حوار الضوء والشفافية على ضفاف التايمز

باريس - نجاة شحادة 14 ديسمبر 2019

ليست الشفافية وحدها سرّ جاذبية هذا المنزل الريفيّ المعاصر، الواقع على ضفاف نهر التايمز في منطقة بيركشاير في الريف الإنكليزي... بل نقاء خطوطه الهندسية والخيارات البارعة للمواد الطبيعية الأصيلة والعناصر الزخرفية التي عمل مهندس الديكور غريغوري فيليبس على استثمارها داخل هذا المنزل العائلي بأسلوب بسيط، ينسجم بطابعه مع ما يحيط به من أجواء ومكوّنات داخلية، ومناظر طبيعية خارجية، كانت قيماً مضافة رفدت هذا الإنجاز بسحر خاص وتميز فريد.


استوحى فيليبس الفكرة الرئيسية للتصميم من أجواء المنازل الريفية التقليدية المنتشرة في تلك المنطقة، حيث عمل على تطوير ملامحها من خلال التصميم وإعطائها طابعاً عصرياً لافتاً.

وقد تصدر الزجاج المواد المستخدمة في عملية البناء والديكور، حيث شارك في صياغة هياكل الواجهات والنوافذ الكبيرة والأبواب، ليلبس المكان حلّة من الضوء والشفافية.

شفافية لا حدود لرونقها وجاذبيتها وتأثيرها الجميل الذي يربط المناظر الخارجية بأجواء الداخل.

أما خشب السنديان المطلي باللون البني الكراميل، فقد واكب الزجاج في عملية التصميم والديكور، إضافة إلى حجر البازلت البركاني الداكن الذي غطى مساحة من الأرضيات، بينما استخدم حجر الصوان في ترصيع الجدران الخارجية لهذا المبنى المؤلف من طابقين يتربعان فوق مساحة 900 متر مربع.

تمحورت فكرة التصميم في الطابق الأرضي، بابتكار فضاء مركزي، تتوزع حوله الصالات بوظائفها المتنوعة وأركانها المتعددة، حيث تُميز المدخل وصالة الجلوس العائلية سقوف مرتفعة جداً تضفي على المساحات فخامة لافتة، بالإضافة الى ما توفره من جودة بيئية عالية... ومنها ينطلق السلّم المؤدي الى الدور العلوي.

قدم المهندس من خلال تنفيذه لهذا المشروع، نموذجاً جديداً من الديكور بطابع عصري باهر يفيض بالترف: احتلت الصالات فيه، جلسات مريحة مصاغة من قطع أثاث مميزة، مصنوعة من أنبل المواد الطبيعية والأقمشة الفاخرة، التي تناغمت بشكل مدهش مع ألوان الجدران والأرضيات الملبّسة بالخشب أو الحجر البركاني الداكن.

وبدءاً من المدخل، يمكننا ملاحظة الخصوصية من خلال ألواح خشب السنديان والتي تغطي الجدار المقابل، لتشكل رسالة تعكس ما يقدمه لنا الإطار الزخرفي، فتتقاطع مع مساحته المفتوحة على الداخل مسارات تربط بين مختلف مساحات المنزل، يُستخدم بعضها كفضاء عرض فاخر لمجموعة من الأعمال واللوحات الفنية الخاصة.

تتوسّط المساحات في الطابق الأرضي، صالة عائلية للجلوس، تنفتح بأجوائها على ركن للطعام مندمج مع المطبخ. بينما يطلّ الجانب الآخر منها على المناظر الطبيعية الساحرة في الحديقة. وتحتل هذه الصالة التي تضم ركناً للمدفأة، مجموعة من قطع الأثاث الرشيقة الخطوط، تم توزيعها بأسلوب جميل، يعكس رونق خطوطها البسيطة وجمال موادها. بينما تتصدَّر الصالة كنبة من الجلد الأبيض وطاولات صغيرة للقهوة وكراسٍ من البرونز المغطّى بنوع من الجلد الأحمر الداكن. وتكتمل أناقة المشهد مع عناصر إضاءة مموّهة في الجدران وأخرى ظاهرة...

في المطبخ المقابل لصالة الجلوس، تم دمج ركن للطعام، تحتله طاولة تتّسع لثماني كراسٍ مصنوعة من الخشب باللون البنيّ الملبّس بالجلد الأبيض، وتنسجم أجواء ركن الطعام والمطبخ، مع لون الأرضيّة التي يغطيها حجر البازلت، الأمر الذي منح انطباعاً بتواصل المساحة بين صالة الجلوس وهذا الركن الرائع والشرفات الخارجية في الحديقة.

ويبرز جليّاً الطابع الجمالي لهذا الفضاء، خصوصاً أنه تم تجهيزه بعناصر إضاءة مندمجة، تسلّط نورها على المكان الذي يغمره في الوقت ذاته نور النهار، ما يمنح إحساساً زاهياً ونعومة خاصة.

