محمد أبو عبيد

رعاية الطفل / الأطفال, طب نفسي, تلفزيون الآن, محمد أبو عبيد, مذيعة, مهرجان الفضائيات, محمود درويش, القضية الفلسطينية, طفل / أطفال, نصائح طبية, برنامج فني تلفزيوني, برنامج رياضي تلفزيوني, برنامج إجتماعي تلفزيوني, برنامج عن فن الطبخ تلفزيوني, برنامج ال

10 يونيو 2009

إعلامي جريء يقول بصراحة إنه يحب أن يكون مثيرًا للجدل. يطل منذ ثلاث سنوات ونيف على المشاهد العربي بابتسامة عريضة كل صباح في «صباح العربية»، يعطيه جرعة تفاؤل رغم المآسي التي تنخر جسد وطنه الأم فلسطين. يحب لقب المذيع الشاب الأشيب ويرى فيه ميزة يتفرّد بها عن الآخرين. يؤمن بأن الإعلامي الناجح والصادق هو الفاعل لا المنفعل، وبأن المرأة العربية لا تزال مضطهدة وهو نصيرها، أما الشعر فعلمه به يمنعه من نشر ديوانه الخاص قبل أن يصادق عليه شعراء قضاة. «لها» التقت الإعلامي في قناة العربية محمد أبو عبيد فكان هذا الحوار.

- بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من عملك في برنامج «صباح العربية»، هل انتابك شعور بالروتين؟
أبدًا، فأنا أشعر بأن كل صباح أظهر فيه على الشاشة هو يوم جديد بالنسبة إلي. والذي يدفعني إلى هذا الشعور أمور عدة. أولها حبي للبرنامج، فأنا أعشق هذا البرنامج إلى درجة أنه أصبح جزءاً من تكويني. والأمر الثاني الذي يجعلني أقدّم البرنامج بهذا الاندفاع أو الحماسة، هو إدراكي أنني ضيف على البيوت العربية، وبالتالي الشخص عندما يزور جاره صباحًا لشرب القهوة من المؤكد أن يكون بشوش الوجه. ثم تنوع المواضيع يوجد لدي حالة من الديناميكية المستمرة لإعطاء المزيد في هذا البرنامج، خصوصًا أنني أحب البحث في بعض المواضيع لأنها تضيف إلى رصيد معلوماتي كما تضيف إلى رصيد معلومات المشاهد. لذا أكون مندفعًا لتحضير البرنامج وكأنها المرة الأولى لي. كل هذا يبعد عني شعور الروتين أو التكرار، والأهم من هذا كله هو أن البرنامج مباشر، فالإحساس مختلف عندما يكون مسجلا.

- من الملاحظ حضورك الدائم في البرنامج بينما يكون هناك تبدل في ظهور المذيعات أحيانًا. ألا تأخذ إجازة؟
بلى. بينما لا أعرف ما إذا كان يؤخذ علي أو أُمدح عليه من البعض، وكثيرًا ما يُسأل محمد لا يغيب ألا يمرض! علما أنني أغيب خلال الإجازات ولكن لا أدري هناك صورة نمطية عند البعض وكأنني لا أغادر الشاشة. يمكن تفسير ذلك بأن هناك بعض الوجوه لديها ما يميّزها، وربما مظهري وشعري الأشيب أوجدا حالة عند المشاهد أنني حاضر دائما، فإذا غبت ثلاثة أسابيع ومن ثم عدت يشعر بأنني لم أغب عن الشاشة. أما ظهور مذيعات بديلات لراوية وهي المذيعة الأساس، فسببه أن المرأة عموما لديها ظروف تدفعها للغياب كالحمل والولادة، وهذا ما حدث مع راوية. 

