رئيسة لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز ضد المرأة: السفيرة نائلة جبر نحارب زواج القاصرات والختان ونسعى لتمكين المرأة وتخفيف معاناة المهاجرات

القاهرة - جمال سالم 25 مايو 2019

السفيرة نائلة جبر، رئيسة لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، صورة مشرّفة للمرأة العربية على المستوى الدولي، حيث تعد أقدم خبيرة أممية، وأول امرأة في العالم تُنتخب لخمس دورات متتالية في هذه اللجنة الدولية، بالإضافة إلى نجاحها كديبلوماسية في العديد من الدول. ولم ينفصل هذا عن دورها في الداخل كرئيسة للجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر. التقتها "لها" وتعرفت على رحلتها، والقضايا النسائية التي تشغلها.


- ماذا عن رحلتك في الدفاع عن حقوق المرأة في الأمم المتحدة؟

بدأت رحلتي منذ فترة طويلة، حين قدّمتني مصر كخبيرة دولية في هذا المجال، خلَفاً للسفيرة ميرفت تلاوي، بعد أن أصبحت وزيرة في العام 1998. ولهذا فأنا أقدم خبيرة في موضوعات المرأة في الأمم المتحدة، وللمرة الأولى في تاريخ الهيئات التعاقدية في الأمم المتحدة، تستمر خبيرة في عملها لخمس دورات متعاقبة، ما بين رئيسة ونائبة رئيس للجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، وقد انتُخبت أخيراً بـ143 صوتاً من أصل 189 لنجاحي المتزايد، مع تكرار الدورات. ورغم أنّ هناك خبراء آخرين من المنطقة العربية، لكنني الوحيدة التي حصلت على الدعم الكامل من الاتحاد الإفريقي، كما دعمتني المجموعة العربية والمجموعة الفرنكوفونية.

- باعتبارك رئيسةً للجنة الدولية لمكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة، ما أهم القضايا التي تعانيها المرأة العربية؟

أشكال التمييز ضد المرأة متعددة، وأخطرها الصور النمطية السلبية للمرأة، سواء في الدول النامية أو المتقدمة. فمن المؤسف أن تنظر الدول الى المرأة كسلعة استهلاكية... حتى في الملبس يجعلونها ترتدي ملابس مخلّة بالآداب، وهذا فعل مشين وفيه نوع من الاحتقار والإهانة للمرأة، بل يؤدي إلى ممارسة العنف ضدها، سواء في الأسرة أو المجتمع أو العمل، وهذا نتاج الصورة السلبية عن المرأة، فهي أشبه بسلعة للاستهلاك، تُباع وتُشترى. أما في الدول النامية فيُنظر إلى المرأة على أنها كائن ضعيف، ودورها محدود، سواء في الأسرة أو العمل. وأنا لا أنكر دور المرأة في الأسرة كأم، فجميعنا أمهات، بل إنني جدّة لثلاثة أحفاد سعيدة جداً بهم وفخورة، لكن هذا لا يحول دون أن تعمل المرأة وتنجح وتحقق ذاتها، فيجب على المجتمع الذكوري ألاّ يضعها في إطار محدد، فهذه صورة نمطية سلبية للمرأة، وأدت الى العنف ضدها، حتى أن تمليك أو توريث الأرض الزراعية للمرأة ممنوع في الكثير من الدول العربية والإفريقيةـ ولأنني مهتمة كثيراً بأحوال المرأة الريفية، لشدّة المعاناة التي تعيشها، جعلتُ اللجنة الدولية لمكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، تركز على المرأة الريفية لإنصافها، لأن حقوقها مهدورة.

- كيف تعاملتم مع مشكلة ختان الفتيات في بعض الدول العربية والإفريقية؟

مشكلة الختان تتصدّر اهتماماتنا، لأن الإسلام بريء منه، وقد أكدت هذا المراجع الدينية، فالختان عادة ممقوتة وفيها انتهاك لآدمية الفتاة، ويجرّمه القانون، وتبقى ظاهرة الختان رهناً بالوعي الاجتماعي والثقافي، ولا علاقة لها بالدين.

