بعد أن أمضى المؤلف عامين في صحبتها: فرقة "كايروكي" من قاعة الحفلات إلى التوثيق في كتاب

القاهرة – طارق الطاهر 08 يونيو 2019

هم أعضاء فرقة كايروكي الموسيقية الذين تعلّقت بأغانيهم قلوب الشباب، ودائماً ترفع حفلاتهم في أي مكان تُقام فيه لافتة "كامل العدد"، لكن ما سرّ هذا التعلّق؟ من هذا السؤال انطلق الكاتب والمترجم ولاء كمال بمغامرة كبيرة، محاولاً الإجابة عن هذا السؤال، بأن اقترب من هذه الفرقة، ورافقها في كل حفلاتها، في مصر وخارجها، ليعود لنا بكتاب صادر عن الدار المصرية- اللبنانية، تجاوز عدد صفحاته الـ 560، ونفدت طبعته الأولى في الأسبوع الأول من طرحه.


يأتي الكتاب في إطار دراسة اجتماعية تاريخية فنية، عن الجيل الذي ينتمي إليه الكاتب، وهو من مواليد العام 1984، وقريب من جيل أعضاء فرقة كايروكي، متوقفاً عند نشأة أفرادها الخمسة وتكوينهم وحياتهم الشخصية، ورحلة صعودهم ليتصدّروا الساحة الموسيقية المستقلة، ويغيّروا في المشهد الموسيقي المصري.

بدأت فكرة هذا الكتاب أوائل العام 2017، عندما فكّر المؤلف في إصدار كتاب يؤرخ لتجربة الشباب المصري، الذي ولد في نهايات القرن العشرين ولا يزال حيّاً الى اليوم، بكل ما عاشه من أحلام وطموحات وإحباطات وأحداث كبرى، كان لهذا الجيل الدور الأكبر في تشكيلها.

لكن كيف التقى ولاء كمال بأعضاء فرقة كايروكي؟ أول حفلة حضرها لهم كانت في ساقية الصاوي في 29 شباط/فبراير 2017، وكان قبلها قد سمع أغنيتهم الوحيدة "اثبت مكانك"، والتي يقول عنها: "كانت تجسّد لي الكثير من الآمال والطموحات التي مر بها جيلي في إحدى الفترات، ومع ذلك لم أكن متحمّساً للذهاب، لأنني لست من هواة سماع الأغاني بمقدار ما أنا مهووس بسماع الموسيقى فقط. المهم أنني ذهبت وكانت البداية مع الزحام الشديد الحاصل حول ساقية الصاوي، مما جعل رَكْن السيارة أمراً شبه مستحيل... حين سرتُ باتجاه البوابة، فوجئت بأن كل من حولي صغار في السنّ، فأنا في الثانية والثلاثين، وفجأة شعرت أنني رجل عجوز! وتعجبت لهذا الزخم من الشباب أبناء الرابعة عشرة والسابعة عشرة... من هؤلاء؟ ولمَ جاءوا بهذه الكَثرة؟ كثيرون ممن هم حولي الآن، كانوا أطفالاً في التاسعة أو الحادية عشرة حين اندلعت ثورة 25 يناير 2011، وغنّت كايروكي "صوت الحرية" وسطع نجمها للمرة الأولى".

يستمر ولاء كمال في التحدّث عن علاقته بهذه الفرقة، وما حدث له عندما سمعها مباشرةً للمرة الأولى، فيقول: "دخلنا الحفلة بصعوبة من الباب الخلفي للمسرح، أجلستني صديقتي في صف متقدّم وورائي حاجز يقف خلفه مئات المئات من الشباب. جلتُ بناظري عليهم فوجدتهم على اختلاف وتنوع كبير... بدأت بعض الأعمار الأكبر سنّاً تظهر... الفتيان بمختلف أطيافهم وفئاتهم، والفتيات من كل شكل ولون ورداء. كل هذا كان إلى حد ما طبيعياً، لكن ما حدث لدى خروج الفرقة إلى المسرح كان أمراً آخر، فقد فوجئت بكم مهول من الطاقة يجتاحني... نعم، هذه هي الكلمة الوحيدة المناسبة: الطاقة، لم يحدث لي في حياتي، وقد حضرت كثيراً من الحفلات من قبل، أن شعرت بهذا الكم من الطاقة حولي".

