القضاء يقتل رولا يعقوب مجدداً... مناشدات وغضب شعبي يُجبر القضاء على تمييز الحكم

كارولين بزي 18 نوفمبر 2018

في تلك الليلة الظلماء، لم تكن رولا تدرك أن قلبها سيتوقف عن الخفقان، وأن بناتها الخمس سيعشن من دون أم. جميعنا يدرك أن الموت حق، ولكن لا يحق لإنسان أن ينهي حياة آخر فقط لأن له السلطة أو القدرة الجسدية في الاستقواء على من هو أضعف منه. رولا لم تكن ضعيفة ولكن مجتمعها هو الذي تخلّى عنها عندما سمح لذاك الزوج بأن يتمادى في ضربها حتى الموت، في صيف 2013. رولا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، في مجتمع يلقي اللوم دائماً على الضحية بدلاً من محاسبة القاتل.

تعرّضت رولا للضرب بوجود ابنتيها، وبحسب إفادات الجيران أن رولا كانت تُعنّف من زوجها، ولا سيما ليلة وفاتها، وأكدوا أنهم سمعوا نداءات استغاثة تطلب فيها من زوجها التوقف عن ضربها. فقدت رولا الحياة وتم توقيف الزوج كرم البازي. تقرير الطبيب الشرعي الأوّلي، أشار إلى أن سبب الوفاة ناجم عن انفجار في الرأس نتيجة تشوّه خلقي من دون أن يأتي على ذكر كدمات على جسدها، الأمر الذي شككت فيه عائلة رولا، لافتةً إلى ضغوط سياسية تمارَس لتبرئة الزوج.

بعد التقرير الأول، جرى تكليف لجنة طب شرعية أخرى لإبداء الرأي، فأكدت الرأي الأول. ثم أُحيل التقريران إلى لجنة التحقيقات المهنية في نقابتَي الأطباء في طرابلس وبيروت، والتي أفادت بأنّ نتيجة التقريرين لا تجزم بأنّ الوفاة طبيعية، بل إنّ التقريرين الأولين لا يرتقيان إلى “المستوى العلمي المرتجى”، وطالبت بنبش الجثة لإجراء التشريح علمياً. وبعد هذه المسارات الطبية الثلاثة، جرى نبش الجثة وتشريحها من جانب لجنة طبية متخصصة، وأكدت هذه اللجنة أنّه لا يمكن تحديد السبب المباشر للنزيف في الدماغ.  بعد مضي سنة، أي في العام 2014، صدر عن قاضي التحقيق آلاء الخطيب قرار يقضي بمنع المحاكمة عن الزوج وإخلاء سبيله. أما في العام  2016 فأصدرت الهيئة الاتّهامية في الشمال، قراراً اتّهمت فيه زوج الضحية بجريمة التسبّب بموتها مع إصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه، بعد فسخها قرار قاضي التحقيق منع المحاكمة عنه، وذلك بعدما أصدرت المحكمة قراراً بإخلاء سبيله، بحجّة عدم كفاية دليل الإدانة.

عادت محكمة التمييز وردّت طلب التمييز المُقدّم من الزوج وأحالته إلى محكمة الجنايات في الشمال بتهمة التسبّب في الموت، وذلك في كانون الثاني/يناير عام 2017.  وأخيراً صدر الحكم القضائي بتبرئة زوج رولا يعقوب بعد خمس سنوات من وفاتها، ولكن القرار صدر بالأكثرية لا بالإجماع، إذ إن رئيس محكمة الجنايات القاضي داني شبلي، وهو رئيس اللجنة التي أصدرت القرار، أصدر مخالفة بالحكم وقال إن الأدلة الواردة، تؤكد تسبّب الزوج بقتل زوجته... لكن الزوج بُرّئ. لم تكن وطأة القرار القضائي على عائلة رولا عادية ولا حتى على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والجمعيات النسائية، ولا سيما جمعية “كفى” التي أخذت على عاتقها متابعة القضية لمحاسبة القاتل منذ خمس سنوات، معتبرةً أن هذا الحكم استخفاف من القضاء بقضايا النساء.

 

نجوم وإعلاميون يتفاعلون

وقد علّقت النجمة اللبنانية إليسا على حسابها على “تويتر” بالقول: “رولا يعقوب هي كل امرأة بيننا. البراءة جريمة. يا عيب الشوم على دولة تقبل أن تموت امرأة ولا تحاسب القاتل. شو بدكن تقولوا للرجال: اقتلوا النساء بلا عقاب؟ رح نضل نكسر الصمت”.

بدورها المخرجة إنجي جمّال علّقت على الموضوع نفسه، مشيرةً إلى أن فيديو كليب “يا مرايتي” كان بمثابة تحية الى روح رولا التي قضت بعد أن عنّفها زوجها، وقالت: “إنه لمحزن أن الأشخاص الذين نتوقع منهم الحماية قاموا بقتلها مرة أخرى”.

وسأل الفنان زياد برجي عن التوقيت الذي سيحين فيه للمرأة أن تنال أبسط حقوقها، فالموت لم يكن كافياً لتتم معاقبة المجرم! ألم يخجلوا بتبرئة المجرم؟ كلنا نشعر بالوجع وليس المرأة وحدها.

الإعلامية منى أبو حمزة اكتفت بإعلان ما جاء على لسان القضاء ونقلت خبر تبرئة زوج رولا يعقوب، وبدورها سألت الإعلامية رشا الخطيب: “هل من المقبول قاتل رولا يعقوب يطلع بريء... شو بعد في بهذه الدنيا... شو بفهم إذا قتلنا أو ضربنا عادي الواحد يكمل حياته عادي... ولك أقل شيء كان ينحكم مؤبد... مجتمع جاهل ذكوري غير منصف”.

“كان يجب أن يقتلها أكثر من مرة ربما”... بهذه الكلمات عبّرت الإعلامية ريما نجيم عن غضبها العارم حيال الحكم الذي صدر بحق قاتل رولا، وعلّقت على صفحتها على “تويتر”: “الحكم بتبرئة زوج رولا يعقوب المرأة والأم التي ضُربت وعُنّفت حتى الموت لعدم كفاية الأدلة المحكمة تريد أدلة أكثر! كان يجب أن يقتلها أكثر من مرة ربما”.!

من ناحيته، استنكر المجلس النسائي اللبناني الحكم الجزائي الصادر عن محكمة الجنايات في شمال لبنان بقضية مقتل رولا يعقوب، وطالب مدّعي عام التمييز القاضي سمير حمود بالعمل على تمييز الحكم الصادر في القضية، وذلك “إحقاقاً للحق وإعمالاً للعدالة”.

وبالفعل، طلب النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود من النائب العام الاستئنافي في الشمال تمييز الحكم الصادر عن محكمة الجنايات في لبنان الشمالي والقاضي ببراءة زوج رولا يعقوب المتهم بالتسبّب بموتها.

خمس سنوات ودماء رولا لم تبرد بعد لأن قاتلها لا يزال حراً طليقاً، فهل يُنصفها القاضي هذه المرة وينصف نساءً قُتلوا بعدها مثل منال عاصي، سارة الأمين وزهراء القبوط؟