إشكالية الختان: حبس وتغريم الأب والأم والطبيب وكل من شارك فيها

القاهرة - أحمد جمال 05 يناير 2019
تجاوب كبير أثاره تقدم الدكتورة نادية هنري، عضو مجلس النواب المصري، بمشروع قانون جديد لمحاصرة ظاهرة الختان، بمضاعفة العقوبات على كل من يشارك في هذه الظاهرة التي ما زالت منتشرة في مصر رغم جهود الدولة، فهل ينجح مشروع القانون الجديد في القضاء على هذه الجريمة؟


في البداية، تقول النائبة الدكتورة نادية هنري: “هناك الكثير من الجهود التي تبذلها مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالمرأة عموماً وبالختان خصوصاً، وعلى الرغم من ذلك لم يتم التخلّص من هذه العادة السيئة في مصر، ولا يزال القانون عاجزاً عن التصدي لمرتكبي هذه الجريمة، رغم أن الختان يعتبر جرحاً متعمّداً ويُحدث ضرراً، وفي بعض الأحيان يُسبّب عاهة مستديمة، وقد يفضي الى الوفاة، وصدق من قال “من أمِن العقوبة أساء الأدب وخالف القانون”.

وتضيف: “بسبب هذا القصور القانوني، فأنا مستعدّة للتقدّم بمشروع قانون لتعديل المادة 61 من قانون العقوبات، الخاصة بختان الإناث، وتحويل جريمة ختان الإناث من جنحة إلى جناية، لأنها تنتهك الجسد والروح، ويبقى أذاها ملازماً للطفلة مدى الحياة، فتصدر عنها أفعال وتصرفات تعود بالضرر على المجتمع ككل، ولذلك أطالب بأن تشمل العقوبات الوالدين، وكذلك الأطباء المتورطين في هذه العملية”.

وعن تفاصيل مشروع القانون الذي تقدمت به، تقول: “أطالب من خلال المشروع بإنزال عقوبة السجن لمدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على ثلاث سنوات، وبدفع غرامة لا تقل عن عشرة آلاف ولا تزيد على 50 ألف جنيه، لكل من ارتكب هذه الجريمة أو شارك فيها. والخطأ في النص السابق أن العقوبة تقتصر على كل من أحدث جرحاً، بينما الجريمة لا تقتصر على من أحدث الجرح فقط، بل يجب أن تشمل كل من شارك فيها، أي من بتر أو استأصل أي جزء من الأعضاء التناسلية الأنثوية، بهدف ختن الإناث، وإذا أدى هذا الفعل الى عاهة مستديمة، تكون العقوبة السجنَ المشدّد، وإذا أفضى الى وفاة المجني عليها، تكون السجن المؤبد، وأطالب أيضاً بعدم إعفاء كل من بادر من الجناة الى الإبلاغ عن هذه الجريمة أو تخفيف العقوبة عنه، في مسعى لتغيير ثقافة المجتمع”.

وعن اعتقاد البعض بأن الختان جزء من الدين، وأن علماء الدين يشددون على وجوب خضوع الفتيات لهذه العملية، تؤكد الدكتورة نادية أن هذا الاعتقاد خاطئ، لأن لا الدين ولا الطب ولا القانون يجيز هذه الفعلة الشنيعة. وعلى الرغم من ذلك، تبدو العادات أقوى من كل هؤلاء، كما أن الأعراف والموروثات تتغلب على الدين والعلم في بعض المناطق في مصر، علماً أن علماء الأزهر حرّموا ختان الإناث، لكن لم يكن هناك إجماع على ذلك، لأن بعض الشيوخ غير المعتمدين ما زالوا ينادون بختان الإناث ويفتون بوجوبه، ولذلك فنحن نطالب أيضاً بمراقبة رجال الدين، لأن كلمتهم مسموعة بل تلقى رواجاً عند بعض الفئات.

وعن سبل القضاء على الختان، توضح الدكتورة هنري أن استئصال هذه الآفة لا يكون بالقوانين والإجراءات القانونية فحسب، بل نحن نحتاج أيضاً إلى إرادة سياسية والعمل على إيجاد تيار مناهض لختان الإناث، يشارك فيه ممثلون عن الإعلام ووزارة الثقافة ووزارة التعليم والمؤسسات الدينية والمجتمع المدني. فلكلٍ من أفراد المجتمع دوره في الحدّ من هذه الظاهرة، بالإضافة إلى إيجاد الآليات المناسبة لتطبيق العقوبات المنصوص عليها.

التجريم الاجتماعي

تؤكد الدكتورة عالية عبد العال، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أن الختان عادة بربرية وحشية موروثة من أيام الفراعنة، ووصلت إلى مصر مع القوافل التجارية إلى “بلاد بنط” في جنوب النيل، خاصة الصومال وإثيوبيا، وانتقلت إلى العصور القبطية ثم إلى العصور الإسلامية كعادات توارثتها الأجيال، لكن في الفترات الأخيرة أصبح الناس يعتقدون أنها جزء من الدين، وهذا اعتقاد منافٍ للحقيقة، لأن الختان ليس من الدين، كما أنه غير موجود في الغالبية العظمى من الدول العربية والإسلامية، ولا حتى في شبه الجزيرة العربية حيث مهد الإسلام، ومن المؤسف أنه لا يزال منتشراً في مصر رغم التجريم القانوني.

