سارة العطار: الألوان تتربّع على عرش التصاميم الجميلة

جدة: آمنة بدر الدين الحلبي 06 مارس 2020
لفتت المرأة في المملكة العربية السعودية القاصي والداني بسرعة تطورها مع الواقع الذي بات متنوعاً ومختلفاً وجميلاً في كل شيء. وما كان في الأمس القريب حكراً على الرجال، بات اليوم متاحاً للمرأة بفضل رؤية 2030 التي فتحت لها الأبواب للعمل في كل المجالات الأكاديمية والهندسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية، لتحقق ما تصبو إليه من دراسة وعمل وحضور قوي في السوق السعودي، وخاصة في المجال الهندسي حيث تفوّقت المرأة وأثبتت جدارتها في هندسة الديكور. وبما أن "لها" تهتم بالفنون كافة وتعشق الجمال، فقد سارعت إلى مكتب مهندسة الديكور سارة العطّار خرّيجة جامعة الملك عبدالعزيز- قسم التصميم الداخلي، لترصد حسّها الفني وأهم المدارس التي اتّبعتها في تصاميمها، سواء الكلاسيكية أو الحديثة، وتتعرّف بالتالي على الألوان التي وشّحت بها كل ما قدّمته في عالم الهندسة والديكور.


- ما هو المعنى الجوهري لفن الديكور؟

فن الديكور هو فن التوزيع الفراغي داخل المكان، والتخطيط والابتكار بناءً على معطيات معمارية معينة، وإخراج هذا التصميم إلى حيز الوجود، ثم تنفيذه في كل الأماكن والفراغات مهما تعدّدت أغراض استخدامها وطابعها، باستخدام المواد المختلفة والألوان المناسبة بالتكلفة المعقولة. وفن الديكور لا يعتمد على الشكل فقط، بل يركّز على الشكل والوظيفة مناصفةً في آن واحد، فإن تحققت الوظيفة المكانية بأسلوب جمالي، سواء كانت سكنية أو تجارية أو سياحية، تحقق كل شيء بشكل تام.


- علامَ تعتمد الوظيفة في فن الديكور؟

هي تعتمد على نوعية الفراغ أو نوعية المكان، فإذا كان سكنياً، يتسنّى لنا الإدراك الواسع والوعي بلا حدود لتحقيق الوظيفة السكنية لكل أفراد العائلة في المنزل، بما يتناغم مع احتياجاتهم وشخصياتهم، مع تنفيذ كل التفاصيل المعمارية، وخاصة الداخلية منها، وتطبيق القواعد الأساسية كافة، سواء الفنية أو اللوجستية أو الوظيفية.

- ما علاقة الشخصية بالتصميم الداخلي؟

ثمة علاقة وطيدة بين الشخصية وديكور المنزل، وهي تتمثل بأن نربط الفراغ بشخصية الإنسان من خلال الألوان، وكيفية اختيارها واستخدامها في المكان بما يناسب تلك الشخصية. وتختلف الشخصية باختلاف التخصّص والعمر والبيئة، فإذا كان الطفل مشاكساً، نستخدم الألوان الباردة لتهدّئ من شقاوته، وإذا كانت الشخصية فنية، نركّز على الناحية الجمالية بمقدار تركيزنا على الناحية المعمارية، وتلك تلزمها معرفة عميقة بنفسية الشخص، ودراسة مستفيضة وإلمام بالأثاث وأنواعه ومقاييسه وتوزيعه في الفراغ الداخلي، وتختلف الشخصيات والأذواق في اختيارها للأشكال، سواء هندسية أو دائرية أو نباتية.

