طارق عبدالعزيز: رسومات الفنان مصطفى حسين تحكي تاريخ مصر السياسي والاجتماعي

القاهرة – طارق الطاهر 01 ديسمبر 2018

صدر في سلسلة كتاب اليوم الثقافي، كتاب موسوعي عن الفنان الراحل الكبير مصطفى حسين، يرصد فيه تلميذه النجيب الفنان طارق عبدالعزيز، مشوار واحد من رواد فن الكاريكاتير في مصر والعالم العربي. الكتاب يحمل عنوان “عبقرية فنان”، ويضم عشرة فصول تلقي الضوء على تكوين مصطفى حسين، وأثره في تطوير فن الكاريكاتير، والمواقف السياسية التي عبّر عنها، والشخصيات التي أبدعها بالتعاون مع الكاتب الكبير الراحل أحمد رجب. واختتم طارق عبدالعزيز كتابه بفصل عن أسرار من حياة مصطفى حسين الإنسان، وضم الكتاب المئات من رسوم الفنان المحتفى به. في هذا الحوار يتحدّث المؤلف الفنان طارق عبدالعزيز عن الكتاب ودوافعه.


بدايةً، ما الذي دفعك لتأليف كتاب موسوعي عن فنان بحجم وقيمة مصطفى حسين؟
بمناسبة الذكرى الرابعة لرحيله، وبسبب قربي الشديد منه وانتهائي منذ فترة من مناقشة رسالتي للماجستير عن فنه، قررت أن أعيد النظر في الرسالة، لتصدر في كتاب في سلسلة شعبية، تتوافر للقارئ العادي، فصدر هذا الكتاب بعد ثلاث سنوات من العمل المتواصل، وقد جُمع محتواه بروح تلميذ يحبّ أستاذه.

هل واجهت صعوبات في إنجاز هذا الكتاب؟
بالتأكيد، فالحديث عن فنان بحجم مصطفى حسين ليس سهلاً، فالفن يجري في عروقه ويتسلل بين أنامله التي ترسم وكأنها تعزف أجمل وأرقى الألحان. والتحدّي الحقيقي هو أن أُبرز كيف تحول مصطفى من فنان إلى صاحب مدرسة في الفن التشكيلي، وموسوعة في فن الكاريكاتير، ووصل إلى مكانة فنية يندر تكرارها، لكن ما ساعدني على تخطّي الصعوبات، هو معرفتي الجيدة به من خلال عشقي لريشته قبل أن ألقاه للمرة الأولى عام 1993 في دار “أخبار اليوم” العريقة، وقد استمررت في العمل معه منذ لقائنا الأول وحتى رحيله في آب/أغسطس 2014، وتعاونّا في أعمال فنية كثيرة، مما أتاح لي معرفته عن قرب، وأحترم كثيراً إنسانيته في التعامل مع البسطاء وتوسّطه لدى الكبار لخدمتهم.

ما الجديد الذي قدّمته؟
من خلال قراءة الكتاب، يتضح أن غياب مصطفى حسين الجسدي لن ينال من تقديرنا الدائم والمستمر لريشته واسمه الذي لن يغيب أبداً. فالأعمال التي تركها ستظل ساطعة، ورسوماته التي تحكي تاريخ مصر السياسي والاجتماعي ستبقى علامة من علامات الفن التشكيلي المصري والعربي، بل والعالمي.

هل استطعت اكتشاف رحلة هذا الإرث الذي تركه لنا مصطفى حسين؟
بكل تأكيد، ولا أبالغ إذا اعتبرت كتابي تأريخاً، ليس لمشوار مصطفى حسين وإرثه فحسب، بل للمحطات المهمة في مسيرة الحركة التشكيلية المصرية. فعلى سبيل المثال، عندما تطرقت الى دور الفنان في مسيرة فن الكاريكاتير، كان لا بد من التوقف عند دور دار “أخبار اليوم” في مسيرة هذا الفن. ففي رأيي، هذه الدار هي التي أعطت فن الكاريكاتير مذاقه السياسي الخاص، حيث عملت على تطوير دوره من مجرد تقديم البسمة أو الفكاهة ليصبح بطلاً ينتقد الواقع السياسي والمشاكل المحيطة به، وكان لها السبق في ابتكار شخصيات مستمدة من الواقع المصري.

