"بنتي نور عيني" مبادرة لتوعية البنات على حقوقهن

القاهرة - جمال سالم 18 مارس 2020

أطلقت مجموعة من الوزارات والمنظّمات النسائية ومؤسَّسات المجتمع المدني في مصر، مبادرة شعارها "بنتي نور عيني"، تهدف الى التوعية بأهمية البنات في المجتمع، وتصحيح المفاهيم الخاطئة عنهن، والدعوة لمعاقبة كل من يتمسك بالتقاليد البالية، ومواجهة التنمّر ضد النساء في مختلف مراحل عمرهن، سواء داخل أسرهن وهن صغيرات، أو في المدارس والجامعات والشوارع وأماكن العمل، وقد تم الاتفاق على أن تشمل المبادرة 55 ألف مدرسة تضم أكثر من 22 مليون طالب وطالبة، والتواصل مع الأسر وأولياء الأمور، وإعداد المدرِّسين والمدرِّسات وقادة الرأي القادرين على القيام بهذه المسؤولية الكبيرة في تنفيذ هذه المبادرة المستنيرة في مراكز الشباب وغيرها، لتكون البنت بحق "نور عين" مجتمعها كله وليس أسرتها فقط.


أوضح الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة المصري، أن خطة الوزارة التي تشمل حوالى ستة آلاف مركز شباب غالبيتها في المناطق الريفية، وتضم ملايين الشبّان والشبابات، خلقت نوعاً من "السلم المجتمعي والتصحيح الفكري"، من خلال نشر الوعي والقضاء على كل أشكال التمييز في ممارسة الرياضة، خاصة أن الفتيات حققن نجاحاً غير مسبوق في مختلف الألعاب، بل إنهن تفوّقن في رفع راية مصر عالية في المحافل الدولية، ولدينا بطلات أولمبيات سجّلن أرقاماً قياسية عالمية، ولهذا نحاول تصحيح الأفكار الخاطئة في كثير من المناطق، بأن ممارسة البنت للرياضة هي نوع من "العيب الاجتماعي".

وأضاف الدكتور أشرف صبحي، أن المبادرة تحاول تصحيح مفاهيم خاطئة أخرى تنتشر في المناطق التي تفتقر الى الوعي والتعليم والثقافة، حيث يشاع أن الرياضة تضر بالصحة الإنجابية للبنات، كما تتوقف البنات المتفوّقات رياضياً عن ممارستها بمجرد زواجهن، حيث يشترط الخطيب أو الزوج عليهن ذلك، وكأن الرياضة تؤثّر سلباً في صحة المرأة واستقرارها الأسري، ولهذا وُضعت استراتيجية شاملة قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد للتعامل مع هذه المشكلات، لتكون المرأة نور عين البيئة التي تعيش فيها، وتخدم بلدها رياضياً، ليس على المستوى المحلي فقط؛ بل على المستوى العالمي.


تعاون هادف

أوضحت الدكتورة عزة العشماوي، الأمين العام للمجلس القومي للأمومة والطفولة، أنه تمّ الاتفاق على المواءمة والتعاون بين مبادرتَي "بنتي نور عيني"، و"دوّي" لتمكين البنات، والتي أطلقها مجلس الأمومة والطفولة، لأن الأهداف واحدة أو متقاربة، ولهذا لا بد من تكامل الأدوار والقيام بزيارات ميدانية، ونشر رسائل تمكين البنات الصغيرات، من خلال اللقاءات المباشرة ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ودليل المعرفة الرقمية.

وأشارت الدكتورة عزة إلى أنه تمت الاستفادة من تعاون "يونيسيف مصر" لتمكين الفتيات الصغيرات من خلال دعم حقوقهن وتقليل حجم الفجوة النوعية والعمل على تحسين وضعهن بشكل ملموس، في ظل وجود بعض التحدّيات التي تؤثر فيهن مستقبلاً في مجالات الصحة الإنجابية والأداء الاقتصادي والتمكين بوجه عام؛ وتعزيز فرصهن في الحصول على المهارات الحياتية من خلال الإدماج الاجتماعي للأطفال، خاصة البنات، وتدريبهن على كيفية العثور على فرص أفضل للعمل والتعلّم، وكيفية التفكير النقدي والقدرة على تطوير حلول إبداعية، وكيفية تنمية مهارات التواصل والحوار على المستويين الواقعي والافتراضي عبر الإنترنت، وكيفية الوصول إلى المعلومات الصحيحة والتحقق من صدقيتها ومصادرها.

وثمّنت الدكتورة عزة العشماوي، المبادرات النسوية التي تتماشى مع الاستراتيجية الوطنية للطفولة والأمومة 2018 2030-، والإطار الاستراتيجي الوطني للقضاء على العنف ضد الأطفال، والاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، واستراتيجية مناهضة العنف ضد المرأة في مختلف مراحل عمرها.


