'المعلّقات' ...

طلاق, حرية المرأة, قضية / قضايا النساء المعلّقات, طبيب نفسي, المحاكم , الحضانة

11 مارس 2013

السجناء موجودون خلف القضبان بسبب جريمة اقترفوها، والقليل مِن مَن يقبع في السجون مظلوم حتى تثبت براءته. إلا أن هناك سجناً آخر تكون النساء فقط فيه سجينات ومقيّدات بدون جرم، فتتراكم حولهن الآثار النفسية والعواقب الاجتماعية التي تزداد مع زيادة السنوات.  فالكثيرات من الزوجات تصبح حياتهن رهن الاعتقال ولا يمكنهن العيش بسلام، بسبب انتظارهن لورقة الطلاق التي طالبن بها، فيترك الزوج زوجته «معلّقة» لا حول لها ولا قوة بسبب طلبها الانفصال عنه، وتقبع سنوات تتخبط في ردهات المحاكم للحصول على وثيقة الطلاق، بغية التخلّص من قيد زوج لا وجود له سوى على الورق. قصص كثيرة ومختلفة لنساء لسن متزوجات ولا مطلقات التقتهن «لها» للتعرف على معاناتهن.


أم
 مشاري: الطمع والجشع والمصلحة صفة زوجي وأسرته

«الطمع والجشع والمصلحة عنوان زواجنا» بهذه العبارة بدأت أم مشاري (ربة منزل) حديثها وقالت: «تزوجت بطريقة تقليدية من عريس تقدم لخطبتي ووافقت عليه أسرتي. وخلال فترة زواجي كان والدي يساعدنا مادياً بسبب ظروف زوجي. لم أعترض، ولم أمانع السكن مع والديه، وعشت أول أشهر زواجي بسعادة، ولكن بعد مدة بسيطة بدأت الأمور تتغير وظهر على حقيقته هو وأسرته».

اكتشفت أم مشاري بعد مدة أن زواجها منه ليس أول زواج له، فهو وأسرته  «عصابة»، بحسب ما وصفت، يبحثون عن زوجة تنفق عليهم، وبعدها يوهمها الزوج بالسفر بعثة إلى الخارج، ويسافر ويتركها، وتقوم والدته برفع قضية تتهم الزوجة فيها  بأنها ناشز، ليحثوها على رفع قضية الطلاق، ويساوموها على مبلغ للحصول على وثيقة الطلاق، وهذا ما حدث معها. وتحكي عن خديعة السفر قائلة: «بدأت إجراءات البعثة إلى أميركا لأكمل دراستي هناك ليذهب معي، حينها علمت بحملي، وكانت أسرتي مسافرة إلى مصر فترة الإجازة. وحين أخبرت زوجي بحملي فوجئ، وفي اليوم التالي وجدتهم حجزوا لي تذكرة إلى مصر لألحق بأسرتي، وعلمت بعدها بزواجه من إمرأة أخرى. استقريت في مصر لمدة سنة وأربعة أشهر بعد علمي بزواجه، وأنجبت هناك ابني، وحين عودتي إلى الوطن، بدأت والدته تتودد لي، فحسبتها من أجل الطفل ورؤيتها له، وبعد الزيارة الثالثة عرفت سبب هذا التغيير. استغربت بعد هذه الحادثة اتصالاً وردني من زوجته الجديدة تحذرني منهم، ومن أنهم سيحاولون خطف ابني».


طلبوا مبلغ نصف مليون لأحصل على ورقة الطلاق

أقامت أم مشاري دعوى طلاق على زوجها، فعلمت أنه سافر إلى اميركا وأن أمه لديها وكالة منه، وأقامت دعوى حضانة للطفل ودعوى «نشوز» على الزوجة، وبدأت مساوماتهم لها.  «كنت مستعدة أن أدفع أي مبلغ للتخلّص منهم وإعادة المهر الذي دفعه والذي لا يزيد عن 20 ألف ريال. ولكن طمعهم كان أكبر، فطلبوا مبلغ نصف مليون ليتم الطلاق، وبعد المساومة تمكنوا من الحصول على مبلغ 180 ألفاً قبل الطلاق، و100 ألف بعد الطلاق، وكانت أسرتي مستعدة لدفع أي مبلغ». أربع سنوات أمضتها أم مشاري في منزل أهلها معلّقة حتى حصلت على حريتها بالمال. وتقول: «أحمد الله أنني تمكنت من الخلاص، والقوة التي وجدتها بداخلي حصلت عليها من أفراد أسرتي الذين دعموني وساندوني ووقفوا بجانبي. وأنصح جميع السيدات اللواتي يرغبن في الطلاق لسبب جوهري أن يحصلن على الدعم من أسرهن، ويتحلين بالصبر، ولا يتقوقعن على أنفسهن لأن الحياة جميلة».


