الخط العربي مجال جديد تقتحمه المرأة إبداعات الخطاطات تكشف عن آلام المرأة العربية وآمالها

القاهرة - جمال سالم 05 مايو 2019

تشهد مصر في الفترة الحالية تشجيعاً لعاشقات الخط العربي، حيث يتم تنظيم معارض خاصة بهن لاستعراض مواهبهن في مختلف مجالات الخط، وأقامت وزارة الثقافة معرضاً لإبداعات النساء في الخط للعام الخامس على التوالي، وذلك ضمن فعاليات الاحتفال باليوم العالمي للمرأة. "لها" التقت الخطّاطات وتعرفت على طموحاتهن ومشكلاتهن.


في البداية، يقول الفنان صلاح عبدالخالق، منظّم المعرض والقيادي في الجمعية المصرية للخط العربي، إن في مصر والوطن العربي موهوبات كثيرات في حاجة إلى تشجيعهن واكتشاف مواهبهن، وكذلك تبادل الخبرات والتجارب بينهن، سواء داخل كل دولة أو بين الدول العربية وبعضها، وهناك مساعٍ جادة لتكوين اتّحاد عربي لجمعيات الخط لرعاية الخطّاطات والخطّاطين، كما أنه يحرص شخصياً على تنظيم معرضين سنوياً لفنانات الخط العربي لاكتشاف المواهب وصقلها وتأهيلها للمشاركة في المعارض المحلية والدولية.

ويضيف عبدالخالق، أن غالبية الخطّاطات في مصر من الريف لارتباطه بتعليم القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربية في الكتاتيب منذ الصغر، ويلتحقن بمدارس الخط العربي، وعددها 240 مدرسة ومعهداً، تعلّم النابغات اللواتي ندعو أسرهن لاكتشاف مواهبهن، وتعمل الجمعية المصرية للخط العربي على التواصل مع وزارة التربية والتعليم لتعيين خطّاطين كمدرّسين للخط العربي، خاصة أنه يتم توزيع كرّاسات الخط العربي في المدارس خلال مرحلة التعليم الأساسي، إلا أنه لا يوجد مدرّس خط أصلاً.

ويشير عبدالخالق إلى أن مدارس الخط العربي تعاني إهمالاً شديداً يضع هذا الفن في مهب الريح، مما يمثل تهديداً لهوية الشعوب العربية وثقافتها، ولا يمكن مواجهة هذا الخطر إلا بتعليم الأمّهات أسس الخط العربي، وأفضل مثال على ذلك أن الدكتور محمود أبو النصر، وزير التربية والتعليم المصري الأسبق، سبق أن وافق على كل شروط الخطّاطين وتعيينهم مدرّسين في الوزارة، لأنه يحبّ الخط العربي منذ الصغر، حيث تعلّمه على يد أمه خرّيجة كلية دار العلوم- جامعة القاهرة، وقد غرست في نفسه حب الخط العربي منذ الصغر، وهذا يؤكد أهمية تعليم المرأة فن الخط العربي.

وينهي عبدالخالق كلامه مؤكداً أن هناك إقبالاً شديداً من الفتيات والسيدات على تعلّم الخط العربي، سواء من طريق مدارس الخط أو تنظيم ورش ودورات للخط في الأماكن الثقافية، مثل دار الأوبرا أو المكتبات الكبرى، وتُقدّم المحاضَرات لهن أسبوعياً، حيث يتم تعليمهن القواعد الأساسية وإعطاؤهن تطبيقات عملية ينفذنها خلال الأسبوع، وهناك خطّاطات مصريات شهيرات شاركن في معارض في مصر والدول العربية، مثل أمل حافظ ونبيهة الرفاعي ورشا قاسم وكثيرات غيرهن.

الموهبة

تؤكد الخطّاطة الدكتورة رانيا علاّم، الأستاذة في كلية الفنون التطبيقية، أن موهبتها برزت منذ الصغر، ونمّتها من خلال التعلّم في مدراس الخط العربي وكلية الفنون التطبيقية التي تدرّس فيها، ولم تقتصر موهبتها على الكتابة فقط، بل امتدت إلى استخدام الحروف العربية المنفصلة في خلق لوحات فنية رائعة، وقد نالت هذه الفكرة إعجاباً شديداً من كبار الخطّاطين الذين شجعوها على الاستمرار فيها.