- هل لفن الديكور قواعد يرتكز عليها؟

بالطبع، فيجب دراسة ما يحتاج إليه المكان، وأهمية من يشغله، ودراسة التصميم شكلاً ولوناً ومدى تناغمه مع الأثاث الموزّع في المكان، مع مراعاة البساطة والرقي في آن واحد، ودراسة وافية لتوزيع الإضاءة الطبيعية، وتلك المضافة، نظراً لأهميتها وتعدّد أشكالها لأنها إحدى قواعد فن الديكور، وضرورة تنسيقها مع تصميم الأسقف بأسلوب مميز وجميل، ناهيك عن الألوان التي تتربّع على عرش التصاميم الجميلة، فتارة تُستخدم الألوان الحيادية، وتارة أخرى تُستخدم الألوان الداكنة وفقاً لاحتياج المكان والأشخاص، مع الانتباه الى أن احتياجات العائلة تختلف عن احتياجات الفرد.

- كيف نحقق الانسجام بين التصميم والشكل واللون؟

حين نضع التصميم، نسعى لتحقيق التوازن بين الشكل واللون حتى يتم التناغم بينهما، ويحدث الانصهار بين عناصر الأثاث والتصميم فنخرج بمنظر جميل وجذّاب للمكان. وهنا يبرز الأسلوب الانتقائي لكل مهندس ديكور ليضفي على المكان إشراقاً ويزيده حيوية ونقاء.

فإذا كانت فيلا سكنية فخمة في موقع جغرافي ساحلي، سنتكلم عن ارتدادات جغرافية، وأشكال هندسية بحتة تكون ما بين التداخل في المبنى لكي يولّد حركة هوائية داخل الفراغ وخارجه، فيستفيد المكان كله من التهوئة.


- ما المقصود بـ"التداخل في المبنى"؟

قبل رفع الأعمدة، يتم الاتفاق بين مهندس الديكور والمهندس المعماري على أن يكون هناك تداخل في شكل المبنى الخارجي بما يتيح تسلّل الهواء عبر الفراغات في المنزل، فتحصل كل الغرف على التهوئة الجيدة، والإضاءة الطبيعية، مع مراعاة الوصول الى الشكل الجمالي النهائي بعيداً من الأشكال الهندسية المربّعة أو المستطيلة أو المسطّحة، وفي الوقت نفسه يأخذ شكلاً جميلاً، يتماشى مع قطع الأثاث ورغبة العميل، سواء كان يفضّل التصاميم "المودرن" أو الكلاسيكية.

- ما هي المواد الخام المستخدمة في كلا النموذجين؟

سواء كانت التصاميم كلاسيكية أو حديثة، يجب استخدام خامات وظيفية تلائم المناخ الخارجي الذي سبق أن تحدّثنا عنه. وخير مثال على ذلك مدينة جدّة الساحلية، فهي حسّاسة لكل أنواع الخامات التي نستخدمها، سواء في أساسيات البناء أو في خامات الديكور.

- ما هو تأثير البيئة الساحلية في البناء؟

البيئة الساحلية تؤثر بشكل أو بآخر في نوعية الخامات المستخدمة وعمرها الافتراضي بسبب الرطوبة العالية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا وضعنا قطعة خشب في منطقة ساحلية، تبدأ بالتآكل بعد فترة قصيرة، ولذلك لا يُحبَّذ استخدام "الباركيه" للأرضيات، لأن من الصعب التعامل معه، ويجب معالجته بمواد فعّالة مثل "البيتومين" التي تُطيل عمر الخشب، والأفضل الاستعاضة عنه بالسيراميك الخشبي، لأنه مماثل للخشب، عملي وطريقة تنظيفه أسهل بكثير من "الباركيه".


- ما أهمية اختيار الأثاث في تلك الحالة؟

يُعتبر الأثاث العنصر الأهم لإكمال العملية الفنية وتحقيق الانسجام بين عناصرها، مع مراعاة احتياجات المنزل وعدد أفراد الأسرة، لأن قطع الأثاث يتم اختيارها بما يتناسب مع التصميم الداخلي، وتكتمل العملية الجمالية مع فن انتقاء الألوان والقماش، ويحين وقت وضع اللمسات الأخيرة على الديكور لملء الفراغ فيبدو المكان واحة غنّاء من الإبداع الفني والتشكيلي على أعلى المستويات.

