هل أنت مدمنة تسوّق؟

التسوق, إدمان, د. سامية خضر

22 نوفمبر 2013

سعيدة، منطلقة كالفراشة بين المحلات تختار منها ما يليق بها، تشتري من أجل المتعة لا الحاجة... هكذا تحصل مدمنات التسوق على سعادتهن. وقد أوضحت إحصائية أميركية أن المرأة تمضي ثلاث سنوات من عمرها وهي تتسوق، والأهم من ذلك أن الدراسات العلمية أكدت أن إدمان التسوق هو أخطر أنواع الإدمان بعد الكحول والمخدرات، فهل أنت مدمنة تسوق؟


بدايةً يعرّف أطباء الصحة النفسية إدمان التسوق، بأنه «الشراء المنفلت المتكرر والمُزمن والذي يصبحُ عادةً، وردُّ فعلٍ أساسياً على الأحداث أو المشاعر السلبية، ويشمل نمط إنفاق هوسياً أو لا تُستَطاع السيطرة عليه، لشراء أشياء لا يحتاجها الفرد، أو لا يحتاجها حالياً، وفي غالب الأحيان يخزنها دون أن تُستَعمل. ويشعر مدمن الشراء بنشوة غامرة أثناء عملية الشراء، وأحياناً تسبقها أو تصاحبها إثارة كبيرة، إلا أنه غالباً ما يعقبها الندم بسبب التورّط المالي الناتج عن ذلك. وكثيرون من هؤلاء يتسوّقون منفردين، ويُضطرون لإخفاء ما يشترونه عن المقربين منهم».


تعافٍ وخبرة

«أنا مدمنة تسوق من الدرجة الأولى، أحب الشراء لمجرد الشراء، وأشعر بسعادة عارمة أثناء التسوق لا يضاهيها أي شعور آخر. لا أهتم بشراء شيء معين، أشتري لوحة أعجبتني أو مفرشاً، وعن الملابس والإكسسوارات حدّث ولا حرج». بتلك الكلمات اعترفت ياسمين محسن بإدمانها التسوق. تؤكد ياسمين أن الخلافات بينها وبين زوجها في العموم لا تصل إلى المشاجرات، لكنها تلمح الضجر في عيونه وقت اصطحابها للتسوق، وقد ينتهي يومها بخلاف معه وقت وصولهما إلى المنزل، لأنه لا يملك سعة صدر لتنقلها من محل إلى آخر، ولا صبراً على قياسها كل الملابس التي تعجبها فيبدي إعجابه بأي شيء حتى ينتهيا من رحلتهما في الأسواق، ثم يصارحها في المنزل بعدم راحته لما اشترته فتدب الخلافات بينهما.
تعترف ياسمين أن هوس الشراء وصل معها إلى حد المرض المستعصي، فتحولت شقتها إلى خزانة كبيرة، خاصة أنه مع تغيّر مراحل الزواج تتغير احتياجاتها فتواصل الشراء.

وتوضح: «بعد الحمل تغيرت اتجاهاتي في الشراء، فتخليت عن أحذيتي ذات الكعب العالي واتجهت إلى شراء جميع أنواع وموديلات «الفلات»، حتى «ستايل» الملابس تغيّر، واتجهت إلى الواسع، فضلاً عن هوسي بشراء ملابس الطفل واحتياجاته. بعد الولادة لم أعد إلى ملابسي السابقة، فمرحلة الأمومة تتطلب ملابس مختلفة، وبالتالي وصلت إلى مرحلة انفجار دولاب الملابس وخزانة الأحذية. وكلما غيرت خزانة الأحذية أو أضفت إليها أخرى جديدة لا يمكنها احتواء كل أغراضي».
من هنا سئمت ياسمين إدمانها للتسوق وقررت أن تتغير، فأصبحت تتجه إلى السوق لشراء احتياجاتها فقط لا غير، وحتى لا تضعف أمام المحلات تكتب احتياجاتها على ورقة حتى لا تحيد عنها.

