الانتخاب والترشح حق أصيل للمرأة
د. علي جمعة, علماء الأزهر, الإنتخابات النيابية, المرأة السعودية / نساء سعوديات, د. آمنة نصير, د. عفاف النجار, حقوق الإنسان, الملك عبدالله بن عبد العزيز, عضوية مجلس الشورى, خادم الحرمين الشريفين
10 أكتوبر 2011احترام لحقوق الإنسان
ووصف الدكتور محمود مزروعة، العميد الأسبق لكلية أصول الدين في جامعة الأزهر، قرار العاهل السعودي مشاركة المرأة في مجلس الشورى والانتخابات البلدية بـالخطوة الإيجابية في الطريق السليم، وتأكيد لاحترام الإسلام لحقوق الإنسان، سواءً كان ذلك من الرجال أو من النساء. «وهذا القرار له أهميته الكبرى، لأنه جاء من قيادة دولة إسلامية كبرى، بل إنها تعد منبع الإسلام، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، ولد وعاش ومات فيها، ولهذا فإن هذا القرار من المملكة السعودية يعد قدوة يجب أن تحتذي بها بقية الدول».
قدوة
ودعت الدكتورة عفاف النجار، عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، كل أولي الأمر في الدول العربية والإسلامية إلى الاقتداء بقرار خادم الحرمين، ورفع كل أشكال الظلم عن المرأة، وأن يتنازلوا عن الجاهلية المعاصرة التي هي امتداد للجاهلية القديمة، التي كان فيها وأد نفسي وجسدي للأنثي منذ ميلادها وحتى وفاتها. وهذا ما ذكره الله في القرآن حتى لا نكرره مرة أخرى وبمسميات مختلفة، فقال تعالى: «وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ. وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ» الآيات 57-59 سورة النحل. وجعل السؤال عن ظلم المرأة ليس في الدنيا فقط، بل وفي الآخرة أيضا فقال: «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ» الآيتان 8-9 سورة التكوير.
تعجب
وتعجب منصور الرفاعي عبيد، وكيل أول وزارة الأوقاف لشؤون الدعوة، من تأخر بعض الدول العربية والإسلامية في إنصاف المرأة، رغم أن الله سبحانه وتعالى أوضح لنا قبل أكثر من 1400 سنة نظرة الإسلام إليها، في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» الآية 13 سورة الحجرات. ولا شك أن من يمنع المرأة من حقوقها التي أباحها لها الإسلام يكون آثماً شرعاً، لأن الأصل في الأمور الإباحة، ما لم يرد نص شرعي بالتحريم، ولهذا يجب الالتزام بقوله تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِينًا» الآية 36 سورة الأحزاب.
استدلال خاطئ
ورداً على من يزعم حرمة المشاركة النسائية في العملية الانتخابية، مستدلاً بقوله تعالى: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ» آية 228 سورة البقرة. قال الدكتور محمد محمود أبو هاشم، عميد كلية أصول الدين والدعوة في جامعة الأزهر: «هذا تأويل خاطئ، لأن المقصود بالآية الحياة الزوجية التي تكون فيها المسؤولية على الرجل أكبر من المرأة، وهو ما يطلق عليه شرعاً «القوامة» التي هي تكليف وليست تشريفاً وتمييزاً كما يظن الجهلاء المتعصبون للفقه الذكوري. والدليل الشرعي على خطأ هذا الاستدلال قوله تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» الآيتان 71 - 72 سورة التوبة. ولهذا فإن القرار السعودي الجريء يعد هزيمة ساحقة لمن يظلمون المرأة باسم الإسلام، وهو في الوقت نفسه دفاع عن الإسلام الذي اتهمه الأعداء بظلم المرأة استناداً إلى تلك التأويلات الخاطئة للنصوص الشرعية».
وأوضح أبو هاشم أن من يتأمل بموضوعية العملية الانتخابية، سيجد أنها من القضايا المفيدة للفرد والمجتمع، ولهذا فهي من الأمور التي يكون فيها الأمر بالمعروف الذي يتشارك فيها الرجل والمرأة على حد سواء، باستثناء ترشحها للخلافة العظمى التي لم تعد موجودة في عصرنا، أما ترشحها لرئاسة الدولة فهذا أمر جائز عند غالبية الفقهاء.
أيد علماء الإسلام القرار الحاسم لخادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز إعطاء المرأة حق عضويّة مجلس الشورى والمشاركة في الانتخابات، وأشاروا إلى أن هذه الخطوة يثاب من يساعد على تفعيلها على أرض الواقع ويأثم شرعاً من يعوقها بوضع العراقيل أمامها، لأنه يكون ظالماً وسيحاسبه الله حساباً عسيراً. وهاجموا من يحاولون إلباس الإسلام التقاليد الظالمة، مثل منع النساء من الانتخابات، رغم أنه لم يرد نص صريح بحرمة ذلك.
كان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز قد أصدر قرارين تاريخيين يعطيان المرأة حق المشاركة في مجلس الشورى عضواً، اعتباراً من الدورة السادسة، والتصويت والترشح في الانتخابات البلدية، بدءاً من دورتها الثالثة.
وقال الملك في كلمته في افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى: إن التحديث المتوازن والمتفق مع قيمنا الإسلامية، التي تصان فيها الحقوق، مطلب هام في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين والمترددين. يعلم الجميع بأن للمرأة المسلمة في تاريخنا الإسلامي مواقف لا يمكن تهميشها، منها صواب الرأي والمشورة منذ عهد النبوة، ودليل ذلك مشورة أم المؤمنين أم سلمة يوم الحديبية، والشواهد كثيرة مروراً بعهد الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا.