الأمهات والجدّات

أعلنت الدكتورة لبنى إمبابي، مديرة وحدة تكافؤ الفرص في وزارة التربية والتعليم في الجيزة، والمسؤولة عن تنفيذ المبادرة، أن مبدأ "الوقاية خير من العلاج" هو الأفضل عالمياً، في محاصرة العادات والتقاليد الاجتماعية الظالمة للمرأة، والتي يجب مقاومتها بأسلوب عصري. ولهذا تنفّذ وزارة التربية والتعليم، من خلال مدارسها البالغ عددها 55 ألف مدرسة، ويتعلّم فيها أكثر من 22 مليون طالب وطالبة، وتمثل الفتيات نصف هذا العدد أو أكثر قليلاً، تنفّذ مجموعة من المبادرات من بينها "بنتي نور عيني"، و"من حقي أعيش بدون إرهاب"، و"لا للتنمّر المدرسي"، وهناك تجاوب كبير مع هذه المبادرات التي تخدم الطالب مباشرةً في مراحل التعليم الأساسي والثانوي.

وأشارت الدكتورة لبنى إلى أن الجديد في مبادرة "بنتي نور عيني" وفق توجيهات الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم، ألا تقتصر هذه المبادرة على الفتيات في المدارس فقط، وإنما يجب أن تمتد إلى أولياء أمورهن، خاصة الجدّات والأمهات، لأنهن الأكثر تأثيراً في إحياء العادات أو مكافحتها والحد منها، خاصة في المناطق الريفية والبدوية، والتي لا تزال تسيطر فيها التقاليد البالية التي تؤذي البنات، مثل ختان الإناث، والزواج المبكر، ومنع الفتيات من التعليم أو تسربّهن منه بسبب الفقر، أو عدم إيمان أولياء الأمور بضرورة تعليم البنات، مع الاستفادة من الخبرات المختلفة لمنظمات المجتمع المدني في القضاء على هذه الظواهر.

ولفتت الدكتورة لبنى إلى أنه تم تدريب الاختصاصيين والاجتماعيين في المدارس للقيام بهذا الدور وحلّ المشكلات من خلال الإقناع بالحوار المباشر، وليس الإجبار أو الإكراه الذي يولّد العناد وتمسك الأهالي بالعادات التي تضرّ بالبنات، كما تشتمل المبادرة على توعية المجتمع بالأضرار الصحية والنفسية التي تلحق بالمرأة، وكيفية مناهضة العنف الذي تتعرض له والعمل على توحيد الجهود المبذولة من أجل القضاء على كل أشكال الظلم والتمييز ضد البنات.


ثقافة العنف

أكدت الدكتورة ماجدة مصطفى، رئيس وحدة تكافؤ الفرص في وزارة التربية والتعليم في الجيزة، أن المبادرة خطوة على طريق مكافحة التقاليد الظالمة للبنات من حيث العنف الجسدي، مثل الضرب والإيذاء البدني، وكذلك العنف النفسي بما فيه من توجيه إهانات وتهديدات واعتداءات لفظية، والعنف الجنسي الذي يتمثل في التحرّشات اللفظية والبدنية، فضلاً عن العنف الاقتصادي كالحرمان من الميراث أو المنع من الحصول على وظيفة أو مصدر دخل وغيرها من الممارسات التقليدية الضارة كالزواج بالإكراه وختان الإناث وزواج القاصرات.

وكشفت الدكتورة ماجدة عن أهمية تغيير المناهج التعليمية وتطويرها ورفع الوعي بحقوق المرأة، وتغيير التوجهات السلبية للمجتمع تجاهها، وبيان أهمية التمكين الاقتصادي والاجتماعي للفتيات، وتنفيذ الاستراتيجية القومية للتعليم 2014-2030، وتطبيق رؤية وزارة التربية والتعليم التي تنص على أن يكون التعليم متاحاً بجودة عالية للجميع بدون تمييز.


خريطة

تجاوبت بعض منظمات المجتمع المدني المهتمة بقضايا البنات، ومنها مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، حيث أكدت مديرته التنفيذية الدكتورة أمل فهمي، أن التعاون مع مبادرة "بنتي نور عيني" ليس وليد المصادفة أو المجاملة، وإنما لأنها تقع في نطاق ما؛ سبق أن أعدّه المركز لأول خريطة في مصر لمشروعات العنف القائم على النوع الاجتماعي، وذلك بهدف التشبيك بين الجمعيات الأهلية التي تُعنى بمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي؛ وتعريف الناس بهم، حيث تهدف الخريطة الى تقديم المزيد من البيانات بإتاحة معلومات حول الجهود المبذولة من الجمعيات الأهلية، التي تعمل على مناهضة العنف القائم على الجنس الاجتماعي. وأوضحت الدكتورة أمل فهمي، أن المبادرة استفادت من قاعدة بيانات مفصلة عن أنشطة الجمعيات التي تخدم النساء في مختلف أعمارهن، والتحديات التي واجهتها تلك الجمعيات، ويتم ترتيب الأولويات؛ ومن بينها التسرّب من التعليم الذي يعد جريمة ليس للبنات ذنب فيها، بل هنّ ضحايا الظروف الاقتصادية وانعدام الوعي لدى أسرهن.