بناءً على تجربتها وعن كونها «ستايلست»، تنصح مدمنات التسوق بتغيير نمط تفكيرهن، وتقول:

  • فكري قبل أن تشتري هل ستستخدمين هذا المنتج أم لا؟
  • عند تسوق الملابس ابدئي من دولابك أولاً حتما ستجدين طقماً لا تلبسينه في حاجة إلى أستكماله أو تجديده ببلوزة أو إكسسوار.
  • لا تصرفي كل ما معك من نقود، واعملي حساباً للمواقف المحرجة في حياتك، فوارد احتياجك لوضع بنزين بالسيارة بعدما تصرفين كل النقود التي معك، ووارد أن تفاجئك صديقة بموعد زفافها وتكونين في حاجة إلى شراء فستان سواريه.انظري أولاً إلى الأساسيات ولا تشتري الرفاهيات إلا بعد اكتمال الأساسي.
  • تجنباً للخلافات الزوجية راعي ظروف زوجك فلا ترهقيه بميزانية عالية للتسوق.

يلتقط محمد غراب، وهو ضابط شرطة، أطراف الحديث من زوجته، مؤكداً أنه كان يصاب بالملل حين يذهبان إلى التسوق من أجلها.

ويضيف: «المشكلة ليست في ياسمين بذاتها، لكنها مشكلة النساء جميعاً، فطبعهنّ في الشراء صعب، ولديهنّ القدرة على التسوق لساعات لا نهاية لها، كما أن الألوان لديهنّ بألف درجة للون الواحد، وبالتالي يدققن في اختيارات ألوان الإكسسوارات. أما نحن معشر الرجال فألواننا محدودة، وما يخلق الخلافات هو اختلاف طباع الجنسين». ويتابع: «تعلمت الدرس واتفقت معها على تحديد اهتماماتها، وبالتالي لم أعد أتسوق معها إلا إذا كانت محددة لاهتماماتها، ونخرج لنرى محلاً أو اثنين، وهي بدورها أصبحت تتجنّبني في رحلات التسوق الطويلة».


عقاب زوج

إيناس إسماعيل، مصممة حلي، إدمانها التسوق مختلف، فهي مهووسة أكثر بشراء ملابس الأطفال والحلوى، وتقول: «لا يمكنني المرور أمام محل ملابس أطفال مرور الكرام، فلا بد أن أدخل وأشتري لابني حتى لو مررت يومياً أمام تلك المحلات، وبناءً عليه لدى طفلي ملابس في مختلف مراحله العمرية لم يلبسها حتى الآن».

وتتابع: «وصل بي الهوس والإدمان إلى أن أصبحت أشتري ملابس أطفال للبنات، رغم أنني أمٌّ لطفل واحد فقط، وحتى لا ألفت انتباه زوجي إلى ذلك الهوس أهدي الملابس لبنات صديقاتي بمناسبة أو بدون مناسبة».

تعترف إيناس بأن زوجها حاول تقويم سلوكها الشرائي مراراً وتكراراً بلا فائدة، فلجأ إلى ردعها بتجميد ميزانية ملابس طفلها. وفي ما يخص إدمانها المستمر لشراء الحلوى شرقية كانت أو غربية، إلى درجة أنها من الممكن أن تستبدل طعامها طول اليوم بالحلوى، فلجأ زوجها إلى مخاصمتها كلما وجدها تشتري حلوى أو تأكلها.

وتضيف: «في ما عدا هذين النوعين من إدمان التسوق، لست مهووسة بالشراء ولا أشتري إلا حاجتي، ولكن إذا تسوقت مع إحدى صديقاتي من مدمنات الشراء، فقد أتسوق بمقدار أكبر بعض الشيء، وكأن هوس الشراء عدوى».


هواية مفضّلة

على عكس صديقاتها اللواتي يعترف أزواجهن برغبتهم في تقييدهن حتى يمتنعن عن الشراء، يتفهم محمد متعة زوجته هبة نجيب (محاسبة) في الشراء، ويصحبها إلى التسوق كلما رآها في حالة نفسية غير جيدة أو حالة من الملل.
وتقول هبة: «أفضّل التسوق والفرجة على المحلات أكثر من الذهاب إلى النادي، لأن التسوق يخرجني من اكتئابي ويملأ وقت فراغي. وزوجي لاحظ تلك المتعة بدايةً من شهر العسل، وأصبح هو الذي يقترح عليَّ التسوق كلما رآني محبطة أو أشعر بشيء من الملل، خاصة أنني في إجازة أمومة حالياً ولا أخرج إلى العمل».

