك تعجّل فيه، فالزواج ليس “ستراً” فقط، بل هو شراكة بين طرفين يتّسمان بالوعي والنضج ويسعيان لاستمرار زواجهما، فهذا هو الستر الحقيقي في رأيي”.

وتنهي مارغريت كلامها مؤكدةً: “يؤسفني القول إن أكبر نِسب للطلاق في البيوت المصرية تحدث في السنة الأولى من الزواج، فما الفائدة من تزويج الفتاة وهي بعدُ في سنّ صغيرة لتدخل من ثم في عِداد المطلقات وتبدأ معاناة جديدة! لقد تقدّمت بهذا القانون وأنا متأكدة من أنه سيواجه الكثير من العقبات قبل تنفيذه، لكن الأهم هو طرح القضية لتُناقش في المجتمع، وكي يعيد الأهل حساباتهم ويجعلوا مصلحة بناتهم فوق أي اعتبار”.

التصدي للظاهرة

تؤيد الدكتورة رانيا يحيى، الأستاذة في أكاديمية الفنون وعضو المجلس القومي للمرأة، مشروع القانون المقترح، مؤكدةً أن تزويج القاصرات عملاً بمبدأ “الستر” هو ثقافة مجتمعية خاطئة، رغم انتشار هذه الظاهرة في القرى والأرياف. وتترتب عن زواج القاصرات نتائج كارثية، كالحرمان من التعليم، والهبوط الحاد في مؤشر الصحة الإنجابية لدى الفتيات لصغر سنّهن، فالزوجة هنا لا تزال طفلة تنجب أطفالاً... وهذا يعني أن أطفالاً يربّون أطفالاً، فبتزويج القاصر وتحميلها مسؤولية الزواج وتبعاته، نقتل براءة الطفولة في داخلها، وهذا يؤدي الى مشكلات كبيرة في المجتمع المصري.

وتطالب الدكتورة رانيا بتجريم الزواج ما قبل 18 سنة، لأن القانون الحالي لا يجرّم هذا الفعل الظالم، والعقوبة لا تزال ضعيفة وأحياناً تكون غائبة، ولهذا لا بد من معاقبة الآباء والأمهات الذين يزوّجون بناتهم قبل السنّ القانونية، من طريق الزواج العرفي الذي لا يوثّق في الدوائر الحكومية قبل بلوغ الزوجين السنّ القانونية، لذا لا بد من تشريع قانون يقضي بعدم إسقاط القضية بالتقادم... فالفتاة التي زوّجت في سنّ الـ 14 وأنجبت في سنّ الـ 16 وطُلِّقت أو أصبحت أرملة في عمر الـ 20 واضطرت لإعالة أطفالها في هذه السنّ، من الذي جنى عليها، ومن الذي يمكن أن يحاسبه القانون، الأب، الأم أم المأذون الذي زوّجها؟ فللأسف القانون ليس واضحاً، ولهذا يجب أن نتعامل مع زواج القاصرات بصفته قضية مجتمعية، لئلا يصبح الوضع كارثياً.

وتنهي الدكتورة رانيا كلامها موضحةً أن هناك طرقاً عدة أخرى يمكن من خلالها التصدّي لظاهرة زواج القاصرات، وأهمها وسائل الإعلام والتثقيف والتعليم المختلفة، ودورها في “الإقناع الناعم” قبل سيف القانون، لأن هذه أسهل الطرق للوصول الى أفراد المجتمع وأكثرها تأثيراً فيهم، إلى جانب عرض تجارب ناجحة لفتيات أكملن تعليمهن وتزوّجن في السنّ المناسبة، ومقارنتها بتجارب من تزوجن مبكراً، مع ضرورة التشدّد في عقوبة التسرّب من المدارس، والتي تساوي حالياً 10 جنيهات فقط! ونشر الوعي الثقافي والديني من خلال الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني، لضمان حق الفتيات في اختيار حياتهن ورسم مستقبلهن.

