انهم يستمرون في تزويج القاصرات

تحقيق, طلاق, تزويج القاصرات, د. صفاء مصطفى كامل, د. عصام الحميدان, المملكة العربية السعودية, الطب الشرعي, عقد نكاح, سرطان عنق الرحم, وأد الأنثى , خطورة, فتاة سعودية / فتيات

19 مايو 2009

في القرن الحادي والعشرين، رأى بعض الآباء أن يستثمروا بناتهم في تجارة مربحة، عنوانها الظاهر ستر الفتاة بتزويجها في سن مبكرة «جداً»، والباطن، وأد حياة البنت ومستقبلها، في زيجة يقبض الأب ثمنها، في حضور مدعوين ومأذون ومأدبة عشاء، يتبعها ما لا تُحمد عقباه... بعدما كانت في الماضي ولادة الفتاة أمراً محزناً، يؤدي إلى وأدها، صار بعض الآباء يفرح بولادة الفتاة وتحويلها إلى مشروع استثماري. يزوّج بناته منذ بلوغهن لمن يقدم له مبلغاً يشبع رغبته المالية. ومن بين سبع فتيات لأحد الآباء كانت الضحية الكبرى خلود التي تزوجت ثلاث مرات وطلقت مرتين وهي لم تبلغ السادسة عشرة!

تزوجت خلود من زوجها السبعيني الأول عام 2004 كزوجة ثالثة، ولم يستمر زواجها سوى ثمانية أشهر. تقول: «زوجني والدي وأنا لم أكمل 12 عاماً، حيث عقد قراني من غير علمي ولم يأخذ  موافقتي كما في الشرع، وكان ذلك مقابل 150ألف ريال سعودي».

انتشلت خلود من بين أخواتها وهي منهمكة في اللعب معهن، إلى بيت زوجها وهي ترى أمها واقفة خلفها ودموعها تنهمر ولكن لاحول لها ولا قوة... «ذهبت مع والدي وأنا لا علم لي بموضوع الزواج، ولكن علمت أن هناك أمراً غريباً يحدث وذلك من دموع والدتي وهي تتوسل والدي وتقول له «البنت صغيرة حرام عليك». عندما وصلنا الى باب منزل زوجي أخبرني والدي بأنه زوجني. وأتى رجل عجوز يتكئ على عصا وأدخلني الى المنزل وأنا مليئة بالخوف والرعب. إستقبلتني زوجاته وبدأن تحضير العشاء وتزييني وكان ذلك بمثابة حفلة الزفاف».

كانت خلود تؤانس وحدتها باللعب مع أحفاد زوجها الذين هم في مثل سنها علماً ان عدد أحفاده 24 حفيداً، ولكن لم يستمر لعبها طويلاً اذ خططت لها زوجته الأولى للهرب منه وكان ذلك تعاطفاً لصغر سنها، وتقول: «استأذنته لزيارة أهلي وأعطاني الموافقة، مع العلم أنها كانت الزيارة الثانية  لأهلي منذ زواجي، فكان دائم الرفض لزيارتي لأهلي. وبعدها رفضت العودة اليه وكان ذلك بناء على خطة الزوجة الأولى. تحدثت مع والدتي هاتفياً وأخبرتها باني مازلت بكراً، وذلك لعدم مقدرته الجسدية. ففرحت والدتي كثيراً لما سمعت وأخبرت والدي مما دعا والدي الى مطالبته بطلاقي، ولم يتأخر في إحضار ورقة الطلاق».

ولكن لم تستمر فرحة الأم وابنتها طويلاً اذ أتى عرض آخر لوالد خلود وذلك بعد تسعة أشهر على طلاقها. قدم العريس السبعيني الثاني ثلاثة جمال و70 ألف ريال سعودي. كان عرضاً مغرياً لوالدها لم يستطع مقاومته، فرمى ابنته من جديد بين يدي رجل متهالك. وتتحدث خلود عن زواجها الثاني قائلة: «في هذا الزواج لبست فستان الزفاف الأبيض، وكان هناك احتفال بسيط ومدعوون، ولكن كنت الزوجة الرابعة. استمر زواجي معه لمدة عام ونصف عام وطلقني بإرادته بعد سقوطه في فراش المرض وإصابته بسرطان الرئة».

