أليسار الحاج الزروي: نجاح المرأة مرده المثابرة والثقة بالنفس

تحقيق: طوني بشارة 13 يوليو 2019

ما زالت المرأة تناضل وتسعى جاهدة لإثبات ذاتها من جهة، ولإظهار مساواتها، لا بل تفوّقها على الرجل من جهة ثانية، لا سيما في المجالات التي تتطلب الاتصال والتواصل مع أبناء المجتمع. وأكبر دليل على ذلك، النجاح الباهر الذي حققته أليسار الحاج الزروي التي تتمتع بأكثر من عقدين من الخبرة في تطوير استراتيجيات وسياسات متكاملة وشاملة لخدمات التسويق والتواصل والإعلام والإعلان وبناء الصور المؤسساتية في القطاعين العام والخاص في الشرق الأوسط. كما ترأس أليسار حالياً إدارة "كوما هاب"، وهي شركة لتقديم الخدمات الاستشارية والتنفيذية للأعمال والتسويق للشركات. كذلك تملك خبرة في كل جوانب التسويق والتواصل وبناء الصورة المؤسساتية والإعلام والإعلان وإدارة الأزمات، وإدارة المخاطر المرتبطة بالسمعة المؤسساتية، وإدارة العلاقات العامة وتنظيم المؤتمرات، ووضع سياسات التواصل الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، وإدارة قسم الأبحاث المرتبطة بالدراسات السوقية وتقييم العلامات التجارية، ووضع سياسات التواصل الداخلي والخارجي، ووضع أُسس وإدارة المسؤولية الاجتماعية للشركات. أدوار ومهمّات كثيرة تمارسها الزروي، مما جعلنا نتساءل عن مفهومها للنجاح وكيفية تحقيقها أهدافها وتوفيقها بين حياتها العملية والعائلية. للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، زارت "لها" أليسار الحاج الزروي وحاورتها وعادت بهذا التحقيق.


- بدايةً، حدّثينا عن حياتك العلمية ومسيرتك المهنية؟

لطالما سعيت للحصول على شهادات جامعية علمية متنوعة، فأنا حائزة ماجستير في الإدارة العامة من جامعة الـAUB ، وماجستير في إدارة الأعمال من جامعة الـ LAU، وما زلت أدرُس في كلية الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، وأنتمي الى مجموعة "ميلا" التي تهتم بالقيادة في الشرق الأوسط، كما تنقّلت بين الوظائف، فعملت في قسم العلاقات العامة في العديد من المصارف، منها "بنك عودة" و"فرنسبنك"، وتسلّمت مسؤولية التواصل والتسويق لدى شركة الشرق الأوسط، ناهيك عن امتلاكي شركة خاصة تُعنى بمجال التسويق والإعلان والإعلام، وأزاول حالياً مهنة التعليم في جامعة الـ LAU والجامعة الكندية، وأحاضر في مجال القيادة في بلدان عدة.

- كيف بنت أليسار مهاراتها وخبراتها؟ وما هي أهم مشاريعها؟

لقد بنيتُ مهاراتي من خلال قيامي إما بالاستشارات أو بإدارة قسم التسويق والإعلام والإعلان والصورة المؤسساتية لشركات عدة في الشرق الأوسط، منها شركة "ديلويت" الرائدة في مجال الخدمات المهنية في العالم، حيث شغلت منصب الرئيس الإقليمي المسؤول عن العلامة التجارية والتسويق والتواصل والإعلام والإعلان لـ"ديلويت" الشرق الأوسط في 15 بلداً.

وشملت مسؤوليتي الأخيرة مع شركة "ديلويت" العمل مع فريقَي التسويق والتواصل العالمي والإقليمي على مبادرات أساسية أرستها "ديلويت" عشية التحضير لـ"ديلويت 2020" لمواكبة التحديات والتطورات التي يشهدها عالم الأعمال.

ومن أهم المشاريع التي عملت عليها، ترسيخ هدف "ديلويت" العالمي في السلوكيات التي تتبعها المؤسسة خلال ممارساتها اليومية، وترجمة هذا الهدف في منشورات وقنوات التواصل التي أعتمدها خلال التواصل مع الرأي العام وجميع أصحاب المصلحة الذين أتعامل معهم خارج المؤسسة وداخلها في المنطقة.

كما عملت على بلورة سياسة التواصل والإعلام لاستراتيجية "ديلويت 2020"، وتجدر الإشارة الى أن استراتيجية "ديلويت" العالمية لمبادرات المسؤولية الاجتماعية وسياسات الاستدامة 2020 وترسيخها وتطويرها في الشرق الأوسط قد حصلت على حيز مهم من العمل، وكنت مسؤولة عن وضع وإدارة استراتيجيات التواصل والإعلام لهذه المبادرات في الشرق الأوسط وتوضيحها في كل بلدان عمل الشركة، ومسؤولة أيضاً عن سياسات التعامل مع أصحاب المصلحة الخارجيين والداخليين واستخدام أنواع مختلفة من وسائل التواصل.

