المهندسة عواطف الصغير... أنا مغرمة بالتحدي لنفسي وللآخرين

فن تشكيلي, المرأة العربية / نساء عربيات, صنعاء, الفنّ المعماري, الهندسة المعمارية, وظيفة, الأساليب المعمارية, تصاميم هندسية, معرض فنون آسيا الوسطى, دور المرأة, المجتمع اليمني, عواطف الصغير

03 مايو 2010

انبهرت بفنون العمارة في مدينة صنعاء القديمة منذ طفولتها وعشقتها الى حد الهيام، وادركت ان مهارات هندسية خفية هي التي أبدعت في نقش هذا الفن المعماري ودونته في ذاكرة التاريخ. قرّرت أن تكون دراستها الجامعية هندسة معمارية غير عابئة بالنتائج في مجتمع لم يستوعب المهندسين المعمارين بعد، فكيف بالمهندسات؟ حول تجربتها الشخصية وأسباب اختيارها وتبعات قرارها تحدثت المهندسة عواطف الصغير.

- ما الذي أغراك بدراسة الهندسة المعمارية؟
أنا إنسانة مغرمة بالتحدي وأحببت ان أقتحم مجالاً تكون نسبة إقدام الفتيات عليه قليلة، وكان قراري الإلتحاق بالهندسة المعمارية تحدياً لقدراتي الذاتية على المواجهة، خصوصاً أن المجتمع اليمني لا يشجع الفتيات على دخول أقسام دراسية من هذا النوع. كما أن إعجابي بالمعمار الصنعاني القديم غرس في نفسي ميلاً إلى الهندسة المعمارية.

- هل كان التحدي بالنسبة إليك تحدياً للموقف الإجتماعي والأسري أم أنه تحدٍّ بينك وبين نفسك؟
في الأساس كان التحدي لنفسي. أردت ان أختبر قدراتي الشخصية على المواجهة وعلى اقتحام مجالات جديدة لا تقبل عليها الفتيات.

- كيف كان الموقف الأسري من قرارك الشخصي؟
 شجعوني كثيراً بعد أن تأكدوا أني اتخذت قراراً حاسماً لا رجعة فيه فأنا تربيت في أسرة كريمة تحترم قرارات أفرادها بشرط أن تكون هذه القرارات نابعة من اقتناعات سليمة وحاسمة.

- بماذا تردين على من يقول إن طبيعة المرأة لا تتناسب مع العمل في مجال الهندسة؟
أقول أن هذا الكلام غير صحيح ولا توجد أي صعوبة للفتاة في الهندسة المعمارية، بل على العكس إن قدرة المرأة على الخيال أكبر من قدرة الرجل. والهندسة المعمارية تستلزم حضور خيال خصب يساعد في وضع لمسات فنية على التصاميم تجعلها أكثر جمالاً. وربما هناك مشكلة صغيرة تواجهها بعض المهندسات في الهندسة المدنية عندما يطلب منها النزول الميداني فقد لا تكون قادرة على التعامل المباشر مع المنفذين وقد يكون تقبلهم لها غير لائق.

- كيف يتقبلك الآخرون في مرافق العمل؟
 يتقبلونني بشكل طبيعي ويتعاملون معي باحترام. وتقبل الناس لك يعود الى قدراتك وطريقة تعاملك معهم، فالمرء يضع نفسه حيث يريد رجلاً كان أو امرأة والشخص هو نفسه الذي يفرض احترام الآخرين له.

- يلاحظ ندرة النساء العاملات في مجال الهندسة المعمارية؟
 لا أدري لماذا يكاد يخلو هذا المجال من وجود مهندسات عاملات فيه، مع العلم أني لم أكن الطالبة الوحيدة في قسم الهندسة المعمارية بل كان هناك عدد من الزميلات. وربما إنهن اكتفين بمرحلة الدراسة أو لم يحصلن على فرص عمل.

