رودني الحداد: نحن مناضلون حقيقيون... وأغار من نادين لبكي

كارولين بزي 02 فبراير 2019
على الرغم من صراحته وجرأته، يتصرف بديبلوماسية. يعترف بأنه شارك في مسلسل “لآخر نفس” بسبب انسحاب أحد الممثلين منه، وأخرج مسلسل “كارما” لأنه قادر على تلقّف المشكلة وتحمّل تبعاتها. لا ينكر الممثل والمخرج والكاتب اللبناني رودني الحداد أنه يغار من نادين لبكي بعد النجاح الذي حققته في “كفرناحوم”، ولكنه يصف غيرته بالتنافسية، ويعتبر أن نجاحها نجاح له. لا يستخدم رودني مواقع التواصل الاجتماعي لأنها في رأيه تعطي الصلاحية لأشخاص غير مؤهلين، ويتحدث عن الدراما والسينما والمسرح في هذا الحوار...


- لماذا وافقت على أن تكون بديلاً للمخرج السابق لـ”كارما”؟

لأن هناك مشكلة، وإذا أمكنني حلّها، فلمَ لا. لكن إذا أردت أن أختار نصاً لأعمل عليه كمخرج، لما كنت قد اخترت هذا النص، أو ربما عالجته بطريقة مختلفة، كأن أنتظر وأعطي النص وقتاً أطول، لا أن أعمل عليه خلال جلوسي خلف الكاميرا.

- هل عدّلت في السيناريو؟

دعيني أقول في البداية، إنه لا يمكننا إلقاء اللوم على الكاتب رامي كوسا، لأنه كتب النص بسرعة قياسية بناءً على طلب المنتج، ولأنهم مرتبطون بكلمة مع الناس، لذلك لم أتمكن من العمل على السيناريو بالشكل الصحيح خلال التصوير. كنت مساعداً للكاتب، وبموافقته كُتب النص من جديد. ساعدته في تركيب النص لكي ينتهي من كتابته بأسرع وقت ممكن.

- بما أنك كاتب، إذا طلب منك أن تكتب نصاً بسرعة قياسية، هل كنت لتفعل؟

لا أبداً، حتى أنني أسديت لهم النصح بعدم القيام بتلك الخطوة، لكن رامي رأى في ذلك تحدّياً له، فقلت له “برافو” لو أمكنك القيام بذلك. أنا لا أكتب بهذه الطريقة، ولكن أضطر أحياناً للتعديل في سيناريو واحد في وقت قصير.

- كيف تصف تجربتك الإخراجية الأولى في العمل الدرامي؟

لم أكن أُجرّب، بل كنت أطبّق ما أعرفه. لا يمكنني أن أجرّب، لأنني مُجبر على إخراج الحلقة في غضون يومين، وهذا الوقت القصير لا يسمح للشخص بأن يتعلّم، بل يُلزمه بتنفيذ ما يعرف على وجه السرعة. الظروف الإنتاجية لم تسمح لي بالتجربة، لذا طبّقت ما أعرفه. أن يستكمل مخرج عمل مخرج آخر، فهذا يرتّب عليه تحمّل ما قدّمه الأخير بجوانبه الجيدة والسيئة. الفكرة أننا نستكمل عملاً كان قد صوّر حوالى النصف من مشاهده.

- هذا يعني المزيد من الصعوبات!

بالتأكيد، ففي هذه الحالة لا يسعنا إلا التحكّم بالمونتاج الذي هو جزء كبير من الإخراج.

- هل المشكلة كانت في الإنتاج؟

المنتجة المنفّذة دعمتني كثيراً، لكن نجد أحياناً أشخاصاً يفتقرون الى الثقافة والمعرفة، أي يجهلون بقوانين العمل، وبالتالي على كل العاملين في هذا المجال أن يكونوا مطّلعين على هذه القوانين. والمشكلة، إذا وُجد شخص واحد جاهل بالقوانين، فهو يؤثر في العمل ككل. هذا هو لبّ المشكلة، والحلّ يقضي بأن نختار ممثلاً جيداً كي يؤدي عمله على أكمل وجه، كما يمكنه من خلال هذا العمل أن يعكس صورة عن شخصيته للناس. يمكننا أن نوجّه الآخرين أو نرشدهم، فإذا كان الشخص جاهلاً فيتعلّم، ولكن الأهم ألا يقول إنه لا يرغب في التعلّم. في المحصلة الفنون تشبهنا، إذ إن جزءاً من الشعب يعمل في الفن. على سبيل المثال، نردّد أن الدولة فاسدة لأن الشعب فاسد، فمنذ فترة، وبسبب التحضير لعيد الاستقلال، شهدت غالبية الشوارع زحمة سير خانقة تحدّث عنها كل الشعب اللبناني، وهاجم الدولة لعدم احترامها للمواطن، لكن في المقابل، إذا كان السير منظّماً، هذا المواطن نفسه كيف كان سيتصرف؟! هو حتماً سيقود سيارته بالطريقة نفسها، فالمواطن هو عماد الدولة، وإذا كان صالحاً صلُحت الدولة.

