مؤسِّسة مجموعة "دعم المرأة المعيلة" نرمين أبو سالم نسعى لمساعدة المصريات المعيلات وحلّ مشكلاتهن

القاهرة - أحمد جمال 27 أبريل 2019

تشهد مصر ازدياداً مطرداً في أعداد النساء المعيلات حتى مثّلن 30 في المئة من المصريات، وهذا الواقع دفع مجموعة من الطامحات لحلّ مشكلات المعيلات، إلى تأسيس مجموعة "دعم المرأة المعيلة" على "فايسبوك"، والتي فازت بجائزة التفاعل الإيجابي عالمياً. فما هي قصة هذه المجموعة؟ وما هي أهدافها وطموحاتها؟ وكيف تفاعلت معها المنظّمات النسوية والتشريعية المصرية؟


في البداية تقول نرمين أبو سالم، مدير إدارة الموارد البشرية في إحدى الشركات الخاصة وصاحبة مجموعة "دعم المرأة المعيلة في مصر": "أنشأتُ مجموعة Egyptian Single Mothers، أو "أمهات مصر المعيلات" في 10 نيسان/أبريل 2016، وذلك بعد شعوري بالظلم، فأنا كامرأة عايشت هذه المشكلة في ظل معتقدات وقوانين في مصر تظلم النساء المعيلات بشكل كبير جداً، وبعدما وجدت أن عدد المعيلات من حولي في تزايد مستمر، أدركت أنه حان الوقت لتأسيس مجموعة تكون بمثابة وقفة احتجاجية على السوشيال ميديا، لنؤكد أن المعيلات في مصر يشكّلن حوالى 35 في المئة من إجمالي عدد النساء المصريات، وأننا نواجه مشكلة كبيرة، لأن المعيلة تربّي أجيال المستقبل في ظل ظروف صعبة جداً، وترزح تحت أعباء مادية ونفسية واجتماعية لا تُحتمل".

وأضافت نرمين أبو سالم قائلةً: "المجموعة أُنشئت في الأساس لدعم الأمهات المعيلات، وهي ليست مغلقة على المعيلات فقط، بمعنى أنني إذا أردت أن أدعم شخصاً فلا يمكن أن أدعمه بمفردي، ولا بد من أن أحظى بالدعم من كل فئات المجتمع، ولذلك قررت أن تضم المجموعة خبراء وشركات ومؤسسات وهيئات وسيدات متزوجات ورجالاً.

وأشارت نرمين إلى أن المجموعة تشهد إقبالاً كبيراً، وهي تضم الآن أكثر من 53 ألف عضو، في حالة تفاعل دائم، وفكرتها تقوم على "الفضفضة" من جانب أمهات يعانين مشكلة، أو يطلبن من الأعضاء استشارات قانونية، أو نصائح اجتماعية أو توعوية تتعلق بطرق تربية أبنائهنّ. وبالتالي فالمجموعة على أتمّ الاستعداد لتقديم كل أشكال الدعم للمرأة المعيلة للتخفيف من معاناتها.

وعن كيفية العمل داخل المجموعة، أوضحت نرمين: "العمل تطوعي بامتياز بحيث نعقد لقاءات دورية وننظّم ورش عمل قانونية، سواء على الإنترنت أو في الأماكن العامة، كما يقدّم المحامون في "الغروب" الدعم الكامل لغير القادرات مادياً للمضي في إجراءات التقاضي مجاناً، إلى جانب توفير فرص عمل مناسِبة للأمهات وتشجيع صاحبات الأعمال والتسويق لأعمالهن، ومنذ أن بدأنا العمل ونحن نتلقى عروضاً للمساعدة بشكل يومي، وبينها عروض كبيرة لم أكن أتوقعها، وهذا يدل على أن هناك رغبة مجتمعية عارمة في حل المشكلة".