- تُسمّون زواج القاصرات بـ"زواج الصفقة"، فكيف تواجهونه دولياً؟

هذا النوع من الزواج ممقوت، وهو أقرب الى الصفقة التجارية منه الى الزواج القائم على التكافؤ واحترام آدمية المرأة. كما أن زواج القاصرات ناجم عن الفقر وغياب الوعي الديني والثقافي وإهمال تنظيم الأسرة للنسل وكثرة الإنجاب، لدرجة أن هناك دولاً إفريقية عدة صحة النساء فيها متدهورة بسبب الإنجاب المبكر والمتكرر، ولهذا فإن الحل يكمن في الوعي مع سنّ قانون رادع لكل الأطراف المشاركة في هذه الجريمة، بمن فيهم المأذون والأهل والزوج لحماية الفتيات من "زواج الصفقة"، الذي يعد جريمة ضحيتها البنت المسكينة، التي تصبح بين ليلة وضحاها مسؤولة عن أطفال وأسرة، وهي لا تزال طفلة بحاجة الى من يرعاها.

- ما هي أشكال التمييز الأخرى ضد المرأة والتي تسعون للقضاء عليها؟

للأسف، بعض الدول تضع الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الخاصة بالمرأة في مرتبة متدنية، وأقل من الرجل بدرجات متفاوتة، سواء بالنسبة الى التعليم أو الصحة أو الإسكان وغيرها، ولهذا يتم تنبيه تلك الدول ومساعدتها على تحقيق المساواة في تقديم الخدمات، كما تعاني المرأة من التمييز في التمكين بمفهومه الشامل، سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، ولدينا استراتيجية عالمية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة.

- التمكين الاقتصادي للمرأة خطوة على طريق التمكين الشامل، كيف؟

هذا صحيح، وهو مطلب أساس، سواء من ناحية الدين أو القانون، فمثلاً الإسلام أول من مكّن المرأة اقتصادياً من خلال الذمة المالية المستقلة، وفصل أموال الزوجة عن الزوج المكلّف شرعاً بالإنفاق الكامل عليها، مهما بلغت ثروتها، ولا يحق له أن يأخذ منها شيئاً مهما كان فقيراً، كما تحتفظ المرأة باسم عائلتها ولا تغيّر كنيتها بعد الزواج. ورغم أن الإسلام هو أول من أنصف المرأة من ناحية التمكين الاقتصادي، لكن للأسف أكثر من خالفه هم المسلمون أنفسهم، علماً أن التمكين الاقتصادي لا يُقصد به أن تدر المرأة دخلاً فقط، لكنه يشمل أيضاً كيفية التعامل مع الدخل المالي وتوظيفه بطريقة صحيحة ورشيدة، أياً كان مصدره، لأن المرأة التي تتمتع برؤية اقتصادية هي وزيرة اقتصاد في منزلها، وتستطيع دعم اقتصاد بلدها من خلال شراء المنتج المحلي وليس المستورد إذا كانت بلادها تعاني ندرةً في العملة الصعبة، ولهذا فإن التمكين الاقتصادي لا يقتصر على جلب الدخل كما يفهم البعض، وإنما يشمل أيضاً استثمار دخل الأسرة وإدارته بصورة جيدة.

- المرأة وأطفالها ضحايا الهجرة غير الشرعية، كيف يمكن الحد من معاناتهم؟

هناك استراتيجيات وافقت عليها الحكومات، وهي عبارة عن مثلث له ثلاثة أضلاع، هي: إنفاذ القوانين وتفعيلها، التوعية والتنمية، وكذلك إنشاء هيئات لحماية الأمومة والطفولة ودعمها دولياً، وجعلها صاحبة الولاية القانونية في حماية المرأة والطفل، خاصة في مناطق الصراع والحروب، لأن مآسي الفتيات والنساء والأطفال المهاجرين أكثر صعوبة إذ يتعرضون لخطر الإتجار بالبشر، و"زواج الصفقة" والعمل القسري، والاستغلال في أعمال منافية للآداب والأخلاق.

- ما حقيقة مطالبتكم بعقود عمل للعاملات في الخدمة المنزلية؟

نهدف من هذه المطالبة الى الحفاظ على حقوق هؤلاء العاملات، وهو مشروع عقد اختياري بالنسبة إليهن داخل البلاد، ويمنحهن الثقة كي يعملن ويحافظن على حقوقهن، ويعرفن أن عملهن شريف ومحترم، وأن أسرهن تفخر وتعتز بهن، ولا يسببن لها أي نوع من الحرج الاجتماعي. أما بالنسبة الى العاملات خارج بلادهن، فإن هناك قوانين نطالب بتعميمها واحترامها لحماية حقوقهن.

