فنانة سعودية تقدم لغة مختلفة للإبداع في بينالي لندن

26 يونيو 2019

قدمت الفنانة التشكيلية السعودية "لؤلؤة عبد الرازق الحمود"، لغة مختلفة للتعبير عن الإبداع، من خلال الأشكال المجردة، فقد كانت اللغة العربية وتطويرها، محط اهتمامها وافتتانها كباحثة وفنانة، الأمر الذي سعت من خلال أعمالها إلى إلقاء نظرة أعمق على القواعد الخفية للخلق بنمط رياضي، ضمن إطار نمو وتطوير كل شيء في الطبيعة، حيث تؤكد أنه بإمكان اللغة الخفية التي نستبعدها في حياتنا اليومية، أن تعطي المعنى من خلال الجوانب الروحية، وفي مجال البحث، تجد طريقها من خلال الجمع ما بين الفن والعلم.

وفي حديث الفنانة الحمود لـ"العربية.نت" قالت: "تم ترشيحي لبينالي لندن للتصميم عام 2018، بعد أن طلبوا عرضا للمشروع الذي أنوي عرضه، وتمت الموافقة عليه، حينها تواصلت مع مركز الملك عبدالعزيز "إثراء"، والذين بدورهم دعموا مشروعي الفني، ولهذه المشاركة أبعاد إيجابية كثيرة، أهمها حضور الإبداع السعودي ضمن احتفالية عالمية للفن والتصميم، وبعدها تم اختيار العمل من ضمن أعمال مرشحة من قبل وزارة الثقافة، ليعرض في متحف الإرميتاج في سان بطرسبيرغ بروسيا ضمن معرض الذكاء الاصطناعي والثقافات المشتركة".

وأضافت قائلة: "يظل تركيزي في البحث على الجزء المرئي من اللغة وهو الكتابة، فلهذه اللغة الصورية تفاعل وتداخل في عقلنا تتعلق بثقافة المتلقي وحضارته وخبراته، ودراسة الرموز هو علم بحد ذاته، وهنا أقصد كل حرف عربي وكلمة تأثير مباشر على عقل المتلقي بحسب ثقافته، لهذا أنشأت لغة جديدة برموز حديثة، مبنية ومستلهمة من الحروف العربية، يكون وقعها وتأثيرها مختلف، بحيث تكون صورية تجريدية بحتة يتلقاها من يفهما ولا يفهم اللغة العربية بدون استدعاء أي معنى للكلمة، بل التأثير الجمالي لها".

وعن رسالتها الفنية، أوضحت أنها ترغب في إيصال فن نقي يكون مدخلا للتأمل بإعجاز الخالق سبحانه وتعالى، وقالت: "لدينا إرث حضاري عظيم أهملناه ولم نتعلمه في مدارسنا، والفنون الإسلامية بما تحمله من علوم وثقافات مختلفة، هي مصدر ثري للفنون المعاصرة، فلابد وأن نستمر في تطويرها والنهوض بها، ودفع الحدود التي وصلوها من قبلنا".

وأكدت الحمود اهتمامها بالتفاعل بين الهندسة والفنون والأصالة والزخرفة، فقالت: "الهندسة هي أساس كل شيء في الحياة، من خلق الإنسان إلى خلق الكون، هناك قوانين خفية للكون يمكن تفسيرها عبر علم الرياضيات والهندسة والفيزياء وغيرهم من العلوم، والمتأمل في الكون سواء كان عالما أو فنانا، سيهتم بهذه العلاقة، وأنا كفنانة اخترت الأسلوب التعبيري التجريدي الذي يعبر عن علاقتي بهذا الكون وخالقه".

وأشارت: "إننا في المملكة اليوم، نعيش في زمن تحقيق الأحلام، ما كنتُ أراه حلماً أصبح حقيقة بقرار إنشاء المتاحف وعلى رأسها المتحف الإسلامي، وأتمنى أن تكون لي مؤسسة خاصة يتم عن طريقها دعم المواهب الشابة محلياً، وعن طريق التبادل الثقافي، وفي مسيرتي الفنية كلها اعتبرت نفسي سفيرة لبلدي، تحمل علوم حضارتها وثقافتها".