وتكمل: «أعلم أنني مدمنة تسوق، فحتى شرائي لاحتياجات المنزل يزيد سعادتي، لكني لم أفكر في العلاج، لأنه أمر يجعلني سعيدة، وزوجي متفهم جداً، عكس أزواج صديقاتي الذين يهربون من يوم التسوق، خاصة أنه اليوم العالمي للخلافات بينهم، إما بسبب هوس شراء الزوجات، أو بسبب ترددهنّ، وإهدار وقت كبير في عملية الشراء. أما زوجي فيجد في متعتي سعادة له، ولا يمنعني من التسوق بل يشجعني عليه».
يلتقط محمد محسن، مسؤول التدريب والتوظيف في إحدى الشركات، الحديث من زوجته، ويؤكد أن التسوّق لا يسبب خلافاً بينهما على الإطلاق، فهو يرى أنه متعتها.

ويضيف: «كثيراً ما أدعو هبة إلى التسوّق إذا أردت مصالحتها أو تخفيف أعباء المنزل عنها، فهي عندما تذهب إلى السوق تتحول إلى إنسان مختلف، تنسى كل المشاكل والمضايقات مهما كانت، وبالتالي أنا سعيد جداً لأنني أعلم مفتاح بهجة زوجتي، خاصة أنها لا تشتري أشياء ليست في حاجة إليها كمدمنات التسوق الأخريات، فحتى إذا اشترت أشياء كثيرة فتستعملها كلها، وهذه ميزة وليست عيباً على الإطلاق».


خلافات أسرية

لم تبعد الخلافات التي ينتجها هوس التسوق عن مي عصمت (مهندسة ديكور)، رغم أنها غير متزوجة، فأمها دائمة الشجار معها وتتهمها بأنها مدمنة تسوّق وفي حاجة إلى علاج.
تضحك مي وتقول: «أعرف أنني مدمنة، وآمل أن أتغير قريباً، وكثيراً ما تقول لي أمي: إذا كنتِ ربة منزل مسؤولة من المستحيل أن يكون ذلك طبعك».

تؤكد مي أن 80 في المئة من دخلها الشهري تنفقه على التسوق، وتقول: «أشتري كل شيء، حصوصاً التكنولوجيا والموبايلات الحديثة ثم الملابس والعطور، ماكياج أصلي، أداوت للطهو، مستحضرات عناية بالبشرة وغيرها».
وتوضح أن التسوق يحسّن مزاجها وحالتها النفسية، وتلجأ إلى شراء الماكياج عندما تكون في حالة اكتئاب، مشيرة إلى أنها لا تستطيع مقاومة لون الفوشيا، وتشتري أي شيء مهما كان إذا كان لونه فوشيا بلا تردد.


احتياط واجب

أما مروة عصام (منسّقة أفراح) فقررت استبعاد زوج المستقبل من خريطة تسوّقها، تجنباً للخلافات التي تؤكد حدوثها في رحلة تسوقها.
وتقول: «لا أنكر أنني مدمنة تسوق، مع أن سلوكي تغيّر بعدما كنت أشتري بلا تفكير لأفاجأ في النهاية بوجود قطع الملابس نفسها في خزانتي، بل كنت أقع في غرام الأشياء التي لا تناسبني. الآن عدّلت سلوكي، لأنني وجدت أنني لا أستفيد من كل ما أشتريه، وأصبحت أشتري أطقم ملابس كاملة، ووجدت أن هذا الأمر أكثر صعوبة، إذ من الممكن أن أتسوق يومين أو ثلاثة حتى أكمل الطقم كاملاً بالحذاء والحقيبة والإكسسوار. وأعلم أنه لن يقوى رجل على هذا المجهود على الإطلاق، لذا لن أصطحب زوج المستقبل في رحلة تسوق إلا إذا كانت تخصّه فقط».
وتضيف: «فضلاً عن ذلك، فكثير من الرجال أذواقهم لا تناسب النساء، كما أن بعضهم قد يبدي إعجابه بأي شيء كي ينهي تسوق زوجته بسرعة، والأهم أنني لم أشاهد حتى الآن رجلاً يتسوق مع زوجته بلا خلافات».