هذه الطاقة هي التي دفعته إلى توثيق تجربة هذه الفرقة بشكل كامل، فقد أمضى مع أعضائها ما يقرب من العامين، سجل فيها كل مشاهداته في ما يخص إصدار آخر ألبوماتهم "نقطة بيضا"، والحفلات التي أقاموها، حيث حضر ما يقرب من 40 حفلة داخل مصر وخارجها، كما خاض معهم حوارات عدة متعمّقة حول حياتهم الشخصية، ورؤاهم الفنية ومشروعهم الموسيقي، مقدّماً تحليلاً وافياً للعملية الإبداعية لشباب مصري في المجال الفني المستقل.

من خلال هذه الفرقة، تطرّق الكتاب إلى مناقشة ملامح تاريخية ومجتمعية عدة مرّ بها المجتمع المصري طوال الأربعين عاماً الماضية، إلى جانب تحليل أغاني الفرقة، ليناقش من خلالها موضوعات تمس أبناء هذا الجيل الفارق في تاريخ مصر، متوقّفاً عند صراع الحضارات والتغريب واللغة. كما ركّز على مختلف الجوانب الإبداعية والفنية والثقافية التي شكّلت هوية أبناء هذا الجيل وعلاقتهم بالعالم، والآثار التي انعكست عليه بسبب الانفجار التكنولوجي، مع ظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

أسباب كثيرة دفعت ولاء كمال لتسجيل رحلة كايروكي في كتاب: "كايروكي هي جمهورها، وهو الجمهور نفسه الذي أريد مخاطبته في كتابي، ورويداً رويداً يظهر لي التطابق واضحاً، وفي نهاية الحفلة يتأكد الإحساس في داخلي بأننا نتفق في الرؤية، وأنني إن ضمّنتهم في كتابي، وسردت رحلتهم باعتبارهم شباباً يمثلون نماذج من جيلي، إلى جانب تحليلي موضوعات أغانيهم التي تتفق مع ما أريد التحدّث عنه، فإنني بذلك قد وجدت الوسيلة المناسبة تماماً لإيصال ما أريد قوله".

وعن فلسفة الكتاب ومنهجه، يقول ولاء كمال: "هذا الكتاب ليس كتاباً عن ثورة يناير، فتاريخ الثمانية عشر يوماً وما تلاها أكبر من أن يضمّه كتاب يناقش موضوعات أخرى، كما أنه ليس كتاباً لجمهور كايروكي فقط، ولا حتى دراسة اجتماعية وتاريخية وأكاديمية، فأنا لست مؤرّخاً ولا باحثاً في علم الاجتماع، ربما يكون فيه شيء من كل ذلك، والأهم أنه التقاء بين فنانين، أنا ككاتب وهم كموسيقيين، وأمتع مراحل هذا الكتاب بالنسبة إليّ كانت مئات الحوارات التي خضناها معاً حول الفن والإبداع. لقد كانت هذه بالنسبة إليّ إحدى مفاجآت هذه الرحلة".

مؤلف الكتاب لم يسلط الضوء على موسيقى فرقة كايروكي والأغاني التي يقدمونها في حفلاتهم، ولم يركز أيضاً على هذه الحفلات، سواء كانت داخل أو مصر خارجها، بل اهتم بأن يقدم بورتريهات لأعضاء الفرقة الخمسة، ورحلتهم لكي يجدوا لهم مكاناً لائقاً في عالم الموسيقى والغناء، فقد استعرض نشأتهم وحياتهم، ليس بهدف توثيقها فحسب، إنما كذلك وثّق طفولتهم وشبابهم واختياراتهم في الحياة والتحديات التي واجهوها والظروف التي عاشوها، فقد نقل في هذا الكتاب تجربة كاملة عن فرقة اختارت أو اختارها القدر وآلاف المعجبين لتكون صوت ثورة يناير، وما قبلها بسنوات.

يقع الكتاب في 54 فصلاً مقسّماً إلى ثلاثة أقسام، الأول: مغامرة الكاتب والفرقة تبدأ ورحلة "نقطة بيضا" تستعد للانطلاق، الثاني: ثمن النجاح... السفر ونزول ألبوم "نقطة بيضا"، والقسم الثالث: الجيل يعلن الهزيمة... كايروكي في النفس الأخير والجسر يمتد: رحلة الكاتب والفرقة تشرف على نهايتها.