- من الملاحظ وجود تفاهم وتعاون بينك وبين راوية أثناء تقديم البرنامج، هل السبب عملكما معًا منذ انطلاقة البرنامج؟
لدي ملكة فهم الشخص من نظراته، ولكن للأمانة وبسبب المدة الطويلة التي عملنا فيها معًا أنا وراوية في برنامج «صباح العربية» تولّدت كيمياء جعلتنا نفهم على بعضنا ونتناوب الأدوار بشكل محترف. وعندما تأتي زميلة بديلة لراوية أكون مثل الجندي على أهبة الاستعداد، خصوصا أن البرنامج مباشر والخطأ ممنوع. وإذا حصل أن ارتبكت إحدى الزميلات خطأ آخذ الدور منها بطريقة سلسة حتى لا ترتبك. إضافة إلى أن شعوري بضرورة الحفاظ على صورة البرنامج وانشغال تفكيري فيه مسؤولية تجعلني على أهبة الاستعداد ولدي هذا الانضباط الجاهز للتدخل عند الضرورة. لكن لا أخفيك أن مستوى الانسجام يختلف من زميلة إلى أخرى.

- هل لديك نية لتقديم برنامج آخر خاص بك؟ وأي نوع من البرامج تستهويك؟
البرنامج الذي أحلم به وفكرنا فيه قبل «صباح العربية» هو برنامج إخباري ساخر. إلاّ أننا وجدنا صعوبة في تنفيذه في العالم العربي. ولكن هذا النوع من البرامج  ما زال في بالي وهذه المرة الأولى التي أفصح فيها عن هذه الرغبة.

- لماذا  برنامج سياسي ساخر؟
ربما لأنني أكتب مقالات ساخرة، ولدي القدرة على إعطاء الطرفة السريعة الساخرة التي تكون في مكانها وتضيف إلى الموضوع. وأول من رأى فيّ هذا الشيء عندما انضممت إلى فريق عمل العربية كمحرر هو نخلة الحاج مدير الأخبار والبرامج. ولكن وجدنا أن هذا النوع من البرامج في العالم العربي غير مسموح بأن يكون فيه هذا الكم من السخرية. تصوري أن نسبة 70 في المئة من البرنامج لا يمكن تقديمها!  ولكن مازال الأمر في بالي وربما في المستقبل قد يصبح لدينا فسحة من الحرية والديمقراطية تسمح بهذا النوع من البرامج. والأهم من ذلك أن يقبل السياسي في العالم العربي أن يكون ضيفا على هذا البرنامج. وفي هذا الجو المكفهر في العالم العربي يصعب تحقيق هذا النوع من البرامج، ففي الأيام العادية تجدين السياسي لا يقبل أن تسأليه سؤالاً يأتي ضده، فكيف الحال إذا كان الوضع السياسي العام متوترًا.

- من الملاحظ في الفترة الأخير مقاطعة البعض قناة «العربية» هل السبب موضوعيتها؟
شخصيًا أنا لا أصدق أن هناك مقاطعة للقناة بل هناك ربما متابعة لقناة أكثر من غيرها. وبالتالي مقولة أن المشاهد يشاهد قناة واحدة، غير مقنعة. لست مخوّلاً الحديث عن هذا الموضوع، بل هذا متروك للمسؤولين عن القناة، ولكن يمكن أن أتحدث من خلال تجربتي الشخصية من داخل القناة، أو يمكن إبداء رأيي كمراقب وبحكم عملي كصحافي. من المعلوم أن كل شيء جديد لا يمكن تقبّله بسهولة خصوصا في العالم العربي، فالعالم الغربي أكثر تسامحًا في ما يتعلق بالحريات الشخصية أو اتباع نهج جديد. والعربية لديها منهج جديد وهو تقديم الأخبار بشكل حيادي، وفي المقابل اعتاد المشاهد العربي لفترة طويلة على القنوات التعبوية التي تشحن العواطف وتخاطب غريزته وليس عقله. فالقنوات في العالم العربي ما زالت توصّف الخبر بينما لا يجوز ذلك في القناة الموضوعية والحيادية. مثال على ذلك عندما نذكر أن طائرة إسرائيلية تقصف مدرسة ويقتل 200 طفل. أليس الخبر نفسه يدل على المجزرة؟ هل من الضروري أن أستصغر العقل العربي وأقول له هذه مجزرة! هل من الضروري توصيف الخبر. وثانيا مسألة المصطلحات. تخيلي أن بعض المشاهدين يتوقفون عند مسألة المصطلح بمعنى قتيل أم شهيد، في الوقت الذي يجب أن نفكر في الخبر وليس المصطلح الذي استعمل. ثالثا أعتقد أن قناة العربية خلال الحرب على غزة لم تنحز إلى جهة معينة من الفلسطينيين وتحدثت عن كل الفصائل الفلسطينية وأعطت المساحة للجميع بالتساوي، ولكن يجب أن ننتبه إلى أن المساحة أعطيت بحسم حجم الفصيل، فهل من المعقول أن نساوي فصيلاً غير معروف بحماس أو فتح؟ هذه العوامل كلها جعلت بعض المشاهدين العرب يتخذون موقفا سلبيا من قناة العربية.