- ما أهم المحطات التي ساهمت في مسيرة نجاحك؟

تخرّجت في مدرسة الليسيه في المعادي، وكنت دائماً متفوّقة بدراستي، وهذا جعلني أتقن اللغتين الفرنسية والإنكليزية، بالإضافة إلى العربية، وانتسبت الى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية كما كنت أرغب، ومن ثم التحقت بقسم السياسة تيمناً بأستاذي الوزير الدكتور بطرس غالي، وحصلت على الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بإشراف الدكتور بطرس غالي، وكان موضوعها "العلاقات المصرية- الفرنسية تحت حكم شارل ديغول"، ونجحت بتقدير ممتاز، لكن في عام تخرّجي لم يتم تعيين معيدين في قسم السياسة.

- وماذا فعلتِ وقتذاك؟

تقدمت لامتحانات وزارة الخارجية، وكنت الأولى في الاختبار التحريري والشفوي، علماً أنني لم أكن أهدف الى السفر من خلالها، لأن توجهي كان أكاديمياً، ورغم هذا أؤكد أن تجربة الخارجية كانت جيدة وثرية عملياً ووظيفياً وثقافياً، لكنها ليست مريحة للمرأة، لأنني أحب الاستقرار الأسري، والسفر تلزمه ترتيبات وتجهيزات، ومن حسن حظي أن لي ابنة وحيدة هي "علياء"، حرصت على أن تكون معي وألاّ أُكثر من السفر، وكنت محددة في اختياراتي ووُفقت فيها، رغم أن العمل في الخارجية لا مجال فيه للاختيار، لكن إجادتي للغات، وحصولي على ماجستير في العلاقات الدولية، وماجستير أخرى في الأدب الفرنسي، جعلا سفري الأول إلى باريس، واستفادت ابنتي من هذا، حيث كانت دراستها في مجال الاقتصاد والتنمية باللغة الفرنسية، وعندما عدت من جنيف بعد خمس سنوات، وكان السيد عمرو موسى وقتذاك وزيراً للخارجية، ويعمل على وضع نظام يعطي الفرصة للشباب بأن يكونوا مديري شؤون في تخصصات مختلفة، وسألت أستاذي السفير الدكتور منير زهران عن أفضل مجال أتخصّص فيه، فنصحني بالعمل في مجال حقوق الإنسان، وكنت أول مدير لحقوق الإنسان في الخارجية المصرية، وساهمت في إنشائها عام 1992.

- ثقافتكِ الفرنسية خوّلتك تمثيل الرئيس المصري في المجموعة الفرنكوفونية، من أين استمددتِ تلك الثقافة؟

ورثت الاهتمام بالثقافة الفرنسية من جدّتي ووالدي ووالدتي وعمّتي، الحاصلة على نيشان من الحكومة الفرنسية في تعليم اللغة الفرنسية في الإسكندرية. ومن الطريف أنه عندما أراد الفرنسيون منحي "وسام فارس" لنشاطي في دعم اللغة الفرنسية، خلطوا بين اسمي واسم عمّتي "سوسن جبر"، وكان والدي اللواء محمد جبر في القوات المسلحة يُتقن الفرنسية، وكذلك أمي، وهما لذلك كانا متقاربين جداً في ثقافتهما، لكن هذا لا يمنع أن والدي كان مصرّاً على التحدّث باللغة العربية فقط في البيت، وقد ورثت عنه هذا، فأصررتُ على تعليم ابنتي اللغة العربية في المنزل، ولي أخ وحيد هو الدكتور "حافظ"، ويجيد الفرنسية أيضاً ويقوم بكل مهمّاتي عندما أسافر، وبينما كنت في جنيف تم اختياري ممثلاً شخصياً للرئيس الأسبق حسني مبارك في الفرنكوفونية، وعندما عدت إلى مصر أنشأنا اللجنة القومية للفرنكوفونية، ولهذا خدمت وطني من خلال إجادتي للفرنسية، ومثّلته في مؤتمرات الفرنكوفونية نيابةً عن رئيس الدولة.

