ماذا يقول علماء الدين عنه؟ زواج وطلاق عبر SKYPE

الزواج, طلاق, علماء الدين, SKYPE, د. مهجة غالب, د. عبد الحي عزب, د. أحمد عمر هاشم, هدى الكاشف, د. آمنة نصير, د. محمد عبد المنعم البري

01 ديسمبر 2013

هل يمكن أن يكون تطبيق SKYPE وسيلة لحدوث الزواج والطلاق عن بعد؟ الواقع يؤكد أن هذا ممكن، ففي لبنان كانت هناك واقعة زواج عبر SKYPE، وفي مصر كانت هناك واقعة طلاق من خلاله أيضاً! لكن ماذا يقول علماء الدين عن استخدام هذه الوسيلة الحديثة وغيرها من وسائل التكنولوجيا في الزواج والطلاق؟ وهل هناك شروط للاعتراف بشرعية الزواج والطلاق في مثل هذه الحالات؟ «لها» تحقق.


لم يجد اللبنانيان بشير فاخوري (28 سنة) الموجود في الولايات المتحدة الأميركية، وخطيبته حوراء سعيد (24 سنة) التي لا تزال تنتظره في مدينة صور اللبنانية، بعد فترة خطوبة استمرت عامين، إلا تطبيق «سكايب» للمحادثات الصوتية والمرئية عبر الإنترنت لحل مشكلة إتمام زواجهما، خاصةً أن أوضاعهما الاقتصادية الصعبة لم تسعفهما، وكذلك بُعد المسافة منعهما من تحقيق حلمهما.
وخشي أهل العروسين من عدم مشروعية عقد الزواج بهذه الطريقة الحديثة، فبحثوا عن فتوى شرعية من مرجعيات دينية تجيز عقد الزواج عبر تطبيق «سكايب».

اجتمعت عائلة حوراء سعيد في منزلها في مدينة صور، وفتحت تطبيق «سكايب» عبر الكمبيوتر، وعلى الجانب الآخر أطلت عائلة فاخوري من شقة العريس في الولايات المتحدة عبر التطبيق ذاته، وحضر الشيخ علي مغنية إلى منزل العروس ليبدأ مراسم عقد الزواج عبر تطبيق «سكايب»، بعد أن قرأ فتوى تبيح ذلك، وأكد أنها المرة الأولى في لبنان يُعقد قران بمثل هذه الطريقة.
وحول شرعية هذا الزواج قال الشيخ مغنية: «قبل نحو 40 عاماً أصبح بإمكاننا إتمام الزواج عبر الهاتف، أي بالصوت فقط، أما اليوم وبفضل التطور التكنولوجي فأصبحنا نشاهد ونسمع بالصورة والصوت كلام العروسين. ولا توجد أي مشكلة شرعية في إتمام العقد عبر سكايب، لأن الزواج اتفاق بين شخصين، وقد زوجتهما بوجود الشهود وتم التواصل مع العريس بالصوت والصورة، وبالتالي لا يوجد أي مشكلة في هذا الزواج. وما دام هناك اتفاق بين الطرفين وتوكيل يكون عقد الزواج شرعياً».

ويرى بعض أنصار هذا الزواج، أن الزواج عبر «سكايب» اكتسب «شرعية اجتماعية» أكبر من الزواج الذي كان يُعرف بـ»زواج الوكالة»، وكان هذا النمط رائجاً عند المغتربين، إذ كان يرسل العريس وكالة مصدقة من السفارة في بلده تجيز لشخص يمثله عقد قرانه على عروس، وكان يعتبر زواجاً شرعياً يتم  تسجيله رغم أنه يبقى زواجاً مع وقف التنفيذ.
الغريب أن هذا الزواج اللبناني عبر «سكايب» تزامن مع حالة طلاق عبر «سكايب» أيضاً، تمت بين مصري مقيم في ألمانيا لزوجته المصرية التي تركته ورجعت لمصر بسبب تفاقم المشكلات بينهما، وعاشت مع أهلها أشهراً، ولم تُجدِ محاولات الصلح. فما كان من الأسرتين في ألمانيا ومصر إلا أن توافقتا على الطلاق بوجود المأذون أمام جهاز الكمبيوتر لسماع منطوق الطلاق من الزوج وتوثيقه.