تقصير الأهالي

تفاعلت الدكتورة رندا فخر الدين، المدير التنفيذي للاتحاد النوعي لمناهضة الممارسات الضارة بالمرأة والطفل، مع المبادرة مؤكدةً أنها التقت مع قيادات وزارة التربية والتعليم، وغيرها من مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، لتوسيع نطاق المبادرة بحيث لا تقتصر على المدارس فقط والاحتياج الى الدعم المجتمعي لها حتى يوافق المجتمع عليها، خاصة في ظل القصور القانوني في حماية البنات، المتمثّل بعدم معاقبة ولي الأمر الذي يمنع ابنته من التعليم أو يجعلها تتسرّب منه، أو يزوّجها وهي بعد طفلة بعقد عرفي.

وأشارت الدكتورة راندا إلى أن القوانين لن تُجدي نفعاً إذا لم نغير فكر المجتمع تجاه الجرائم التي تمارَس ضد البنات، ونُصرّ على معاقبة الأهالي على الجريمة التي يرتكبونها في حق بناتهم، لأن عملية ختان الإناث مثلاً تُعد اغتصاباً مبرراً من الأهل لبناتهم، سواء ارتكب هذا الفعل الأطباء أو غيرهم، حيث أكد المسح السكاني أن 80% من الإناث يتعرضن لعملية الختان على يد أطباء، ورغم هذا يتوفّى بعضهن بسبب جهل الأطباء، ولهذا يجب تغيير سلوكيات المجتمع من أجل مناهضة كل أشكال العنف ضد المرأة، والعمل على تمكينها من خلال قناعة مجتمعية، والاستفادة من خبرات الآخرين في التعامل مع هذه القضايا الشائكة.

وأنهت الدكتورة راندا كلامها مفجّرةً مفاجأة من العيار الثقيل تستوجب دعم مبادرة "بنتي نور عيني"، وهي أن غالبية الشبان يؤيدون ممارسة ختان الإناث لأنهم يفهمون خطأ أن له علاقة بالعفّة والتخفيف من الإثارة الجنسية في ظل انتشار وسائل الإثارة وضعف الوعي الديني، وهذا يؤكد أهمية التوسع في المبادرة لتشمل كل أفراد المجتمع؛ لتوعيتهم بالأخطاء التي تمارَس ضد البنات باسم الدين، رغم أن الإسلام يجرّم هذا الإيذاء، وكل ما ورد بشأن ختان الإناث هو أحاديث ضعيفة.

الوعي والقانون

أعلنت الدكتورة ماجدة نصر، عضو لجنة التعليم والبحث العلمي في مجلس النواب، تضامنها مع المبادرة وضرورة أن يكون الوعي والقانون وجهين لعملة واحدة، لأنه لم يتم بعد تفعيل القانون بشكل كافٍ، حيث أكدت بعض الإحصائيات أن نِسب الزواج المبكر عالية؛ خاصة في قرى محافظات الصعيد، وزاد التحايل على القانون لتتزوج أكثر من نصف مليون سيدة على مستوى مصر قبل بلوغ سنّ الثامنة عشرة، مما يعرضهن لمخاطر صحية، منها تسمّم الحمل والولادة المبكرة وولادة أطفال قبل أن يكتمل نموّهم وارتفاع احتمالات التعرض للعنف الأسري، وحرمان الفتاة من التعليم والمشاركة في سوق العمل، مما يزيد معاناتها من ظاهرة الفقر لدى تلك الأسر، أما أبناؤها فيتعرضون للعديد من المشكلات بسبب عدم توثيق الزواج.

وأوضحت الدكتورة ماجدة أن كل هذه الانتهاكات تحدث رغم أن الدستور المصري تضمن مادة خاصة بالطفل، وهي المادة 80 التي نصت على: "يُعد طفلاً كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ولكل طفل الحق في اسم وأوراق ثبوتية، وتطعيم إجباري مجاني، ورعاية صحية وأسرية أو بديلة، وتغذية أساسية، ومأوى آمن، وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية، وتلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري، لكل طفل الحق في التعليم المبكر في مركز للطفولة حتى السادسة من عمره، ويحظّر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن إتمام التعليم الأساسي".