مصمّمة المجوهرات عبير بغدادي: وضعت رؤيتي في التصاميم وحافظت على الطابع المعاصر

جدة: آمنة بدر الدين الحلبي 30 نوفمبر 2019
أناملٌ ناعمة استطاعت أن تطرّز من لمعان الذهب أيقونات الجمال، وتصمّم من الأحجار الكريمة قطعاً فريدة من نوعها، وتصيغ من الفضّة سحراً مميزاً، لأن مجوهرات الذهب من مقتنيات الجمال التي تحتفظ بقيمتها المادية العالية على مدار السنين، ذلك بسبب لون هذا المعدن المميز ولمعانه الذي يشدّ القاصي والداني.

اختارت مصمّمة المجوهرات عبير بغدادي تصميم المجوهرات والأحجار الكريمة ما إن أنهت دراستها الجامعية للأدب الإنكليزي في جامعة الملك عبد العزيز، لكنها أحبّت أن تصقل موهبتها الفنية بالدراسة، فالتحقت بأحد المعاهد المتخصصة في هذا المجال، وسافرت إلى لندن لتتعلّم على أيدي متخصصين وحصلت على ماجستير في تصميم المجوهرات. "لها" التقت عبير بغدادي لتأخذها في رحلة بين تصاميمها الذهبية المطعّمة بالأحجار الكريمة، وكان هذا الحوار.


- كيف سرقتك تلك الهواية من اختصاصك؟

في فترة التسعينيات، وبينما كنت في مدريد بإسبانيا، ألِفت عيناي تصميم المجوهرات التابعة لشركة مجوهرات كبيرة تُدعى "كارير وكاريرا" Carrera Y Carrera"، وشدّتني كثيراً تصاميم الشركة المنحوتة بدقة لا متناهية، نظراً لأنها غريبة وغير مألوفة، وكأن إزميل فنان مميز تدخّل ونحت تصاميمها لتخرج في منتهى الذوق والأناقة.

- وهل درستِ بعد ذلك التصميم؟

في تلك الفترة، لم يكن هناك إنترنت للبحث السريع، فبحثت في مكتبة زوجي ووجدت كتاباً عن فن "الكرافت"، قلّبت في صفحاته ولفتني مشروعٌ لسِوار جميل، دغدغ مشاعري ودفعني للبحث أكثر فأكثر. بعدها سافرت إلى بريطانيا، وخضعت لعدد من الدورات المكثفة في أيّام الإجازات، وتعلّمت طرقاً متعددة لرسم المجوهرات وتصميمها، لأن دور المجوهرات الأوروبية الكبيرة مثل "كارتييه" و"فان كليف" لها أسلوبها الخاص في التعليم، فإما تصميم أو تصنيع، أي تخصّص في مجال واحد، وعليّ الاختيار بين الرسم أو الحِرفة.

- كيف كانت خطواتك الأولى في عالم تصميم المجوهرات؟

تعلّمت على يد حِرفي كان يعمل في دار "كارتييه" أسلوب الدار في كل شيء، على سبيل المثال القياس الدقيق للحجر الذي سيتربع على التصميم، بينما دار "فان كليف" تطلب التصميم العام فقط، وهي التي تقرر وضع الحجر الذي تريد والشكل الذي تريد كحِرفيين، وقد صمّمت ونفّذت أول مجموعة خواتم بمادة "الواكس" الخاص من خلال طريقة معينة تُعرف بـ"الصبّ" "Casting".

- تلك المادة الشمعية الخاصة بالتصميم ماذا تفعلين بها؟

بعد تصميم "الواكس"، أعطي القطعة للصايغ ليصب عليها خاتم الذهب، وتذهب من ثم إلى شخص آخر مهمّته تركيب الأحجار وتلميعها فيكتمل العمل. وصمّمت بعد ذلك مجموعات عدة بتلك الطريقة إلى أن قررت دراسة الماجستير.

- هل تابعت دراسة الماجستير في تصميم المجوهرات، أم أخذت خط آخر؟

سافرت إلى بريطانيا لدراسة الماجستير في تصميم المجوهرات في London Metropolitan University وقدّمت مشروعي عن الهلال، فخرج جميلاً. لكن خلال دراستي في بريطانيا، بحثت طويلاً في هذا المجال إلى أن وجدت نوعاً من التصاميم كنت أراه فقط في الكتب، تحت عنوان "مجوهرات معاصرة ذات مفهوم معين"، لكنها ليست مصاغة لإبراز الذهب والألماس، بل مصمّمة بطريقة فنان تجريدي تشكيلي حين يمسك فرشاته فيبدع بأسلوب مختلف عن أي فن آخر، يماثل عملي كحِرفية معاصرة تصمّم قطعاً فريدة من نوعها ومتميزة بأشكالها الهندسيّة المصنوعة من المعدن لتخلق تناقضاً جميلاً مع الأحجار الكريمة.