- ما هي المدارس التي تتبعها سارة في تصاميمها؟

أتبع في تصاميمي مدارس كثيرة تفصل بينها فترات متباعدة، ولكل مدرسة مواصفاتها في فن الديكور، لكنني أحاول أن آخذ من كل مدرسة الشيء المفيد والجميل لأضيفه إلى تصاميمي، وفي الوقت نفسه أراعي ذوق العميل ويهمّني الحصول على موافقته، لأنني أميل الى الدمج بين المدارس المعمارية العالمية لكي أضع بصمتي، وأحقق الجمال، وأبتكر مساحة فنية يُشار إليها بالبنان.

- لكن يبدو أنك تميلين إلى المدرسة الكلاسيكية.

المدرسة الكلاسيكية في العمارة هي بحر مملوء بالتصاميم والزخارف والألوان وغني بالإرث التاريخي. فلكل مدرسة روحها الخاصة وزمنها الخاص، ولكل عميل رغباته وما يحب، ولي ذوقي، وما عليّ إلا تنفيذ الجمال في أبهى حلله، وهناك من يحب الزخرفة بماء الذهب لاستخدامها في القصور، والتي تحكي روايات عصر النهضة الجميل وتكون تكلفتها عالية جداً، ويفضّل البعض المدرسة الحديثة بتكلفة بسيطة، ولا خيار أمامي سوى تنفيذ كل الأنواع، سواء كانت كلاسيكية أو "مودرن".

- وقواعد أي مدرسة تطبّقينها في منزلك؟

في منزلي أدمج بين المدرستين، الكلاسيكية والحديثة، فأختار لقسم الضيافة تصاميم كلاسيكية بمنتهى الفخامة، وأهتم بأدق التفاصيل، ولقسم الراحة تصاميم بأسلوب حديث، مع مراعاة البساطة في تلك المدرسة الحديثة.

- تناسق الألوان مهم جداً في الديكور، هل تستخدم سارة الألوان الجريئة؟

يبرز ذوقي جلياً حين يترك لي العميل مساحة واسعة ومفتوحة، لكن أحاذر من الوقوع في فخ ألوان الموضة الرائجة والتي سرعان ما تنطفئ، فعلى المنزل أن يعكس شخصيَّات ساكنيه، وأن يُحقِّق الراحة لهم. وإذا رغب أصحاب المنزل بأحد ألوان الموضة، أوظّفه في التصميم الداخلي على هيئة أكسسوارات، ما يجعل التبديل سهلاً في وقت لاحق، عند أفول هذه الموضة، مثل توظيف اللون الأحمر تماماً، أو تنسيقه مع الألوان المحايدة كالأبيض والأسود، أو مع الألوان الترابية.

- اللون الأحمر من الألوان الأساسية، لماذا لا توظفينه في الفراغ بمفرده؟

الأحمر من الألوان الحارّة، وله خصوصيته، وإذا وُظِّف في الفراغ بمفرده يزعج الرؤية بعد ساعة أو ساعتين حسب علم النفس، لذا يمكن استخدامه في الستائر، أو في المخدّات، أو في الأكسسوارات، ومن الصعب استخدامه لكل الجدران، علماً أن الأحمر يليق بالمطاعم الصينية، أو مطاعم الوجبات السريعة.

- ماذا عن خصوصية غرفة النوم؟

لغرفة النوم خصوصية مميزة، ولدى اختياري لقطع الأثاث والديكورات، أحرص على أن تؤمّن الراحة التامة والخصوصية المطلقة، فأختار للسرير تصميماً مريحاً، وأستعين بالإضاءة المعتدلة في أركان الغرفة بعيداً من الإزعاج، وأتجنّب الستائر الخفيفة التي تكشف الغرفة بوضوح من خلال النوافذ، وأعمل جاهدة لكي تتسلّل أشعة الشمس إلى الغرفة فتحظى بالتهوئة والإضاءة الطبيعية وتكون صحية بامتياز، وأُحبّذ أن يكون ركن الملابس بعيداً بعض الشيء عن غرفة النوم لتجنّب الضوضاء.