المهمة نفسها

يؤكد الدكتور عبد الحي عزب، العميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أن الزواج آية من آيات الله، فقال تعالى: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إن فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة  الروم . وبالاهتمام نفسه حرص الإسلام على أن يتم الطلاق، رغم أنه أبغض الحلال إلى الله لمن لم يوفقوا في الاستقرار الأسري، وفق آلية ميسرة أفضلها بلا شك اللقاء المباشر بين الطرفين عند المأذون في وجود الشهود العدول، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل»، وبالتالي لا بد في الزواج من أربعة «الولي والزوج والشاهدين».

 وأوضح عزب أنه إذا لم يتيسر وجود أطراف الزواج أو الطلاق، فإن الإسلام يسرّ الأمر بإمكان استخدام الوسائل المستحدثة التي لم تكن موجودة في الماضي، ما دامت تؤدي مهمة تيسير الزواج أو إيقاع الطلاق. الإسلام أباح الوكالة المحققة والمتيقنة تيسيراً على الأطراف، لأنه دين اليسر، حيث قال تعالى: «.. يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...» آية 185 البقرة.
وأنهى عزب كلامه مؤكداً أنه لا مانع شرعاً من استخدام الوسائل الحديثة، مثل السكايب والإيميل ورسائل المحمول، وغيره مما أنعم الله به على خلقه شرعاً، طالما لم يحلل حراماً أو يُحرِّم حلالاً.


التدقيق

وتتعجب الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية للبنات جامعة الأزهر، ممن يحرّمون استخدام وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة في الزواج أو الطلاق، بحجة أنها «بدعة» ولم تكن موجودة أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أيام الخلفاء الراشدين، «مع أن التيسير في الإسلام سمة عامّة، ولو تعمقنا في تشريعات الإسلام لوجدنا تيسيراً مذهلاً. ويكفي وصف أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها للرسول، صلى الله عليه وسلم، بأنه ما خُيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً».

وترفض غالب تعقيد أحوال الناس بحجة «الأخذ بالأحوط»، أو أن وسائل الاتصال الحديثة من قبيل المفاسد التي يعد الابتعاد عنها مقدماً على أي مصلحة تأتي من استخدامها، بسبب إساءة البعض استخدامها في الزواج أو الطلاق، مع أن الله تعالى قال لنا: «مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» آية 6 سورة المائدة.
وأنهت كلامها بضرورة التحري والتدقيق، وليس التحريم في استخدام هذه الوسائل الحديثة في الزواج أو الطلاق.


الحذر واجب

ويؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، أنه يجب أن يكون عالم الدين منفتحاً ومعايشاً لعصره ويتعرف على كل جديد أو مستحدث، ثم يعرض الأمر على الشرع في ضوء قواعد التيسير على خلق الله والرحمة بهم وليس المشقة عليهم، لأن الله سبحانه وتعالى وصف رسوله، صلى الله عليه وسلم، بقوله: «وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ» آية 107 سورة الأنبياء. لكن أدعياء العلم الديني، الذين يخاصمون ويقاطعون العصر، يشقون على الناس ويرفضون رحمتهم باسم الدين، وهو من فهمهم له براء.

وأوضح هاشم أن «العلم كل يوم يخرج باختراعات وابتكارات جديدة تيسر سبل العيش والسفر، فهل نقاطعها لأنها لم تكن موجودة أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام؟».

وحذر من أن يكون التساهل الشديد هو البديل للتشدد في التعامل مع وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة، مثل السكايب والبريد الإلكتروني أو المحمول، وخاصةً أنه يمكن إساءة استخدامها بالخداع والكذب، وخاصةً في ما يتصل بالزواج والطلاق، بما فيهما من تحليل وتحريم للأعراض التي تعد المحافظة عليها أحد مقاصد الشريعة الخمسة، وهي حفظ «الدين والنفس والعقل والنسل والمال».
وأنهى هاشم كلامه بالحذر وليس التحريم، «لأن المسلم الحق بطبعه فطن وذكي، يتجنب الأخطار ويستفيد من الابتكارات والاختراعات الحديثة طالما ليس فيها ما يحرمه الله ورسوله، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا» الآية 71 سورة النساء، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «المؤمن كَيِّس، فـَطـِن»». 


