مش قبل 18 تستكمل طريقها... طفلات مطلقات والقوانين مجمدة

كارولين بزي 10 فبراير 2019

الزواج أحد القرارات المصيرية في حياة الفرد، وبالتالي يحتاج اختيار الشريك الى التأني والوعي الكامل بكل المسؤوليات التي تتبع هذه الخطوة. يعتبر الزفاف حلم كل فتاة، ولكن أحياناً نصادف فتيات صغيرات تزوجن وخلال التحدّث عن حياتهن يبكين ونبكي معهن... لقد انتقلن إلى بيوت رجال أصبحوا أزواجهن، وعليهن خدمة هؤلاء الرجال أو الصبر على التعرّض للضرب، عدا عن أنهن طفلات سيربين أطفالاً... في هذا التحقيق نسلّط الضوء على زواج القاصرات بالإضافة إلى القوانين الدولية التي تحمي هؤلاء القاصرات، إلى جانب استكمال حملة الـ16 يوماً التي نظّمت مؤتمراً وطنياً للتشديد على مطلب “مش قبل الـ18”.


طفلة مطلّقة بسبب الخيانة

عرضت إحدى حلقات برنامج “أحمر بالخط العريض” الذي يقدّمه الإعلامي اللبناني مالك مكتبي، لتجربة 3 فتيات، هنّ عائشة وشيماء وتبلغان من العمر 13 سنة، وفاطمة ابنة العشر سنوات. وترى عائشة أن الفارق بين المرأة والطفلة، هو أن المرأة تتحمل مسؤولية زوجها وأولادها وبيتها، بينما الطفلة تذهب إلى المدرسة وتلعب وتتسلّى. تزوجت عائشة من ابن خالها وهي لا تزال في الثالثة عشرة من عمرها وانفصلت عنه قبل أن يمضِ عام على زواجهما. لم تنتقل عائشة للعيش في منزل زوجها، فقد انفصلت عنه لأنه خانها مع إحدى صديقاته. وتشير عائشة إلى أن والدتها ألزمتها بأن تحترم زوجها وتتحمّل مسؤولية المنزل... وهذا كل ما كانت تعرفه عن الزواج. إثر الانفصال، تحلم عائشة بالعودة إلى المدرسة لتكمل تعليمها وتحقق طموحها بأن تصبح طبيبة.

امرأة في جسد طفلة

تعرّف شيماء عن نفسها بأنها طفلة في جسد امرأة، وتقول: “الطفلة إنسان بريء ولم يكتمل نموه الجسدي بعد، بينما المرأة ناضجة وتقيم علاقة زوجية”. تزوجت شيماء من ابن عمها، علماً أنها كانت قد حضرت حفل زفافه حين كانت في السابعة من عمرها. وتلفت إلى أن والدتها طلبت منها أن تحترم زوجها، وفي حال ضربها عليها أن تصبر، فلزوجها أطفال من امرأة أخرى، وهي تتولّى تربيتهم. تتحسر شيماء، لكنها تطمح في أن تكمل دراستها وتصبح ممرضة.

الأم تشترط على الابنة الزواج

فاطمة فتاة في العاشرة من عمرها، تزوجت وتركت المدرسة. قبل أشهر أخبرتها والدتها بأنها ستتزوج وتذهب لخدمة زوجها. رفضت فاطمة وقالت إنها ستبقى مع صديقتها “لولو”، فاشترطت الأم على الابنة أن تتزوج لكي تبقي “لولو” إلى جانبها.

● تزوجت طفلة وانفصلت مع 3 أولاد

أما هدى فهي فتاة لها العمر 14 سنة، كانت مشرقة وتحب الدراسة. لكن فجأة انتشر خبر ارتباطها برجل كانت قد تعرّفت اليه منذ فترة قصيرة. تركت هدى المدرسة، وعلم رفاقها بخبر حملها، وأنها تشعر بالخجل من أساتذتها، ولذلك توقفت عن الدراسة. بعد مرور سنوات على الزواج، وبلوغ هدى سنّ التاسعة عشرة، أنجبت ثلاثة أولاد لكنها انفصلت عن زوجها. تطلّقت هدى وهي لا تدرك عواقب ما أقدمت عليه. لقد تركت دراستها، ولم تحصل على أي شهادة علمية، وأصبحت في وقت قصير أماً ترعى أطفالها، في وقت هي الأحوج فيه الى الرعاية.

