أول مصرية أمام محاكم إسرائيل

تحقيق, سلمى المصري, دعوى قضائية, محاكمات, المرأة المصرية / نساء مصريات

24 أغسطس 2009

دفعت الزوجة المصرية منال ثمناً فادحاً للزواج من شخص كانت تظنه فلسطينياً ثم اكتشفت أنه يحمل الجنسية الإسرائيلية. وهي تواجه الآن ظروفاً مثيرة بعد وفاته إذ اضطرّت للوقوف أمام المحاكم الإسرائيلية لتطالب بحقوقها. لم تخش منال مغامرة السير قدماً في خطوات هذه القضية رغم أن ما يترتب عليها قد يجبرها على السفر إلى تل أبيب لتحصل على حقوقها وحقوق ابنتها الرضيعة فاطمة التي تعيش الآن بلا هوية بعد وفاة والدها. إنها قصة غريبة مثيرة خاصة أنها المرة الأولى التي تقف فيها زوجة مصرية أمام المحاكم الإسرائيلية لتطالب بميراثها.

قبل ستة أشهر كانت منال تعيش حياة الأميرات. تقطن في شقة فاخرة، تقود سيارة فارهة، كل طلباتها مجابة. زوجها محمد كيوان كان كمن يحمل مصباح علاء الدين بين يديه ويسخره لخدمة زوجته التي يحبها بجنون.
الآن تبدل الحال ضاعت الفرحة وبدأت المشاكل. لم تتخيل الزوجة الحسناء أنها ستجد نفسها يوماً ما في مواجهة مع المحاكم الإسرائيلية. كانت تنتفض بمجرد سماعها اسم إسرائيل، لكن قدرها دفعها إلى هذه المشاهد دفعاً ولم يكن أمامها سبيل آخر.
ما زالت منال تتذكر ما حدث بعد أيام من وفاة زوجها بعد إصابته بأزمة قلبية. فقد طلب محاميها محمد سعد أن يتحدث معها على انفراد وبكل هدوء قال لها: «لا تنزعجي من حديثي لكنني سأتحدث وفقاً لمصالحك».
ازداد توتر الزوجة بعد هذه المقدمة لكنها لم تنطق بكلمة واحدة بل استمعت إلى محاميها الذي واصل حديثة قائلاً: «الظروف قد تضطرّنا إلى أن نفعل أشياءً لا نحبها أو لا نتوقعها، وفي حالتك سنكون مضطرّين لإقامة دعاوى للحصول على حقك وحق ابنتك». قاطعته منال قائلة: «وما المشكلة؟ فالمحاكم مفتوحة أمام الجميع». استطرد المحامي: «لن تكون هذه القضايا في مصر بل أمام المحاكم الإسرائيلية». كسا الذهول ملامح الزوجة التي لم تتخيل أن الظروف ستدفعها إلى هذه المنطقة المحظورة. لكن الموضوع لم ينته عند هذا الحد واستكمل المحامي حديثه مؤكداً أنها قد تضطرّ للسفر بنفسها إلى تل أبيب للمثول أمام المحكمة لشرح قضيتها.

اللقاء الأول

انقلبت حياة  منال رأساً على عقب وبدأت تستعيد ذكريات لقائها الأول بزوجها... قبل أربع سنوات كانت  منال منهمكة في عملها بأحد الفنادق الكبرى تبتسم لزبائنها مدركة أن أي خطأ قد يكلفها وظيفتها التي هي مصدر رزقها الوحيد. لكنها في النهاية كانت تحظى بإشادة الجميع، زبائنها ومديرها.

رفضت أكثر من شاب تقدم للزواج منها مؤكدة لنفسها أنها يجب أن تراعي الدقة في اختيارها حتى لا تصبح فريسة لمشاكل زوجية عديدة قرأت عنها في الصحف.

في أحد الأيام، لاحظت منال أن هناك أحد زبائن الفندق يطيل النظر إليها ويتعمد أن يتقرب منها. لكنها تعمدت في المقابل أن تبتعد عنه حتى لا يتأثّر عملها. ثم طلب الرجل أن يتحدث إليها فحاولت أن تعتذر له بأدب وتخبره أن هذا التصرف قد يعرّضها للحسم من راتبها أو الفصل من عملها. لكنه أكّد لها حسن نواياه.

فارق السن بينهما تجاوز 25 سنة، ورغم ذلك فاتحها برغبته في الزواج منها. أبدى إعجابه الشديد بأدبها ورقّتها وأسلوبها. اندهشت منال من طلب الرجل الذي عرفها بنفسه قائلاً إنه يدعى محمد كيوان، رجل أعمال من أصل فلسطيني ويقيم في القاهرة منذ سنوات عديدة.