تطالب الدكتورة رانيا بأن يستعيد فن الخط العربي مكانته في المدارس والجامعات، لأنه جزء أصيل من تراثنا، كما أن الخط الجميل يزيد الحق وضوحاً؛ كما قال الإمام علي بن أبي طالب، وهذا لن يكون إلا بتكريم روّاد الخط العربي ورعايتهم، وتعيين الخطّاطين مدرّسين، لأنهم يملكون الخبرة العملية والنظرية معاً، ولهذا قيل "الخـط لسان اليد وترجمان الإنسان".

الارتقاء بالذوق

تشير الخطّاطة هبة محمود إلى أنها تعشق الخط منذ الصغر، وكانت تعجب كثيراً بالخطوط الجميلة، وعندما نضجت صقلت موهبتها بالدراسة في معهد المخطوطات العربية، كما تلقت دورات في الزخرفة وبرعت فيهما معاً، لأن الخطّاطة التي تجيد الزخرفة تكون لديها موهبة مركبة تميزها عن غيرها من الخطّاطات والخطّاطين.

وتشدّد هبة على ضرورة تعيين خطّاطين أصحاب رسالة، ليس في المدارس لتعليم الخط فقط، بل في رياض الأطفال، لأن الموهبة عادةً ما تعبّر عن نفسها، ويبدأ ظهورها في هذه المرحلة، فإذا تم اكتشافها ورعايتها وصقلها بالدراسة، أنتجت في النهاية فنانة متعددة المواهب في الخط والزخرفة والرسم والموسيقى والغناء والتمثيل، وغيرها من الفنون التي تتكامل أدوارها في الارتقاء بالذوق والمشاعر الإنسانية، التي يتميز بها البشر عن باقي الكائنات، ولهذا قيل "الأقـلام ألسـنة الأفهَـام".

اكتشاف الموهوبات

أما الخطّاطة وفاء العايدي، فتقول إنها تعيش في محافظة الشرقية، وتعلّمت الخط في معهد الخط العربي لصقل موهبتها، ولهذا جمعت بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي، وقد لاقت لوحاتها استحساناً كبيراً خلال المعارض المختلفة التي شاركت فيها، ولهذا تحاول تطوير نفسها باستمرار، وتعلّم أنواعاً عدة من الخطوط العربية والزخرفة الإسلامية، ولا تتوقف عن الدراسة والمشاركة في ورشات العمل لكبار الخطّاطين للاستفادة من خبراتهم.

تحاول وفاء العايدي التعبير في لوحاتها عن قضايا المرأة وهموم الوطن، ولهذا شاركت أخيراً في معرض وزارة الثقافة بلوحتين، الأولى "قلوب الأمهات مدن لا تنام"، والثانية "وجعني قلبي على بلادي".

وعن مشكلات الخطّاطات في مصر، توضح العايدي أن المشكلة الكبرى هي في عدم اكتشاف المواهب منذ الصغر، وإهمال تدريس الخط في المدارس، فليس هناك حصة خط أصلاً ولا مدرّسون للخط، رغم أنه يتم سنوياً توزيع كرّاسات الخط على الطلبة والطالبات. وما يزيد الطين بلّة أن مدارس الخط العربي التي كانت بالمجان، أو حتى بمقابل رمزي، تخلّت عن دعمها وزارة التربية والتعليم وأصبحت بمصروفات عالية، هذا فضلاً عن الأجر الزهيد الذي يتقاضاه مدرّس الخط، أي ما يعادل خمسة جنيهات للحصة الواحدة... ومعاناة الخطّاطات بسبب عدم تقبّل المجتمع لهن بالشكل الذي يشجّع به الرجال، وصعوبة إيجاد فرص عمل لهنّ في هذا المجال، حيث لا تستطيع المرأة فتح مكتب لصنع لوحات الإعلان والدعاية في الشوارع.

هموم المرأة

تؤكد الخطّاطة مروة المنسي، أنها مهمومة في لوحاتها بقضايا ومشكلات المرأة، ولهذا شاركت في معرض وزارة الثقافة بلوحتين، هما "المرأة القلب والعقل معاً" و"المرأة سر حياة الأرض وجمالها"، وتستخدم فيهما الزخارف التي تزيدهما جمالاً وإبهاراً، فالمرأة بطبعها مرهفة الحس والمشاعر، ولهذا تحاول التعبير عن آمالها وآلامها من خلال الخط العربي والزخرفة والألوان المستخدمة، فهي لغة تتحدث عمّا في داخل المرأة، وليست مجرد أدوات صمّاء في الكتابة والرسم.

