حملة «مين الفلتان؟» للقضاء على العنف ضد المرأة والفتيات

كارولين بزي 09 ديسمبر 2018

هي دائماً تتحمّل المسؤولية، مسؤولية العنف والاغتصاب والاعتداء حتى الموت. ثقافة باتت مترسّخة في مجتمعاتنا العربية ، تلقي الاتّهامات على الضحية، وتحوّلها إلى السبب الرئيس لرد الفعل الحاصل. في لبنان قررت منظمة «أبعاد» أن تطلق حملة «مين الفلتان؟»، وهي حملة تدخل ضمن نشاطات تنظمها المنظمة على مدى 16 يوماً للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات، وذلك بالشراكة بين المنظمة ووزارة الدولة لشؤون المرأة والهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، وبدعم من عدد من السفارات الأجنبية والشركاء.


منال عيسى: صدمتني الإهانات التي وجّهها إليّ الشبّان في الشارع!

أبرز وجوه الحملة، فيديو صوّرته الممثلة منال عيسى بطلة فيلم «الباريسية» للمخرجة دانييل عربيد، وهي تعيش في باريس، لذلك لم يكن وجهها مألوفاً لدى عامة الناس، وكان التعاون معها أسهل منه مع ممثلة معروفة على الصعيد المحلي. تدور منال في الشارع تبكي وتصرخ أحياناً، تلتقي بشبان، تكشف أنها تعرّضت للاغتصاب، تتلقى المساعدة ولكن الإهانات والاتّهامات كانت نسبتها أكبر بكثير... تجربة منال كانت نابعة من مبادئ تؤمن بها وتهدف إلى رفع الوعي في المجتمع. تقول منال: «تواصلت معي منظمة «أبعاد» قبل وقت قليل من إطلاق الحملة. وبما أنني لا أشارك في إعلانات، سألت عن الفكرة فأخبروني أنها اختبار اجتماعي يتناول حالة فتاة بعد تعرّضها للاغتصاب، فسألتهم هل هناك سيناريو وأشخاص يمثّلون؟ فكان ردّهم بالإيجاب، طلبت عندها ألا يكون هناك سيناريو لأنني أريد أن أقوم بذلك شخصياً وبشكل ارتجالي. عندما عدنا إلى لبنان، اتفقنا على أماكن وضع المايكروفونات والكاميرات، وإذا شهدنا تعاطفاً كبيراً من الناس سننتظر أن يهاجمني أحدهم». وتتابع: «قبل أن نبدأ التصوير، أطلعنا القوى الأمنية والأحزاب الموجودة في المنطقة سلفاً على الأمر كي لا نتعرض لمضايقات. حاولت أن أجسد ما يمكن أن تشعر به فتاة تعرضت للاغتصاب، واختبرت حالتين، حالة هستيرية وحالة عصبية لأننا تواجدنا في أكثر من موقع تصوير. لكن في الحالتين، لم ألقَ تجاوباً أو مساعدة، شعرت بأن الناس يفتقدون حس المسؤولية بوجود فتاة مغتصبة، كما أنهم لا يصدقون القصة ويتسلّون بها». وعمّا إذا كان الخوف قد انتابها بعد تعرّض الشبان لها بطريقة غير لائقة، تقول: «لم أتوقع شيئاً، لم أخف بمقدار ما شعرت بالقرف، وصل بي الحال لأن أصرخ فعلاً خلال الفيديو، علماً أن ذلك لم يكن متفقاً عليه، حتى أنني كنت مهيّأة لأي رد فعل كأن أتعرّض للضرب، لأن هدفنا في النهاية هو التوعية». وتلفت إلى ان أكثر ما صدمها هو العبارات والإهانات التي سمعتها عندما كانت تشاهد الفيديو، فهل ينظرون إليّ هذه النظرة! فاجأني فعلاً ما قالوه. حتى التعليقات على الفيديو كانت أسوأ بكثير من الاتّهامات التي كالها إليّ الشبان في الشارع. نحن لم نؤذِ أحداً ولم نُهن المجتمع، وكنا نهدف الى توعية الناس.


غيدا عناني: حملة القضاء على العنف ضد المرأة فيها شق توعوي وآخر تشريعي

تشير مديرة منظمة «أبعاد» إلى أن الهدف من الحملة هو تسليط الضوء على حالات الاغتصاب، فالثقافة التي ننتهجها في مجتمعاتنا هي لوم الضحية، والإدانة تطاول ملابس الفتاة، وجودها في الشارع، حتى أنها تُتّهم بشرفها. وبالتالي، تعزّز ثقافة لوم الضحية، ثقافة الصمت الموجودة في لبنان والمنطقة العربية حول هذا الموضوع. من هذا المنطلق حاولنا أن نسأل بهذه «مين الفلتان؟»

وتتابع: «الفلتان هو الانفلات من كل المنظومة القيمية التي يجب أن تكون، الفلتان هو من يقوم بهذه الجرائم والسلوك المخزي، الفلتان يطاول عدم إنجاز وتنفيذ القوانين كما يجب، وتشديد العقوبات على مرتكبي الجرائم، والتسريع بالمحاكمات، كل هذه العوامل تفاقم ظاهرة الفلتان ولوم الضحية في البلد».