حكم بالإعدام

تصف الدكتورة إقبال السمالوطي، رئيس جمعية “حواء المستقبل”، زواج القاصرات بأنه حكم بالإعدام على “براءة الطفلة الصغيرة ومستقبلها”، مهما كانت مبررات أهل الفتاة التي تتزوج بدون وعي أو نضج جسدي أو عقلي، وفجأة تجد نفسها مسؤولة عن زوج وأطفال، بل وأحياناً تعيش الزوجة القاصر في “بيت العائلة” في الأرياف، فيكون مصير زواجها الفشل المحتّم، وتدفع وحدها الثمن، وفي هذه الحال يكون الأب والأم أول الجُناة الذين يجب التصدي لهما بالوعي أولاً، وإذا أصرّا على قتل ابنتهما معنوياً وجسدياً فيجب معاقبتهما قانونياً.

وتشير الدكتورة السمالوطي إلى تأييدها العقوبة القانونية وتحفظها على رفع سن الزواج إلى 21 سنة، لأن ظروف الأسر تختلف، وليس كل البنات قادرات على مواصلة تعليمهن الجامعي إذا كان هذا هو المبرر لتأخير سن الزواج إلى 21 سنة، ولهذا فإن سنّ الـ 18 حالياً مناسبة إلى حد كبير، وعليها شبه إجماع.

وتختتم الدكتورة السمالوطي كلامها مؤكدةً أن الأصل في الزواج بناء أسرة مستقرة على أساس صحيح، مع احترام رغبة البنت ونضجها الجسدي والعقلي حتى تستطيع تحمّل المسؤولية بنجاح، بدلاً من تعذيبها في زيجة فاشلة تجعلها عُرضة للعقد النفسية والنفور الاجتماعي، لأن مجتمعاتنا العربية غالباً ما تحمّل المطلّقة السبب الرئيس للطلاق، حتى لو تم تزويجها وهي بعد قاصر لا تستطيع تدبير أمورها الشخصية، فإذا بالمجتمع يطالبها بأن تكون مسؤولة عن زوج وأولاد وعائلة أحياناً، فهذا النوع من الزواج هو اغتيال للطفولة، واغتيال لحقّ المرأة في اختيار حياتها التي تنص عليها الشرائع السماوية التي تغلّب مصلحة البنت على التقاليد البالية والمصالح المادية.

مخاطر

أما الدكتور أحمد زايد، أستاذ الاجتماع في جامعة القاهرة وعضو المجلس القومي للمرأة، فيحضّ على ضرورة تكاتف كل منظمات المجتمع المدني وتشاركها في تنمية الوعي لدى الأسر بأهمية الحفاظ على براءة طفولة بناتهم، وألاّ يلقوا بهن إلى التهلكة باسم الزواج الذي تحيط به المخاطر وتكون عواقبه سلبية مقابل إيجابياته الضئيلة، ذلك أن هذا النوع من الزواج بمثابة قنبلة موقوتة تنفجر في وجه البنت الصغيرة، وقد تطاول شظاياها عائلة الفتاة إذا تطلّقت الأخيرة وكانت حاضنة. ويوضح الدكتور زايد أنه رغم “الذكورة” التي تغلب على مجتمعاتنا العربية، لكن تظل الكلمة الفصل في كثير من الأسر للأمهات، ومن هنا ضرورة توعيتهن وتثقيفهن بكل الوسائل، سواء باللقاء المباشر وهو الأكثر تأثيراً، أو من طريق وسائل الإعلام، حيث يجب تكثيف الحملات لإظهار الآثار المترتبة عن هذه الجريمة التي تُرتكب تحت مسمّى “الزواج”، وهو في الواقع اغتيال معنوي مع سبق الإصرار والترصّد، ولهذا يجب أن يكون سيف القانون رادعاً لكل من ساهم في ارتكاب هذه الجريمة أو شارك فيها.

ثغرات قانونية

تشير الناشطة الحقوقية نهاد أبو القمصان، رئيس المركز المصري لحقوق المرأة، إلى أن زواج القاصرات يعتبر من أكثر الأفعال التي من الممكن أن تضيّع حقوق الفتيات في مصر، سواء كانت حقوقاً شرعية أو قانونية أو حتى اجتماعية، لأن الفتاة التي تتزوج وتنجب قبل بلوغها السنّ القانونية، لا يكون هناك دليل على زواجها من الأساس حتى تنجب، وبالتالي فلا حقوق لها عند زوجها، ذلك أن لا مادة واضحة في القانون تمنع زواج القاصرات أو تجرّمه، باستثناء تحديد القانون سنّ الزواج بـ18 عاماً فقط وعدم تضمّنه عقاباً لمن يخالف هذا الأمر.

