الرحّالة الإنسانية في مناطق النزاعات لينا أبي رافع...

حربي العامري, أفغانستان, مناطق النزاعات, كوارث طبيعيّة, زلزال هايتي, الكونغو, عنف إجتماعي, لينا أبي رافع

19 سبتمبر 2011

إن هدأت الحرب وإن تجمّدت الأرض عقب الزلزال، إلاّ أن الخطر يستطيع أن يدهمها في أي لحظة في مناطق الكوارث وفي مجتمعات يتفاقم فيها انتهاك حقوق الإنسان، ومَن غير المرأة قد يكون على أجندة أولوياتها الإنسانية. تفاصيل من حياة لينا أبي رافع.


«ما أفعله هو العمل ضمن الطوارئ الإنسانية خلال الحرب وما بعدها ومجتمعات ما بعد الكوارث الطبيعية وتلك التي تعاني من العنف الجنسي الجندري. عملي هو تقديم الخدمات إلى المرأة التي تعرّضت للعنف، دعم اجتماعي ومدخل إلى مساعدة قانونية ومخرج آمن ومن خلال برامج لذويهم لإعادة صياغة حياتهم».
لا تنشط في لبنان، عالمها المرأة منذ 15 عاماً، خبيرة وباحثة صقلت أرشيفها الإنساني بمشوار بصحبة دول مانحة والمنظمات غير الحكومية في بلدان مثل أفغانستان وسييراليون والمغرب وبنغلادش وبابوا غينيا الجديدة وهايتي حيث تأثرت بقصص «فتيات لم يتعدين الست سنوات اغتصبهن صبية بأعمار العشر سنوات». عادت أخيراً من هايتي حيث أدت مهمة المنسقة الإنسانية لدى الأمم المتحدة للعنف الجندري الممارس بحق المرأة، وذلك عقب الزلزال الذي أصاب المنطقة.

أما في بابوا غينيا الجديدة، فكانت المرشدة الجندرية والإجتماعية في ما يتعلق بالتوعية من «داء نقص المناعة المكتسبة» AIDS. في سييراليون عملت على دعم النساء ضحايا التحرّش الجنسي، حيث «يشاع معتقد بأن الرجل المصاب بالإيدز قد يشفى إن أقام علاقة مع فتاة عذراء! ومن الحالات التي قاربتها طفلة عمرها سنتان اغتصبها رجل. أحمل الكثير من المشاعر تجاه ما رأيته وسمعته. لا يمكن أن أقوم بعملي وحين أعود أدراجي «أطفئ» تفكيري. هي قصص تطاردني وتحبطني أحياناً وتجعلني أبدو شديدة الحساسية تجاه أي موقف يصادفني كإمرأة وإنسانة. لا يمكن إلاّ أن أشعر بالرهبة تجاه هذا الواقع».

عملت لصالح منظمة غير حكومية في أفغانستان  للخدمات الحقوقية والتوعية. «ذهبت إلى هناك لتأسيس مكتب منظمة Women for women International وفي عام واحد جالست 3000 إمرأة». نشرت نشاطاتها  في كتب وصحف عديدة. أدارت رحلات إنسانية في السودان وسري لانكا وسنغافورة وكينيا وتنزانيا وجنوب أفريقيا  وأوغندا. هذا ما جعل العالم عالمها ومنزلها ومكان إقامتها.
لبنانية من أم فلسطينية لم تعش أبداً في لبنان إلاّ لأيام، «أعيش حيث أنشط، حيث مهماتي. لكن عائلتي في واشنطن. تخصصت في هذا المجال لأني شعرت بأن العنف جوهري في معركة حقوق الإنسان وبأن لدي واجباً علي فعله من عمر الثالثة عشرة حين بدأت مرحلتي الثانوية. كل ما كان يحيط بي هو المرأة والعنف. كل ما درسته هو هذا، طوّقني وسيطر علي دون غيره».


الى حيث يعاني البشر

اتجهت إلى هايتي بعد الزلزال مباشرة، «ما كان علي فعله هو تنظيم الخدمات الطبية والقانونية وتسهيل نشاط الجمعيات». في هذه المجتمعات إن تعرضت المرأة فيها إلى العنف تواجه سؤالاً: «لا بأس بالأمر، ماذا كنت ترتدين؟». رسائل خاطئة من أشخاص ينتظر منهم المساعدة. إن لم تشعر المرأة بأنها آمنة في الطريق فما من فرد في المجتمع آمن. النساء لا يزلن في هذه المناطق يخشين من البوح بالعنف  الذي تعرّضن له. ومهمتي تشجيع المرأة على الكلام والمشاركة في الحياة العامة».