طفلة تربي أطفالاً

في الثالثة عشرة من عمرها تركت “سهام” المدرسة، وفرحت بفكرة الفستان الأبيض وبأنها ستصبح عروساً وتنتقل للعيش في بيت زوجها. في العام نفسه كانت على موعد مع الحمل، وعلامات الطفولة لا تزال مرتسمة على محيّاها. التقيت بها في فترة حملها، فراحت تحدّثني وكأنها امرأة ناضجة خبرت الحياة بصعوباتها وتفاصيلها. لقد ودّعت الطفولة الى غير رجعة، لأنها ستستقبل أول أطفالها. تبلغ “سهام” اليوم العشرين من عمرها، وفي غضون سبع سنوات أنجبت ثلاثة أطفال، وتعيش مع زوجها بسلام مؤكدةً أنه رجل خلوق ومتفهم. ولكن كل هذا لا يشفع لطفلة بأن تصبح زوجة وأماً تربّي أطفالها، وهي نفسها لم تكمل تعليمها ولم تختبر صعوبات الحياة.

الزواج واختيار الشريك هما أحــد أهــم الحقــوق المكتســبة والمشــروعة للإنسان أينمــا كان، فالزواج هو أحد أهم القرارات المصيرية في حياة كل فرد منا. إذ تجمع كل الدول تقريبـاً علـى ذلـك، فالاتفاقيات التي نشرت، ولا سيما اتفاقيــة حقــوق الطفــلCRC واتفاقيــة القضــاء علــى كل أشــكال التمييــز ضــد المــرأة CEDAWحظّــرت زواج الأطفال. ونصــت المــادة 16 علــى الحــق فــي الحمايــة مــن زواج الأطفــال، بحيــث لا يكــون لخطوبـة الطفـل أو زواجـه أي أثـر قانونـي، وتتخـذ جميـع الإجــراءات الضروريــة، بمــا فــي ذلــك التشــريعي منها، لتحديـد سـنّ أدنـى للـزواج ولجعـل تسـجيل الـزواج فـي ســجل رســمي أمــراً إلزاميــاً.

كما جــاء إعــلان وبرنامــج عمــل بكيــن 1995 ليحــث الــدول علــى الالتــزام بإصــدار القوانيــن الصارمــة لتحديــد الســنّ الدنيــا للــزواج والرضــا بمــا يتــلاءم مــع إنســانية الإنســان. كذلــك دعــا المؤتمــر الدولــي للســكان والتنميــة عــام 1994 كل الــدول للقضــاء علــى زواج الأطفــال وإنفــاذ القوانيــن التــي تضمــن الموافقــة الحــرة والكاملة.

بدورها، قدمت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية عام 2014 مشروع قانون يستهدف “تنظيم التزويج المبكر” في لبنان، من خلال النائب غسان مخيبر، واشترط القانون موافقة قاضي الأحداث قبل تزويج القاصرات وليس فقط وليّ أمرهن.

كما أعد “التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني” عام 2017، وقدّمه إلى مجلس النواب، النائب إيلي كيروز، ويحدّد المشروع السن الدنيا للزواج بـ18 عاماً على الأراضي اللبنانية كافة من دون أيّ استثناء، مع تشديد العقوبات على المخالفين. وهو القانون الأفضل والأمثل، وفق رأيهم لحماية القاصرات.

وفي إطار حملة الستة عشر يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة، نظّمت الأمانة العامة لمجلس النواب اللبناني والتجمع النسائي الديموقراطي والتحالف الوطني لحماية الأطفال من الزواج المبكر، المؤتمر التشاوري الوطني حول تزويج الأطفال والطفلات في لبنان.

رئيسة التجمع النسائي الديموقراطي ليلى مروه، أعلنت “أن التجمع والتحالف باتا يضمّان حتى تاريخه 56 مؤسسة ومنظمة غير حكومية محلية ودولية عاملة في مجال الدفاع عن حقوق النساء والأطفال والنساء، مشددةً على مطلب إقرار الدولة اللبنانية قانوناً يحدد سنّ الزواج في لبنان بـ 18 سنة مكتملة للذكر والأنثى، ومشيرة الى أن هذا الطرح كان قد قدمه التجمع الى المجلس النيابي عبر مشروع قانون قدمه النائب إيلي كيروز، الا انه بعد نقاشات عدة في لجنة الإدارة والعدل النيابية يبدو أن التوجه سوف يكون نحو اعتماد قانون دمج بين اقتراحات قرارات ثلاثة كانت قد قدمت للجنة في وقت سابق، وينص القانون المدموج على تحديد سنّ الزواج بـ 18 سنة مع استثناء حدّه الـ 16 سنة دون تفنيد أو ذكر واضح للاستثناءات”.