وتشير أبو القمصان الى أن مجاراة القانون للوضع الحالي تندرج أحياناً تحت بند التزوير في الدوائر الرسمية، أو تعدّ ضرباً من ضروب النصب والاحتيال إذا تعرّضت الفتاة لمشكلة نتيجة هذا الزواج، وفي هذه الحالة يُعاقب المأذون أو والد الفتاة، لكن على أساس تهمة فرعية لا أصلية، وهي تزويج قاصر.

وتؤيد أبو القمصان مشروع القانون هذا، بأن تكون عقوبة والدَيّ الطفلة والمأذون السجن سبع سنوات في حال ثبوت ارتكابهم هذه الجريمة، فضلاً عن معاقبة الزوج الذي خالف القانون بإتمامه صفقة مخالفة لنصوص القانون تحت مسمّى زواج القاصرات، وذلك بلجوئه الى أي نوع من أنواع التزوير للتحايل على المأذون وحضّه على الموافقة على عقد القران، وبالتالي معاقبة المأذون نفسه على كتابته بيانات كاذبة يُفتضح أمرها عند توثيق عقد الزواج في الدوائر الحكومية

وضع كارثي

تشير سولاف درويش، عضو مجلس النواب المصري، الى أن لا إحصاءات رسمية وموثّقة عن نِسب زواج القاصرات، باستثناء إحصائية تؤكد أن هناك أكثر من 111 ألف فتاة تزوّجن قبل بلوغهن السنّ القانونية، وهذا أمر مخيف وكارثي.

وتضيف سولاف: “نؤيد كل مقترح قانون يتقدّم به أي عضو في البرلمان، وينص على معاقبة كل من شارك في تزويج فتاة قاصر بالسجن ودفع غرامة، لأنه يرتكب جريمة في حق طفلة لا تعرف مصلحتها، كذلك يجب على المحيطين بها كالأب والأم والمأذون حمايتها برفض تزويجها”.

وتختتم سولاف درويش كلامها مطالبةً بأن تطاول العقوبة الرادعة بالسجن والغرامة كلاً من الزوج، باعتباره طرفاً رئيساً في القضية، وأي شخص شارك في هذا الفعل الجرمي بتسهيل الطرق الاحتيالية، ولهذا يجب أن تأخذ قضية زواج القاصرات حجمها الحقيقي كأكثر القضايا الشائكة التي تتعرض لها المرأة في المجتمع.

السجن

يؤكد الدكتور محمد الشيخ، مدير مركز الإرشاد النفسي في جامعة الفيوم، أن زواج القاصرات يبدأ في بعض البيئات من سنّ 12 عاماً، وللأسف لتبرير هذه الجريمة يتم الاستناد إلى نصوص دينية مغلوطة، مما يدمّر الفتاة نفسياً، وقد تصاب بـ”عقدة نفسية” فتكره الزواج بعد العذاب النفسي الذي عاشته بدون رغبتها، فتكون كمن أُدخل السجن ظلماً، ويتضاعف الأثر السلبي في نفسها، فما بالنا إذا كان السجّان الأم أو الأب! ويؤيد الدكتور الشيخ إنزال العقوبة المشدّدة في كل من شارك في جريمة “زواج القاصرات”، إلا أنه يتحفظ بعض الشيء على رفع سن الزواج إلى 21 سنة، لأننا نسعى اليوم لرفع سنّ الزواج المعمول به حالياً، ونجد معاناة، فكيف الحال إذا طالبنا برفعه الى 21 عاماً! فبذلك نكون كمن يحاول علاج مشكلة واحدة بخلق مشكلات جديدة، خاصة أن البيئات العربية تختلف بين دولة وأخرى، وأن لكل أسرة ظروفها الخاصة والتركيبة النفسية لأفرادها، والعادات والتقاليد التي تحكمها، مثلاً هناك عائلات في الأرياف ترى أن الفتاة إذا لم تتزوج قبل سن الـ20 عاماً فهي أصبحت عانساً، وأسر ترغب في التخلص من مسؤولية البنت بتزويجها.