وتنصح مروة المنسي الأسر، خاصة الأمهات، بالتركيز على اكتشاف مواهب بناتها وأولادها منذ الصغر، والعمل على تنميتها وصقلها بالدراسة، وتجنب التفكير بأن الهوايات والمواهب تتعارض مع التفوق الدراسي.

الكتابة على الحليّ

تتميز سالي أحمد بالكتابة والرسم على الحليّ المعدنية المصنوعة من الفضة والنحاس، وتُدخل فيها الأحجار الكريمة، وتحاول توصيل رسالة من خلال عملها، فمثلاً كتبت على إحدى الحليّ "أدّ التحدي" لتؤكد لجميع النساء من مختلف الأعمار أنهن قادرات على مواجهة كل تحديات الحياة، والنجاح في التغلب عليها.

وتعشق سالي المشاركة بإبداعاتها في المعارض، حيث شاركت في أكثر من عشرة معارض ونالت خلالها العديد من شهادات التقدير، وقبلها إعجاب روّاد المعارض بأفكارها التي تحاول توصيلها من خلال كلمة أو كلمتين أو ثلاث... وهنا تبرز الموهبة في أن "خير الكلام ما قلّ ودلّ"، وترجمة ذلك من خلال حليّ يراها الجميع، سواء في المعرض أو بعد تصنيعها وانتشارها كعنصر زينة نسائية.

عاشقة الخط

تستحق الخطّاطة شيماء الزهري لقب "عاشقة الخط" بجدارة، فقد حصلت على المركز الأول على مستوى كل معاهد الخط العربي والزخرفة طوال سنوات الدراسة الست، نظراً لموهبتها الفذّة التي أهّلتها للمشاركة في مختلف معارض الخط العربي والزخرفة في مصر والسعودية والجزائر، ونالت الكثير من الجوائز وشهادات التقدير، وتدرّس حالياً الخطّ العربي والزخرفة.

وتشكو الزهري من عدم تشجيع المجتمعات العربية للخطّاطات وموهوبات الزخرفة مثل الرجال، حيث لا يجدن فرصة لتسويق أعمالهن، لأن مجتمعاتنا ما زالت ذكورية إلى حد ما في النظر إلى الخطّاطات، رغم أن هناك تحسناً طرأ على النظرة التي كانت سائدة سابقاً، ولعل هذا ما دفعها للمشاركة في المعرض بلوحة "استوصوا بالنساء خيراً"، ولهذا يبقى الخط بعد رحيل كاتبه، وقد قال الشاعر:

"يلوح الخط في القرطاس دهراً... وكاتبه رميم في التراب".

صاحبة رسالة

تكشف الخطّاطة سامية محمد رزق أنها تحاول غرس حب الخطّ في نفوس أبنائها وجيرانها وصديقاتها في الحياة اليومية، أو في المعارض الكثيرة التي تشارك فيها، لأن من يحب الخطّ غالباً ما يكون إنساناً ذوّاقاً رقيق المشاعر، ولهذا على كل خطّاطة أن تجعل من نفسها "صاحبة رسالة"، فتنشر حب الخطّ والزخرفة بين الجميع، وهذا يُشعرها بالسعادة، لأنها تقوم بعمل نبيل، فالأمهات هنّ أفضل من يغرس حب الخطّ في نفوس الأبناء، وقد قال الإمام علي بن أبي طالب "أكرموا أولادكم بالكتابة، فإن الكتابة من أهم الأمور ومن أعظم السرور، وأن حُسن الخطّ يزيد الحق وضوحاً".

الخط والأسرة

تشير الخطّاطة سامية البابا إلى أن الخطوط تغرس القيم النبيلة في نفوس الأبناء، وقد اشتركت في المعرض بلوحتين هما "بر الوالدين" و"الجنّة تحت أقدام الأمهات"، ولها الكثير من اللوحات خلال رحلتها مع الخط، والتي تقارب العشرين عاماً تحلّت فيها بالصبر، الذي يعدّ أهم صفات الخطّاطة الناجحة، وهذا منحها حضوراً قوياً في مختلف المعارض التي شاركت فيها، لأنها تؤمن بقول الشاعر:

"ومـا من كـاتبٍ إلا سيُـفـنى... ويـبقى للدهـر مـا كتبت يداه

فلا تكتب بخطّـك غير شيء... يسُـرك فـي القـيامة أن تراه".