وعن الفيديو الذي صوّرته منال، تقول غيدا: «الفيديو فتح نقاشاً موجوداً في الشارع، وهو النقاش نفسه الذي كان موجوداً في الفيديو. ثماني ساعات تصوير اختزلناها بدقيقتين، لنُظهر ضخامة المشكلة، نشرنا الفيديو كما هو، قبل أن ننشر البيان. ولكن كما توقعنا، كان تبرير الاغتصاب بإلقاء اللوم على منال، حتى أن البعض تناولوا أداءها ما إذا كان مقنعاً أم لا ولم يركزوا على جوهر المشكلة، وهي تَعرُّض فتاة للاغتصاب. منال فتاة ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، وعندما علمت بالحملة قررت أن تشارك فيها لأنها اعتبرت نفسها معنية بهذه القضية، أحد أهم إسهاماتها كان تجسيدها للدور بهدف التوعية. لو اتفق كل الناس على موقف واحد وهاجموا المغتصِب، لعشنا في حالة صحية ولانتفى وجود هذه الثقافة». وتضيف: «نسبة الرافضين للاغتصاب أقل بكثير من أولئك الذين برّروه، وبحثوا عن حجة لتحميل المغتصَبة المسؤولية».

وتلفت إلى وجود حوالى 15 شخصاً في موقع التصوير، ما بين مصورين ومزوّدين بالمايكروفونات لتسجيل الأحاديث التي تدور بين الشبان. في البداية، شككت بأن يحقق الفيديو الغاية المرجوة منه، وتوقعت أن تقدم نسبة كبيرة من الأشخاص المساعدة للفتاة، لكنني فوجئت بما رأيت. توقعت أن تكون ردود الفعل السلبية أقل، واعتقدت أن منال ربما تضطر لرفع الصوت عالياً حتى تستفز الشبان لنلقي الضوء على هذه الظاهرة، والتي ندرك كمنظمة أنها موجودة نظراً لمتابعتنا هذا الموضوع. لكن تعرّضنا وشركة الإنتاج لصدمة، ذلك أن كل الذين هاجموا منال كانوا أكثر بكثير ممن ساعدوها». وتتابع: «نسبة الذين حاولوا مساعدة منال كانت أكبر قبل أن يعرفوا أنها تعرضت للاغتصاب، فاقترحوا عليها أن يقلّوها بسياراتهم، أو يعطوها هواتفهم الخليوية للتواصل مع أحد أفراد عائلتها، أو أن يأتوا لها بملابس وكأنها عارية. وحرصنا على عدم تصوير ملابسها ممزقةً، لأننا لسنا في وارد موضوع فضائحي، بل نهدف الى الإضاءة على الثقافة السائدة في المجتمع والنقاش الدائر حولها. لا نستطيع أن نغيّر الرأي العام من خلال نشاط واحد، إنما نحتاج إلى تراكم، وجزء منه كان هذا الفيديو، إلى جانب رسوم الغرافيتي التي زيّنت جدران أكثر من شارع في لبنان، وهي عبارة عن وجوه مغتصبين، وقد رُسمت الوجوه بناءً على شهادات نساء تعرّضن للاغتصاب، وحين نقترب من كل صورة نسمع قصة الضحية وهي تخبرها بصوتها. إحدى الضحايا قررت أن تخرج عن صمتها واتجهت نحو صورة المغتصِب وواجهته، لكي تخرج من حالتها. ثقافة الإدانة لن تنتهي بين يوم وآخر، ولكن الأهم ألا تخجل المرأة مما حصل معها لأنها الضحية وليست الجاني، وعليها أن تواجه وترفع الصوت عالياً وتخبر قصتها بغض النظر عن موقف الناس. منذ انطلاق الحملة لحد اليوم، تواصلت معنا 37 حالة بلّغت عن تعرّضها للاغتصاب، وثمة نساء كتبن قصصهن الحقيقية وتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، كما شاركت في الماراثون 130 امرأة ضمن إطار الحملة. وتشير عناني إلى أن الحملة تنقسم إلى شقين، شق رفع الوعي من خلال النشاطات التي نقوم بها، والشق التشريعي والعمل مع مجلس النواب.