هل توقفت عند بداية مشوار مصطفى حسين مع الكاريكاتير؟
طبعاً، فبعد أن تعرضت لمسيرته الشخصية وتخرّجه في كلية الفنون الجميلة، توقفت عند المحطات الأساسية في تجاربه الفنية، ومن هنا كان لا بد من الإشارة إلى أن رحلته مع رسوم الكاريكاتير بدأت تعرف طريقها إلى صفحات جريدة “المساء”، ونشر الكاريكاتير الأول في 8 آذار/مارس 1957 بجانب الرسوم التعبيرية لقصص المقاومة والأدب. وقبل الإعلان عن ميلاد فنان كاريكاتير منافس، كانت مدرسة “صباح الخير” تبهر الجمهور بريشات عبقرية مختلفة وصل عددها إلى أكثر من عشرة فنانين، فأدرك خالد محيي الدين رئيس تحرير “المساء” آنذاك، أن عليه زيادة مساحة الكاريكاتير، خصوصاً أن لديه فنانين ذوي ريشات قادرة على المنافسة بصورة جيدة، فأفرد مساحة نصف كاريكاتيرية يتقاسمها بهجت وحاكم وإيهاب ومصطفى حسين، وحتى تنضج موهبة مصطفى حسين الكاريكاتيرية سريعاً، خصّص رئيس التحرير المساحة الأكبر له، وقد ساعده في ذلك اهتمامه بالشخصيات الشعبية البسيطة التي كان يبحث عنها يومياً، والتي كانت تصل بسرعة الصاروخ إلى وجدان المتلقي، وبدأ في آذار/مارس 1957 بنشر مساحة ثابتة كبيرة نسبياً أعلى صفحات جريدة “المساء”، كما لم يتخلَّ عن رسومات القصص وبعض قصص الأطفال التي كانت تُنشر في الجريدة.

هل تتبّعت مسيرته الفنية في الإصدارات المختلفة؟
نعم، وتوقفت عند دلالاتها المتنوعة، فرسوماته على سبيل المثال ظهرت في مطبوعات شتى، منها مجلة “البوليس” التي أصدرها نادي ضباط البوليس العام 1956، واستمرت ست سنوات، ورأس تحريرها الأديب الكبير سعد الدين وهبة. ومن المطبوعات التي شهدت رسوم مصطفى حسين، مجلات “هي” و”الرسالة” و”آخر ساعة”، ومختلف إصدارات مؤسسة “أخبار اليوم”.

هل تمكنت من جمع الشخصيات المختلفة السياسية والأدبية والفنية التي رسمها عبر مسيرته؟
ما ذكرته هو أحد الأسباب الأساسية التي جعلتني أعمل على هذا الكتاب لمدة ثلاث سنوات، فجمع هذه الشخصيات لم يكن سهلاً، لكنني استطعت الوصول الى شخصيات ربما لم تُشاهد من قبل، ورسمها الفنان وعلّقها على جدران بيته، ومن ذلك لوحة للأديب العالمي نجيب محفوظ، ولوحة رسم فيها نفسه بالألوان الزيتية، وهي موجودة في منزله في المهندسين، وأهم ما في هذه اللوحة أنها تُشعر الرائي وكأنها عمل نحتي، نحته الفنان بفرشاته، حيث لجأ إلى التلخيص وتحقيق مسطحات تؤكد كتلة الشكل، وابتعد عن أدق التفاصيل، فلم يدرس الوجه أو الملابس على سبيل المثال، إنما استطاع بلمسات فرشاته أن يجسد شخصيته ببساطة وقوة في آن واحد، ويصل إلى ملامحها ومعالمها.