 

الحالات أكثر من الأرقام، ما أصعب مكان عملت فيه؟ «أفغانستان لأن النساء هناك لا يتكلمن أبداً. في كل مكان هناك تحدٍ، في أفغانستان كانت مهمتي صعبة لأنهم مجتمع مغلق وخائف، لذلك كان عليّ الحذر في مقاربة أي موضوع. البيئة هناك قاسية وصارمة ويجب عليّ التكيّف معها في تفاصيل معينة. في مكان مثل بابوا غينيا الجديدة (أقمت فيها ثلاث سنوات) لديهم عادات وتقاليد قبلية ومعتقدات تجعل من الصعب تقويم المرأة والنظرة إليها من المفهوم العالمي لحقوق الإنسان، كذلك الأمر في هايتي. يجب أن أفهم كيف يقوّم الناس أنفسهم ما واجهوه. يجب أن أدخل أعماق ثقافتهم. في بابوا غينيا الجديدة الرجل يمارس العنف ضد الرجل حتى الأطفال بين بعضهم، هم أناسٌ مختلفون ويصعب عليهم أن يكونوا دولة واحدة. لديهم 850 لغة مختلفة و500 لهجة وعدد السكان 6 ملايين! لذلك قضايا المرأة هناك نقطة تقاطع».

أما عن التحديات فتقول:«ما أفعله هو الإيمان بغريزتي والحواس وبذل جهد للتكيف مع الشعوب وأن أُظهر لهم أني أثق بهم وبذلك يحمونني. واشعر بأن ليس الأمر حماية الأمم المتحدة أو غيرها بل علاقتي المباشرة بالأفغان والسييراليونيين والغينيين. يجب التكيّف في مجتمع يعلو فيه منسوب المخاطرة. اعتدت الأمر ومنح الثقة للآخر. ما أكترث لأمره أكثر هو عائلتي، هذا ما يشغلني أكثر من قلقي على سلامتي. في مكان مثل هايتي إن تسمّر المرء أمام شاشة «السي إن إن» طوال النهار سيشعر بأن تلك المنطقة بأسرها هي غير آمنة، في حين أن أهل المنطقة يعيشون حياة طبيعية حتى في قلب الحدث بمعزل عن المأساة المتضخمة. تعلّمت المقدرة على التكيف والتضحية. في هايتي، أقمت في خيمة لمدة ستة اشهر، اعتدت الأمر بعد 24 ساعة. كانت المراحيض على مسافة 100 متر من الخيم.

كنت أتابع تفاصيل حياتية ما بعد الكارثة، صحية وتعليمية وغذائية وحتى أسلوب بناء الخيم بأسلوب آمن للنساء. تزودت بمضاد الملاريا ولدغات البعوض. إن لم أكن مؤهلة لحماية نفسي فسأفشل في حماية الآخر، أتوخى الحذر كما أحرص على التزوّد بكل ما قد احتاجه وفق البلد الذي سأمكث فيه. من ناحية أخرى، أشعر بأن عليّ أن أكون مسالمة حتى التطرف للخروج من مأزق ما. وما أحمله في يقيني عندما أذهب إلى أي دولة هو أني لست ذاهبة لإنهاء وضع قائم. هناك طريق طويل للتغيير. الجزء الأصعب من مهمتي هو إدارة توقعاتي وحدودي في التغيير. حتى لو عشت 100 عام في بابوا غينيا الجديدة سيظل العنف ضد المرأة قائماً، النقطة هي الإنطلاق من نظام ليتبناه المجتمع على المدى البعيد».

وعن المنظمة التي أسستها في أفغانستان تقول: «كان صعباً التحرّك في كابول، فالمجتمع ليس معتاداً على امرأة رئيسة تبحث في قضاياهم، كما أني لا أتكلم لغتهم. كنت أستيقظ كل صباح وأطرح على نفسي سؤالا عما يمكن أن تكون المشكلة اليوم». المشكلة كانت أنك امرأة أم أجنبية: «الإثنان». ثم تضيف «امرأة».

في الثقافة الافغانية التوصيات ليست سائغة ولا مقبولة. هي بمثابة إهانة. هناك مقاومة لك. كما أن جنسيتي وهويتي لعبتا دوراً في تصعيب مهمتي . أنا آتية من الولايات المتحدة الأميركية لكني سمراء. كانوا يعتبرونني واحدة منهم. كنت أحياناً أدعي أني متزوجة، لأن سن البلوغ توازي الزواج. لو كنت شقراء كانت التحديات أقل، ولكن عندما كتبت رسالتي للدكتوراه كنت في أفغانستان. وما كتبته كان نتيجة ما أختبره من أمور، سمعت ما ليس بمقدور أجنبي أشقر سماعه. كانت الأمور لصالحي وأحياناً شكل مظهري بعض المعوقات». أخيراً عن الخطوة التالية تختم: «أتحضر لرحلة الكونغو، سأجوب كنشاسا وغوما لتقويم البرامج المناهضة للعنف في السنوات الخمس الماضية». أما حياتها الشخصية فهي كارثة «كما منطقة حرب كما الكونغو، كما أن الرجال ولا أخصص العرب يرغبون في إمرأة بسيطة لا تنافسهم بخلفيتها المهنية».