وأكد خادم الحرمين رفضه تهميش المرأة بقوله: إننا نرفض تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي في كل مجال عمل، ووفق الضوابط الشرعية، وبعد التشاور مع كثير من علمائنا في هيئة كبار العلماء، وآخرين من خارجها، والذين استحسنوا هذا التوجه وأيدوه فقد قررنا التالي:
أولاً: مشاركة المرأة في مجلس الشورى عضواً، اعتباراً من الدورة القادمة وفق الضوابط الشرعية. ثانياً: اعتباراً من الدورة المقبلة يحق للمرأة أن ترشح نفسها لعضوية المجالس البلدية، ولها الحق كذلك في المشاركة في ترشيح المرشحين بضوابط الشرع الحنيف.
قرار جريء ومنصف
أشاد الدكتور علي جمعة، مفتي مصر، بهذه الخطوة الرائدة قائلاً: «يأتي القرار الجريء لخادم الحرمين تأكيداً عملياً لرفع الإسلام لمكانة المرأة، وإكرامها بشكل يفوق كل القوانين الوضعية، فقد جعل النساء شقائق الرجال. ومن النصوص الشرعية التي تؤكد احترام الإسلام لحقوق وآدمية وكرامة المرأة، مثل الرجل تماماً، قوله تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون» آية 97 سورة النحل.
وتأكيده لنفس المعنى في قوله تعالى: «وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا» آية 124سورة النساء».
وأنهى مفتي مصر كلامه بتحذير من يتعمدون انتقاص الناس، سواء كانوا نساءً أو رجالاً، حقوقهم سواء في الانتخابات أو غيرها من أنواع الظلم، بأن يكون مصيرهم مع من قال الله فيهم: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا» آية 58 سورة الأحزاب.
قضاء على التقاليد الظالمة
وأشارت الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية جامعة الأزهر، إلى أن «قرار خادم الحرمين جاء منصفاً للمرأة، رغم وجود تيار معارض ما زال متمسكاً بتقاليد تظلم المرأة باسم الإسلام، وحرمانها من حقها في الانتخاب، أو قيادة السيارات، أو السفر القصير الآمن بدون محرم، وهم في هذا يخالفون المساواة بين الرجال والنساء في الثواب والعقاب بناء على أفعالهم، حيث يقول الله تعالى: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ» الآية 195 سورة آل عمران. فقد جعلت هذه الآية للمرأة من الحقوق مثل ما للرجل».
وهاجمت الدكتورة آمنة من يخالف اعطاء المرأة حقّها بحجة أن المرأة ناقصة عقل ودين، قائلة: «هؤلاء يلبسون الحق بالباطل، ويخالفون الوصية النبوية الدائمة للرجال بالنساء في قوله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيراً». أما بالنسبة لنقصان العقل والدين للمرأة فإنه يتعلق بأمور فطرية وتكاليف شرعية، وليس تقصيراً منها، وهذا ما يوضحه الرسول، صلى الله عليه وسلم، حين قال: «ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن». قالت امرأة: يا رسول الله وما نقصان العقل والدين؟ قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل وتمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين». ومن ثم فإن قرار خادم الحرمين يعد قضاءً على التقاليد البالية الظالمة للمرأة».
وأنهت الدكتورة آمنة ردودها بالتأكيد على أن المستدلين بالحديث النبوي، الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: «ذَلَّ من ولَّى أمره امرأة»، وفي رواية: «ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، قائلة: «من يتمسكون بذلك يجهلون مناسبته، وأنه كانت له ظروف خاصة، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يريد أن يبين أن الدولة «الفرس» التي يتحدث عنها ستسقط، ولن يكون لها وجود. فكسرى سقط وسقطت من ورائه ابنته التي تولت الرئاسة، ولهذا فإن هذا اليوم أشبه ما يكون بالعيد للمرأة السعودية التي بدأت تستمتع بحالة إصلاح متواصلة».
صفعة لظالمي المرأة
وقال الشيخ هاشم إسلام، عضو لجنة الفتوى في الأزهر: «هذا القرار الحاسم من خادم الحرمين يعد صفعة لمن يستحلون ظلم المرأة باسم الدين، لأنه من المؤسف أن بعض مجتمعات المسلمين ما زالت تنتقص من هذه الحقوق والرعاية، بسبب تعصب ذكوري أعمى أو تقاليد بالية وظالمة، تمت نسبتها ظلماً وزوراً إلى الإسلام وهو منها براء.
ولهذا يجب أن يقتدي قادة بعض الدول العربية والإسلامية التي تظلم المرأة بقرار خادم الحرمين في إعادة الأمور إلى نصابها، وتطبيق عملي للتكريم الشامل لكل البشر ذكوراً وإناثاً في قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً » آية 70 سورة الإسراء».
وأنهى الشيخ هاشم إسلام كلامه، بالتأكيد أن حق المرأة في الانتخاب والترشح حق أصيل وأساسي، لا يقل أهمية عن حقها في التملك والإجارة والبيع والشراء وسائر العقود والتعليم، بما لا يخالف دينها، وطالما يتم وفق الضوابط الشرعية التي لا تحلل حراماً أو تحرم حلالاً.