- لاحظنا أنه خلال حرب غزة لم يتوقف برنامج «صباح العربية» رغم التغطية المستمرة للحرب، ولكن خلال الحرب على لبنان في تموز/ يوليو 2006 توقف «صباح العربية» وكانت التغطية 24 ساعة. هل هو منهج جديد في تقديم البرنامج؟
من حيث المنهج «صباح العربية» هو نفسه، ولكن الذي حدث خلال حرب تموز  أن طبيعة التغطية كانت إخبارية أكثر منها تغطية مواضيع إنسانية ذات صلة بالحرب. خلال حرب غزة كانت لدينا وفرة مواضيع إنسانية عن الأطفال وتأثير القصف فيهم. فضلا عن أن النشاطات العسكرية في حرب تموز كانت متواصلة خصوصا عند ساعات الصباح الأولى، بينما في غزة كانت الأعمال الحربية الإسرائيلية تبدأ بعد فترة «صباح العربية»، ولهذا كنا نركز على التقارير المتعلّقة بالشأن الإنساني للحرب، ونرصد الحالات الإنسانية، فاستضفنا شبابًا من غزة وقمنا بعملية ربط بأهلهم في غزة خلال العدوان. و«صباح العربية» من أوّله إلى آخره تحول إلى الحديث عن غزة. فالحرب ليست تغطية العمليات العسكرية فقط بل تداعيات الحرب أيضًا، وهذه ربما مواضيع تحوز الاهتمام أكثر من الحالة الخبرية نفسها، ولهذا ظهر نوع من الاختلاف بين تغطية حرب تموز وحرب غزة.

- قمت خلال الحرب على غزة بتغطية مباشرة خارج إطار برنامج «صباح العربية». هل كانت تغطيتك مبادرة شخصية نظرًا إلى علاقة الموضوع بك كمواطن فلسطيني وإعلامي مقيم في دبي، أم طُلب منك ذلك؟
التغطية المباشرة لا يمكن أن تكون نتيجة رغبة شخصية بل هناك إدارة تعرف أن مصلحة الشاشة فوق مصلحة المذيع. ثم الإدارة تعرف من خلال أداء كل مذيع من يصلح في أي مجال. ويمكن أن أقولها صراحة، أعطيت فرص تغطيات مباشرة ولكن هذه المرة انتبهت الإدارة للطاقة الكامنة فيّ في إدارة الأزمات على الهواء، فخلال انقلاب موريتانيا تمكنت من التغطية المباشرة مدة ثلاث ساعات ونصف الساعة رغم صعوبة فهم اللهجة الموريتانية ومحاورة المحللين. والذي حصل خلال حرب غزة أنني  كنت على الهواء عند بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية، ولكن هذا لا يعني لأنني فلسطيني تكون تغطيتي لأحداث غزة أكثر عمقًا، بل إن الخلفية والإحاطة بالموضوع هما اللتان تجعلان المذيع يبرز لا الجنسية أو صلته بالموضوع.

