نورا جنبلاط: لا يمكن اختصار ما تعلّمته من وليد بكلمات

بيروت - روزي الخوري 13 يوليو 2019

في كلّ عام أحاورها، أراها أكثر حماسةً لمهرجانات بيت الدين، أكثر اندفاعاً للقضايا الإنسانية، وأكثر تفاؤلاً بمستقبل وطنٍ زاهر. وما دام لدى نورا جنبلاط ما تقدّمه من طاقة وقدرة على خدمة الإنسان، فهي لن تستكين... تقول هذا بفرح وتفاؤل. الحوار معها لا يقتصر على المهرجانات، فمخزونها الثقافي والاجتماعي والإنساني والسياسي، كونها زوجة وليد بك جنبلاط ابن السلالة السياسية العريقة، يجعل الحديث معها أوسع وأشمل. أما لياقتها وحُسن كلامها بعيداً من التكلّف، فمتعة بذاتها. تتحدّث بشغف عن كلّ حفلة في المهرجان، وبحب عن الفنانين الذين سيحيونها. والفنّان العراقي كاظم الساهر الذي أرسل إليها مسبقاً الأغنية التي سيطلقها في المهرجان، يحتفل بالسنة العشرين على وقوفه على خشبة مسرح بيت الدين بثلاث ليالٍ مميّزة هذا العام.


- السؤال البديهي الذي يطرح نفسه في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، كيف تتوقعوّن أن يكون نجاح المهرجانات؟

أعتقد أنّ الوضع الاقتصادي يؤثّر سلباً في نجاح المهرجانات، لكننا قمنا ببرمجة مدروسة، لبنانية عربية مطعّمة بفنانين أجانب، وتمكّنا من حصر التكلفة وضبط النفقات، خصوصاً أنّ الدولة تفرض ضرائب إضافية علينا، ونحن نعاني أصلاً التأخير في دفع المساهمات، كما أنّ أسعار البطاقات بقيت على حالها منذ عشر سنوات لكي يستطيع الجمهور مشاهدة كل حفلات المهرجان.

- ماذا تعني بيت الدين لنورا جنبلاط؟

بيت الدين موقع أثري مهمّ جداً، والقصر تحفة هندسية فنيّة. وكلّ عام تعيش المنطقة وتحيا مجدداً مع كلّ موسم مهرجانات، فيتناغم الفنّ المعماري مع سحر الموسيقى والإنارة الباهرة. لي سيرة مشتركة مع المهرجان منذ تسلّمي زمامه من اللجنة التي كانت تنظّمه عام 1987. وجاءت المهرجانات وسط الحرب اللبنانية كفعل إيمان بدور لبنان الثقافي والحضاري والتقاء الجميع في إطار السلم الأهلي والتعايش بين الطوائف. وعشت نهضة هذا المهرجان الذي كان محلياً وبات اليوم عالمياً. مهرجانات بيت الدين لبنانية الانتماء ذات طابع عربي، منفتحة على ثقافات العالم. من هنا، لا يمكن تجاهل الدور الثقافي السياحي للمهرجانات ومردوده على البلد. وقد رأينا أهميّة مهرجان طنطورة “شتاء طنطورة” في محافظة العلا السعودية والصدى الذي حقّقه، وبالتالي أوصل إلى العالم رسالة البلد الثقافية وكيف يمكن استثمار هذا الإرث التاريخي الذي ولّد رغبة عند الناس في التعرّف على هذا الموقع الرائع.

- منذ العام 1987 حتى اليوم، هل شعرت نورا جنبلاط بالتّعب والاستسلام؟

أحياناً أشعر بالتعب، ولكن كلّ مهرجان يجلب معه نشاطه واندفاعه وحماسته. وقد حافظنا على المعايير نفسها مع مرور السنوات، التميّز والإبداع والتجدّد، وهذا يولّد مع كلّ عام تحدّياً دائماً لدينا لإكمال المسيرة بالمستوى نفسه. ويوم أشعر بالتعب، لا بدّ من أن أسلّم الشُّعلة إلى الجيل الشاب.

- على من تعتمد مهرجانات بيت الدين في الدرجة الأولى، على اللبنانيين المقيمين أم المغتربين أم السيّاح الأجانب؟

تعتمد في جزء كبير على اللبنانيين المقيمين واللبنانيين في الخارج. فالعديد منهم يتّصل بنا لمعرفة البرنامج، وبالتالي تنظيم مواعيد السفر في ضوء ذلك، حوالى ٣٠٪ من زوّار بيت الدين من إخواننا العرب والأجانب.