- إلى أين أخذك هذا الفن المعاصر في المجوهرات؟

دفعني إلى البحث المتواصل والدائم لابتكار تصاميم جديدة ومغايرة للمجوهرات التقليدية لأضع رؤيتي فيها، وأحافظ على الطابع المعاصر، فدخلت في مجالات أوسع وأشمل للخواتم والعقود والأساور حتى خرجت عن المألوف بصياغتي للمجوهرات العادية، وأنتجت كل قطعة مميزة عن غيرها بحِرفية عالية.

- ماذا عن الأحجار الكريمة وخصائصها؟

درست بالمراسلة مع معهد علم الأحجار الكريمة الأميركي (GIA)، وعندما سافرت إلى بريطانيا خضعت لدورات عن الأحجار الكريمة في معهد "جيم إي" البريطاني، لأن لكل حجر عائلته وتاريخه.

- ما هي ميزات الأحجار الكريمة؟

من خلال دراستي للأحجار، صرت أعرف أين يوضع كل حجر، وعلى أي تصميم، وعلى سبيل المثال، حجر الزمرد فهو حجر ضعيف وكله شوائب، وإذا أردنا تركيبه مع الذهب، ليلفّه من كل جانب، فمن الممكن أن ينكسر هذا الحجر في أثناء التركيب، لذا يجب دراسة كل حجر على حدة، وأين يوضع بدقة حتى لا يتعرّض للخدش أو الكسر، أما حجر الفيروز فلا يمكن إضافة مادة الأسيد عليه، بعد الانتهاء من صياغته، وله طريقة حساسة في التنظيف.

- هل تقطّعين كل الأحجار؟

أنظر أولاً الى خصائص الحجر وتركيبته المختلفة، مثلاً يمكنني قطع حجر "الجاد" وتركيبه بسهولة، وقد استخدمته في أكثر من تصميم.

- هل سخّرت تصاميمك لخدمة التراث؟

سعيت لعمل تقنيات مذهّبة تحكي عن التراث، فلجأت إلى الأشكال النباتية في مجال التذهيب وسخّرتها في تصاميمي، لأنها تحتوي على التناظر، وجرّدت بعض التصميمات بخروجي عن المألوف، ولجأت إلى الانحناءات مع الوحدات الزخرفية من دون تشعب من خلال معدن الفضة والذهب والنحاس مع الأحجار الكريمة في ورشتي الصغيرة.

- حين بدأتِ كانت حِرفة الصياغة حكراً على الرجال، كيف استطعت اختراق هذا المجال؟

للأسف، هناك معلومة خاطئة عن الصياغة بأنها تحتاج الى قوة جسدية، فحين سافرت إلى بريطانيا اكتشفت أن معظم الطلاب في المعهد من النساء، لأن تصميم المجوهرات مجال يناسب المرأة التي تحب أن تعمل من منزلها، فقلت في نفسي، لماذا لا أعمل في هذا المجال وأثبتُ للعالم أن المرأة السعودية استطاعت أن تفرض وجودها في كل المجالات الفنية والأكاديمية والطبية وتصميم وصناعة المجوهرات.

- أي المعادن هو الأسهل في الصياغة؟

الذهب هو المعدن الأسهل في الصياغة، يليه معدن الفضة، لكن الصعب هو معدن النحاس الأصفر أو الأحمر، ويفوقه صعوبةً معدن "الستيل" أو الحديد، فأنا لا أستخدمهما أبداً.

- متى تستخدمين معدن النحاس؟

استخدمتُ معدن النحاس بنوعيه في بداية التعلّم، تلاه معدن الفضة، وحين أتقنت العمل في الفضة، ترقيت إلى العمل بمعدن الذهب.