ما بين فرحة العودة الى حضن والدتها والحزن على طليقها الذي وقع فريسة للمرض طرق الزواج بابها للمرة الثالثة، ولكن هذه المرة كانت أحسن حظا مما سبق وكان العرض من رجل في العقد الخامس وزوجة ثانية مهرها 70 ألف ريال... «أعطاني والدي هذه المرة 20 ألف ريال لتجهيز نفسي، وأنزلني إلى السوق للتبضع وكان ذلك بناء على طلب العريس عندما قال لوالدي «دفعت هذا المبلغ لأرى ملابس جميلة عليها».

ولكن لم تستمر فرحتها طويلاً اذ أتى والدها إلى منزلها بعد ثلاثة أشهر من زواجها وأخذها إلى منزله وذلك بعد ذهاب زوجها للعمل. تقول: «فتح زوجي لي منزلاً مستقلاً عن زوجته الأولى وأكمل أثاثه ولم ينقصني شيء، ولا أعلم لماذا أخذني والدي؟ هل لأني سعيدة؟ هل السعادة كثيرة ولا أستحقها؟». وتتوقف عن الحديث قليلاً ومشاعرها ممتزجة مابين الخوف من والدها وقراراته الصارمة ومابين المحبة التي تكنها لزوجها والرغبة في العودة إليه، وتكمل: «أتى زوجي من عمله ولم يجدني في منزله، فأتى على الفور إلى منزل والدي وهو غاضب لأني لم أخبره أني سوف أذهب الى منزل أهلي. وكانت الصدمة العظمى لديه عندما صرخ في وجهي والدي أمامه ونهرني «انصرفي للداخل»، وقال له والدي «لا يوجد لك زوجة في منزلي»، فسأل لماذا؟ ماذا بدر مني وأغضبك؟ فقال له والدي: «من غير أسباب وأعطني ورقة البنت». غادر المنزل وفي المساء حضرت أخت زوجي لتستفسر عما حدث وإن كنت أنا غاضبة أم أن هناك أسباباً أخرى».

كان الموضوع مرة جديدة مالياً، واتضح ذلك عندما أتى زوج خلود ومعه شيخ قبيلته وبعض الرجال ممن لهم كلمة في قبيلته ليحلوا هذه المسألة ويعيدوا الفتاة الى زوجها، وعرضوا على الوالد مبلغاً من المال لإعادتها إلا أنه سكت وقال لهم سأنظر في الموضوع.

تقول خلود: «لن يعيدني والدي حتى يدفع زوجي مبلغاً أكبر، وهذا ما يريده والدي من البداية. كان يريد تطليقي منه لكي يبيعني للمرة الرابعة ويحصل على المال، لكن عرض المبلغ عليه أوقفه عن تطليقي».

أم الثمانية

ليست خلود الوحيدة التي تواجه قسوة الحياة، فهناك أيضاً منيرة ابنة ال 26 عاماً ووالدة الأطفال الثمانية. تروي قصتها فتقول: «زوجني والدي وأنا في عامي الثامن من رجل أربعيني لديه زوجة و11 طفلا. أخذني إلى منزله، ولصغر سني كنت ألعب طوال النهار مع أبنائه وفي الليل أنام بينهم. لا أذكر سوى أن والدتي كانت تأتي لزيارتي من حين الى  آخر. وبقيت على هذا الحال حتى فترة بلوغي وكنت حينها في عامي الثاني عشر. وبعدها استقليت في نومي عن أبنائه».

أنجبت ابنها الأكبر في الثالثة عشرة، وكانت زوجته الأولى تساعدها في الطفل الأول. «لم أكن أعرف كيف أتعامل معه وكنت أخاف من حمله بين ذراعي، وفي الليل كانت تأخذه للنوم معها لأني لا أستيقظ على بكائه». 

رأي الشرع: يجوز تزويج الفتاة القاصرة في حالات محددة

يقول أستاذ الشريعة المساعد في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور عصام الحميدان، إن استقرار الأسرة من أهم أهداف الإسلام من الزواج، ولذا كره الطلاق من غير بأس. «وإن زواج المرأة من غير رضاها يعرض الأسرة للانفصال أيضاً، ولذا اشترط الشارع رضا الزوجة في زواجها ليحقق ذلك استقرار الأسرة وديمومتها. كما أسند قوله بقول الشيخ ابن عثيمين: الراجح أن الأب لا يزوج ابنته حتى تبلغ، وإذا بلغت فلا يزوجها إلا برضاها».