- هل وجدت فرصة عمل بعد التخرج مباشرة؟
 نعم مع أني كنت أعتقد أني سأنتظر طويلاً لكني وجدت عملاً في شركة اميندو التي أعمل فيها حالياً.

- ما هي طبيعة عملك في الشركة الآن؟
 مديرة مشاريع المباني الحديدية.

- هل تختلف تصاميم المباني الحديدية عن المعمارية؟
 لا تختلف كثيراً، والمباني الحديدية هي بحاجة الى تصاميم معمارية إلا أن أغلب المباني الحديدية تستخدم في بناء أسواق ومراكز تجارية او مخازن وغيرها.

- ماذا عن قصة انبهارك بالعمارة الصنعانية القديمة؟
 منذُ طفولتي كنت أسير في أزقة صنعاء القديمة منهبرة بالفن المعماري الى حد الدهشة. كانت مدينة صنعاء القديمة تبدو لي كلوحة  فنية جميلة، وعندما بدأت أكبر وأسمع عن قدرات وإبداعات مهندسي المعمار قلت في نفسي ان هذا الفن المعماري لم يأت من فراغ وبكل تأكيد فإن صانعيه هم مهندسون آفاقهم الخيالية واسعة ووجدت نفسي مغرمة بفنون العمارة بزخارفها الخارجية وشرفاتها الصحية، ظلت هذه الأشكال الخارجية للعمارة الصنعانية في عقلي وفكري لا تفارقني لحظة، وهي التي صنعت لدي طموح ان اكون مهندسة معمارية.

- كيف كان تقبل زملائك الطلاب في الجامعة لوجودك؟
 عاملوني باحترام وعاملتهم باحترام ولم أشعر بأي تعامل غير طبيعي، كما أني لم أكن الوحيدة في القسم بل كانت هناك زميلات معي في القسم وكان الزملاء يساعدونني.

- كيف تقوّمين واقع العمارة في صنعاء القديمة وصنعاء الحديثة؟
أنظر الى المعمار في صنعاء القديمة فيبدو لي كأنه لوحة فنية من حيث الشكل الخارجي والزخرفة على جدران المنازل. تمتاز العمارة في صنعاء القديمة انها تتوافر فيها شروط السكن الصحي من مداخل للشمس وشرفات تهوية، كما ان بعض البيوت فيها مجالس قبلية تستخدم أيام الصيف بحيث لا تشعر فيها بحرارة زائدة. وهناك مجالس جنوبية يتجمع فيها أفراد الأسرة أيام الشتاء هروباً من شدة البرودة. كانت تستخدم مواد في البناء تتلاءم مع البيئة وتساهم في مقاومة البرودة أيام الشتاء وامتصاص الحرارة أيام الصيف. من هذه المواد الطوب الحراري والأجرّ والجص. أيضاً في صنعاء القديمة تتوافر الحدائق الصغيرة والممرات الواسعة، وهذا ما يؤكد لنا ان هذا البناء لم يأت من فراغ بل كان نتاج خبرات هندسية وتخطيط مدني وشروط صحية.

- ما هو الحال بالنسبة الى صنعاء الحديثة؟
 على العكس من ذلك  كله، حيث تجد أغلب المباني ذات شكل واحد وبعضها لا تتوافر فيه الشروط الصحية. كما ان هناك ازدحاماً وعشوائية وتكثر المنازل وتقل بينها الفناءات الواسعة التي تمثل تنفساً للسكان من الأجواء المنزلية. أيضاً اذا قمت بزيارات استطلاعية للأحياء السكنية في صنعاء الحديثة ستلاحظ ان التخطيط الحضري شبه غائب كون توسيع الشوارع غير ممكن وليس له اعتبار عند البناء.