أم سالم: ساومني بحضانة طفلي مقابل وثيقة الطلاق

أصبحت متخوفة من خوض تجربة الزواج مرة أخرى، بسبب المعاناة التي حصلت معها لتتمكن من الحصول على ورقة الطلاق. هذا ما حصل مع أم سالم الموظفة في القطاع الخاص التي تقول: «تزوجت من رجل يكبرني بعام واحد، ومع أنني أنهيت دراستي الجامعية وأعمل في منصب إداري، لم يثنني الموضوع عن الرضا بالزواج من رجل لم يكمل دراسته الجامعية وكان يمارس أعمالاً حرة بسيطة على حسابه الشخصي، فبنظري لا يعيب الرجل عمله أو دراسته ما دام متفهماً».

كانت الأشهر الأولى من زواجهما أحلى الأيام، ولكن تبددت سعادتها إلى خلافات ومشاكل كثيرة بسبب صراع فرض الرأي على الآخر: «كانت معظم خلافاتنا تبدأ بقرار يؤخذ من أحدنا ويصرّ الآخر على رفضه، ومع عنادنا ازدادت الفجوة بيننا. هدأت الأمور لفترة حين علم بحملي، ولكنها لم تنتهِ نهائياً، وكأنها كانت هدنة موقتة».

بعد إنجابها طفلها عادت المشاحنات أكثر من السابق، ولم تعد تتحمل: «خلال فترة زواجنا التي استمرت سنة ونصف سنة تخاصمت معه وعدت إلى منزل أسرتي أربع مرات، وكان في كل مرة يعتذر ويعيدني إلى منزلنا. ولكن صبري بدأ ينفد، خاصة مع ازدياد الخلافات واتساعها. وآخر مرة ذهبت إلى منزل أسرتي رفضت العودة إليه وأخذت ابني معي. فكان أن أخذ ذهبي وخبأه في منزل أسرته، وحين طلبت الطلاق، بدأ يساومني على طفلي لأحصل على الطلاق، فأضطررت لرفع قضية طلاق وقضية حضانة للطفل. وتمكنت بعد معاناة استمرت سنتين عشتهما معلَّقة أن أحصل على وثيقة طلاقي، وأحصل على حضانة طفلي، لأن القوانين لدينا تمنح الأم الحضانة في السنوات الأولى». تختم أم سالم قائلة: «في كل مرة تخبرني والدتي عن عريس تقدم لخطبني تصيبني حالة من الفزع والخوف، وهذه الحالة لا يمكنني السيطرة عليها مهما حاولت، فأنا أرفض الارتباط مرة أخرى وتكرار التجربة».


منال . خ: لم أشعر بالمعاناة التي تعيشها المعلّقات لصغر سني

تزوجت قبل 24 عاماً وكانت صغيرة لا يزيد عمرها عن 14 عاماً، واستمرّ زواجها سنة واحدة أنجبت خلالها طفلاً، وحصلت على وثيقة طلاق بعد أربع سنوات وثمانية شهور. هذه سطور تختصر حكاية منال (موظفة في القطاع الخاص) ومعاناتها لتحصل على الطلاق. تروي التفاصيل قائلة: «تزوجت صغيرة وتركت دراستي، وكانت أسباب طلاقي كثيرة وأهمها عمري الصغير فلم أتمكن من استيعاب مسؤولية الزواج والبيت. وأيضاً من أسباب فشل زواجي فارق العمر بيني وبينه، والبيئة الأسرية التي تربى كل منا فيها، فهو شخص محافظ جداً وأنا من أهل مدينة جدة وطباعنا لا تتشابه في كثير من الأمور».