تكريم دولي

حازت الخطّاطة لمياء بدران تكريماً دولياً من خلال المعارض التي شارك فيها العديد من الدول العربية، وقد ورثت حب الخطّ عن والدتها منذ الصغر، إضافة إلى تعلُّمه في معهد الخط في باب اللوق، لتجمع بين الموهبة والدراسة، ثم التدريس، مما يصقل الموهبة ويجعل الخط زينة لصاحبه، ولهذا قال الشاعر:

"تعلّم قوام الخطّ يا ذا التأدُّب... فـما الخطّ إلا زيـنة المتأدِّبِ

فإن كنت ذا مالٍ فخطّك زينة... وإن كنت محتاجاً فأفضل مكسبِ".

الانتقام بالنجاح

تحاول الخطّاطة رشا عرفة توصيل رسالة نبيلة بلسان النساء إلى كل من يشاهد لوحتها المشارِكة، وهي "النجاح أفضل الانتقام"، حيث تؤكد أن نجاح المرأة في التعبير عن نفسها وإثبات ذاتها هو أفضل وسيلة للانتقام الإيجابي، الذي يدفع المنظومة إلى التقدّم وليس التقوقع حول ذاتها.

موهبة مزدوجة

تتحدث الخطّاطة العراقية فاطمة ذنون، المولودة لأم مصرية، والمقيمة في مصر، عن تجربتها قائلةً: "أعشق الخط العربي منذ الصغر، وحاولت صقل موهبتي من خلال التتلمّذ على أيدي كبار الخطّاطين في العراق ومصر، حيث عشت في كل منهما فترة من حياتي، وأعيش في مصر منذ 12 سنة، وقد شاركت في العديد من المعارض في مصر والسعودية، ونلت جوائز عدة.

وتضيف ذنون: "لم يتوقف تميّزي على الخط فحسب، بل إنني المرأة العربية الوحيدة التي تجيد الخط العربي وفن "الأيبروا"، الذي يُعرف أيضاً بـ"الرسم على الماء"، وهو أحد أجمل الفنون المعروفة في تركيا منذ عصر السلاجقة عام 1070، وانتشر منها إلى كثير من دول العالم، ويعتمد على الرسم على الماء المخلوط بمواد معينة لجعله كثيفاً، وتُستخدم فيه ألوان خاصة يتم رشّها وتشكيلها على السطح، بحيث يمكن في ما بعد أخذ ذلك الرسم على ورق مرمري خاص سميك لتحمّل الماء، وكان يستخدم في تزيين وتلوين لوحات الخط الإسلامي وأغلفة الكتب والدفاتر، ثم انتقل إلى أوروبا بعد فتح القسطنطينية عام 1453، ومن ثم تطور هذا الفن وازدهر مرتبطاً بالفنون اليدوية، وأهمها الخط العربي، الذي يتطلب مهارة وموهبة وصبراً خاصاً، ولهذا فإن الخطّاطات اللواتي يجدنه قليلات جداً".

تطالب ذنون بالاهتمام بتدريس الخط العربي في المدارس العربية، بغية تحسين الخطوط، لأنه لا غنى عن الناحية الجمالية والفنية التي تميز الخط العربي عن غيره من الخطوط، كما تتمنى إنشاء اتحاد عربي لجمعيات الخط العربي، ويكون للنساء مكانتهن اللائقة بهن، لأن اهتمام الأمهات بالخط العربي سينعكس إيجاباً على كل المحيطات بهن.

رسّامة المشاهير

لم تقتصر موهبة الفتاة شهد أشرف، الطالبة في الصف الثاني الابتدائي، على حب تعلّم الخط العربي فقط، بل إنها تعشق رسم المشاهير وتقديمهم على أنهم قدوة في مختلف المجالات التي حققوا فيها نجاحاً بالصبر والمثابرة.

وتشير شهد إلى أن أسرتها اكتشفت موهبتها وهي طالبة في المرحلة الابتدائية، حيث كانت تحبّ الكتابة بخط جميل ورسم بورتريهات لزميلاتها في المدرسة، وشيئاً فشيئاً نمت موهبتها من خلال رسم المشاهير، من أمثال اللاعب الموهوب محمد صلاح، و"كوكب الشرق" أم كلثوم، وشاركت برسوماتها في معرض وزارة الثقافة.

وتختتم شهد حديثها موضحةً أن هناك الكثير من الفتيات الموهوبات في الخط العربي والرسم، لكن تنقصهنّ الرعاية والاهتمام، وهذا يؤدي الى قتل موهبتهن، لأن الموهبة كالزرع إن لم تحظَ بالاهتمام تذبُل وتموت.



CREDITS

تصوير : تصوير - أحمد الشايب