- معلوم أن الفلسطينيين منقسمون على أنفسهم. كيف حافظت على الموضوعية في حوارك مع الأشخاص الذين تؤيدهم أو تعارضهم؟
شعاري أن محمد أبو عبيد على الهواء هو الفاعل لا المنفعل، والمطلوب مني أن أوصل إلى المشاهد الحدث أو الخبر، لا أن أكون أنا الحدث أو الخبر كما يفعل بعض الإعلاميين العرب الذين من خلال تقديمهم حدثًا يتعلق بالقضية الفلسطينية يحاولون تسجيل مواقف على حساب الخبر الفلسطيني، إما بالبكاء على الهواء أو إبداء التأثر أو من خلال الهجوم على الضيف الغربي بطريقة غير مهنية فيصبح المذيع هو الخبر، وليس الحدث نفسه. وترى التعليقات حول المذيع البطل لا الحدث الأليم. أنا كفلسطيني، و لا يزايدن أحد عليّ، بمعنى أنا الإعلامي الفلسطيني الوحيد من الداخل الفلسطيني ابن الانتفاضة واعتقلت ثلاث مرات في السجون الإسرائيلية، أتجرد من العواطف الشخصية ما أن أطل على الهواء وأضعها في الجرار لأنني أؤمن بأنني الإعلامي الفاعل لا المنفعل. في داخلي أعرف، خصوصًا إذا كان الضيف إسرائيليًا، أن ما يقوله كذب ولكن أحيانا يقول خبرًا صحيحًا نفته بعض وسائل الإعلام، ولكن هذا لا يعني أنني أسجل موقفا ضد أحد وإنما أعمل بموضوعية.

- لديك انتقاد  لاذع لبعض الإعلاميين العرب. لمَ هذا النظرة السلبية؟
عندما دخلت مجال الإعلام قررت أن أكون إعلاميا قدوة. وما يحصل في الإعلام العربي هو فوضى إعلامية. فظاهرة الإعلام الإخباري حديثة في العالم العربي، وللأسف ترسخ عند المشاهد العربي أن الإعلامي الجيد هو الذي يطغى على برنامجه الحواري الصراخ على الضيف وأحيانًا شتمه أو الاستهزاء به بشكل غير مهذب وغير مهني، وبالتالي لا يفهم المشاهد ماذا قال الضيف وما الرسالة التي يريد المذيع إيصالها، في الوقت الذي يمكن أن تسأل سؤلاً محرجاً جدًا وتستخرج معلومة من دون انفعال أو صراخ. إضافة إلى ذلك إصرار بعض الإعلاميين العرب، وهذا ما لم أفهمه أو أقتنع به، على تسجيل المواقف الشخصية، أو إبداء رأيهم الشخصي على الهواء، خصوصا عندما يكون الضيف إسرائيليًا، فإذا كان لا بد من تسجيل موقف ويريد المشاهد العربي أن يمدحه فليمدحه من خلال أسئلته، أو من خلال آرائه التي يكتبها في مقالات.

- من الملاحظ في الفترة الأخيرة ظهور ضيوف إسرائيليين في القنوات العربية الفضائية خصوصًا خلال قيام إسرائيل بعمليات حربية ضد العرب. أليس في هذا الظهور تحدٍ لمشاعر المشاهد العربي؟ 
نحن كإعلاميين عرب وكمحطات فضائية عربية لدينا اقتناع تام بأن هذا الضيف  يمثل العدو، ولكنه على الشاشة يمثل وجهة النظر الأخرى، ونحن في حالة خبرية تستدعي وجود ضيف إسرائيلي. مثلاً إذا أردنا أن نعرف رد إسرائيل على شروط حماس من أين نأتي بالرد؟ من محلل سياسي عربي أم من الشخص المعني؟ وكما يقول المثل «أهل مكة أدرى بشعابها». فظهوره ليس تحديًا للمشاعر وإنما ضرورة مهنية.

