«يا ريتك إنت بابا»... حين يصبح الأب مأساة لأطفاله!

فرح جهمي - فرنسا 20 أبريل 2019
رغم التقدّم الكبير في مجال حقوق الأطفال خلال العقود الماضية، لا يزال الملايين منهم يُحرمون يومياً من حقوقهم. وما زلنا نرى حياة الكثيرين منهم تُنتهك بفعل حرمانهم من حقوقهم البديهية.


"يا ريتك إنت بابا"، عبارة خجولة يكرّرها الطفلان كريم (7 سنوات) ومحمود علولو (5 سنوات) على مسمعيّ والدتهما بعد انفصالها عن والدهما. فالأخير يرفض منذ ولادتهما منحهما حقهما في الهوية اللبنانية بسبب إهماله وانعدام مسؤوليته. إذاً، من يتكفّل بترميم ما يهدمه الأهل في نفوس الأطفال؟

أب يحرم أطفاله من الهوية

تعاني زينب، والدة الطفلين من أزمة حقيقية بسبب إهمال طليقها لهما وحرمانهما من أبسط حقوقهما بالحصول على أوراق ثبوتية. هذان الطفلان الضعيفان يعيشان في لبنان من دون حاضر ولا مستقبل. فالأب يفضّل إلحاق الأذى بهما بدلاً من حمايتهما وتوفير الشروط اللازمة لبناء حياة كريمة لهما... الهوية.

تعيش الشابة البالغة من العمر 26 عاماً وعائلتها أسوأ مرحلة في حياتهم بسبب إهمال الوالد الذي يحرم أطفاله من أبسط حقوقهم. وهي عاجزة عن تسجيل الطفلين في المدرسة لعدم امتلاكهما أوراقاً ثبوتية. إلا أنها، وبمساعدة رئيس البلدية والمختار تمكّنت من تسجيلهما في المدرسة باستخدام ورقتيّ الولادة اللتين تشكّلان الدليل الوحيد على وجودهما. وتخاف الأم من أن يُصاب طفلاها بأي مرض، نظراً الى الصعوبة التي ستعانيها في إدخالهما إلى المستشفى، للسبب نفسه. الأمر الذي خبرته فعلاً حين أُصيب طفلها كريم بالتهابات حادة في القصبة الهوائية، كادت تودي بحياته، مما استوجب دخوله الى المستشفى، ليوافق قسم الطوارئ في أحد المستشفيات على معالجته بضمان هوية والدته اللبنانية.

أب يُلحق ضرراً نفسياً واجتماعياً بطفليه

يُلحق هذا الأب الذي توارى منذ أكثر من 8 أشهر عن الأنظار ضرراً نفسياً واجتماعياً بطفليه من خلال حرمانهما من الحب والرعاية والحماية والشعور بالأمان. وهذا يشكل من دون أدنى شك تهديداً لصحتهما النفسية، ويؤدي الى قصور في نمو شخصيتيهما. ليس هذا فحسب، بل إن هذا الأب يمارس أيضاً عنفاً عاطفياً على طفليه ويمنعمها من حقهما في التعليم والطبابة لأنهما لا يمتلكان أيّ أوراق تثبت وجودهما على الأراضي اللبنانية. كما أنه يرتكب جرماً مضاعفاً بإهمال طفليه وحرمانهما من دفء الأسرة، ومن الاحتياجات البيولوجية العادية من مأكل ومشرب وكساء...

وفي ظلّ هذه الظروف الصعبة والضغوط المفروضة على زينب، تجد نفسها مرغمة على القيام بالدورين معاً. فهي تعمل لساعات طويلة بأجر زهيد لا يتخطّى الـ200 دولار شهرياً لتؤمّن حاجات طفليها الأساسية فقط، لعدم تلقّيها أي مساعدة من الدولة اللبنانية، وفي غياب قانون يحميها ويحمي طفليها.

القانون الأوروبي يحمي الأطفال والأمهات معاً

تحاول الحكومات اللبنانية المتعاقبة تطبيق اتفاقية حقوق الطفل التي نصّت عليها الأمم المتحدة. لكن لسوء الحظ، لا يزال هناك الكثير من التحديات التي تعيق الالتزام ببنود تلك الاتفاقية. وهي لذلك تعجز عن تقديم تلك الحقوق المعمول بها في الغرب. تعيش السيدة الفرنسية بولين دوفوشيل الحالة نفسها في فرنسا، إلا أن القانون ينصف أطفالها الثلاثة ويدعمها مادياً واجتماعياً ونفسياً من خلال منحها معاشاً شهرياً لتأمين ضرورات العيش للأطفال.