- ما هي الصعوبات التي تواجهكم في تنظيم المهرجان وإنجاحه؟

العوائق الاقتصادية هي الأبرز، تؤثر سلباً في إمكانيات المهرجان في الإنتاج المحلي، كذلك تؤثر في استقبال بعض العروض العلمية أو كبار الفنانين، لأنّ التكلفة العالية لا تسمح لنا بذلك. كما أنّ الأوضاع الإقليمية تؤثر سلباً.

- هل كنتم راضين العام الماضي على ما حقّقه المهرجان؟

يمكننا القول إنّ المهرجان ككلّ كان ناجحاً، فنحن ضمن اللجنة نقيّم كلّ عام المهرجان، ونصحّح إذا كان هناك من خلل تلافياً لتكراره العام المقبل.

- هل توافقين على مقولة إنّ مهرجانات بيت الدين هي الأولى على صعيد لبنان؟

لكلّ مهرجان هويته. لا يمكنني القول إن مهرجان بيت الدين هو الأوّل، ولكن لنا مكانتنا وجمهورنا العريض، وقد حافظنا على مرّ السنين على مستوى رفيع في الفنّ الراقي من الموسيقى والمسرح والرقص المعاصر والمعارض الفنية، وهذا دليل نجاح، وبالتالي أترك للجمهور تقييم المهرجان.

- ثمّة أسماء تتكرّر في المهرجان، ولكن الفنّان العراقي كاظم الساهر أصبح محطة ثابتة، وهذا العام تحتفلون بالسنة العشرين لمشاركته. ما سرّ هذه العلاقة بين الساهر وبيت الدين؟

كاظم الساهر فنّان رائع وراقٍ ومن أهمّ الفنانين العرب. السرّ يكمن في علاقة ثلاثية بين شخص كاظم وسحر القصر التاريخي وجمهوره الذوّاق. وكلّ عام تمتلئ البلدة بشوارعها وطرقاتها وساحاتها وشرفاتها بمحبّي الساهر. فالاحتفال لا يقتصر على القصر، بل يعمّ البلدة ككلّ، والفنان يخاطب جمهوره في كلّ هذه الأمكنة. وهذا العام سيُطلق في بيت الدين أغنيات جديدة وسيرافقه ميشال فاضل على البيانو وفرقته العراقية إلى جانب أوركسترا كييف السمفونية.

- لا تغيبين عن أيّ حفلة أو تمرين، أين تبدين رأيك؟ وعلامَ أنت حريصة؟

لا أغيب عن أي تمرين. وخبرتي بعد ٣٣ سنة وخبرة اللجّنة تجعلاننا أكثر تمرّساً. نتدخّل في التنفيذ على الأرض كي نؤمّن الراحة والأمان للجمهور والفنّان على السواء.

- تحضرين كلّ المهرجانات، وليد بك أيّ نوع من الفنّ يتابع في المهرجان؟

يشارك في بعض الحفلات التي تستهويه. العام الماضي شاهد عمل الفنّان زياد الرحباني.

- أيّ حفلة في المهرجان تتوقعين أن يتابعها هذه السنة؟

البرنامج حافل ومنوّع، ولكن لست متأكدة أي حفلة سيختار هذا العام.

- هل يعطي ملاحظات وتأخذون بها؟

يعطي ملاحظاته في وقت لاحق، وهي غالباً صائبة ونأخذ بها.

- أين دور المرأة في مهرجانات بيت الدين؟

اللّجنة في معظمها مؤلّفة من سيّدات، من مختلف التوجّهات الثقافية. فللنساء في اللّجنة والتنظيم حيّز كبير. وبالطبع من يعمل على الأرض في الشقّ التقني معظمهم رجال.

- كيف تنظرين اليوم إلى ما وصلت إليه المرأة اللبنانية بشكل عام؟ وهل أنت راضية عما أنجزته في السياسة؟

المرأة هي نصف المجتمع، ومن الضروري أن تساهم في كلّ المجالات، إن في السياسة أو غيرها. في مجال السياسة أمامها شوط كبير لتجتازه، فتمثيلها ما زال ضعيفاً وما زلنا متأخّرين، والكوتا النسائية يجب أن تطبّق. فالمرأة لا ينقصها شيء، وقد برهنت للعالم في شتى المجلات عن جدارتها، وأنا واثقة بأن المرأة اللبنانية والعربية يمكنها أن تكون في الطليعة. وربما يأتي يوم تصبح فيه المرأة شريكة حقيقية للرجل في كلّ القرارت.

- هل أنت بعيدة عن السياسة بقرار شخصي أم بطلب من وليد بك؟

نشأت في بيت سياسي وزوجي من بيت سياسي عريق، وليس لديّ أي طموح سياسي ولا حتى طموح لأي منصب، وأنا بعيدة عن السياسة بقرار شخصي.