- بعد غياب دام سنوات عن الدراما، عدت مع “لآخر نفس” في 2017، لماذا التأرجح بين الغياب والعودة؟

المشكلة في مسلسل “لآخر نفس”، أن أحد الممثلين ترك العمل، ولم يكن عندي متسع من الوقت للقراءة والمناقشة والاعتراض، فبمجرد أن تسلّمت النص بدأت بتصوير العمل. أعجبني النص وفكرته الجادة، ولا يخلو الأمر من بعض المشاكل التقنية التي طرأت على العمل.

- هل هي تجربتك الأولى مع بديع أبو شقرا؟

لا، سبق أن عملنا معاً في فيلم “كارلوس”. بديع صديقي “اللي بجنن”، شهادتي فيه مجروحة والعكس صحيح (يضحك).

- تتشاركان في الأفكار السياسية والثورية!

لسنا ثوريين نحن مناضلان حقيقيان في الفنون، وبطبعي لا يمكنني الوقوف الى جانب الغلط. مثلاً، منذ فترة وجيزة حضرت نتائج مهرجان المسرح الوطني اللبناني، ولم أرضَ عنها لأنها لم تكن عادلة ولا حتى موضوعية.

- ما رأيك بالمسرح اليوم؟

أصبح المسرح اليوم أفضل حالاً. في السابق كان العظماء عظماء وإن لم يذكرهم أحد، أما اليوم فالعاملون في المسرح جيدون ويقدّمون عروضاً راقية ولائقة، وهناك من يقدّم ريبرتوار عالمياً كل سنة أو سنتين، فالفنون لا تتطور فجأة، إنما هناك تراكم خبرات وتوريث في هذا المجال... توريث الفن للمجتمع.

- من هم الثلاثون في المئة الذين كنت قد استغنيت عنهم في “كارما”، بعد أن عددت نحو 70 % من العاملين في المسلسل خلال مقابلة لك على قناة MTV؟

أنا لا أخطئ في الامتحان، وربما قلت ذلك لأفُهم المُشاهد أن أخطاء شابت العمل لكني لست مسؤولاً عنها ورغم ذلك سأتبنّاها بما أن اسمي موجود في “تتر” العمل. أنا لا أخطئ في نوع العمل سواء كان درامياً أو تراجيدياً... دوري كمخرج أن أساعد الممثل في ألاّ يخطئ بالنوع، ولكنْ هناك ممثل لم أستطع أن أقدّم له المساعدة في هذا الإطار.

- ما رأيك في ستيفاني صليبا كممثلة؟

نجحت ستيفاني في تطوير أدائها في وقت قصير، وإذا أكملت على هذا النحو فهي حتماً ستصل. لكن عليها أن تتنبّه لأصول المهنة، وكواليس التصوير، خصوصاً أن لديها رغبة عارمة في التقدّم وقدرة عالية على الاكتساب، حتى أنها تؤدي بالطريقة التي أراها أنا مناسبة، وهذه خطوة صعبة على الممثل.

- أسألك من جديد، لماذا غبت عن الدراما؟

لم أغب عن الدراما، ففي العام الماضي قدّمت عملاً وهذا العام أيضاً... الصناعة تحتاج الى وقت. أحاول أن أقدم شيئاً مختلفاً وجديداً.

- وما هو المختلف؟

أن أتابع النص كمخرج منذ ولادته، إذ إن كل المشاكل والحلول تكمن في النص. فكلما كان النص مكتوباً بحِرفية، تخفّ المشاكل التي قد نواجهها لاحقاً، ونبدأ بالعمل إذا وفّقنا في اختيار الفكرة، إذ نعاني أزمة كتّاب في التلفزيون.

أُقاطعه...

- وهل في السينما كُتّاب؟

بل محاولات. هناك فيلم لجورج هاشم اسمه “نار من نار”، وهو من أهم الأفلام العربية، ونفتخر به لأن نصّه ممتاز وإخراجه رائع، وإن تخلّلت الفيلم بعض الثغرات، لكنها ليست في النص ولا في الإخراج، وهما الأهم. ربما بدا أداء بعض الممثلين دون المستوى المطلوب، ولكن جورج هاشم كان المنتج والكاتب والمخرج، وقام بهذه الخطوة وذهب بها إلى الأخير. كما أنه لم يساير أحداً في الموضوع الذي طرحه، إنما كتب عن شيء يخصّه ويخصّنا. الفيلم لم يحز جوائز عالمية، ولكن يجب أن أشير إلى أمر ربما لا يعرفه الجمهور، وهو أن الإنتاج يؤثر كثيراً في الفيلم لجهة مشاركته في المهرجانات، حتى لو كان الفيلم ذا مستوى عالٍ.