طلبت منه منال مهلة للتفكير ولم تنمّ ليلتها. توقعت أن يتحرك لسانها بسرعة لتعتذر له، ففارق السن وحده كفيل برفضها لهذه الزيجة لكنها لم تستطع...  شيء ما في هذا الرجل جذبها إلى شخصيته. ربما ثقته بنفسه أو مشاعره الجياشة التي ظهرت في تعابير وجهه حين طلبها للزواج، أو صدقه الذي انعكس في كلماته الواضحة التي أعلنت عن رغبته في تحقيق أحلامها.

لم تذهب إلى عملها بضعة أيام. كانت تريد أن تعطي نفسها فرصة أكبر للتفكير دون أن تتعرض لمؤثرات خارجية. حاول محمد الاتصال بها مراراً لكنها كانت تطلب منه التمهل حتى تتخذ قرارها بهدوء. وفجأة حسمت رأيها ووجدت في كيوان الزوج الأنسب فهو الشخص الذي سيحقق لها طموحاتها ويدفعه حبه لها إلى الاهتمام الشديد بها.

أعلنت موافقتها، فطار محمد من الفرح ووعدها بأن يحقق لها كل أحلامها. وارتسمت السعادة على وجه منال رغم أنها لم تخف قلقها من المستقبل، فهي تعلم أن الدنيا قد تدير ظهرها للإنسان في لحظة.

مضت الشهور الأولى والزوجة لا تصدّق السعادة التي تعيشها، زوجها كان يفعل أي شيء من أجلها ويحقق كل ما تتمناه الزوجة التي أحست أنها في الجنة.

بعد أشهر من الزواج أحست بجنين يتحرك في أحشائها، زفت الخبر إلى كيوان الذي طار فرحاً وطلب منها أن تهتم بنفسها وألا تبذل أي مجهود حتى تضع وليدها. وأنجبت منال طفلة أطلقا عليها اسم فاطمة.

بعد أيام من إنجاب فاطمة سافر محمد لقضاء بعض مصالحه، وطلب من زوجته أن تلتمس له العذر فهو دائم السفر بسبب طبيعة عمله. وطلبت منه منال أن يصطحبها في إحدى رحلاته ووعدها بتنفيذ طلبها، وبدأت منال تجهيز أوراقها وهي في قمة سعادتها.

«زوجي إسرائيلي»!

 خلال استخراج الزوجة لأوراقها الرسمية اكتشفت أن زوجها يحمل الجنسية الإسرائيلية، وهو أمر لم تلتفت إليه في عقود الزواج لأنه كان يحتفظ بنسختي العقد معه وفوراً نصحها الأقارب بالانفصال عنه خشية المشاكل، لكنها رفضت وفي الوقت نفسه قررت مواجهته بهذه المعلومات.

ثارت ثائرة منال وهي تتحدث مع  زوجها. سألته عن سبب إخفائه هذه المعلومة المصيرية عنها. تردد الزوج وأكد لها أنه كان محقاً في كل كلمة يقولها لأنها كانت سترفضه لو علمت قبل الزواج أنه يحمل الجنسية الإسرائيلية.

حاول الزوج أن يعتذر لها ويخبرها أن حبه الشديد لها دعاه إلى إخفاء حقيقته. أكّد لها أن جنسيته الإسرائيلية مجرد أمر هامشي لأنه من عرب 48 ولا يسافر كثيراً إلى إسرائيل. وبدأت كلمات الزوج تلعب على أوتار نفسية داخل الزوجة التي فكرت في حياتها معه، فهو الآن والد ابنتها وهو في الوقت نفسه لم يرتكب معها أي خطأ يذكر.

لكن كان في انتظار منال مفاجأة أكثر قسوة. فلم تمض أسابيع على اكتشافها حقيقة زوجها حتى تلقت خبر وفاته بأزمة قلبية... الصدمة شلّت تفكيرها... بكت بحرقة فهي الأن أصبحت وحيدة في الدنيا وعليها أن تواجه الحياة بمفردها.

غرقت منال في أحزانها، لكن محاميها طلب منها أن تتمالك نفسها لأن في انتظارها معركة كبيرة. ابنتها قاربت عامها الثالث ولم يتم تحرير شهادة ميلاد مصرية لها، وهي تحتاج إلى أوراق من إسرائيل حتى تستكمل أجراءاتها وعليها أن تقيم دعوى أمام المحاكم الإسرائيلية. ودعوى أخرى أمام المحكمة لتطالب بميراثها. فالزوج الراحل كان يمتلك أراضي وعقارات في إسرائيل وتحتاج منال دعاوى حتى ترثها.

بدأ محمد سعد محامي الزوجة إجراءاته، ومن خلال وزارة الخارجية أقام دعاوى باسم منال محمد رضا، لتبدأ الرحلة الأصعب للزوجة التي قد تحمل لها الأيام المقبلة مفاجآت أخرى لم تكن في الحسبان.