ويسمح القانون الفرنسي للأمّهات بتسجيل أطفالهنّ في ورقة العائلة الخاصّة بهن وأن يحملوا اسم عائلاتهن، على عكس ما هو حاصل في الدول العربية، حيث يُحظّر على الأم أن تضع أطفالها ضمن خانة عائلتها، كما لا يحق لها استصدار هويات لهم في غياب الزوج. هذا التفصيل يضع العديد من الأطفال في مواجهة غير متكافئة مع التسلّط الذكوري المفروض على مجتمعاتنا.

وعلى عكس مجتمعنا العربي، يولي القانون الأوروبي الأهمية لحماية الطفل من أيّ عنف أسري، وكذلك لإعادة تأهيله في حال تعرّض للتعذيب من جانب أهله. وتجنّد الحكومات الغربية المدارس والاختصاصيين في علوم النفس والاجتماع لتوعية الأطفال بحقوقهم الكاملة منذ مراحل التعليم الأولى، وصولاً إلى معاقبة الأهل وحرمانهم من حق تربيتهم، إضافة إلى منع الأطفال من العودة الى المحيط الذي تعرّضوا فيه للعنف.

كيف يتعاطى المجتمع المدني مع ضحايا العنف؟

إلى جانب القوانين الفاعلة، يشارك في حماية الأطفال في الدول الأوروبية عدد كبير من المنظمات والجمعيات ومراكز التأهيل والعيادات، التي تتعاون في ما بينها لتقديم معالجة نفسية للأطفال وإعادة تكوين مفاهيم صحيحة لديهم عن الأسرة.

وفي السياق نفسه، يحاول المجتمع العربي من خلال الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني التغلّب على الواقع من خلال نشر الوعيّ عبر إقامة الندوات الدورية في المدارس وتنظيم الحملات الإعلانية. كما يسعى إلى التعاطي بجديّة مع ضحايا العنف الممارس على الأطفال بمساعدة مختصين يشاركون في عملية التقويم وإعادة الطفل إلى البيئة الحاضنة السليمة والخالية من الخوف والقلق.

ويسعى المجتمع المدني في أغلب الدول العربية أيضاً إلى تطبيق التشريعات والقوانين التي تهتم بقضايا الطفولة. وتعمل بعض المراكز المتخصصة على مدّ يدها للمعنَّفين والمهمَّشين وتعيد إليهم الأمل بحياة تراعي حقوقهم كأطفال.

في الحقيقة، العنف ضد الأطفال موجود بأشكاله كافة في العالمين العربي والغربي، ويبقى الفارق في سبل الحماية المفروضة لإنقاذ هؤلاء. فغالباً ما تغيب قضايا حقوق الطفل واحترامها عن الخطاب السياسي العام في الوطن العربي على عكس الغرب، ما يؤدّي إلى قصور في تنفيذ المواثيق والقوانين بجدّ وفاعلية.

ولا تزال ظاهرة إهمال الآباء والأمهات لأولادهم منتشرة بشكل كبير، لأن التصديق على الاتفاقيات الدولية لحماية الأطفال لا يكفي، بل يجب متابعة كيفية تطبيقه مع مجاراة تعديله في بعض الحالات الصعبة كحالة زينب وطفليها.


● يشكّل المجلس الأعلى للطفولة في لبنان، وهو تابع لوزارة الشؤون الاجتماعية،المرجعية الوطنية المعنية بمشاكل الأطفال وكل ما يتعلق بحقوقهم. كذلك هناك عدد كبير من الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني التي تهتم بقضايا الطفولة، والتي تمد يدها للمعنَّفين والمهمَّشين لتنتشلهم من واقعهم المرير، وتعيد إليهم الأمل بحياة تراعي حقوقهم كأطفال.

وبين المرجعيتين الرسمية والأهلية يقع دور الاتحاد لحماية الأحداث، وهو جمعية ذات منفعة عامة تعمل لمصلحة الأحداث وتتمتع بصلاحيات تخوّلها التدخل لحمايتهم.

● صادق لبنان في العام 1990 على المعاهدات والاتفاقيات التي تحمي حقوق الطفل، والتي نصّت عليها منظمة "اليونيسف". لكن رغم ذلك، هناك أكثر من 120 ألف طفل، تتراوح أعمارهم بين 6 سنوات و14 سنة، خارج المدرسة. ويعمل أكثر من 10 في المئة من الفتيان والفتيات. و60 في المئة من الأطفال يتعرّضون في منازلهم الى نوعٍ واحدٍ على الأقلّ من الممارسات التأديبية العنيفة.

ويحتفل لبنان في العشرين من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام باليوم العالمي للطفولة، ويجدد التزامه بتعزيز حقوق الطفل لتوفير عالم أفضل لكل فتاة وفتى، ويؤكد حقّهما في العيش والصحّة واللعب والتعلّم، وفي الانخراط في حياة أسرية حقيقية، وحمايتهما من العنف والتمييز، والإصغاء إليهما.