- هل يعاني المنتجون مشكلة مع رودني حداد؟

أعتقد أنه يُفترض بالمنتجين أن يبنوا لي تمثالاً، لأنني أنقذتهم مراراً، وبالتالي لا أعاني مشكلة مع أحد. ولكن من يعاني مشكلة معي فهو متخاصم مع نفسه، ويدرك أنه إذا ناقشني فسيتغير منحى العمل، وهو ما يرفضه تماما. ولكن في المقابل ثمة من يرحّبون بالتغيير.

- كيف تصف ترشيح فيلم نادين لبكي لجائزةGolden Globe؟

أسعدني ذلك كثيراً، وأنا أفرح لأي لبناني يقدّم عملاً لائقاً ويصل به الى العالمية، وأشعر أن لي يداً في ذلك. صحيح أننا لم نتعاون في “كفرناحوم”، لكنني أعمل مع نادين منذ فترة طويلة، فنجاحها هو نجاحي. ربما أغار منها، لكنها الغيرة التنافسية التي تفضي الى أفضل الأعمال. وأعتقد أنه إذا وُجد 10 مخرجين مهمّين في لبنان فهذا يعني أننا نؤسّس لمستقبل جيد.

- هل ستكتب عملك وتقوم بإخراجه؟

لا مشكلة لدي في أن أُخرج عملاً ليس من كتابتي، لا بل أفضّل ذلك. من الجميل أن يعمل المخرج على إخراج نص لم يكتبه بعيداً من أنه كاتب. لم أخطئ في فهم الفكرة الأوروبية، فثمة حملة أُطلقت في فرنسا للترويج لسينما المؤلف، أي أن المخرج يكتب فيلمه، ولكن هذا خطأ لأنه تخلّى عن الكُتّاب، فإذا قصّر المخرج في السيناريو فهو يعوّض في الإخراج، وبالتالي في إمكان السيناريست أن يكتب عملاً أفضل بكثير من المخرج. ولكن إذا كان المخرج سيناريست ففي إمكانه أن يكتب لغيره، وإذا أعطيته فكرة يستطيع أن يؤلف منها نصاً، وهذا يجعله متقدّماً على الباقين في مجال سينما المؤلف.

- هل كان من الأسهل لك أن تكون الممثل والمخرج في الوقت نفسه؟

الممثل مخرج لدوره، إدارة الممثل هي جزء من الإخراج، ثلاثة أرباع الإخراج يقوم على اختيار الممثلين في البداية، لأنك تأتين بالممثل مخرجاً لدوره. في لبنان ممثلون جيدون، علماً أنه يتم الترويج لفكرة أن ممثلي الوطن العربي هم الأفضل، وأنا أرفض ذلك وأؤكد أنه على الرغم من قلة عدد الممثلين اللبنانيين، يبقى أداء الممثل اللبناني هو الأفضل وقد بلغ مستوى عالمياً. الأهم أن يعرف المخرج كيف يتعامل مع الزمان والمكان، فهذا ملعبه، وكل ما عدا ذلك هو تصوير، إذ إن التصوير والاخراج مختلفان... فالاخراج يبدأ بالسيطرة على الزمان والمكان، ثم تأتي الفكرة الحاكمة والنتيجة أو الوصول إلى الهدف المرجو.

- ماذا تحضّر من أعمال حالياً؟

أعمل على مشروع راقٍ جداً، ولكنه يحتاج إلى وقت.

- أهو مسلسل أم فيلم؟

مسلسل، وأعتقد أنه لم يعد هناك فارق بين المسلسلات والأفلام، (هنا) الموجة التي سارت مع Netflix إذا تابعتِ ما قلته منذ سنوات، كنت أتحدث عن ان يكون العمل عشر حلقات، وهي فكرة ليست رائجة حالياً على التلفزيون. إذ ان اليوم عدد الحلقات يتعلق بمتطلبات التلفزيون، وكلما زادت تزيد نسبة العمل. لنحسن علينا أن نحسن ظروف الانتاج، وظروف الانتاج تلحق السوق وسوقنا صغيرة. مثلاً الذي لم يعجبني بما قدمه غيري وحتى أصدقائي المقربين أنه كان عليهم أن يستثمروا في المنتج اللبناني، والاستثمار يكون إما بالمال أو بالوقت، لتقديم عمل خارج الصندوق، بممثلين ونص وإخراج. إذا أردت أن ادخل عملاً كمخرج لن أستطيع أن أقدم عملاً تجارياً فقط، سأقوم بتعديل النص وإذا كتبته بنفسي سأكتب نصاً يشبهني. ما حصل معي في “كارما”، حسناته اكثر من سيئاته، كنت أفضل أن أكون مخرجاً على عمل أنا متأكد منه وسيناريو مضبوط مئة بالمئة وجاهز ونأتي إلى العمل من دون أي مشاكل، ولكن هذا ما حصل وأعتقد أنه كان هناك خطر، ولكني أستطيع أن أتحمله. بعد عشر سنوات لن يتذكر أحد ظروف المسلسل بل سيتذكرون النتيجة.