الفارسة أروى حامد المطبّقاني أول سعودية تشارك في أولمبياد "بكين" للفروسية

جدة - آمنة بدر الدين الحلبي 25 فبراير 2020
فارسة سعودية من طراز رفيع، جريئة، مقدامة وامتطت صهوة جوادها منذ نعومة أحلامها، واعتبرت الحصان عضواً فعّالاً في فريقها، وربما صديقها الصدوق، فدخلت التاريخ الرياضي من أوسع أبوابه، واشتهرت بالقفز على الحواجز، واتّحدت مع الخيل منذ ثلاثة عقود حتى أصبحت نجمة لامعة في سماء الرياضة العالمية. حصلت الفارسة أروى حامد المطبّقاني على عضوية الاتحادات الرياضية المحلية والدولية، ومثّلت المملكة العربية السعودية في العديد من مباريات القفز على الحواجز، وهي حائزة إجازة في إدارة الأعمال بدرجة امتياز من جامعة الملك عبدالعزيز. "لها" زارت إسطبل المطبّقاني في جدّة، والتقت هناك بالفارسة أروى التي تحدثت عن عشقها للخيل، عشق مكّنها من أن تصبح محكِّمة معتمدة في قفز الحواجز. كما كشفت أروى أن لها ابنة سارت على نهجها في الفروسية وكانت أول فارسة سعودية تشارك في دورة الألعاب الأولمبية للشباب في سنغافورة 2010، ونالت أول ميدالية أولمبية برونزية عن فئة الفردي في قفز الحواجز.


- ما كل هذا العشق للخيل؟

وكيف لا أكون عاشقة للخيل، و"الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"، وسيرافقني هذا العشق ما حييت.

- كان عندك فرس مفضلة اسمها "إيريس"، ماذا حلَّ بها؟

فرسي المفضّلة "إيريس" كانت ذكية جداً، ماتت وتركت أولادها هدية لي: حصان عمره 10 سنوات، وفرس ماتت في سنّ الـ 11 بسبب خطأ بيطري، ومهر عمره 8 سنوات تهتم به ابنتي "دلماء"، وتشارك به في مباريات في أوروبا.

- ماذا تمنحك الخيل في عالم مليء بالهرطقات؟

الخيل تمنحني راحة وهدوءاً نفسياً، وتجعلني متفائلة في الحياة، لأنها تخلّصني من الطاقة السلبية. وحين أمتطي صهوة جوادي تغمرني سعادة لا توصف.


- انقطعتِ لفترة طويلة عن الخيل، ما السبب؟

لم أنقطع عن الخيل، بل ابتعدت عنها لأنني كنت بجانب ابنتي "دلماء" ريثما كبُرت واطمأننت عليها كي تصل الى العالمية.

- ولدتِ في إيطاليا لأب سعودي وأم إيطالية، هل شجّعتك أمك على ركوب الخيل؟

لا، لقد عشقتُ الخيل منذ طفولتي، وعاشرتها، ولاحقاً تعلّق والداي بها، وأصبحا يحضران المباريات التي أشارك فيها أنا وابنتي "دلماء"، وهما اليوم شغوفان بمتابعة كل ما يتعلق بالخيل، سواء عبر الانترنت أو على شاشات التلفزة.

- ما أهم حدث في حياتك؟

الحدث الأهم في حياتي كان حين شاركت ابنتي "دلماء" كأول سعودية في دورة الألعاب الأولمبية للشباب في سنغافورة 2010، ونالت أول ميدالية أولمبية برونزية عن فئة الفردي في قفز الحواجز. شعرت كأنني أنا التي حصدت تلك الجائزة، فكان نجاحي من خلالها، وكل الجهود التي بذلتها حصدت ثمارها من خلال ابنتي "دلماء"، لأن الوقت كان مناسباً لها برؤية 2030 التي فتحت الأبواب على مصراعيها أمام المرأة السعودية.

- كيف تقرأ أروى الانفتاح الحاصل برؤية 2030 أمام المرأة السعودية؟

رؤية 2030 أعطت المرأة السعودية حقوقها، ومنحتها فرصاً كبيرة للنجاح، والعمل الذي قدّمتُه قبل 20 عاماً، بالتزامن مع الانفتاح الذي تشهده المملكة، دفع "دلماء" للظهور بقوة بعد 20 عاماً من العمل الدؤوب، وممارسة رياضة ركوب الخيل في أوروبا، حتى بلغت مستوى الأولمبياد بشهادة أبطال العالم.