- إذا كان التصميم مائلاً إلى الفخامة، أي نوع من اللوحات تستخدمين؟

هذا يتعلّق برغبة العميل وذوقه، فهو إما يفضّل لوحات من عصر النهضة أو من عصر الباروك أو أي عصر آخر، أو يميل الى الزخارف الإسلامية، أو يفضّل الطبيعة الصامتة.

- وإلى أي اللوحات تميل سارة؟

أميل إلى لوحات Art Nouveau، وهو أسلوب دولي في الفن والهندسة المعمارية ظهر مع بداية القرن العشرين، كما أحبّ أعمال كلود مونيه وأهمها "نساء في الحديقة"، ولو عاد بي الزمن الى الوراء لاخترت العيش في عصر النهضة والملابس الفخمة الطويلة التي تزيد المرأة أنوثةً وأناقةً، مع الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة في كل شيء، حتى في اللوحات آنذاك والأعمال الفنية لدافنشي ومايكل أنجلو.

- هل تهتمين بالتفاصيل الدقيقة؟

كثيراً، وهذا يبدو واضحاً في تصاميمي، بحيث أختارها بتأنٍ، وبعد دراسة طويلة لكل تفصيل فيها.

- ما هي التحديات التي واجهتك؟

كان يُنظر الى المهندسة في موقع العمل نظرة مليئة بالاستغراب والدهشة، وأحياناً بالتساؤل، لكن مع رؤية 2030 تغير الوضع إلى الأفضل وفُتحت الأبواب أمامها، فدخلت بسهولة إلى كل المجالات العملية والعلمية.

- أين يكمن سر نجاح مهندسة الديكور؟

بالإخلاص في العمل، فإذا غاب الإخلاص عن هذا المجال، اختلّت فيه الموازين، لأن الإخلاص عماد النجاح، ولولاه لانهار العمل.

- هل تغيّرين التصميم إذا لم يُعجب العميل؟

نادراً ما أُجري بعض التعديلات على التصاميم، لأنني قبل تنفيذ أي تصميم، أحرص على مناقشة العميل وتبادل الآراء للوصول الى التصميم الأمثل.

- هل تستغنين عن اللون الأبيض "الحيادي" في عملك؟

لا طبعاً، لأن الألوان الحيادية مثل الأبيض والبيج والرمادي تنسجم مع باقي الألوان.


- عمر مشوارك الفنّي سبع سنوات، كيف ترين نفسك اليوم؟

سنةً بعد سنة أراني أتطوّر في العمل وعلى المستوى الشخصي. لقد امتلكت أدواتي أكثر، وتمكنت من عملي، وكلما انتقلت من مشروع إلى آخر ازددت قوة واكتسبت المزيد من الخبرات وأصبحت أكثر ديناميكية في العمل.

- من يقف وراء هذا النجاح؟

رضى الله، ثم رضى أمي ودعاء جدّتي لأمي. هاتان السيدتان منحتاني كل شيء وهما السبب الرئيسي في وجودي وقد ساهمتا في بناء شخصيتي، وزوجي الدكتور عمار يماني، فهو الداعم الأكبر لي في حياتي وعملي.

- كيف تحققين التوازن بين عملك وبيتك؟

بتنظيم الوقت وتنسيق الأمور، فأنتقل من الشخصية القيادية في العمل إلى الشخصية المُحبِّة والزوجة الحنون والمعطاءة التي تسعى لإسعاد عائلتها بتوفير أجواء المرح والطمأنينة في المنزل.

- كيف ترى سارة نفسها في 2030؟

ربما أكون صاحبة شركة رائدة في الديكور، فأُشرف بنفسي على موظفيها، وأُلبي طلبات العملاء من أصغر شقة إلى أكبر قصر في المملكة العربية السعودية.

- ماذا تقولين للمرأة؟

لا تسمحي لأحد بأن يحدّ من طموحك مهما تقدّمت في السنّ، وثقي بالله وبقدراتك، وطوّري نفسك وتطلّعي دوماً الى الأفضل.