الأم الـعـامـلـة بين الشعور بالذنب وتحقيق الذات

كارين إليان ضاهر 15 ديسمبر 2018

في أيامنا هذه، زاد عدد الأمهات العاملات بشكل ملحوظ حيث تركز المرأة على العمل لتحقق ذاتها وطموحاتها. لكن في الوقت نفسه، تقع الأم العاملة ضحية شعور بالذنب يرافقها باستمرار نتيجة إحساسها بالتقصير تجاه أطفالها، فيما تعجز أيضاً عن التخلّي عن عملها، إما لأنه يشكل جزءاً من طموحاتها أو لأن ظروفها الاقتصادية تفرض عليها ذلك. وعلى الرغم من أهمية عمل الأم لتحقق ذاتها وتكون مثالاً لأطفالها الذين يفخرون بها، فإن الشعور بالذنب تجاه أطفالها يوقعها في أخطاء عدة تؤثر سلباً في علاقتها بهم وطريقة تعاطيها معهم. الاختصاصية في المعالَجة النفسية شارلوت خليل تتحدث هنا عن إيجابيات عمل الأم وتحقيق ذاتها، لا على شخصيتها فحسب بل على شخصية أطفالها أيضاً، فيما تشدد على أهمية الحرص على تجنّب الأخطاء التي يمكن أن تقع فيها الأم لتعويض غيابها عن أطفالها.


- ما الذي تسعى المرأة إلى تحقيقه من خلال العمل؟
تطمح المرأة عامة الى أن تكون أمّاً ناجحة، سواء كان أبناؤها أطفالاً صغاراً أو راشدين، وأن تكون زوجة مثالية وموظفة ناجحة في عملها. طموحاتها هذه تؤدي إلى زيادة الضغوط عليها في سعيها لأن تحقق ذاتها وتنجح على كل الصعد فتكون أمّاً صالحة وزوجة ناجحة.

- ماذا عن الحالة النفسية للأم العاملة؟
من الطبيعي أن تشعر الأم التي تسعى للنجاح في عملها بالذنب تجاه أطفالها لعدم قدرتها على التواجد معهم في مختلف الأوقات، وهذا يعرّضها لضغوط كبيرة. كما يمكن أن تشعر بالتقصير في هدف آخر من الأهداف التي وضعتها لنفسها، كالتقصير في عملها. وتكمن المشكلة في أنها تجد نفسها عاجزة عن التخلّي عن أي من الطموحات التي رسمتها. وربما تُلزمها ظروفها الاجتماعية أو الاقتصادية بالعمل فتعجز عن التخلّي عنه، مما يزيد حدّة الضغوط عليها، خصوصاً إذا كانت أمّاً فتشعر بالتقصير نحو أطفالها.

- كيف ينظر الأطفال إلى أمّهم العاملة، هل يتأثرون سلباً بعملها؟
على العكس، الأم العاملة تشكل مثالاً لأطفالها فيشعرون بالفخر ويتمثّلون بها، سواء كان الطفل صبياً أو فتاة. ومن الواضح أن أطفال الأم العاملة يعتمدون أكثر على أنفسهم ويتمتعون بمزيد من الاستقلالية.

- هل يمكن القول إن الأم العاملة غالباً ما تقصّر تجاه أطفالها؟
في الواقع، العكس هو الصحيح. فقد أثبتت دراسات عدة أن الأم العاملة تكون أكثر حرصاً على أطفالها وتتابعهم بشكل أفضل مقارنةً بربّة المنزل. فهي تلاحق الأمور الأساسية المرتبطة بأطفالها وتكون حريصة على أدق التفاصيل المتعلقة بهم وترافقهم في الخطوات الأساسية في حياتهم. في المقابل، قد تكون ربّة منزل ولا تلازم أطفالها إلى هذه الدرجة في مراحل وخطوات حياتهم الأساسية. عموماً، تكون الأم العاملة أكثر حرصاً على عنصر الوقت الذي تمضيه مع أطفالها، لأن الوقت ينقصها فتعرف قيمته وتقدّرها. ومع هذا، من الطبيعي أن تشعر الأم العاملة بالذنب والتقصير تجاه أطفالها، لأنها تبتعد عنهم مرغمةً لضيق وقتها.

- هل هذا يعني أن عمل الأم يعتبر عنصراً إيجابياً ينعكس على علاقتها بأطفالها؟
ثبُت ذلك في الدراسات، فمما لا شك فيه أن عمل الأم ينعكس إيجاباً على علاقتها بأطفالها، ويجب ألا يُسبب ذلك مشكلة لها. أفضل مثال على ذلك حين يُطلب من الأم في الطائرة أن تضع قناع الأوكسيجين قبل أن تضعه لطفلها، حيث يجب أن تهتم بنفسها أولاً لتتمكن من الاهتمام بطفلها بشكل أفضل. كذلك في الحياة، إذا لم تهتم الأم بنفسها وبحياتها وشخصيتها وطموحاتها فلن تقوى على الاهتمام بأطفالها بشكل جيد. فثقتها بنفسها وسعادتها تنعكسان على علاقتها بأطفالها.

 - في المقابل، ما الأخطاء التي يمكن أن ترتكبها الأم العاملة في تعاطيها مع أطفالها؟
على الرغم من أهمية عمل الأم لما يقدّمه لها ولعلاقتها بأطفالها فيما تسعى لتحقيق ذاتها وطموحاتها، يلازمها الشعور بالذنب والتقصير تجاه أطفالها، فتقع في أخطاء عدة في تعاطيها معهم، لعل أبرزها:

*غالباً ما تسعى الأم العاملة إلى تعويض غيابها عن المنزل بإغداق الهدايا على أطفالها فيما يعتبر هذا خطأ فادحاً يجب عدم الوقوع فيه، لأن تعويض الغياب بالهدايا يُفسد الطفل.

*قد تعوض الأم عن غيابها بعلاقة صداقة تقيمها مع طفلها، ويعتبر هذا أيضاً من الأخطاء. فمن المهم بناء علاقة ثقة مع الطفل، لكن مع عدم إغفال أهمية التراتبية في العلاقة والتي يجب أن يحفظها الطفل ويحرص عليها حتى لا ينسى أنها أمّه، سواء غابت عنه أو لا.

  • تميل الأمهات العاملات إلى التسامح المفرط مع أطفالهن، فيلغين القواعد والقوانين ويفضّلن عدم فرضها على الطفل تبريراً لغيابهن عن المنزل. في الواقع، القانون يبقى قانوناً، والطفل يحتاج إلى القوانين والانضباط والاحترام بغض النظر عما إذا غابت أمه عن المنزل أو عادت متعبةً من عملها. ثمة أصول معينة وحدود يجب الحرص عليها مع الطفل، أياً كانت الظروف. هذا ويجب عدم تبرير كل الأخطاء بمسألة الغياب عن المنزل، فالأم تعمل لتأمين حاجات الطفل، وعلى الأخير أن يعي ذلك.
  • انطلاقاً من ذلك، يمكن القول إن عمل الأم يعتبر صحياً وإيجابياً لها ولأطفالها ولا مشكلة فيه، بل على العكس. الشرط هو أن تكون الأمور مدروسة، وأن تُحسن الأم التوفيق بين عملها وأمومتها فتقوم بالخطوات الصحيحة وتسيطر على الشعور بالذنب الذي قد يوقعها في أخطاء عدة، سواء مع أطفالها أو في حياتها الشخصية.