وهنا توضح الدكتورة عالية، أن “التجريم الاجتماعي” لا يقل أهمية عن “التجريم القانوني”، حيث تكون هناك حالة رفض واستهجان اجتماعي لهذه العادة الممقوتة وغير الإنسانية، ولا يمكن الوصول إلى هذا التجريم الاجتماعي إلا من خلال نشر الوعي الأسري؛ من خلال تكامل جهود مؤسسات الإعلام والثقافة والتربية والتعليم؛ ومنظمات المجتمع المدني لخلق “ثورة اجتماعية مضادة” لهذه الجريمة التي ما زالت تمارَس رغم التجريم القانوني بسبب معتقدات خاطئة حيث يتم ربط الختان بالدين والعفة؛ إذ تعتقد العامة أن المختتَنة أكثر عفة، مع أن العفة بمفهومها الصحيح مرتبطة بالتربية الصحيحة وليس بالختان.

التجريم هو الحل

تؤكد الناشطة الحقوقية نهاد أبو القمصان، المحامية ورئيس المركز المصري لحقوق المرأة، دعمها لمضاعفة تجريم عملية الختان، التي تعد “وصمة في جبين مصر”، ولهذا لا بد من معاملة القائمين بها على أنهم مجرمون ارتكبوا جريمة مباشرة في حق البنات، بل وفي حق المجتمع ككل، ولهذا يجب تطبيق العقوبات على كل من يُجري ويشارك ويحرّض على هذه الفعلة الشنيعة وغير الإنسانية.

وتوضح نهاد أبو القمصان، أن الختان من أوسع ظواهر العنف ضد المرأة انتشاراً في مصر، الأمر الذي يعدّ أكبر إساءة الى سمعة مصر في الخارج، إذ يشير التقرير الذي أصدرناه من خلال المركز المصري لحقوق المرأة في عام 2017، إلى أن غالبية المصريات في الفئة العمرية من 18 إلى 64 سنة خضعن للختان، وللأسف يتم ذلك في المدن والأرياف والصعيد بنِسب متفاوتة، علماً أنه نتيجة جهود الدولة ومنظمات المجتمع المدني سُجّل تراجع في هذه النِسَب لدى الجيل الجديد من الفتيات، أي من هن دون 15 عاماً.

وتشير أبو القمصان إلى أن هناك شريحة واسعة من المجتمع شديدة الإيمان بضرورة الختان، ويزيد من تشدّدها أنها تحاول ربطه بالدين والعفة، وبالتالي فإن أرباب هذه الأسر المقتنعة بالختان لا يستجيبون لتحذير الأطباء من خطورة ختان الإناث على بناتهم، ولا لكلام علماء الدين عند القول بأن الختان لا علاقة له بأيّ دين وإنه عادة سيئة، ولا يصدّقون أن الدولة منعت ختان الإناث على يد الأطباء، فيتجهون إلى “الدايات” أو “القابلات” لختن بناتهم في السر، وهذه الفئة لا سبيل للتعامل معها إلا بتطبيق العقوبة المغلظة حتى ترتدع عن ارتكاب هذه الجريمة، ومع تطبيق القانون وتشديد العقوبة ستنتهي هذه العادة على المدى البعيد.

وتختتم نهاد أبو القمصان كلامها مؤكدةً أن “العلم في الصغر كالنقش في الحجر”، هكذا كما يقول المثل الشهير “الذي أراه أفضل تعبير عن مجزرة الختان التي تناقلتها الأجيال، ولهذا لا بد من التركيز على توعية الأجيال الجديدة، وتشديد العقوبة القانونية على الأجيال الأكبر سنّاً”.

الترغيب والترهيب

عن الأضرار النفسية التي تلحق بالمختتَنة، يؤكد الدكتور أيمن عامر، مدير مركز البحوث والدراسات النفسية في جامعة عين شمس، أن جريمة الختان تعد من أسوأ الجرائم التي يتم من خلالها “التدمير النفسي” للطفلة البريئة، وتظل هذه الذكرى السيئة عالقة في ذهنها طوال حياتها، بل وقد تتسبب في إصابتها بأمراض نفسية يصعب علاجها، فضلاً عن المشكلات المتعلقة بالعلاقات الزوجية في ما بعد، لأنها قد تؤدي إلى فشل الحياة الزوجية بسبب بتر الأعضاء التناسلية للبنت، مما يؤثر فيها كزوجة.

ويطالب الدكتور أيمن عامر، بإعمال مبدأ “الترغيب والترهيب” مع أسَر البنات الصغيرات، بمعنى منع بعض خدمات الدولة عن الأسر التي تختن بناتها، بالإضافة إلى العقوبة القانونية، وفي الوقت نفسه تقديم الدعم والمساندة المادية والمعنوية للأسر التي تستجيب للتوعية وصوت العقل، وتمتنع عن ارتكاب هذه الجريمة، ولا بد من أن تصاحب عملية “الترغيب والترهيب” حملات إعلامية مكثفة للإبلاغ عن أي أسرة تختن بناتها، ومعاقبة كل من يساهم في تنفيذ هذه الجريمة، التي تعمّ على نحوٍ أوسع في الأوساط الريفية والصعيد، بينما تنخفض في المدن والحاضرة إلى حد كبير، كما أنها تزيد بين من يعانون من الأمية الأبجدية والثقافية، بينما تقل بين المتعلمين.

وينهي الدكتور عامر كلامه، مؤكداً أن جريمة الختان تُرتكب في حق البنت تحت شعار ما يسمى خطأً صون “العفة والحفاظ على الشرف”، من دون الالتفات إلى الآثار النفسية المدمرة، حيث تؤكد الإحصائيات أن الأمراض النفسية ونِسب الطلاق وفشل الزواج أعلى بين المختتَنات من غيرهن، وللأسف فإن الأهل أكثر من يساهم في تدمير الفتاة بالختان، بدلاً من إرساء قواعد الأخلاق والقيم الإنسانية السليمة.