ويقول الحميدان «إذا زوِّجت المرأة من غير رضاها فتكون نتيجة ذلك المشاكل المتكررة، ونظراً الى أن البنت الصغيرة لا تحسن الاختيار المدروس لأمر خطير كالزواج، فليس من الدين إجبارها على ما يعارض مقاصد الشرع، وهو الزواج المكروه لها الذي يحمل علامات فشله منذ البداية».

ويؤكد أن الآباء أصحاب الجشع هم الذين يزوجون بناتهم لإرضاء نفوسهم الدنيئة التي لاتفكر إلا في مصلحتها، متناسين أن الفتاة بإرغامها على الزواج من غير كفء هي أول من يدفع الثمن.

ويضيف: «لا خلاف بين أهل العلم في أن تزويج الفتاة بزوج غير كفء لا يجوز سواء كانت صغيرة دون التسع أو بالغة لمخالفة الأدلة والمقاصد الشرعية. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته الصغيرة جائز إذا زوجها من كفء ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها، وهذا لحديث ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). ولذلك كان تزويج الفتيات وهن صغيرات في أيام السلف الصالح، وهو ما اتخذه الآباء ذريعة لتزويج بناتهم وهن قاصرات».

كما استثنى الحميدان حالات محددة تستدعي زواج الفتاة القاصرة، وذلك ككون الأب يخشى فوات زواج ابنته بكفء معين، أو أن يزوجها اذا تقدم في السن وليس للبنت إلا إخوان لايهمهم إلا مصالحهم فيخشى أن يتاجروا بعرض ابنته،أو كون البنت يتيمة عند وصي ليس محرماً لها فيريد بتزويجها أن يكون لها محرم.

رأي الطب: زواج الفتاة دون سن 18 يؤدي إلى سرطان الرحم

الدكتورة صفاء مصطفى كامل استشارية النساء والتوليد تفضل أن لايكون الزواج للفتاة دون سن العشرين، وتقول: «يكتمل نضوج الجهاز التناسلي للمرأة ما بين سن 18 و20، ولكن الأفضل أن يكون الزواج من العشرين وما فوق وذلك للتأكد من أنه تم التكوّن الجسدي، وأيضاً انتهى بناء الخلايا التي تكون في عنق الرحم وصار الحوض جاهزاً للحمل».

كما تؤكد خطورة الزواج على الفتاة القاصرة من 17عاماً وما دون ذلك، وتعلل هذا بأن الخلايا التي في عنق الرحم تكون في طور التكوّن والبناء، وعندما يحدث في هذه المرحلة جماع يسبب تجريح الخلايا فتتحول من خلايا نافعة الى خلايا ضارة وتكون من مسببات السرطان المبكر للرحم.

رأي مأذون الأنكحة الشرعية: منع محكمة الخبر تزويج الفتاة دون سن الخامسة عشرة

مأذون الانكحة الشرعية الشيخ عبدالرحمن الخضير يحدثنا عن تجربة حدثت له في عقد نكاح ويقول: «دعيت لعقد نكاح وعند حضور الشهود وإحضار بطاقة العائلة رأيت سن الفتاة التي لاتتجاوز عشرة أعوام، فرفضت ذلك واعتذرت عن هذا العقد. وكان هذا من باب التعاطف الإنساني مع طفلة لا يؤخذ بموافقتها، وقال والدها وقتها «نحن لا نريد تزويجها الآن، فقط ذلك لحجزها، «فقلت له عد إلى المحكمة وإذا وافقت المحكمة أكتب لك العقد».

وعند عودتهم الى رئيس محكمة الخبر صالح الحيدان، رفض تزويجها لأنها قاصرة ولا يستطاع الأخذ برأيها وذلك لعدم توافر شرطي البلوغ وإتمام العقل.

ويقول الخضير: «حينها أبلغني الشيخ صالح الحيدان أنه لايكتب عقد نكاح لفتاة دون سن الخامس عشرة».