- بعد مشوار طويل في القفز على الحواجز، أصبحتِ اليوم متخصّصة في تدريب الخيول صغيرة السنّ (من 4 إلى 7 سنوات)، فكيف تدرّبينها؟

في أثناء إقامتي في إيطاليا، تعلّمت تدريب الخيل الصغيرة على أيدي متخصصين في هذا المجال، فلهذه الخيل مبارياتها الخاصة، وعلى الفارس أن يتعامل معها برفق نظراً لصغر سنّها.

- هذا يعني أن الخيل الصغيرة لا تشارك في الأولمبياد.

وفقاً لقانون الاتحاد الدولي، ممنوع على الخيل الصغيرة أن تشارك في الأولمبياد قبل سنّ التاسعة، أي قبل أن يكتمل نموها الجسدي والعقلي.

- للخيل سلالات متعددة، لكن أي سلالة هي الأقدر على القفز فوق الحواجز؟

تُقسّم الخيل إلى سلالات عدة، وهي من الحيوانات التي أحبّها الإنسان وربّاها ليستخدمها سواء في حراثة الأرض أو الغزوات أو السياحة... ونظراً لتمتع الخيل بالقوة العضلية والقدرة على التحمّل، عمدوا إلى تهجينها مع أخرى رشيقة ورقيقة للحصول على خيل رياضية وقادرة على القفز فوق الحواجز.


- ما المواصفات التي يجب توافرها في الخيل المخصصة للقفز على الحواجز؟

الفروسية والقفز على الحواجز من الرياضات القديمة، ومن الضروري أن يتمتع الحصان بمواصفات عدة لعل أهمها الرشاقة والمرونة والقوة، بحيث يكون قوي البنية وعضلاته قادرة على تحمّل الشدّ والمدّ في أثناء القفز.

- ما هي السلالات الأفضل للقفز؟

السلالات الأوروبية المهجّنة كثيرة، منها السلالة الفرنسية والهولندية والبلجيكية والبريطانية، والسلالة الألمانية التي تتنوع بتنوّع المناطق، وكل تلك الدول تعمّقت في دراسة سلالات الخيل، للحصول على حصان رياضي قادر على القفز فوق الحواجز.

- كنتِ عضواً في لجنة الأطفال التابعة للاتحاد الدولي للفروسية "FEI"، هل تدرّبين أطفال المملكة في الإسطبل؟

بالطبع، لأن إسطبل المطبّقاني متخصص في تدريب الأطفال، حيث يتدرّب الطفل بدءاً من عمر الست سنوات، لكن الجلسة الأولى تكون مخصّصة لتقييم الطفل من الناحية النفسية والجسدية والاستعداد، وعلى ضوئها نقرر مدى جاهزيته لركوب الخيل، علماً أن هناك أطفالاً بدأوا ركوب الخيل في سنّ الرابعة.

- هناك أطفال يحبّون ركوب الخيل، لكن الخوف يردعهم... هل من حلٍّ لهذه المشكلة؟

التدريب الجيد والمقنّن والمبني على تخصّص يكسر حاجز الخوف عند الأطفال، ويجعلهم أكثر قرباً من الخيل، كما لا يجوز الضغط على الطفل حين يكون مرتعباً من ركوب الحصان، لأن لذلك مردوداً عكسياً عليه.

- وهل يشارك هؤلاء الأطفال في مباريات للفروسية؟

إسطبل المطبّقاني خرّج العديد من الأطفال الفرسان، والبعض منهم شارك في مباريات عالمية وحصل على ميداليات، ومن هؤلاء ابنتي "دلماء"، وسليمان العنبر الذي فاز في بطولات خارج المملكة، وعبدالكريم أبّار وأخته سلطانة، وغيرهم كثيرون، وأصبحوا آباء يدرّبون أولادهم في الإسطبل.