- هل من مهمات سابقة تولّيتها؟

بالتأكيد، فقد قمت باستشارات تطوير وإدارة وظائف التسويق والعلاقات العامة والتواصل والإعلام والإعلان لعدة مجموعات مالية ومصارف رائدة في لبنان، مع انتشار دولي في أكثر من 20 بلداً حول العالم.

كما ساهمت مع فريق التواصل في مكتب التنمية الإدارية في لبنان في دعمه وفي ترجمة رؤيته وإطلاق البرنامج الوطني لإعادة التأهيل الإداري، وهو أول برنامج لإعادة التأهيل يستهدف الخدمة المدنية في لبنان بعد الحرب اللبنانية.

- إلى جانب نشاطاتك العملية، هل كان لك دور في جمعيات معينة؟

إلى جانب كوني رئيس فرع لبنان لمجموعة القيادة للشرق الأوسط، أنا عضو في جمعية خرّيجي الجامعة اللبنانية- الأميركية، وعضو في الرابطة الدولية لخبراء التواصل، وفي الشبكة العالمية لرؤساء التسويق، كما أتولّى مهمة محاضر زائر في الجامعة اللبنانية- الأميركية، ومدرّب زائر لمعهد "تشارترد" لشهادات التسويق عبر "مورغان" الدولية.

- حياتك العملية كما يبدو صاخبة جداً، فهل من صعوبات معينة واجهتك خلال مسيرتك المهنية؟

لكون التسويق والإعلام مجالاً يتفوق فيه عدد النساء على الرجال، أصبحت محصّنة تجاه ما يمكن تسميته بصعوبات العمل، وباتت مسيرتي المهنية سهلة للغاية. وهنا لا بد من التأكيد أن عملي لدى "بنك عودة" و"فرنسبنك" قد أكسبني خبرة قوية، كما أن أسلوبهم في التعامل معي كان راقياً، فلم أواجه أي مشكلة من ناحية التمييز الجندري، حيث كان هناك احترام للمرأة ولكفاءتها. أما على الصعيد العائلي، فقد واجهتني مشاكل كثيرة، فمنذ بداية عملي كان لي طفل صغير، وكان صعباً عليّ التوفيق بين واجبات العائلة ومتطلبات العمل، لكن وبجدولة بسيطة لأوقاتي، تخطّيت هذه المشكلة وتمكنت أيضاً من متابعة تحصيلي الجامعي والحصول على الماجستير من الـ AUB.

أعتقد أن صعوبة التوفيق بين الحياة العائلية والعملية للمرأة العاملة لا أهمية لها إذا كانت المرأة تتمتع بالإرادة القوية والتصميم والتخطيط الفعّال.

- ما هي برأيك مقوّمات نجاح المرأة؟

على المرأة الناجحة أن تتسلّح بالمثابرة والثقة بالنفس، واضعةً نصب عينيها أهدافاً دقيقة تعمل جاهدة لتحقيقها بعيداً عن الخجل من طلب المساعدة والإرشاد عند الحاجة. كما عليها أن تترجم الدافع الداخلي للنجاح إلى فعلٍ حقيقي في الواقع، مستعينةً بالجرأة في خوض المغامرات في حياتها مع المحافظة على أنوثتها وأمومتها.

كذلك على المرأة العاملة أن تحرّر من الخوف والتردّد، وتتحلّى بالصبر والحكمة والجرأة مثلما يفعل الرجل. ومن المفيد أن يكون لها امرأةٌ مثال في حياتها تتّخذها مصدر إلهام لها وإرشاد.

والمرأة الناجحة لا تخشى المنافسات، وتتأقلم مع الجو الحماسيّ فلا تتراجع أو تنسحب كلما تشعر بضغط أو مواجهة. والأهمّ ألّا تلوم نفسها لتركها أطفالها ساعات طويلة إذا اقتضى الأمر، وأن تعامل ذاتها باحترام وتقدير، إذ لا ينقصها شيء لتتميّز وتنجح وتتبوّأ أعلى المراكز.

- كيف تصفين علاقتك بالرجل؟ ومن هو داعمك الأساس؟

للرجل دور مهمٌّ في حياة المرأة العاملة. وشخصيّاً، داعمي الأوّل كان والدي الذي شجّعني على متابعة تحصيلي العلميّ وساندني مادّياً ومعنوياً، لكنّني فقدتُه وافتقدت إليه ولم أكن قد تجاوزت الواحدة والعشرين من عمري.