مجتمع السوبر ماركت

لماذا النساء هن الأكثر إدماناً للتسوق؟ يجيب عن هذا السؤال الدكتور وائل أبو هندي، أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، ويرجع السبب إلى أن إدمان التسوق مرتبط بمرض الاكتئاب، والنساء أكثر عرضة للاكتئاب.
ويضيف: «لا نستطيع أبدًا إغفال دور المجتمع، الذي تحول إلى سوق كبيرة للاستهلاك، ولكي أوضح الأمر أكثر، فإن ما يحدث عندما يتعرض الإنسان لإغراء بضاعة ما، هو الشعور بالرغبة في الحصول على تلك البضاعة، والتعامل مع هذا الإغراء يحتاج إلى ضبط النفس والقدرة على الموازنة بين ما أكسبه وما أخسره. وتتداخل عوامل كثيرة في تحديد السلوك الذي سيلجأ الإنسان إليه استجابةً لذلك الإغراء، من بينها طريقة العرض، وتوافر النقود، وبطاقات الائتمان، وخبرة الإنسان المسبقة مع الخواص الحسية للمنتج الذي يشتريه، كاللون والموديل والسعر مثلاً في ما يلبس، أو كالرائحة والملمس والمذاق في ما يأكل، أو الميزات الجديدة في جهاز إلكتروني مثلاً. ومن المهم طبعًا أن نعرف أن ما يتعرض له إنسان العصر الحديث من إغراءات يفوق طاقاته بكثير، وأنا حتى الآن أتكلم عن إنسان طبيعي في ظروف غير طبيعية، كالتي نعيشها جميعًا في مجتمع السوبر ماركت الكبير الذي أصبحنا نعيش فيه».

ويتابع أستاذ الطب النفسي: «لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد مع الأسف الشديد، فما يحدث لكثير من الناس ليس فقط أنهم يسرفون في الشراء، وليس أنهم يدمنون الشراء لميزة في ما يشترونه، وإنما تتحول العملية بالتدريج إلى إدمان لعملية الشراء نفسها، بغض النظر عن أهمية أو قيمة ما يشترونه. ويحدث ذلك لأن نشاط الشراء يتحول بالتدريج إلى نشاط يتعامل الإنسان به مع أي مشاعر سيئة يتعرض لها، فهو يكتشف بالصدفة أن التجول في السوبر ماركت أو المول وشراء كل شكل جديد من أشكال المنتجات إنما يرفّه عنه ويقلل من توتره أو قلقه أو خوفه أو أي من المشاعر السيئة، بل ويحوّله من ذلك الشعور غير الطيب إلى شعور متعاظم باللذة والانتعاش، يتصاحب معه ويتلوه الاستمتاع بالمنتج الذي يراعى فيه غالباً أن يشجع على الشراء أكثر، ويضاف إلى ذلك طبعًا أن شراء كل جديد وسيلة للتفاخر ومادة للتحدّث مع الأصدقاء والمعارف».


تخلصي من إدمانك

تتفق الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، مع الدكتور وائل في الرأي مؤكدةً أن هوس الشراء ليس بجديد على المرأة، فهي تحب أن تكون في أجمل صورة دائماً، لكن إدمان التسوق ظاهرة جديدة ظهرت في مصر بعد الانفتاح الاقتصادي الذي أعقب حرب 1973 . وتضيف: «لم يقف إدمان التسوق عند تجميل المرأة، بل وصل إلى مواكبة التكنولوجيا والهوس باقتناء أحدث أنواع الهواتف المحمولة والكمبيوتر وغيرها». وتستنكر إدمان المرأة للتسوق، مؤكدة أنها قدوة أبنائها، وإن لم تصرف باعتدال فستجني ذلك الإسراف في سلوكيات أبنائها.

لذا تقدّم خضر نصائح لمدمنات التسوق، قائلةً:

  • اهتمي بتنمية وعيك الاقتصادي وخططي جيداً لإيرادك الشهري وادخري منه، وخططي أيضاً لمدخراتك السنوية. هكذا ستسعين وراء هدف بدلاً من الإسراف المطلق.
  • كوني أكثر وعياً، واستغلي انفاقك في تعلم لغة جديدة أو مهارات الكمبيوتر والتكنولوجيا.
  • لا تتسوقي مع صديقاتك، خاصةً إذا كنّ مدمنات مثلك.
  • لا تتسرعي عند شراء الملابس في دفع النقود قبل أن تجربيها، واحتفظي بحق ردها خلال يومين.
  • لا تهتمي كثيراً برأي البائع في السلعة أثناء مساعدته لك في التسوق، فهو غالباً يهتم بإتمام عملية البيع لك، علاوةً على عدم إدراكه لمحتويات خزانتك في المنزل.
  • عليك اختيار الوقت المناسب للتسوق، فأفضل الأوقات للشراء تكون أيام الإجازات والعطلات.
  • اغتنمي بداية فترة الأوكازيون والتخفيضات لشراء احتياجاتك.
  • في حالة اصطحاب أبنائك أثناء التسوق، لا سيما الصغار، يجب عدم تلبية جميع طلباتهم بشراء كل ما يجذب انتباههم لتدريبهم على التحكم في سلوكيات الشراء.