- ما سبب غياب مقالك الأسبوعي عن موقع «العربية» الإلكتروني؟
يبدو أن بعض الزملاء أراد أن ينشر مقالاته ورُفضت. وقيل لماذا هذا الاهتمام بمحمد أبو عبيد فقط! مما جعلني أعلّق الكتابة لفترة. وهذا ينطبق على جميع موظفي قناة العربية بغض النظر عن مواقعهم إذ لدى الإدارة اقتناع وأنا أؤيده أنه لا يجوز للموقع أن يكون حكرًا على موظفي قناة «العربية». لذا توقفت عن الكتابة ولكن طال توقفي، وللأمانة عندما سألت محمد البكّار وهو رئيس الموقع من باب المزاح هل رُفع الحظر عن مقالاتي؟ أجابني «بالعكس أنت مرحب بك خصوصاً أن مقالاتك أكثر المقالات قراءة والأكثر جدلا بين القراء». ولكن يبدو أنني ركنت إلى هذا الكسل وإن شاء الله سأعود قريبًا.

- تكتب كثيرا عن المرأة ولكن لا نجد هذه المرأة في حياتك الشخصية بمعنى الشريكة. ألم تجد بعد هذه المرأة؟
أنا كنت أقول أحب من النساء كل النساء ولكن عندما تأتي امرأة تختصرهن جميعًا تصبح شريكة حياتي، وهي التي لم أجدها بعد. أنا في داخلي رومانسي جدا. والمرأة مصدر الهام فيها يتجلى إبداع الخالق. والذي يجعلني مدافعًا عن المرأة هو ما أراه من اضطهاد لها في العالم العربي. هناك من يقول إنني أبالغ في رسم الصورة الظلامية عن المرأة العربية. وأنا أقول إن المرأة العربية ليست تلك التي تقود سيارتها وترتدي على الموضة وناجحة في العمل وتتسوّق... هذه المرأة تمثل جزءاً بسيطًا من النساء العربيات فالغالبية الساحقة مسحوقة ومضطهدة. أنا أتحدث عن هذه الغالبية.

- قبل سنتين ذكرت أنك تحضر لديوان شعري. أين أصبح هذا المشروع؟
أنا جدًا حزين لأنني تأخرت، ولدي رغبة في نشره خصوصا أنه سيثير جدلا لأن معظمه عن المرأة. ولكن مشكلة الشعر انه لا يمكن أن يُتخذ فيه قرار، فهو ليس مشروعًا سكنيًا توضع له خطة تنفذ خلال فترة محددة، فهذا النوع من المشاريع لا تدخل فيه الوجدانيات والمشاعر، الجهد الشعري هو حالة خاصة. وأنا لدي رهبة ربما لأنني كما يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي «علمي بالشعر يمنعني منه». ربما لأنني أحب الشعر وأهواه لا أريد أن أصبح ممن يطبقون نظرية شاعر لكل مواطن. يعني انظري الآن إلى هذا الكم من الدواوين الشعرية والروايات، ولا أريد أن أدخل في الأسماء، ولكن كل يوم نسمع فلانًا الفلاني يوقع ديوانه أو روايته وبعد شهرين الكاتب نفسه يوقع كتابًا جديدًا وكأن الأمر ضغط لزر الإبداع. الحكم في نوعية الإنتاج لا العدد وأنا لا أريد أن أنشر ديوان شعر إلا إذا حكم الشعراء الحقيقيون على مضمون ما أريد نشره على أنه يستحق النشر والقراءة وأن من كتبه هو شاعر.لا يكفي أن أشعر بأني شاعر فقد يكون شعوري كاذبًا أو وهمًا. لذا ديواني مع وقف التنفيذ وبانتظار أن يمثل أمام محكمة الشعراء، وعندما يصدر الحكم عليه من قضاة شعراء حقيقيين سيرى النور.