- توازنين بين العمل الديبلوماسي الخارجي والمهمّات الوطنية الداخلية، فكيف نجحت في ذلك؟

احتفظ بي الوزير عمرو موسى في القاهرة لسبع سنوات ونصف السنة، للعمل في مجال حقوق الإنسان، حيث تُقاس صدقية الدول بمدى احترامها لحقوق مواطنيها، وهذا ساعدني على التواصل مع الوزارات المعنية، فبدأت التعامل مع الوزراء، وهناك شهادات دولية بما تقوم به مصر، لأن هذه اللجنة وزارية وتضم 26 جهة من وزارات، في مقدمها مجالس حقوق الإنسان ومجلس الطفولة والأمومة ومجلس المرأة وغيرها، وحرصت على أن تعمل هذه الأجهزة بتناغم، لأنني أؤمن بأن العمل الناجح هو الذي يرتكز على العمل الجماعي، ونجحنا في إصدار القانون 82 لسنة 2016 لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وهو أول قانون في منطقة الشرق الأوسط يحظى بإشادة دولية، لأنه يوفر عنصر الردع للمجرمين ويعزز من مكانة الدولة وقوّتها وصدقيتها، وبدأنا نُنشئ إدارات لحقوق الإنسان في الوزارات المختلفة.

- تمثيلك لمصر في مختلف الوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة في جنيف يُعدّ مرحلة ذهبية في مسيرتك الديبلوماسية، فما الدروس المستفادة منه؟

عند إنشاء وزارة للتعاون الدولي، تم إرسالي إلى جنيف لأكون سفيرة ومندوباً دائماً لمصر في الأمم المتحدة والوكالات الدولية المتخصصة التابعة لها، مثل حقوق الإنسان ونزع السلاح والتجارة الدولية، والمجموعة العربية والإفريقية والفرنكوفونية. وخلال عملي في جنيف، درست باستفاضة كل ما يتعلق بمجال عملي، خاصة العلاقات المتعددة الأطراف، وساعدني في هذا أستاذي الدكتور أسامة الباز، المستشار السياسي للرئيس الأسبق حسني مبارك، وكانت هذه بداية تخصّصي في مجال حقوق الإنسان، وعملت مع سفراء أعتزّ بهم، مثل السفير نبيل العربي الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، ثم عملت مساعداً لوزير الخارجية لمدة خمس سنوات، ومسؤولة عن قضية الإتجار بالبشر، وأنشأتُ "اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر"، ثم أسّستُ وحدة الترشيحات، لأن الخارجية مسؤولة عن إنجاح المرشحين المصريين، ولهذا فكرت في إنشاء وحدة تصبّ فيها كل الترشيحات، وتكون مسؤولة عن دعم هذه الترشيحات والحملات الترويجية للمرشحين دولياً، وبعد التقاعد طلب مني الوزير أحمد أبو الغيط الاستمرار في تولي رئاسة "اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر".

- ما هي مواصفات السفيرة الناجحة؟

على السفيرة أن تتحلّى بالروح السامية والوعي الإنساني، حتى تحظى بقبول العاملين معها، وقبول الآخرين لدى تمثيلها بلدها في الخارج، فإذا توافر لها هذا القبول مع معرفتها بطبائع البشر فستحقق نجاحاً باهراً، هذا بالإضافة إلى امتلاكها معلومات عامة، وإجادتها اللغات الأجنبية لعرض ثقافة بلدها، وقدرتها على التواصل مع الآخرين.

- ما هي المشكلات التي واجهتك كسفيرة؟

كثرة الأسفار إلى مختلف دول العالم، أرهقتني وأرهقت أسرتي وأبنائي، ورغم المعاناة في الغربة، تمكّنت من التوفيق بين عملي وعائلتي التي كانت ترافقني في أسفاري، ولا أنسى دعم والدي ووالدتي وأخي لي، حتى ابنتي لم تسبّب لي أي مشكلة، فصمّمت على أن تتزوّج مصرياً، وقد تزوّجت ديبلوماسياً ناجحاً هو السفير أحمد أبو زيد، ولهما ثلاثة أبناء هم: علي، حمزة وأسما، ويجيدون الفرنسية مثلي ومثل جدّتهم.




CREDITS

تصوير : تصوير - أحمد الشايب