أما في الصالون الرئيسي، فيأخذ الديكور مظهراً باهراً، من خلال تشكيلات مختلفة من الأرائك المريحة والأكسسوارات، مما يفسح في المجال للتعبير عن أجواء مثيرة للخيال، بألوان حيادية، تطرِّزها من وقت الى آخر، بعض النغمات المتناقضة التي تطبع الأجواء بحيوية خاصة ولمسة حسيّة.

تكمن براعة الديكور في هذا الفضاء، في تلك الخيارات المدهشة لأقمشة الأثاث التي تُسلط الضوء على عمق العلاقة بين نبالة المواد والقيم الجمالية، التي جسَّدتها مقاربات الصياغة والتصميم، لتوليد مشاهد زخرفية فريدة متناغمة... حيث غُطي بعض الجدران في هذا الصالون، بنوع من الجلد المصبوغ باللون الفاتح، في مواجهة مع أرضية المكان الملبَّسة بخشب السنديان الداكن، والمزيّنة بقطعة فاخرة من السّجاد مميزة بلون ينسجم تماماً مع ألوان قطع الأثاث ووسائد الزينة، مما يضفي طابعاً مميزاً وفاخراً.

وفي ما يخصّ المساحة المجاورة للصالون، فقد تم ابتكار صالة رسمية للطعام، تحتلها طاولة مميزة من ابتكار «كريستيان لياغر» وهي تتسع لعشرة مقاعد، تقابلها في الجهة الأخرى صالة ثانية للجلوس، لا تقلّ أناقة وجمالاً عن الصالون، وهي تتضمن مقاعد وثيرة من اللون البيج الفاتح والرمادي الداكن، تتوسطها طاولة مبتكرة للقهوة، وقد وُزعت في هذه الصالة المطلّة على الحديقة، عناصر مُبتكرة للإضاءة، وإكسسوارات مختلفة، منها وسائد فاخرة للزينة.

ويمكن القول إنّ المزيج المبتكر القائم بين ملامس المواد المختلفة ونغمات ألوانها التي اكتست بها الأرضيّات والجدران وكل عناصر الأثاث، منح المكان مُناخاً مترفاً تكاملَ بدوره مع مناظر الطبيعة وأجوائها في الخارج.

خصَّ غريغوري هذا المنزل الجميل، بصالة للسينما مُصمّمة بأسلوب مميز، إذ تغرق غالباً في جوّ من الظلام، وذلك بتناقض جذاب مع النور المنبعث من الأركان المجاورة، والذي يسلط الضوء على طابع قطع الأثاث وأقمشته الفاخرة، وباقي التجهيزات الفخمة والمريحة.

تحتل الطابق العلوي من المنزل، غرف للنوم مع حمّامات خاصّة بها، وغرف للملابس وشرفات تطلّ من فوق على أجزاء من المنزل، وأركان مختلفة في الحديقة، منها المسبح وأحواض المياه المتعددة المستويات، إضافة إلى أركان أخرى مختلفة مزروعة بالنباتات الكثيفة والأزهار.

وتتصدّر المساحة في هذا الطابق، غرفة نوم رئيسة، يتمتع تصميمها بطابع جذاب ناعم وأقمشة دافئة وحسية، تُضفي على أجواء الغرفة طابعاً من الهدوء والراحة... فيما يتوسط الغرفة سرير مزيّن بأغطية ووسائد من قماش الكتان.

كما تغطي الأرضية الخشبية في الغرفة، قطعة مبتكرة من السّجاد المحاك بخليط من الصوف والحرير.

وقد تمّ تجهيز صالة الحمّام الرئيسة بجدرانها الرخامية العالية، بحوض للحمام مصاغ من مواد غير قابلة للصدأ، وقد زيّنتْ بعض الجدران مرايا كبيرة، تعكس المناظر الطبيعية الخلابة في الخارج.

وتبرز في تصميم الحمّام، تلك الخطوط المعمارية البسيطة والصافية، تُزينها ألواح من «الغرانيت» تحتضن المغاسل وصنابير المياه. كما نجد خزائن مندمجة بالجدار ومرآة كبيرة تعكس جودة الرخام والمناظر الطبيعية.

بينما تتميز غرفة نوم الضيوف بجدرانها الملبّسة بخشب السّنديان الداكن وهو ينسحب بلونه على الخزائن المندمجة في الجدران، ما أضفى على الغرفة مزيداً من الدفء والأناقة والجاذبية.

أما الخارج المُزين بالشرفات والسطوح المتعددة الأشكال وببرك المياه، فقد تم ترصيع بعض جدران البناء فيه بنوع من حجر الصّوان، وجرى تزويدها بنظام خاص للإضاءة، ما جعل المنظر الليلي للمبنى حالماً وآسِراً.