وعن تفاقم مشكلة الطلاق في مصر، قالت أبو سالم: "عندما نواجه مشكلة مثل مشكلة المرأة المعيلة، علينا أن ندرس جذور المشكلة وأسبابها، وأهم سبب هنا هو الطلاق، والذي يسجّل أرقاماً مخيفة، فللأسف تعتبر مصر البلد الأول عالمياً في معدلات الطلاق، فبلدنا تشهد حالة طلاق كل ست دقائق تقريباً و240 حالة كل يوم، وارتفعت نسبة الطلاق من 7 إلى 40 في المئة في السنوات الخمسين الأخيرة، وهذه ليست تحليلات شخصية، بل تستند إلى إحصاءات رسمية أجرتها مراكز بحثية مهمّة، لعل أبرزها المركز القومي للتعبئة والإحصاء المصري، كما أن هناك ملايين القضايا المتعلقة بمشاكل الأسرة في المحاكم، وقد تبيّن أن 36 في المئة من الأسر المصرية تعيلها امرأة، 86 في المئة منهن مطلّقات وأرامل، ونحن اليوم نواجه كارثة مجتمعية لم يشهد لها العالم مثيلاً، فمشكلة الطلاق والخلافات الأسرية ليست فردية، بل تطاول آثارها المجتمع ككل، ولذلك لا بد من التدخل لحلّها".

وكشفت نرمين أن في نيسان/أبريل 2018، أعلن موقع "فايسبوك" عن مسابقة تُطلق للمرة الأولى على مستوى العالم، عنوانهاFacebook Community Leadership Program، وتُعنى بالصفحات والمجموعات المؤثرة في المجتمع، وترتكز فكرتها على اختيار الصفحات الأكثر فاعليةً وتحقيقاً للأهداف التي أُنشئت من أجلها، من خلال رفع الظلم عن فئات محدّدة في المجتمع، أو حل مشكلة معينة، أو خدمة المجتمع بأي شكل من الأشكال. وبعد أن تقدّمنا للمشاركة في المسابقة، خضعنا لاختبارات لمدة خمسة أشهر ما بين لقاءات موثّقة بالفيديو مع المسؤولين عن "فايسبوك"، واستمارات أو اختبارات مكتوبة، وبعدها اختيرت مجموعة "أمهات مصر المعيلات" ضمن الفائزين في المسابقة، وهذا طبعاً نجاح كبير لنا، لا بل إنجاز عظيم أن يتم اختيار مجموعة مناصِرة للمرأة في مصر ضمن هذه المسابقة، التي اشتركت فيها 46 دولة حول العالم.

أما عن الخطط المستقبلية للمجموعة فقالت نرمين أبو سالم: "بالطبع لدينا الكثير من الخطط المستقبلية، فقد قمت بنشاط إعلامي مكثّف طوال الفترة الماضية لتسليط الضوء على القضية، في محاولة لتعديل أوضاع المرأة المعيلة، وسأستمر في مواصلة نشاطي هذا، ومنذ أن بدأت المجموعة عملها، رصدت الكثير من الثغرات في قانون الأسرة، لذا صغتُ مقترحاً جديداً لقانون الأسرة يحسّن من أوضاع المعيلات، ونعمل حالياً على مناقشته مع نواب في البرلمان ومستشارين في مجلس الدولة، إلى جانب مواصلة التعاون مع المؤسسات المعنية بالمرأة في مصر".

حياة كريمة

أكدت سولاف درويش، وكيل لجنة القوى العاملة في مجلس النواب، استعدادها للتعاون الإيجابي والفعال مع المجموعة للإسهام في حلّ مشكلات المرأة المعيلة والبحث لها عن فرص عمل كريمة ومجزية تمكنّها من إعالة نفسها وأفراد أسرتها في ظل الغلاء الفاحش وندرة فرص العمل، وإن وُجد العمل فيكون الأجر زهيداً. وطالبت النائبة سولاف بضرورة توفير العمل الآمن للمرأة المعيلة في ظل المخاطر التي تتعرض لها، وأهمها التحرّش بكل أنواعه، والذي يصل في بعض الأحيان إلى حد القتل المعنوي ممن لا دين لهم ولا أخلاق، مستغلّين حاجة المرأة المعيلة للمال من أجل الإنفاق على أسرتها، ولهذا لا بد من توفير بيئة صحية لعمل المرأة المعيلة، من خلال عقود منصفة تضمن الدولة تنفيذ بنودها بقوة القانون، ومن ضمن المشروعات المطروحة على مجلس النواب، اقتراح مشروع قانون للخادمات لضمان حقوقهن، ولا بد من أن يظلّل القانون كل فئات المجتمع، ومن ضمنها النساء المعيلات اللواتي يختلف مستوى دخلهن، فمنهن الفقيرات جداً، أو متوسطات الحال، فالطلاق أحدث خللاً في حياتهن ودخلهن.

