استلهم التراث الشعبي في لوحاته التشكيلي عادل ثروت لهذا السبب اخترت "موال أخضر" عنواناً لمعرضي الجديد

القاهرة – طارق الطاهر 08 ديسمبر 2018

استطاع الفنان الدكتور عادل ثروت أن يحفر اسمه بين صفوف المتميزين والموهوبين في حركة الفن التشكيلي المصري والعربي، ولم تقف التجربة لديه عند حدود معينة، بل هو فنان طموح، يمتلك خيالاً خصباً وأرضية ثقافية تظهر في الأبعاد المختلفة لمعارضه ذات الموضوعات الجاذبة.


آخر هذه الموضوعات، ما كشف عنه في معرضه “موال أخضر”، الذي ظهر فيه بوضوح تأثير الثقافة الشعبية في لوحاته، وهو ما جعل الفنان الدكتور مصطفى الرزاز يصف هذا المعرض بقوله: “تمركزت مصادر إلهام الفنان عادل ثروت في نطاق التراث والمعتقدات الشعبية والتراث المصري بصفة عامة، وقد بلور منهجه للتعامل مع تلك المصادر التراثية ومزجها برؤيته ومعايشته للأحياء الشعبية العريقة في القاهرة الفاطمية، ودمج كل ذلك بثقافته ومهاراته الفنية، وبتحديد مفرداته الشكلية واللونية، مما جعل منه مصوراً يتمتع بالفرادة الأسلوبية والجمالية والتقنية”.

في هذا المعرض لجأ عادل ثروت إلى استلهام الفن الشعبي، وصوّر من خلال رسوماته علاقة الرجل والمرأة بالموسيقى وأدواتها، وعن هذه التجربة يقول الفنان: “من منطلق اهتمامي في مشروعي الفني في مجال فن التصوير، بالتراث المصري عامة وبالتراث الشعبي على وجه الخصوص، اخترت لمعرضي عنوان “موال أخضر”، فمن المعروف أن الموال لون من ألوان الفن الشعبي، وأنا هنا أقدّم له المعادل الموضوعي رسماً، ففي مواويلنا نتغنّى بحكايات عن البخت والحظ والقدرية، ونروي من خلالها أيضاً أحلامنا، ونرصد في غنائنا تطور مسيرة العلاقة بين الرجل والمرأة في مشاعر الحب والعشق والزواج”.

وعن انعكاس هذه الرؤية على لوحاته، يوضح: “في هذا المعرض رصدت حالة الانسجام بين الرجل والمرأة من خلال استخدام أدوات موسيقية، معبّراً عن طقوس العرس والفرح، والعطايا التي يجلبها الأهل في مثل هذه المناسبات، التي ما زالت حتى الآن، تتحكم فيها العادات والتقاليد. والمتأمل في معرضي، يرصد التصورات المختلفة التي تعبّر عنها اللوحات، لهذه العلاقة الوجودية التي تربط بين الرجل والمرأة بأحداثها المختلفة، الظاهر منها والغيبي... هذه العلاقات التي أستمد منها جوهر تجربتي، التي شعرت بسعادة بالغة حين عبّر عنها بإحساس شديد أستاذي الدكتور مصطفى الرزاز، عندما كتب عنها قائلاً: “بيد أن لوحات عادل ثروت فريدة في هذا المضمار، فهي احتفالية مبهجة، نكاد نسمع أصواتاً صادرة عنها للمزامير والدفوف وحركات الشخص الراقصة”.

لم يكن هذا المعرض الوحيد الذي استخدم فيه عادل ثروت فكرة التراث، فقد سبق أن استخدم التراث بشكل آخر، حين عاد إلى أرشيف عائلته ليقدّم من خلاله صورهم وأوراقهم الشخصية ومراسلاتهم مع آخرين، من خلال معرض للصور الفوتوغرافية، تحكي 110 أعوام من تاريخ هذه العائلة، ولم يكتفِ بذلك، بل أضاف إليها، على ورق بردى بخط يدّه من الماضي السحيق، بعض النصوص التي كان يُقسِم بها المصريون القدماء، ألا يلوّث مياه النيل ولا يقطع شجرة، وألاّ يروع إنساناً، ولا يأخذ الخبز من فم طفل، مؤكداً أنه مزج التاريخ القريب بالبعيد، لكشف الدلالات الأساسية والإنسانية لمسيرة البشر.

ورغم إغراقه الواضح في التراث، وحبّه الشديد له، واستلهامه الصور التراثية المختلفة في أعماله ومعارضه، إلا أنه واحد من المهتمين بأحدث الأساليب الجديدة في الفن التشكيلي، وهو العمل الفني المركب، أو ما يطلق عليه “فن التجهيز في الفراغ”، وقد أصدر كتاباً يقدّم فيه المفاهيم الأساسية لهذا الفن الوافد، مشيراً إلى أن فنون ما بعد الحداثة التي لاقت تجاوباً ملموساً في مسيرة الفن التشكيلي المصري، وأن تجارب العمل المركب التي بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي، وكان لها دور فاعل في تأسيس حركة ما بعد الطليعية، تستند إلى أعراف وتقاليد ومعايير فنية وجمالية جديدة، من حيث التعامل مع الفوتوغرافيا وشاشات العرض والمستنسخات والضوء.

الجدير ذكره أن الدكتور عادل ثروت من مواليد عام 1966، ويشغل حالياً منصب أستاذ الرسم والتصوير في كلية التربية الفنية في جامعة حلوان، ويشارك في الحركة التشكيلية منذ تخرّجه وحتى الآن، وحصل خلال مسيرته على العديد من الجوائز، منها الجائزة الأولى في صالون الشباب السابع، جائزة الاتحاد العالمي لنقاد الفن التشكيلي 1997، كما أقام أكثر من 15 معرضاً فردياً، وله مقتنيات في متحف الفن الحديث في القاهرة، وشارك أيضاً في العديد من الملتقيات الدولية والجماعية، وأهمها: صالون الشباب، المعرض العام، وبينالي الإسكندرية الدولي.