وتابعت: “ان نضالنا سوف يرتكز على العمل من أجل وضع القانون على جدول البحث تمهيداً لإقراره، وذلك نظراً لأهمية تأمين إقرار قانون يحمي الأطفال والطفلات، بالإضافة إلى الضغط بالسبل كافة من أجل إسقاط الاستثناءات عبر تشكيل لوبي مناضل من مجموعة من النواب والنائبات والجهات المعنية والمؤثرة الداعمة لمطلبنا”، ولفتت إلى أن “التجمع يصر على إقرار قانون يمنع تزويج الطفلات دون الـ18 عاماً، لأن كل التجارب السابقة في بلد كلبنان، عند إقرار قوانين تتضمن استثناءات، يصبح الاستثناء القاعدة وبالتالي يضرب جوهر القانون وهدفه”.

وتحدثت المقررة الخاصة حول العنف ضد النساء في الأمم المتحدة دبرافكا سيمونوفيك، عن تزويج الطفلات والأطفال وعلاقته بالعنف ضد النساء، مؤكدة “أهمية التعاون وتبادل الخبرات والمعارف بين مختلف الأطراف من أجل وضع حد للعنف ضد النساء وانتهاك حقوق الإنسان”. كما تناولت الآليات الدولية والقوانين التي تتحدث عن القضاء على كل أشكال العنف ضد النساء، مشيرةً إلى أن الزواج المبكر والقسري مواضيع ذُكرت كلها في أجندة التنمية المستدامة”.

من ناحيته أعلن رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية النائب ميشال موسى أن زواج الأطفال والطفلات يعتبر مخالفاً لأبسط حقوق الإنسان التي تصونها الاتفاقات والمواثيق الدولية، ولا سيما منها تلك المتعلقة بحقوق الطفل، والتي تتناول حقوقه في التعليم والتغذية واللعب والرعاية الصحية البدنية والعقلية، كما يجعلهم عرضة للعنف الأسري والاستغلال الجنسي والثقافي والاقتصادي”، لافتاً إلى أن “التصدي لهذه الظاهرة يقتضي تعزيز الحوار وتعميقه بين شرائح المجتمع على اختلاف توجهاتها عبر تكثيف التوعية ومواصلة العمل على الصعيد التشريعي من أجل إيجاد قواسم مشتركة وتدوير الزوايا للخروج بصيغة قانونية تحصّن القاصرات وتصون حقوقهن ومستقبلهن، وتضمن تجاوب الجهات الدينية المعنية لما لها من تأثير بالغ في فئات المجتمع”.

وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسبيان اعتبر أن “مبدأ الـ 18 سنة ليس الهدف، بل الهدف هو الأهلية والدور الفعال والإيجابي الذي تلعبه المرأة في تكوين العائلة الصالحة، وتوجيه الأولاد والشراكة والمشاركة مع الزوج في الأمور المالية والاقتصادية، وأن يكون لها استقلال مادي واقتصادي، ومستوى علمي ومدخول خاص بها، وأن تساهم ايجاباً في تكوين العائلة”.

النائب بولا يعقوبيان التي تطالب بحقوق المرأة وتمكينها منذ أن وصلت إلى الندوة البرلمانية أشارت إلى أن قانون منع تزويج الأطفال والطفلات غير موجه ضد أي دين.

ويُذكر أن أعلـى معـدلات الـزواج المبكـر، أي الـزواج قبـل سـنّ الثامنـة عشـرة، تكمن فـي جنـوب آسـيا إذ تتعـدى مـا يقـارب نصـف الفتيـات وفـي جنـوب الصحـراء الأفريقيـة لتشـمل ثلثهـن. فـي المنطقـة العربيـة، وتبعـاً لنتائـج المشـروع العربـي لصحـة المـرأة PAPFAM ، ترتفع نسبة الزواج المبكر في البلدان العربية ذات الدخل المحدود. ففــي اليمــن تبلغ النسبة 32 في المئة، في السـودان 33 في المئة، وفي الصومـال ترتفع النسبة إلى 45 في المئة، وتتخطى في جنـوب السـودان الخمسين في المئة. ويتراجع معدل تزويج الفتيات في سن مبكرة في كل من تونس والمغرب وليبيا إذ لا يتجاوز 2 في المئة، وعلى الرغم من أن نسبة زواج القاصرات 17 في المئة في مصر، إلا أنها تعـد الأكبـر نسبةً إلى عدد سكانها.