المجامع الفقهية

وتطالب الداعية الإسلامية هدى الكاشف بالتعامل بموضوعية وعقلانية مع القضية بعيداً عن «الإفراط في التشدد أو التفريط في أحكام الشرع»، وذلك من خلال الوسطية التي تعد صفة أساسية للأمة الإسلامية، حيث وصفها الله بها في قرآنه فقال تعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ على النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» آية 143 سورة البقرة.

وترى أن الحل ليس في الاستخدام العشوائي لتلك الوسائل في الزواج، الذي وصفه الله بأنه «ميثاق غليظ»، أو في الطلاق حتى ولو كان أبغض الحلال، وليس أيضاً في التشدد، لأن كلا الأمرين مذموم ومرفوض شرعاً، فقد قال صلى الله عليه وسلم، في العلماء الذين يتساهلون ويحللون للناس كل شيء، حتى يصل الأمر إلى تحليل الحرام بزعم التيسير: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسُئِلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا». وقال في الذين يحرمون كل شيء حتى وصل الأمر بهم إلى تحريم الحلال والتضييق على الناس: «هلك المتنطعون. هلك المتنطعون. هلك المتنطعون».

وأنهت الكاشف كلامها بدعوة المجامع الفقهية التي تضم خيرة العلماء في العالم الإسلامي، إلى إصدار فتاوى بحثية قاطعة تستند إلى الأدلة الشرعية حول حكم استخدام هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة في الزواج والطلاق؛ لمنع التنازع واختلاط الحلال بالحرام في الأعراض والأنساب بعد ذلك، فهذا يمنع التناقض في الفتاوى حولها ويحقق القاعدة الشرعية التي أرساها الحديث النبوي، الذي يقول فيه صلى الله عليه  وسلم «لا ضرر ولا ضرار».


الاجتهاد الجماعي

تتفق معها في الرأي الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية، فتؤكد أن الحل الشرعي الصحيح لدى الهيئات العلمية الكبرى في العالم، خاصةً مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ومجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي، لأنها مؤسسات دينية لها ثقة كبيرة بين المسلمين، وليس لها أي توجه سياسي أو ديني يقلل من ثقة الناس بها.

وطالبت الدكتورة آمنة هذه المؤسسات بسرعة مناقشة تلك القضايا المتعلقة بالزواج والطلاق عبر وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة، لأن هذه القضايا حياتية وهامة ولا تحتاج إلى تأجيل أكثر من ذلك، خاصةً في ظل وجود تضارب في الفتاوى حول هذه القضايا حالياً، من خلال الاجتهاد الفردي الذي قد يخطئ ويصيب ويتأثر بالانتماء المذهبي للفقيه، أما تلك الهيئات فتضم فقهاء من كل المذاهب، وبالتالي فإن الفتاوى الصادرة عنها ستكون محل احترام الجميع بدلاً من البلبلة الحالية، حيث نجد من يحلل أو يحرم للزواج والطلاق عبر تلك الوسائل المستحدثة.
وأنهت نصير كلامها مؤكدة أن الاجتهاد الفقهي الجماعي الذي تتصف به المجامع الفقهية أفضل من أي رأي فردي، ولعل هذا ما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يجمع الله أمتي على ضلالة». 


سلاح ذو حدين

يشير الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة جامعة الأزهر، إلى أن وسائل الاتصال والتكنولوجيا «سلاح ذو حدين»، فهي إذا كانت تيسر التواصل بين البشر رغم تباعد المسافات، إلا أنها تفتح باباً للمشاكل الاجتماعية الأخلاقية، والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى، ولهذا فإن الإسلام يفضل التيقن في الأمور المتعلقة بالزواج والطلاق، لأننا نتحدث في «الأعراض» التي أحاطها الدين بشيء من القدسية لحمايتها من عبث العابثين.

وحذر من التوسع في باب استخدام التكنولوجيا في الزواج والطلاق، لأن ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالابتعاد عن كل ما فيه شبهة، فقال: «إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
وأنهى البري كلامه مؤكداً أن الجرأة في استخدام وسائل التكنولوجيا والاتصال بلا ضوابط مخالف للشرع، أو على الأقل فيه ريبة، وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن كل ما فيه مجرد الريبة، وخاصةً في مسائل الزواج والطلاق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك، إلى ما لا يريبك».