التمكين الاقتصادي

أفادت الدكتورة مايا مرسي، رئيس المجلس القومي للمرأة، بأن المجلس يعمل على معالجة قضية الأمهات المعيلات من خلال برنامج "دعم المرأة المعيلة" الذي يسعى المجلس لتنفيذه منذ سنوات، ضمن خطة "التمكين الاقتصادي" للمرأة المصرية بصفة عامة، والمرأة المعيلة بصفة خاصة، حيث تمثل نسبة لا بأس بها، وتعتبر من أكثر شرائح المجتمع احتياجاً للرعاية والدعم، حتى تتمكن من تأدية دورها تجاه أسرتها ومجتمعها. وقد أتاحت المنحة المقدَّمة من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، الفرصة للمجلس لدراسة حالة المرأة المعيلة، وإعداد رؤية حولها تضمنت اختيار المحافظات والقرى والجمعيات الأهلية المنفّذة، بعد إجراء بحوث مطوّلة عن أوضاع المرأة المعيلة في 20 محافظة تضم 40 قرية.

وأوضحت مرسي أنه تم تحديد معايير لاختيار النساء المعيلات، منها أن تعيل المرأة أسرة من ضمن أفرادها زوج عاجز عن العمل، ولا يزال أبناؤها في مراحل التعليم الأولى، وكذلك الأرملة والمطلّقة وزوجة السجين والزوجة بلا عائل... وبالتالي تم تحديد المشروعات التي تؤمّن دخلاً كريماً للمرأة المعيلة، مع مراعاة خصائص كل محافظة، والخبرات المهنية المتوافرة لدى المرأة أو تدريبها عليها، مع ضرورة توافر المكان المناسب لتنفيذ المشروع، وأن تكون هذه المشروعات مناسبة للمجتمع المحلي الذي تعيش فيه حتى تتمكن من تسويق المنتَج.

وأنهت الدكتورة مايا كلامها مؤكدةً أن من أنواع الدعم الذي يقدّم للسيدات المعيلات هو منحهن قروضاً بدون فوائد لتأسيس مشروع يدر دخلاً لمواجهة أعباء الحياة، وتم إعداد برنامج متكامل للمتابعة الشهرية الميدانية للحالات المستفيدة، والوقوف على أهم الإنجازات التي تحققت، وإيجاد حلّ للمشكلات مثل إعفاء السيدات اللواتي تتعرض مشروعاتهن لكوارث خارجة عن إرادتهن، من السداد وتعويضهن بمشروعات أخرى.

استراتيجية 2030

ثمّنت الناشطة الحقوقية نهاد أبو القمصان، رئيس المجلس المصري لحقوق المرأة، فكرة تأسيس مجموعة لدعم المرأة المعيلة، لأن هذا يتوافق مع الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، والتي من أهم مبادئها تنمية قدرات المرأة وتوسيع خيارات العمل أمامها، وتحقيق تكافؤ الفرص في توظيف النساء في كل القطاعات؛ بما في ذلك القطاع الخاص، وريادة الأعمال، وتقلّد المناصب الرئيسة في الهيئات العامة والشركات الخاصة.

وأوضحت أبو القمصان أن العمل جارٍ على إصدار دراسات عن السياسات الاقتصادية والتشريعية التي تستهدف دعم النوع الاجتماعي، واستكشاف تأثير الموقع الديموغرافي والمرحلة العمرية في التمكين الاقتصادي، والتعرف على المعوقات التي تواجه الشرائح الأكثر فقراً، وهذا يتوافق مع الاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها مصر، والقوانين ذات الصلة بالتمكين الاقتصادي للمرأة المعيلة، وبالتالي لا بد من تعديل القوانين للتمكين الاجتماعي والسياسي للمرأة.

واختتمت أبو القمصان حديثها موضحةً أن المرأة المعيلة هي الأَولى بالرعاية من الدولة والمنظّمات النسوية وكل مؤسسات المجتمع المدني، ولهذا لا بد من دعم كل فكرة تتوافق مع مساعينا لتمكين المرأة المعيلة اقتصادياً، ولتقدر على مواجهة صعوبات الحياة.