- بمن تأثرت من الشعراء الفلسطينيين؟
محمود درويش هو فصل من فصول أكاديمية الشعرية التي أنتمي إليها. رغم أنني في وعيي لست متأثرًا به في أشعاري ولكن تجدين حالات تشبّه غير مقصودة. ربما في لا وعينا نكون متأثرين. ومن الطبيعي شاعرًا مبتدئًا مثلي يستحيل عليه أن يكتب شيئا بمثل ما كتبه درويش أو نزار قباني.

- كيف كان وقع رحيل محمود درويش عليك؟
فوجئت عندما كانت هناك حلقة ذكر فيها منصور خليل أن محمود درويش كان يتخيل اسمه دائما على شكل تابوت. وعندما توفي قمنا في «العربية» بتغطية تليق بهذا الشاعر الكبير وبهذا الرحيل، وإن كان سيبقى في حضرة الحضور فهو ليس في حضرة الغياب. شعرت وأنا أقدم التغطية بأن قطعة من تراب فلسطين ذهبت. فمحمود درويش تربينا على قصائده بدءًا من «أحن إلى خبز أمي...» التي غنّاها مارسيل خليفة والتي تعبر عن قدسية القضية الفلسطينية بهذا الأسلوب السهل الممتنع، انتهاء بجداريته التي خاطب فيها الموت ورثى فيها نفسه. بالمناسبة في الأدب العربي قبل محمود درويش هناك اثنان فقط رثيا نفسيهما مالك ابن الريب، وأعذرني فقد سهى عني اسم الثاني, ودرويش هو الشاعر الثالث الذي رثى نفسه عندما قال «متران من هذا التراب سيكفيانني الآن  لي متر وخمسة وسبعون سنتمترًا   والباقي لزهر فوضوي اللون يشربني على مهل». كان حالة شعرية نادرة، والآن هناك البعض ممن يحاول تقليده من خلال الرمزية، طبعًا ليس كل من كتب الرمزية أصبح شاعر الرمزية. محمود أخذ هذه الحالة.

- كيف تنظر إلى فلسطين بعدما خسرت الكثير من عمالقتها في كل المجالات والذين استطاعوا أن يكونوا صوت القضية الفلسطينية في العالم، مثل ناجي العلي وإدوارد سعيد وأخيرًا محمود درويش؟
يصعب عليّ القول إن الموت ربما كان رحمة لهم من رؤية هذا التشرذم الفلسطيني الذي نعيشه اليوم. عمالقة فلسطين يتهاوون كأحجار الدومينو الواحد تلو الآخر. هم ليسوا أي عمالقة بل هم حملوا القضية الفلسطينية إلى العالم، و عرّفوا الغرب بالقضية الفلسطينية أفضل بكثير من الإعلام الفلسطيني الذي هو غائب. فمحمود درويش ترجمت أعماله إلى أكثر من22 لغة، وإدوراد سعيد كان في وسط المعمعة بين اليهود في بروكلين في الجامعات يدافع عن القضية الفلسطينية وهو المسيحي الذي دافع عن الإسلام، إلى جانب السياسيين والثوار. ولكن أنا أؤمن أن فلسطين ولودة لا تنجب الشخص الواحد فقط. كانوا أبطال المرحلة وعمالقتها. والآن أنا متأكد أن فلسطين ستنجب من يرفعون هذه الرايات ضمن المرحلة الخاصة بهم. ولكل مرحلة عمالقتها وميزتها، المرحلة التي عاش فيها هؤلاء العمالقة كانت مرحلة عز الثورة الفلسطينية التي هي من خلال مفاعيلها وأغنياتها وأدبياتها كانت تشكل حالة للفلسطيني يشعر بمتعتها وإن كانت تجلب له الهلاك في الوقت نفسه. وكان الفلسطينيون موحدين تجمعهم الراية والقضية بغض النظر عن الدين والميل والتوجهات السياسية.