- المطبّقاني للفروسية هو الإسطبل الأقدم في المملكة، ما التحديات التي واجهتها أروى؟

أمضيت ثلاثة عقود في الفروسية، وكانت لكل عقد صعوباته وتحدياته، وخاصة العقد الأول بحيث لم يكن ركوب الخيل مقبولاً في المجتمع للفتيات، وازداد التشدّد المجتمعي في العقد الثاني، والذي راوح بين الرفض والقبول للإسطبل على الرغم من كثرة عشّاق الخيل. وسافرت إلى أوروبا لمتابعة تدريباتي والإشراف على ابنتي "دلماء" إلى أن حلَّ العقد الثالث، فعدتُ مع هبوب رياح الانفتاح برؤية 2030 وقرّرت المشاركة بعد 29 عاماً في أول بطولة نسائية للقفز على أرض الوطن، وعشت إحساساً فريداً.

- المطبّقاني للفروسية يحتضن أقوى البطولات وأبرز النجوم، ما هو جديده على الساحة الرياضية؟

كان النادي في السابق يحتضن أفضل البطولات، لكن توقفتْ هذه البطولات نتيجة ابتعادي لخمسة عشر عاماً عن الإسطبل أقمتُ خلالها في أوروبا، واليوم عاد الإسطبل إلى نشاطه مع رؤية 2030 ليرتفع اسمه عالياً رغم المنافسة الشرسة بين الإسطبلات.


- حدّثينا عن البطولات العالمية التي شاركت فيها؟

كنتُ أول فارسة سعودية تشارك في أولمبياد "بكين" في الصين عام 2008 كإدارية للمرة الأولى مع الاتحاد السعودي، ومع اللجنة الأولمبية السعودية.

- كيف تصفين تلك المشاركة؟

كانت مشاركة فريدة من نوعها، وكنت أتطلع إليها منذ الطفولة.

- ماذا عن مشاركتك كفارسة وإدارية في أولمبياد لندن؟

في عام 2012 كانت مشاركتي الإدارية الثالثة في أولمبياد لندن، ولكن هذه المرة ترأست الوفد النسائي السعودي بتوكيل من الرئيس العام لرعاية الشباب آنذاك، فانتابني شعور متناقض، حزنٌ كبير لإصابة جواد ابنتي، وسعادة غامرة لمشاركتي في تحقيق النجاح المدوّي، حين هتف لي المشجّعون بصوت واحد: "تحيا المرأة السعودية"، ولا يزال صدى أصواتهم يتردّد في أذني الى اليوم.

- كنتِ أول امرأة سعودية تحصل على عضوية الاتحاد السعودي للفروسية منذ 2008 ورئيسة لجنة البراعم في اتّحاد الفروسية، ماذا قدّمت لهم؟

كنت مسؤولة عن تطوير النشء لغاية 21 عاماً، وقدّمت لهم برامج متخصصة للأطفال وللشباب والناشئين. وفي تلك الفترة تأهلت ابنتي "دلماء" للمشاركة في أولمبياد الشباب، وعادت بميدالية أولمبية، وفي الدورة التي تلتها، تأهّل هشام السويني لأولمبياد الشباب عام 2014 في "بكين" في الصين، وتأهل ريان الريّس لنهائي بطولة العالم للأطفال.

- تملكين رخصة طيران خاصة، ما هذا الشغف؟

حصلت على هذه الرخصة من إيطاليا، فمن يعشق الفروسية والقفز فوق الحواجز، يطمح للتحليق عالياً في الفضاء، وحين قدت الطائرة شعرت بحرّية مطلقة كعصفور يمتلك الفضاء الرحب.

- بعد رؤية 2030 بات التدريب أسهل، أليس كذلك؟

رؤية 2030 كسرت حواجز الخوف أمام المرأة السعودية، وفتحت لها الأبواب على مصراعيها، فتناصفت المجتمع مع الرجل وأصبحت تعمل يداً بيد معه، والكاتب مصطفى أمين قال: "من علّم فتاة، علّم أمّة بحالها، ومن علّم ذكراً، علّم فرداً واحداً".

- بمَ يتميز إسطبل المطبّقاني للفروسية؟

يتمتع بإمكانيات فريدة من نوعها من ناحية المرافق ونوع الخيول والبرامج، وفيه ١٢٠ إسطبلاً مجهّزة بنظام تهوئة فعّال، تتّسع لعدد كبير من الخيول المستوردة والتي تتمتع بصحة ممتازة، كما يضم الإسطبل ستة ميادين وحلقات تدريب مضاءة بأنوار خاصة بالملاعب، ويقدم دورات تدريبية بإشراف أبطال فروسية عالميين.