- هل واجهتِ تحديات؟

حين بدأت بالرسم والتصميم، واجهتني تحديات كثيرة لمتابعة العمل في الصياغة، ولمّا كنت أزور ورش العمل، كانوا ينظرون إليّ باستغراب، فكيف لسيدة أن تدخل مجالاً هو حكر على الرجال؟! لكنني كنت آخذ في الاعتبار أن المعوقات لا تُذلّل إلا بالصبر والحكمة والديبلوماسية والبحث عن الحلول الناجعة. لكن بعد افتتاحي ورشتي الخاصة، واجهت صعوبات من نوع آخر، تتمثل بشراء الذهب والفضة من السوق السعودية، نظراً لتوافرهما بشكل سبائك فقط، فلم أجد طلبي ولم أحصل على القطعة التي أريد، وذلك بخلاف أوروبا وأميركا، حيث يتم شراء الذهب والفضة من خلال المصرف رسمياً وبالحجم والوزن المطلوبين.

- بما أنك درّبتِ في هذا المجال، ما نسبة الإقبال عليه من الفتيات؟

درّبت في معهد المستقبل وفي جامعة الملك عبدالعزيز وفي حلية، ولا يزال بيني وبين حلية تعاون، وبعد رؤية 2030 وإفساح كل المجالات أمام المرأة السعودية، أصبح هناك إقبال كبير على دراسة التصميم وصناعة المجوهرات، إضافة الى أن المجوهرات في السعودية تعتبر ذات قيمة مالية عالية.

- ما هي نسبة مصمِّمات المجوهرات في السعودية؟

في مجال التصميم، يزداد عدد النساء يوماً بعد يوم، وهذه ظاهرة طبيعية وجيدة بالنسبة الى المجتمع السعودي، فقد أصبح للمرأة صوت تعبّر من خلاله عما تحب أو تريد، وباتت ترفض التصميم العادي أو الذي يقدّمه أي صائغ، لأنها تدرك ماذا تريد، وما يناسبها من تصاميم، والمناسبات المخصصة لتلك التصاميم... فالخيارات أصبحت أمامها مفتوحة بإرادتها، وتصمّم ما يليق بشخصيتها وذوقها الرفيع، ونجحت في إثبات وجودها في السوق السعودية.

- لمن تصمّم عبير؟

من خلال دراستي للمجوهرات، تعلّمت أن أصمّم ما أحب وما يليق بشخصيتي، كما وجّهتني معلّمتي، لأضع بصمتي على التصميم والصياغة، وبقي دوري في المجال الأكاديمي لأقدّم لطالباتي كل ما تعلّمته، وما زلت مستمرّة في البحث والتعلّم.

- بينما تضعين التصميم، هل تتخيّلين شكله النهائي؟

أتخيله بالطبع، وأضع تصميمات عدة في أثناء الرسم، وحين أبدأ بتنفيذ التصميم أحرص على استكماله، وإن لم يخرج كما تخيلت، لأن الأفكار تتضارب في ذهني، لا أحطّمه كغيري، لأن التصميم يساعد في تطوير المحتوى الذي يخصّه.

- ما الذي تحرصين على ترسيخه في أذهان طالباتك؟

أعلّمهن كيف يصنعن هوية لتصاميمهن، ويسرن في خط مميز للربط بين أعمالهن، حتى يشير من يراها إليهن بالإصبع، ويعرف ماهية وهوية كل مصمّمة.

- المرأة السعودية تتفاخر بزينتها، وهي تعكس وضعها الاجتماعي والاقتصادي، فما رأيك؟

ثمة نساء يقتنين المجوهرات لإظهار الثراء والوضع الاجتماعي، وتهتم أخريات بأنواع الأحجار الكريمة لأنها تعبّر عن أذواقهن وشخصياتهن وتبرز أنوثتهن.

- لماذا اختلفت تصميماتك بين الأمس واليوم؟

في البداية، اقتصر عملي على تطعيم الذهب والفضة بالأحجار الكريمة، لكن بالبحث المتواصل أحببتُ أن أبيّن قيمة المعدن الثمين وأن له خصائص أخرى عملت على إظهارها من خلال التسخين، وهذا العمل استغرق الكثير من وقتي، لكنني حصلت على تصميم جميل جداً بملمس رائع، من خلال معدن الفضة الاسترليني الذي يشكل النحاس فيه نسبة 8%، فبدا سطح المعدن وكأنه مغطّى بتجاعيد جميلة.

- ما هو حجرك المفضل؟

اللؤلؤ، لأنه يرمز الى الأنوثة، وهو حجر حسّاس جداً يتأثر بالعطور والحرارة والزيوت.

- ماذا تقولين للمرأة السعودية؟

إذا كنت تحبّين العمل في مجال المجوهرات، تعلّمي ولا تتردّدي في الدخول الى عالم تصميم وصياغة المجوهرات، وتعرّفي على خفاياه، لأنه مناسب للمرأة العصرية.