- من خلال عملك الاجتماعي، ألا تطمحين إلى أيّ هدف سياسي؟

كلا.

- تقولين إنّك كلّ يوم تتعلّمين جديداً من وليد بك، ما أهمّ ما تعلّمته منه؟

من الصعب أن أحصر ما تعلّمته منه بجواب. فما عشته معه وتعلّمته منه أكبر بكثير من اختصاره بعدد من الجمل والعبارات. هي تجربة حياة كاملة.

- القواسم المشتركة الثقافية كثيرة بينك وبين وليد بك، هل تتباحثان في أمور ثقافية كتحليل آخر كتاب قرأه مثلاً؟

معروف عن وليد حبّه للقراءة، ومطالعاته اليومية، وبالطبع عندما يستهويه الفكر في كتاب معيّن، يشاركني اهتمامه. يحب بطبيعته أن يتشارك الفكر مع الناس، وأهمّ هدية عنده الكتاب.

- ما هي آخر خمسة كتب قرأها وليد بك؟

-Le naufrage des civilisations للكاتب أمين معلوف

-Lords of the Desert للكاتب جايمس بار

-They fought Alone للكاتب تشارلز غلايس

-the Makers of Modern Syria للكاتب سامي مبيض

- “دروز بلغراد” لربيع جابر.

- ماذا عن الهوايات الأخرى؟ هل تستمعان معاً الى الموسيقى؟ وأيّ نوع منها؟

من وقت إلى آخر نستمع معاً الى الموسيقى العربية والغربية، وليس في أوقات محدّدة.

- تهتمين بجمعيّة «كياني» المتخصّصة بشؤون النازحين السوريين، ما أهمّ إنجاز تحقّق هذا العام وأشعرك بالسرور والامتنان؟

أنشأنا مؤسسة “كياني” في العام ٢٠١٣، وكان الهدف منها إيصال العلم إلى أكبر شريحة من الأطفال السوريين. واليوم بعد ست سنوات من العمل أصبح لدينا أربعة آلاف طالب موزّعين على تسع مدارس، خمس منها ابتدائية وأربع ثانوية. وهذه المدارس مرخّصة من وزارة التربية والتعليم العالي. فهذا يسمح للطالب بالتعلّم والحصول على شهادة معترف بها تخوّله عندما يعود إلى بلده المساهمة في بنائه وبناء مجتمعه.

- هل كلّ هذه التسهيلات للنازحين السوريين تؤخّر عودتهم إلى ديارهم؟

في الطليعة هناك واجب إنساني لمساعدة الطفل اللاجئ الذي عاش الحرب المدمّرة والتهجير، حقّ الطفل في التعليم، وهو حق أساسي من حقوق الإنسان، فنجعل منه إنساناً مسؤولاً يمكنه أن يكمل حياته بكرامة ويبني لنفسه ولعائلته مستقبلاً آمناً. أما العودة فهي مرتبطة بالحلّ السياسي في سوريا. السوريون الذين ألتقي بهم يتوقون للعودة إلى بلادهم لا البقاء مشرّدين في أوضاع مأسوية قاهرة، وأنا واثقة بأنه إذا توافرت لهم ظروف العودة الآمنة، بالطبع سيعودون.

- هل من خطط مستقبلية في مجال العمل الإنساني تسعين لتحقيقها؟

ما زلت عضواً في الهيئة التنفيذية في مركز سرطان الأطفال في لبنان الذي يعالج أكبر عدد من الأطفال المصابين بالسرطان بدون أيّ تفرقة أو تمييز، وبدون أي تكلفة على الأهل، ونعالج ما يزيد عن ٣٠٠ طفل سنوياً. وأُعنى أيضاً بالمركز الوطني للتنمية والتأهيل للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والصعوبات التعلّمية في منطقة الشوف. أما الحفاظ على البيئة فهو العمل الذي أحبّ أن أعطي فيه أكثر إذا تسنّى لي يوماً ما، مع العلم أنني أساهم إلى جانب فريق عمل محميّة أرز الشوف المتخصّص في إنماء وتطوير البيئة في تجربة نموذجية ناجحة للتنمية ضمن مفهوم بيئي متكامل.

- ماذا ينقص المرأة اللبنانية بعد؟

المرأة اللبنانية مثقّفة، جريئة وقديرة، ولكن هناك قوانين يجب أن تطبَّق لإنصافها في المجتمع. فلا ينبغي أن تتخلّى عن أي حقّ من حقوقها، علماً أنها أثبتت قدرتها على الإمساك بزمام الأمور في كلّ المجالات.