سيادة العلاقات النفعية

تقول رئيسة جمعية «ماتقيش ولادي» (أي لاتلمس أبنائي) نجية أديب إن "ظاهرة تشغيل الأطفال معقّدة، يتداخل فيها الاقتصادي والاجتماعي، خاصة في ظلّ تراجع قيم التضامن وسيادة العلاقات النفعية، "فبالأمس البعيد كانت الأسر  الميسورة والمتوسطة تتبنى بعض بنات العائلات المعوزة، وتسهر على تربيتهن وتدريسهن، وتعليم الطفلات حرفة الخياطة ومهارات الطبخ دون أن يتم اعتبارهن خادمات، بل متعلّمات، ومتى وصلن إلى سن الزواج تدبرت هذه العائلات أمورهن. أما الآن فالصورة أصبحت قاتمة، إذ لم تعد الطفلات عرضة للاستغلال  في الأشغال المنزلية فحسب، بل صارت تطالهن الاعتداءات الجنسية أحيانا والتعذيب الجسدي. وهذا ما يجعلنا لا نطمئن إلى ما ذهبت إليه الأرقام الرسمية  حول تراجع معدلات عمل الأطفال. وفي كل الأحوال لا بد من بذل المزيد من المجهودات التي يجب أن ترسخ بالتحفيز لا بالعقاب".

تقدّم ملموس

اعتبرت وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن نزهة الصقلي أن هذا المشروع يكتسي أهمية قصوى ويشكّل تقدما ملموسا في مجال الحماية الاجتماعية لخدم البيوت من الأطفال، مضيفة أن إيجابية هذا المشروع تكمن كذلك، في كونه يعزّز التقدم الحقيقي الذي يعرفه المغرب في مجال الحماية الاجتماعية.  

ولفتت إلى أن النقطة الأساسية التي عملت عليها الوزارة، والتي تضمّنها المشروع، هي منع تشغيل الطفلات (أقل من 15 سنة) كخادمات في البيوت وتجريمه، وإقرار عقوبات زجرية للمشغلين والوسطاء الذين ثبت في حقهم استغلال هذه الفئة من الأطفال.

وضع مقلق

من جهتها، توضح رئيسة منتدى الزهراء  بثينة قروري أن "الأرقام تتحدث عن وجود أكثر من 70 ألف خادمة قاصرة يعملن في البيوت بأجور زهيدة، والظاهرة تأخذ خطا تصاعديا مع ارتفاع مؤشرات الفقر، في حين نجد أن الحكومة المغربية الممثلة في وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن قد تبنت خطة عمل وطنية للطفولة في سنة 2006، يشكل برنامج «إنقاذ» لمنع تشغيل الخادمات الصغيرات جزءا منها، وهو البرنامج الذي لم يتم تفعيله إلى الآن".

تهديد الطفولة المغربية

من جهتها أكدت عضو المكتب الإداري لمنتدى الزهراء للمرأة المغربية سمية بنخلدون أن فشل السياسات الحكومية في ملف الطفولة يضع هذه الفئة الناشئة في وضع مقلق، مشيرة إلى أن العديد من الدراسات والتقارير الوطنية والدولية تكشف عن أرقام تدقّ ناقوس خطر يهدد الطفولة المغربية، ومن ذلك البون الشاسع بين النصوص القانونية من جهة والواقع الصعب الذي تعيشه هذه الفئة في المجتمع المغربي من جهة ثانية.

وثمّنت الباحثة في قضايا المرأة والأسرة جميلة المصلي خطوة الإفراج عن مشروع القانون. وقالت: «إن القانون الجديد يستتبع ملاحظات على بعض البنود وسيعرف مقاومة شديدة من السماسرة الذين يتاجرون بالخادمات ويستغلّونهن أبشع استغلال».