لكنّ هذا الحدث المأسوي (فقدان الوالد والداعم الأساس) هو الذي دفعني إلى المثابرة والسعي الدائم لإثبات الذات من جهة، ولإرضاء رغبة الوالد رحمه الله، الذي كان دائماً يريد أن يراني امرأةً قويّة وفاعلة ومتميّزة في المجتمع، ولطالما نصحني وتمنّى عليّ بإلحاحٍ أن أحصّل شهادة الدكتوراه.

أمّا داعمي الثاني فكان ولا يزال أخي الوحيد الذي هو بمثابة صديقٍ أشاركه في معظم أسراري. وأخيراً وليس آخراً داعمي الثالث هو زوجي وشريكي في الحياة، وله الفضل الأكبر لأنه ساعدني ودعمني لا بل شجّعني على متابعة حياتي العمليّة التي كانت تتطلّب وجودي ولفترات طويلة خارج البلاد، وأعتقد أن فكره المنفتح لكونه نشأ في العراق حيث هنالك اعتقاد شائع بأنّ للمرأة حقّاً سنوياً بأخذ إجازةٍ لمدّة شهر من الواجبات الزوجيّة والحياة العائليّة وتمضيتها مع الأصدقاء، وهو ما سهّل عليه فكرة سفري، أضف أنّه رجلٌ متعلم (مهندس معماريّ ولديه شغف بالرسم)، وهذا الشغف جعلني أتخصّص في مجال آخر مختلفٍ تماماً عن الإدارة، وهو الفنون الجميلة.

وأخيراً أشير إلى أنّني تركت عملي في المصارف وسافرت إلى بلدان عدة تولّيت فيها مهنة إلقاء المحاضرات والتدريب على فنّ القيادة للشبّان والشابات الذين هم في بداية مسيرتهم المهنية، وذلك في إندونيسيا وقطر وتركيا... وكانت الغاية من هذه المحاضرات تلقين حديثي التخرّج فنّ المهارات القيادية.

- كيف تقيّمين نظرة المجتمع للمرأة العربية من جهة، وما موقفك من النظرة الدونية للمرأة من جهة ثانية؟

مجتمعنا صعبٌ للغاية، والنظرة الدونية موجودة ولا مهرب من الاعتراف. لكنني شخصياً لم أتعرّض لهذه النظرة، أمّا مردّ استمرارها، فالملامة فيه تقع على المرجعيات المسؤولة في كل البلدان التي ما زالت تشجّع، لا بل تحفّز على هذه النظرة عبر تشريعاتها وقوانينها، حيث ثمّة تعصّب قبائلي، لا سيّما بعض العائلات والعشائر التي ما زالت حتى الآن تسعى جاهدةً لعدم توريث المرأة، لذا أعمل دائماً من أجل تمكين المرأة، ومشروعي الجامعيّ يتناول قضيّة تمكين المرأة، حيث اخترت 8 نساء من العالم اعتبرتُهنّ بمثابة أيقونات حاولن تغيير العالم.

- هل من أمور تشتاق إليها أليسار؟

لا أشتاق إلى أيّ نشاطٍ معيّن لأنّني أزاول النشاطات كافة باستمرار، لكنّني أشتاق إلى كلّ من فارقني بمشيئة الله، كما أشتاق أحياناً إلى السفر والراحة والاستجمام.

- ما هي مشاريعك المستقبليّة؟

مشاريعي المستقبلية كثيرة، فإلى جانب الإعلان أخوض حاليّاً غمار القطاع الثقافي والفنّ والسياحة، وأسعى إلى التواصل مع القيّمين على المنهج التعليمي الرسمي من أجل التركيز على تاريخ الفنّ اللبناني وثقافته الفنّيّة التي أثّرتْ ولا تزال في شعوب العالم.

- ما هي نصيحة أليسار للمرأة العربيّة؟

خلال عملي داخل مجموعة "ميلا للقيادة"، تعرّفت إلى العديد من السيّدات العربيّات المناضلات في فلسطين والأردن ومصر، ولاحظت أنّ المرأة العربيّة هي سيّدة مميّزة ومتميّزة، فعلى الرغم من الصعوبات الحياتيّة من جهة، وتفشّي ثقافة التمييز والحروب من جهة ثانية، تراها تَجمع بين دوري الأمّ الحاضنة وبانية المجتمع، والمرأة العاملة الناشطة والفاعلة اقتصاديّاً مع الحفاظ طبعاً على العادات والتقاليد والقيم الشرقية. لذلك هي امرأة مميّزة بجدارة، كما أن القيَم موحّدة لدى جميع النساء العربيات، وهنا أعتقد بل أجزم بأنّ المجتمعات العربية لن تنهض إلا في ظل وجود المرأة وتفاعلها في المجتمع.