استراحة إعلامي

- بعيدًا عن  الشاشة يلاحظ أن محمد أبو عبيد أقل جدية، بمعنى أنه يتصرف كما الشخص العادي لا كالنجم الذي يحسب لكل تصرف يقوم به. كيف توفّق بين صورتك العامة وحياتك الشخصية؟
على الهواء أنا الإعلامي المهني وما بعد العمل أترك المهنة ومتاعبها ومظهرها، علما أننا في «صباح العربية» نبتعد عن الجدية الحازمة قليلاً. وأنا أجرأ من غيري من حيث الاهتمام بالأزياء والأمكنة التي أرتادها، فهناك وقت للعمل وآخر للحياة الشخصية. أنا بطبعي أحب الأزياء والموضة على كل أنواعها وأحب خارج الشاشة أن أرتدي ما يريحني. والبعض ينتقدني كيف ترتدي الجينز أو على الموضة وأنت مذيع أخبار وكذا... مذيع الأخبار هو عمل، فالجندي خلال فترة الخدمة يرتدي زيه العسكري، ولكنه بعد الدوام يرتدي ثيابه العادية ويعيش حياته في شكل طبيعي. كما أنني أحب أن أبعث برسائل عدة. منها أن الإنسان ولو كان مذيع أخبار معروفًا بمظهره الجدي، هناك حياة خاصة يجب ألا يعيشها كما لو كان على الهواء يقدّم نشرة أخبار. وهذا للأسف ما ألاحظه عند الكثير من مذيعي الأخبار أو البرامج السياسية الذين أراهم في مكان عام أو مقهى يشربون القهوة ويتصرفون كما لو أنهم لا يزالون أمام الشاشة، إلى درجة أنهم إذا جلسوا مع أصدقائهم يحاولون أن يشعروهم بأنهم مديرو الجلسة.

- ولكن أنت شخص مشهور ويمكن القول إنك شخصية عامة وحياتك الخاصة تهم الناس؟
عندما تصبحين تحت الأضواء من الطبيعي أن تكوني معروفة، ولكن هناك فرق بين الشخص المعروف والشخص النجم. المعروف هو الذي تعرفه الناس، بينما النجم هو الشخص الذي أينما وجد يقبل عليه الناس ليسلموا عليه. أنا بطبيعتي أحب أن أكون مثيرًا للجدل سواء تحدث الآخرون عني بالحسن أو بالسوء، وفي الحالتين أنا موجود. أوسكار وايلد يقول مقولة جميلة «السيئ أن يتحدث الناس عنك ولكن من الأسوأ ألا يتحدثوا عنك أبدا». ولكن الخطورة تكمن إذا كانت الغالبية تتحدث دائما عنك بالسوء، ولكنها ليست كذلك ولو كان الأمر كذلك لما استمريت في «العربية».  وإثارة الجدل أحببت أن أوجدها من خلال ملبسي وكتاباتي واحتكاكي بالناس. هناك فئة تعتقد أنها أصبحت من المشاهير واختلقت لنفسها حالة من أسلوب الحياة وكأنها ملاحقة من الباباراتزي. أذكر أني كنت مع إحدى الزميلات الإعلاميات غير المشهورات في مكان يوجد فيه أشخاص صودف أنهم يلتقطون الصور، اعترضت عليهم ظنا منها أنهم يحاولون التقاط صورة لها بينما هم لا يعرفونها أصلا!

