حين تمسي الحقيبة دمية...

آيشتي, تصميم أزياء, حزام, حقيبة يد, عالم الموضة, المرأة اللبنانية / نساء لبنانيات, رولا غلاييني, أسبوع الموضة في لوس إنجليس

03 مايو 2010

إقترب منها قليلاً وأنظر عن كثب، لا تقف عند لون ردائها بل توغل في شخصيتها. فهي تعشق الألوان والحياة. خلف خجلها جنون غامض، بين ثناياها أنثى ثائرة ومثقفة. هذه الكلمات غير منسوبة إلى إمرأة بل حقيبة، وهما في هذه الصفحات كائن واحد. «الكلمات كما الحقائب تأخذ حجم ما تحويه».. قول فرنسي شعبي «أنسنت» المصمّمة اللبنانية رولا غلاييني مفهومه، حين أمست الكلمات إمرأة، فحقائبها «هنّ» نساء عربيات. يشاع أن المرأة تتيه لو أضاعت حقيبتها لأن عالمها بداخلها، نظراً إلى مفهوم تعريف المرأة العبثي بإعتبارها أنثى المساحيق. لكن غلاييني رسمت شخصيتها بإبتكار واقعي عبر الألوان والمواد التي صاغت حقائبها، ونسجت مفهوماً خاطب من تحمل صفة التميّز لكنها تعجز عن التحرر من نظرة المجتمع الذي يحرّكها كدمية ال«ماريونيت».


رولا غلاييني
، شابة لبنانية تملك إسماً تجارياً poupée couture دون متجر. منذ ثلاث سنوات، بدأت تنفيذ مشروعها في مجال تصميم الحقائب. نشأت في قبرص وعادت إلى لبنان في أوج سن المراهقة. إصطدمت بقواعد سلوكية لم تعهدها، من ناحية حرية الملبس. فوالدتها قالت لها إن «لبنان عالم آخر حيث الخطوات المدروسة والحذرة». تقول رولا بعد عودتها إلى لبنان: «كنت أراقب أسلوب حياة المرأة اللبنانية، كذلك السعوديات لأن والدي يعمل هناك وكنت أزوره باستمرار. تأثرت بشدة بزخرفة الأرابيسك التي تزيّن الشرفات». تضيف موضحة قصة تبلوّر فكرة التصميم في حياتها المهنية: «في تلك المرحلة بدأ إنجذابي إلى عالم التصميم. وقد درست الفنون الخطيطية في الجامعة الأميركية. ومن ثم دخلت العالم المهني في مجال الإعلانات لأسماء تجارية مهمّة، وصممت حملات إعلانية لمتاجر آيشتي طوال ثلاث سنوات».

وبعد أن تمرّست في عالم الموضة عن بعد، خاضت رولا تجربتها الشخصية التي إستوحت إلهامها من العوالم التي خبرتها. بدأت تصميم حقائبها الخاصة، «بمجرد أن تلفتني قطعة قماش، أرسم تصميماً وأحمله إلى الخياط. لا أخفي أنني كنت في بعض الأحيان تخالطني مشاعر بخشية والقلق والفخر حين أخرج إلى العمل بحقيبة من تصميمي، لأنها تبدو من تصميمي حتماً، فهي في منتهى الغرابة. هذا ما كنت أظنه لأن تلك الحقيبة نابعة من أفكاري. لكنني فوجئت بإعجاب الزميلات وحتى أمهاتهن بعملي. ولم يصدّقن أنني المصممة». وفي تلك المرحلة إجتمعت الهواية والمهنة، حين تلّقت رولا دروساً مكثفة في عالم الموضة من ESMOD العالمية، «حيث تعلّمت أصول التصميم وقواعده. لم اكن في تلك الفترة حالمة بإختراق عالم الشهرة، بل إرساء عنوان جديد وفريد لتصميم الحقائب».

لم تخبر رولا هاجس الفشل، فكانت كمن يخوض تجربة: «كان عملي الإعلاني ساري المفعول، كما أدركت أهمية إتخاذ خطوات تمهيدية من ناحية كمية الحقائب المصمّمة. ربحت الرهان وتكاثرت الحقائب ورأس المال». وهذا ما مكّن رولا من تصميم موقعها الإلكترونيPoupéecouture.com  الذي يطمح اليوم إلى تأسيس الدار التي تلمّ شمل حقائبها المعروضة في متاجر بيروت وبعض البلدان العربية.