تكريس للحقوق

وصرّح وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الناصري أن هذا المشروع يرمي إلى ضبط العلاقات التي تربط بين هذه الفئة من الأجراء بمشغّليهم، وذلك بهدف إقرار حماية اجتماعية لهم ومنحهم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
ولفت إلى أن المشروع ينصّ على اعتماد تسمية «العمّال المنزليين» بدل تسمية «خدم البيوت» تكريسا لمفهوم العمل اللائق، ومنع تشغيل عمّال منزليين إذا كانت أعمارهم تقلّ عن 15 عاما، وإقرار العقوبة نفسها المقررة في مدونة الشغل في حالة تشغيل الأطفال أقل من 15 عاما وإقرار عقوبة زجرية على الأشخاص الذين يتوسطون، بصفة اعتيادية، في تشغيل العمال المنزليين. 

ويندرج وضع إطار قانوني خاص بهذه الفئة حسب وزير التشغيل (العمل) جمال أغماني في سياق توفير الحماية القانونية للخادمة وتحسين ظروف عملها وصون كرامتها ودرء أي استغلال قد يطالها، تكريسا للحقوق التي تضمنتها الاتفاقيات الدولية المتعلّقة بحقوق الطفل كالاتفاقية الأممية لسنة 1989 حول حماية حقوق الطفل، واتفاقية العمل الدولية رقم 138 حول السن الدنيا للقبول في العمل، والاتفاقية رقم 182 حول محاربة أسوأ أشكال عمل الأطفال. واعتبر أغماني أن إخراج هذا المشروع الجديد إلى حيّز الوجود يأتي استجابة لتأهيل التشريع المغربي مع مقتضيات الدستور الجديد وملاءمته مع مضامين اتفاقية العمل الدولية، ولاسيما الاتفاقية والتوصية الدوليتين اللتين اعتمدهما مؤتمر منظمة العمل الدولية في حزيران/يونيو الماضي والمتعلّقتين بالعمل اللائق للعمال المنزليين.

صدر أخيراً في المغرب مشروع القانون الجديد المتعلّق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلّقة بالعمّال المنزليين، بعدما عرفت ظاهرة تشغيل الأطفال في المنازل والاعتداءات المتكررة على هذه الفئة انتشارا واسعا، وتراوحت بين التعذيب والاعتداء الجنسي ووصلت إلى حد القتل كما حدث أخيرا مع الطفلة خديجة. «لها» رصدت آراء مسؤولين ومهتمّين حول القانون الجديد وظاهرة تشغيل الطفلات في البيوت على الخصوص.


صادقت الحكومة المغربية على مشروع قانون يقضي بتنظيم العمالة في البيوت ويمنع تشغيل الفتيات اللواتي تقلّ أعمارهن عن 15 سنة. ويتضمّن أحكامًا عامة تتعلّق بتحديد مفهوم العامل المنزلي بأنه «كل شخص يقوم بشكل مستمر مقابل أجر بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت، كالتنظيف والطبخ وتربية الأطفال أو العناية بفرد من أفراد البيت أو سياقة سيارة لأغراض البيت، وإنجاز الأعمال الخاصة بالحدائق أو الحراسة»، كما يؤكد منع تشغيل الأفراد ما دون سن 15سنة، بينما يضع شروطًا لتشغيل الأفراد ما بين 15 و18سنة، تتمثل في ضرورة الحصول على رخصة مكتوبة من الأبوين أو وليّ الأمر، شرط عدم تشغيلهم في الأشغال الشاقة.

كما يُنظّم الباب الثالث من المشروع الراحة الأسبوعية والعطلة السنوية وأيام الأعياد المغربية والدينية، وكذلك أيام العطلات المرتبطة بحالات وفاة أحد الأقارب. أما الباب الخامس، فينظم الأجر الذي يتلقّاه العامل المنزلي مقابل العمل الذي يُقدّمه لصاحب البيت. وتم الاتفاق على إخضاع تشغيل العمّال المنزليين الأجانب لرخصة من الوزارة المكلّفة بالتشغيل، كما منح مفتش الشغل صلاحيات إجراء محاولات الصلح بين المُشغِّل والعامل المنزلي، حيث تُوثق العلاقة المهنية بمقتضى تصريح في ثلاث نسخ يوقعها من طرف المُشغِّل والأجير، بالإضافة إلى الاتفاق على آلية المراقبة والعقوبات في حال خرق مقتضيات هذا القانون.