- أنت تحب أن توجد حالة جدلية مما قد يفسر على أنه من الممكن أنك تتصرف ضد اقتناعاتك من أجل أن تكون مثيرًا للجدل. فهل هذا يعني أن شعارك «خالف تعرف»؟
أنا مقتنع بما أقوم به وإلا لمَ أريد أن أخسر رأي بعض الناس الإيجابي فيّ. ما أردت قوله هو أن هناك من لا يجرؤ على التعبير عن اقتناعاته لأنه يريد أن يحبه 100% من الناس. بينما أنا بالعكس، أعبر عن شيء قد يفقدني جمهور أو العكس، وإذا استمريت في التحدث عن المثل والأخلاق التي نشأنا عليها أنا متأكد أني سأكسب الكثير.أنا متصالح مع نفسي. وبالتالي إذا عدت إلى المقابلات الصحافية تجدين آرائي هي نفسها أكررها، ولم أغيّرها.

- إلى أي مدى أنت تعرف العالم الغربي؟
عملي في جامعة بيرزيت في العلاقات العامة أفادني كثيرا في التعرف والاحتكاك بالغربيين، مما ساعدني في فهم العقلية الغربية وطريقة تفكيرها. وأنا بطبعي أحب الاطلاع على الثقافات بمجملها وأحب قراءة التاريخ والفلسفة وحتى الجغرافيا لأنها مرتبطة بالتاريخ. وما لاحظته أن الغربي بطبيعته يخاطب عقليًا وليس عاطفيًا على عكس العربي. إذا أردت أن تخاطبي الغربي بالعاطفة لن يفهمك وهنا تقع الإشكالية في الحوار بين الغرب والشرق. إذ لا يجوز أن تتحدث إلى الغربي انطلاقًا من مفهومك الثقافي أنت لأنه لن يفهمك. وهذا ما جعلني أعرف كيف أناقش الغربي. مثلا لا أستطيع أن أقول أن فلسطين من البحر إلى النهر، ويجب رمي اليهود. الأجيال الغربية الحديثة خلقت وتعرف أن إسرائيل موجودة، كيف يمكن أن تقول لها إن إسرائيل لا وجود لها وهي تعرف أنها موجودة؟ ما أقصده أنني لا أريد اعتناق فكره وآرائه وإنما كيف يمكن أن أصل إلى فكره وأجعله يفهمني من دون أن أوجد هذا الجفاء معه. الغربيون عندما توجهوا إلى العرب تعرّفوا إلى ثقافتنا وكيف يمكن اختراقها. مثلا عندما يفتح مطعم أميركي فرعًا في الشرق الأوسط  يضيف إلى لائحة الطعام قيمة تبرع لأهل غزة لأنه يعرف أن العرب في حالات الأزمة يتبرعون، والمطعم نفسه لا يقوم بهذا الأمر في أميركا.

- أين تمضي إجازاتك؟
عندما أنال إجازة لا أحبذ أن أبقى في البلد نفسه، فالسفر بالنسبة إلي متعة و يتيح لي التعرف إلى ثقافات. ولا أحب أن أكرر زيارة البلد نفسه بل أفضل اكتشاف بلد آخر، وإذا توافرت لي الإمكانات ولا أعني المادية وإنما اللوجستية والفيزا.

- بعد ثلاث سنوات من عملك في «صباح العربية»، كيف تنظر إلى محمد أبو عبيد؟
أكثر نضجًا عمليًا. من قال أعلم فهو لا يعلم، والمعرفة لا تتوقف عند حد، والإنسان الذي يظن أنه إذا ظهر على الشاشة مدة سنة فقد وصل سيهبط. وحياتي مثل لعبة الشطرنج، وهي من أكثر الألعاب التي أحبها لأن فيها تمهلاً وتفكّرًا، فعندما أريد أن أحرك قطعة فيها أفكر في ما يفكر خصمي، فأنا أعيش في عالم ليس مريحًا، إذ هناك من يخطط لوضع العثرات أمامك.

- كيف تصف علاقتك بفلسطين؟
بعيدا عن المثاليات هي فلسطين الوطن، وهي جزء مني وعندي حالة عشق دائمة لها. لكل إنسان وطن يعيش فيه، ولكن فلسطين تعيش في داخل الإنسان الفلسطيني أينما كان.