مجموعات حقائب  poupée couture

 تصف مجموعتها الأولى بأنها حصاد لإنتقالها من الغربة إلى الوطن العربي حيث الحياة أكثر تعقيداً، وحيث يعوّل الكثير على المظهر الخارجي. ولذلك إتسمت الحقائب بالخطوط المستقيمة والحادّة. وإتخذت شكل المربعات والمستطيلات وخطوط متناسقة بشدّة ذات ألوان دافئة وعصرية تتخللها وتخرقها إنفراجات لونية أكثر جرأة وسطوعاً، أزرق وبرتقالي وأصفر. وتبعث هذه التدرجات الحقيقة الباطنية للمرأة العربية. شعاع وسط قناع فرضه المجتمع ألهم رولا بهندسة مغايرة، فإستعانت بنقوش الأرابيسك التراثية التي طبعت فرادة المجموعة. فقد توسّط الحقيبة نافذة إلى نوازع المرأة وكُوى تمنح الخلفية فرصاً في التعبير عن الذات.  وتشير رولا إلى أن تصاميمها التي «حملت لمسة شرقية راقت المرأة العربية كذلك الأجنبية، لأن الأخيرة تعشق الرموز التراثية وإنما بلغة عصرية. فلطالما إنجذبت النساء إلى إقتناء التصاميم التي تحمل نقوش الكتابة الصينية لأنها تمثل رؤية جديدة في الموضة وإن إستعانت بهوية الماضي». فحقائبها لم تخرج من دار تراثية أو متحف بل جسّدت أفكارها ورؤيتها للمحيط بصقل مواكب للترف والأناقة يبقي على فكرة: «هناك على الدوام خلفية في الأعماق حيث تتبدى ما وراء الأمور (إمراة أخرى) عبر نوافذ أو ثقوب أو شقوق». من ناحية أخرى، توضح رولا أنها حرصت على أن تكون حقائبها مزدوجة الإستخدام، «تصلح للحمل نهاراً وليلاً، وذلك عبر إمكانية الطي أو التعديل». كما أنها أدخلت المعدن إلى تصاميمها بعد أن إكتسبت مهارة في تطويع أفكارها وتطوير لغتها الإبتكارية. وعن هذه الخطوة تقول: «عدا كون المعدن عنصراً إضافياً رصّع الجلد، فقد أرسى الضدية بين العنصرين الصناعي والأنثوي المرهف، حين ثُبّت على أقمشة الساتين والحرير». تدرك رولا بشدة خصوصية المجتمع العربية النسبية، فتقول: «بإمكان الحقيبة أن تكون عنصر الجرأة في إطلالة المرأة في بعض البيئات العربية المحافظة، ولذلك إستخدمت ألواناً متوهّجة قد تحدث تناقضاً جذاباً بين العباءة الداكنة والتدرجات الساطعة». 


إسم تجاري فريد دون عنوان

أما العقبة الجوهرية التي تواجهها عدا كون تصاميمها لا تزال دون عنوان، فهو التثمين والتسويق (وضع الأسعار)، فهي تجد «صعوبة في تسويق حقائبي لأن المرأة العربية تعشق إقتناء الأسماء التجارية، وحتى لو لم ترُقها الحقيبة قد تحصل عليها مقابل أكثر من ألفي دولار». لكنها تبدو متفائلة بعدما عرضت مجموعاتها في أسبوع الموضة في لوس إنجليس ومعرض في عمان وبيروت، وكان السؤال المقلق والدائم من قبل الزوّار: «أين يقع متجر poupée couture؟». وتفيد بأن شركة Procter & Gamble منحتها «فرصة الإشراف على مسابقة في تصميم الحقائب من إبتكار فتيات دون العشرين عاماً، يقمن بتصميم حقائب لهن ولأمهاتهن. وسأقوم بإعادة تصميم الحقيبتين الفائزتين (من ضمن 800 تصميم)، وضمّهما إلى مجموعتي الخاصة».  وقد أضافت رولا أكسسواراً جديداً إلى مجموعتها هو الحزام، «كرؤية إقتصادية ذكية تمكّن المرأة من إضفاء لمسة فريدة على أزيائها البسيطة كما الحقيبة». وقد إرتبط تصميم الأحزمة بالأفكار التي تطرحها الحقائب، الحقيقة والقناع الإجتماعي وإمكانية التصميم الذاتي، «باستطاعة المرأة إعادة تشكيل الحزام بما يتلاءم ومظهرها العام». وتختم بالقول: «ظننت أن حقائبي لن تحملها سوى الفتاة في ربيع العمر، لكنني أيقنت أن المرأة تحرص على الإحتفاظ بشبابها مهما بلغت من العمر».