- لماذا لا يرجع المواطنون الى المهندسين المعماريين في مشاريع البناء المنزلي؟
أعتقد إن الأسباب الرئيسية هي مادية لأن كلفة المهندس المعماري عالية وأغلب الناس يفكرون ببناء منازلهم وفق إمكانات مالية محدودة. أيضاً يشعر الإنسان اليمني بعدم أهمية وجود مهندس معماري لبناء منزل أسري، أو بمعنى أوضح أن الإنسان اليمني يجهل أهمية التصاميم والاستشارات الهندسية، مع أن دور المهندس مهم جداً من جانب لكي تتحقق الشروط الصحية ومن جانب آخر لأن المهندس يدرك جيداً ظروف البيئة وما يناسبها في العمارة من حيث الشكل واختيار المادة المناسبة وهندسة الأبعاد وزوايا والإتجاهات في كل أرجاء المنزل. لكن قلما يحدث ان مواطناً يلجأ الى مهندس معماري أثناء بناء منزله حتى وأن كان ميسوراً مادياً، وبعضهم ينفق الكثير لبناء منزله وتكون النتيجة أنه يهدر أمواله ويبني منزلاً تقليدياً بكلفة عالية.

- هل تعتقدين ان النظرة الاجتماعية ما زالت تعيق الفتاة في اختيار مجال دراستها الجامعية؟
 المجتمع اليمني يتغير ونظرته الى المرأة تتغير الى الأحسن يوماً بعد يوم. ولا نستطيع القول ان النظرة المجتمعية ما زالت دونية نحو المرأة حتى وإن كانت كذلك في بعض الأحيان لكن يجب أن لا نتوقف عند النظرة الاجتماعية ويجب أن لا تستسلم الفتاة وتتنازل عن تحقيق رغباتها التعليمية وطموحاتها في الحياة، لأن المجتمع أولاً وأخيراً لا يعيق أحداً وإنما نحن الذين نعيق أنفسنا. المجتمع يقبل بالإنسان الذي يحقق ذاته ويصنع النجاح  سواء كان رجلاً أو امرأة. وهناك نماذج نسوية حققت نجاحاً كبيراً وأصبحت المرأة اليمنية وزيرة ومهندسة وقائدة طائرة. المطلوب فقط أن تملك الفتاة الشجاعة وتغادر أقبية الخوف والتردد وتقتحم أي مجال.

- إذا لم تتمكن عواطف من تحقيق طموحاتها في الهندسة المعمارية ماذا كان يمكن أن تكوني؟
 مهندسة معمارية، لا يمكن أن أكون غير ذلك لأني وجدت نفسي في عالم المعمار.

- هل تعملين في الإشراف على المشاريع التي تنفذها الشركة بشكل مباشر؟
 نعم أقوم بالنزول الميداني أحياناً لمتابعة سير التنفيذ في بعض المشاريع.

- هل واجهت موقفاً مزعجاً أو محرجاً لكونك امرأة؟
 لا لم يحدث لي هذا.

- هل يتدخل صاحب العمل  في تصميمك؟ وكيف تتقبلين هذا التدخل؟
 من الطبيعي جداً أن يكون لصاحب العمل ملاحظات وأتقبلها بشكل طبيعي.

- ما مستقبل الهندسة المعمارية في اليمن؟
 يبدو أن المستقبل سيكون أفضل بكثير، وتزاحم الناس داخل المدن وانتشار المباني العشوائية سيفرضان على الناس ادراك أهمية الهندسة المعمارية.

- الى أي مدرسة معمارية تنتمي المهندسة عواطف؟
 المدرسة التفكيكية.

- ما العلاقة بين الفن التشكيلي والفن المعماري؟
هي علاقة حميمة جداً، و لكن أيضاً مع جميع الفنون ليس فقط الفن التشكيلي وذلك حتى يتكامل المفهوم المعماري. فلا بد أن يكون المعماري على اطلاع على كل الفنون سواء كانت مسموعة كالموسيقى أو مكتوبة كالشعر والأدب والمسرح والسينما. كل أنواع الفنون مترابطة.