رفض أهلها حصولها على الطلاق بسبب حداثة الزواج وصغر سنها، فخوفهم من كلام الناس جعلهم معارضين لهذا الأمر، لأن مسمى مطلقة غير مقبول من أفراد المجتمع. ولكن بعد مدة تأكدت أسرتها من عدم تقبلها للحياة الزوجية فرضخوا للأمر، وتقبّلوا فكرة الطلاق. شعرت بالمعاناة خلال فترة، حين أقدم زوجها على أخذ طفلها مدة ثلاثة أشهر، فلم تتحمل بعده عنها، وتأزمت نفسيتها، مما جعل أسرتها تضغط على الزوج ليتنازل عن الطفل بعد اتفاق لا تعرف تفاصيله. تقول: «لم أشعر بالمعاناة التي تعيشها المعلّقات لصغر سني، ولوقوف والدتي بجانبي وعودة طفلي إليّ، وإصرارها على أن أكمل دراستي. ومع انشغالي بتحصيلي الدراسي لم اشعر بأي مشكلة، لكن هذا لا يمنع أني كنت «معلقة» لأربع سنوات وثمانية أشهر، وسعدت كثيراً بحصولي على وثيقة الطلاق».


الرأي القانوني: عدم دراية المرأة بحقوقها وقلّة عدد القضاة سببان لتعليق الزوجات

تقول المحامية بيان زهران إن قضايا المرأة ومشاكلها كانت تطمس في السابق أو يتأخر الخوض فيها، أما في السنوات الأخيرة فظهرت على السطح الكثير من القضايا النسائية وأهمها الطلاق والمعلقات. واعتبرت قضية المعلقات «شائكة، فتعليق المرأة أمر غير شرعي لا يرضى عنه الإسلام، كما أن المرأة في فترة تعليقها تتعطل أمورها المدنية، لأن المعاملات لدينا تحتاج إلى وجود رجل (ولي أمر)».

وأضافت: «كثرة قضايا المعلّقات لها أسباب عدة أولها قلة عدد القضاة أمام القضايا المنظورة، وثانياً التفكير في الطلاق على أنه ليس له أسباب وتلام عليه المرأة. ومع تعاملي مع الكثير من هذه القضايا، أجد أن المرأة لا تقرر الطلاق إلا إذا طفح بها الكيل، وعندما تشعر بأنها أصبحت الرجل والمرأة في المنزل ومسؤولة عن جميع الأمور، فلو نظرنا في مسألة الطلاق تكون المرأة هي المتضررة الوحيدة». وأشارت إلى أن من العوامل التي تطيل بتّ هذه القضايا عدم دراية المرأة بحقوقها كاملة، والإجراءات التي عليها إتباعها، وتمنت على وزارة العدل طباعة كتيب صغير خاص بالمرأة وحقوقها، وزيادة عدد القضاة بما يتناسب مع عدد القضايا.


الرأي النفسي:

تصف الطبيبة النفسية سارة الخضري الزوجة المعلّقة، قائلة: «هي كالسجين المظلوم تماماً مسلوبة الحقوق الشرعية والإنسانية، ليست متزوجة وليست بمطلقة، ليس لها حرية الاختيار، ولا القرار، كذالك معطلة عن أغلب الأمور التي تحتاج إلى ولي أمر. لا تستطيع الزواج من رجل مناسب آخر، ولا تستطيع أن تكمل حياتها بشكل سليم.. وتتأثر نفسية المرأة المعلقة  بسلبيات عديدة منها الحزن، والكآبة، والحيرة، والقلق، وتكون الاضطرابات بحسب النفسية والبيئة الاجتماعية التي تعيش فيها، وإذا وجد أطفال فينشأ جيل مضطرب نفسيا لان العنصر الأساسي، وهو الأم، مظلوم ومسلوب الحقوق.

وأوضحت الخضري أن العلاج يتم وفق شخصية المرأة، فهناك شخصيات صامدة وقوية لا تيأس، وتستمد قواها ممن حولها، وهناك من تحتاج إلى دعم وعلاج نفسي دائم مستمر، وفي بعض الأحيان تضطر إلى تناول الدواء لتحسين المزاج وتخفيف الضغط، وذلك بالطبع يكون تحت إشراف طبي.
وتعود أسباب رفض الزوج للطلاق، كما ترى خضري، الى الظلم والعناد وقهر للزوجة، وعدم معرفة ما له من عقاب عند الله تعالى لقولة سبحانه: «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»، وهناك من يعلّق المرأة بدون طلاق لفترات طويلة من أجل طمع مادي، فورقة الطلاق يمكن أن توفر له مقابلاً مالياً كبيراً.