دعم الفنانات السعوديات

وعن دور وزارة الثقافة والإعلام في دعم الفنانات السعوديات، أكدت بأن دعم الحكومات للفن وفنانيه دليل على الرقي الفكري لهذا الوطن، والفن هو أفضل وسيلة حضارية للتواصل، ولذلك أهمية كبرى في بناء الهوية الوطنية، والحمد لله ما أصدرته وزارة الثقافة السعودية من قول وفعل، سيعزز هذه الهوية ويرتقي بالوطن، فوجود عملين من السعودية من ضمن فنانين عالميين في متحف الإرميتاج مؤخراً، كان له أفضل الأثر بالتعرف على السعودية من خلال فنانيها، هذا لا يوطد العلاقات الثقافية فقط، بل له أثر على مجالات أخرى.

واستطردت الحديث: "لم تتوقف جهودي على تطوير فني فقط، بل عملت سنين عدة على دعم الفن السعودي خارج البلاد، بتنظيم وتنسيق معارض على مستوى عالمي في أوروبا، وأتمنى الاستمرار في ذلك، فالاستمرار والجد والاجتهاد بما نؤمن به، هو مفتاح النجاح، ولدينا الكثير في المملكة لنفخر به ونبرزه".

دعم وزارة الثقافة وأثره عالمياً

وعن تقييمها لمشاركتها في المعرض، ذكرت "بفضل الله كانت مشاركتي ناجحة على جميع الأصعدة، فالمؤسسات والمتاحف المعروفة عالمياً لا يوجد بها مساحة للمجاملة والمحسوبيات، وفي حال كون العمل غير جيد فلن يتم قبوله، وبدون شك الموهبة والإبداع لوحدهما لا يكفيان، فللدعم أثر في النجاح، من هنا أتقدم بالشكر الجزيل لوزارة الثقافة لدعمها الفن السعودي في معرض الإرميتاج، كما أنني ممتنة دوماً بالعرفان لمركز الملك عبدالعزيز "إثراء" لدعمهم لي منذ بينالي لندن وقبل ذلك.

أهم اللوحات التي لفتت انتباه الحاضرين

وأبانت أن العمل عبارة عن عمل تركيبي متكامل، يعتمد على الحركة والتغير والتشكل بأشكال مختلفة، عن طريق جهاز عرض "پروجكتر" وأربع مرايا بزوايا معينة، بحيث تجذب المتلقي لعالم لا نهائي، والحمد لله كان تفاعل المتلقين أجمل مما توقعت، والعمل لديه طاقة إيجابية وهناك عمق بالفكرة وهذا ما جذب الحاضرين.

من هي لؤلؤة الحمود؟

هذا وعرفت لؤلؤة الحمود أنها أول سعودية تحصل على الماجستير من جامعة سانت مارتن المركزية للفنون، تخصص الفن الإسلامي، نسقت العديد من المعارض في دول مختلفة، من بينها متحف Duolun في الصين، ومعرض الفن السعودي في SOAS غاليري بروناي، وبيعت أعمال الحمود من قبل دار كريستيز في دبي، ودار سوذبيز للمزادات في لندن وكذلك بونهامز في لندن، كما اقتنيت أعمالها من قبل متحف القارات الخمس في ميونخ في ألمانيا، متحف LACMA في لوس أنجلوس، ومتحف جيجو في كوريا، فهي التي اختارت فناً يعبر عن إيمانها أنها صاحبة فكرة الفن الأزلي الذي يعبّر عن ديمومة الخالق، وعلاقة الروح بخالقها وبالكون عموماً.

الحمود تميل دائماً إلى قول: "تعنى أعمالي بالغموض البصري وتتناول علاقتها بين الوحدة والتعدد، وأبتكر طبقات من الإيقاع وهذه الطبقات ترمز إلى التداخل الأبدي بين المعرفة والإيمان والحب، وطالما استهوتني الهندسة كشكل مجرد يحرر اللغة الخفية للكون والخلق من خلال تجاوز مظهرها الخارجي، يستند منهجي على العلم والرياضيات مما يمكنني من فك أسرار في قاعدتها المتوارثة دون أن أكون سجينة لمشاعري ودون الاستجابة العاطفية للأحداث في حياتي اليومية".