- كيف تهتم أروى بصحة الخيل؟

الوقاية خير من قنطار علاج، وهي تتمثّل بتقديم الطعام الصحّي للخيل، والانتظام في الوجبات نظراً لمعدة الخيل الحسّاسة، إضافة الى تبريد "البايكة" التي يعيش فيها في الطقس الحار.

- ممَّ يتكوّن علف الحصان؟ وكم حصة يتناول في اليوم؟

تتغذّى الخيل على العشب الجاف ذي النوع الجيد، ويُسمّى الـ "رودس"، ويجب أن يلتهم 8 كيلوغرامات منها يومياً، بالإضافة إلى الحبوب المختلفة.

- هل تبقى الأنوار مضاءة في الإسطبل ليلاً؟

لا، يجب أن تُطفأ الأنوار في الليل ليرتاح الحصان، ويهجع لنومه جالساً على طبقات عالية من نشارة الخشب النظيفة والمستوردة خصيصاً لئلا تجرح جسمه، ولا ينام الحصان واقفاً كما يعتقد البعض.

- ماذا ينقص منظّمي بطولات الفروسية في المملكة؟

هم بحاجة الى محجر للخيل مع إمكانية التدريب المستمر، وذلك لإتاحة الفرصة للخيل للمشاركة في البطولات العالمية، وعلى وزارة الزراعة الاهتمام بهذا الجانب.

- ما الأذى الذي يلحق بالحصان أثناء وجوده في المحجر؟

حين أقرر تسفير الحصان الى الخارج للمشاركة في المباريات العالمية، أوقفه عن التدريب في المحجر لمدة 40 يوماً قبل المشاركة في المباراة، للتأكد من عدم إصابة الحصان بمرض "طاعون الخيل الإفريقي" African Horse Sickness، والذي يؤثر سلباً في نشاطه وتدريبه. لذا، يجب على وزارة الزراعة النظر في الأمر.

- هناك مسبح مخصّص للخيول، فما هو دوره؟

حين يتعرّض الحصان لأي مشكلة في العظام والأوتار، تكون السباحة هي العلاج الأنسب، والخيل تسبح وتعوم بطريقة جيدة.

- هل الخيل مسالِمة أم شرسة؟

الخيل تولد طيبة، لكن معاملة الإنسان القاسية لها تجعلها تستشرس في الدفاع عن نفسها.

- إلى أي حد تشبهك الخيل، وخاصة الفرس "إيريس"؟

أنا بطبعي دقيقة جداً، وكذلك الفرس "إيريس"، لذا نشأ انسجام في ما بيننا، وجمعتنا الرغبة في تحقيق الفوز.


- بأي لغة تتحدّثين مع "إيريس"؟

أتحدّث معها باللغة الإيطالية، لكن الفرس تفهم لغة الجسد، وأنا بدوري أفهمها.

- كيف تتحققين من مزاجية الحصان؟

نظراً لخبرتي الطويلة في عالم الخيول، أعرف إذا كان الحصان سعيداً أو حزينا، متألماً أو متضايقاً، وأقرأ ملامحه بدقة.

- من يقف وراء نجاحك في الفروسية؟

والديّ إذ حرصا على دعمي في مسيرة حياتي، وساعداني في تربية ابنتي ورعايتها.

- ما الذي تحب أروى أن تضيفه؟

الحِصان صديقٌ وفيٌّ للإنسان، ومن يعشق الخيل عليه أن يُثقِّف نفسه بحياة الخيل وأهميتها وكيف يتم تدريبها وتربيتها، وأن يحترم مشاعرها، ولا يؤذيها أو يضغط عليها لتقفز قفزاً عالياً، كي يكسب منها مادياً ويحقق مصالح شخصية، بعيداً عن الإنسانية.

- كلمة أخيرة تقولينها للمرأة.

قال الشاعر أحمد شوقي: "الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيّب الأعراق"... لذا تعلّمي أيتها المرأة، وثقِّفي نفسك، وتحمّلي مسؤوليتك، وربّي أولادك على الصدق والوفاء، وانطلقي لتحقيق أحلامك، لكن ليس على حساب بيتك وأطفالك، وكوني أمَّاً فاضلة لبناء جيل المستقبل كي يعود على المجتمع بالخير الكثير.