تخصّصت في علم الاجتماع في دراستها الجامعية بالرياض، ثم سافرت لدراسة الماجستير في كلية سانت مارتن المركزية التابعة لجامعة لندن للفنون، لتكون بذلك أول سعودية تخصّصت في الخط العربي والهندسة الإسلامية، حيث جاءت مشاركتها في "بينالي لندن" نتيجةً لأبحاثها في فن الخط العربي والهندسة الإسلامية.

وتم عرض أعمالها في متاحف عالمية منها متحف مقاطعة لوس أنجلوس للفنون، ومتحف جيجو الوطني بكوريا الجنوبية، ومتحف القارات الخمس بمدينة ميونخ الألمانية، ومتحف الصندوق الأخضر بأمستردام، كما صمّمت عدة علامات، منها علامة الجناح السعودي بإكسبو 2010م العالمي بشانغهاي، وتصميم الألواح الجدارية للخط العربي، التي وصل عددها إلى 118 لوحاً داخل الجناح السعودي.

الحمود في "بينالي لندن"

واستعرضت الفنانة السعودية لؤلؤة الحمود، إحدى أشهر الفنانين العالميين، أعمالها أمام المجتمع البريطاني في الفترة من 4 إلى 23 سبتمبر 2018، في معرض "بينالي لندن" للتصميم بدار "سومرست" الأثرية بالعاصمة الإنجليزية.

وأتت المشاركة تحت رعاية مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) بالظهران -مبادرة أرامكو السعودية- التي تهدف إلى تعزيز الثقافة والإبداع والتعاون عبر الثقافات.

وشهد المعرض أعمالاً فنية تحت سقفٍ واحد، لمجموعة من أبرز المصمّمين والمبتكرين من 40 دولة حول العالم، والتي ركّزوا فيها خلال هذا العام على موضوع "المشاعر"، وكيفية دمج الهندسة والمشاعر بين عوالم المنطق واللغة.

وتقوم فكرة تصميم عمل الفنانة لؤلؤة، حول الأنماط الهندسية المعقدة التي يمكن رؤيتها في منحوتاتها باستخدام أسلوب فنّ الخط الجميل للأبجدية العربية، مع استخدام اللغة كوسيلة لتوصيل المشاعر العاطفية الإيجابية.

وعن مشاركة الفنانة لؤلؤة الحمود، ذكر مدير مركز "إثراء" علي المطيري: "يسرّنا في إثراء دعم الفنّانة لؤلؤة الحمود في هذا الحدث الثقافي المميّز، إذ تقوم رسالة إثراء على دعم المواهب وخاصة الوطنية، ووضع معايير جديدة للتميزّ بالمملكة في مجال صناعة الثقافة والإبداع، وذلك بهدف تطوير وتقديم منتجات فنية ومعرفية مبتكرة، بشكل يحترم التنوَع، ويعزّز المفاهيم المختلفة في العلوم والفنون".

وأضاف المطيري: "نفخر كذلك بوجود إحدى أعمال الفنانة لؤلؤة الحمود في صالة الفنون المعاصرة بمتحف "إثراء" في الظهران، مؤكداً أن هذه المبادرة تحقق رسالة المركز في نشر المعرفة ورعاية الإبداع، والتواصل الحضاري والثقافي مع العالم، عبر تقديم النخب السعودية، وإبراز المواهب الوطنية في المحافل العالمية".

وفي لقاء مع الجمهور، قالت لؤلؤة: "وجودي في بينالي لندن للتصميم مسؤولية كبيرة وفخر كبير بالنسبة لي، لأمثل جزءاً من الإبداع الذي يحتويه وطني في فعالية عالمية تمثل إبداعات الدول أكثر من الأفراد، فنحن كفنانين نتاج ثقافات أوطاننا، ودعم مركز "إثراء" لهذا التمثيل السعودي يزيدني مسؤولية وفخرا وعرفانا لوطني".

وأضافت: "إن الخط العربي في قمة هرم الفنون الإسلامية، فهو بدأ وتطور لكتابة النص القرآني المقدس ولم يدخر الخطاطون وسيلة بمحاولاتهم لجعله أجمل ما يمكن ليساوي جمال النص، حيث يمكن للغة أن تنشر مشاعر الحب والغضب والحزن والسلام، فإن هذه القطعة المصمّمة هي محاولة لجمع الجمهور بطريقة تجريدية".