"تزوّجي من مغتصبك"... قانون متجدد يهين الفتيات ويُحدث صدمة في تركيا

تحقيق: فرح جهمي 03 أبريل 2020

في الوقت الذي يتجه فيه العالم بأسره إلى منح المرأة المزيد من القدرة والقيادة كعنصر أساسي وفاعل في المجتمع، تتجه السلطات التركية إلى معاقبة الأطفال من خلال مشروع قانون صادم يُطرح في البرلمان التركي، ويحاول من خلاله السياسيون حماية مرتكبي الاستغلال الجنسي للأطفال من العقوبة، حيث يسمح القانون الجديد للرجال المتّهمين باغتصاب فتيات دون سنّ الـ 18 بتجنّب العقوبة إذا تزوّجوا بضحاياهم.


رغم إلغاء عدد كبير من الدول العربية في السنوات الماضية الأخيرة كل المواد القانونية ومن ضمنها هذا القانون الجائر بحق الشابة المغتصبة، تشهد تركيا سجالاً كبيراً بين من يريد تمرير هذا القانون وإعادة البلاد إلى العصور القديمة بحجّة صون "الشرف"، ومن يعترض عليه ويعتبره جُرماً في حق المرأة وانتهاكاً صارخاً لحقوق الطفل المنصوص عليها في المواثيق الدولية، والتي تُعتبر تركيا من الدول الموافقة على تطبيقها.


جدل واسع في تركيا والأمم المتحدة تحذّر

أثارت إعادة طرح مشروع القانون الذي عُرف بـ"الزواج من المغتصب"، والذي رُفض في العام 2016، غضباً كبيراً في الشارع التركي، وجدلاً واسعاً من جانب منظمات حقوق المرأة والطفل حول العالم، وذلك باعتبار أن تنفيذ مشروع كهذا يشرّع زواج القاصرات ويمهّد للإساءة إليهن، كذلك يشجع على الاغتصاب ويُحلّله.

ومشروع القانون الذي تم تقديمه الى البرلمان، يعطي حصانة كاملة للرجال الذين يُدانون بالاغتصاب، ويسمح لهم بالزواج من ضحاياهم والإفلات من العقاب. ويمكن وصفه بأنه مثال جديد على فشل حكومات بعض الدول في حماية المرأة، ويزيد من المسافة بينها وبين الرجل لناحية الحقوق والمساواة.

وسارع ناشطو حقوق المرأة والطفل في تركيا إلى اتّخاذ موقف صارم من هذا القانون الذي يسعى إلى إزالة الحماية القانونية للفتيات، وطالبوا المشرّعين الأتراك بإلغاء القوانين التي تميّز بين الجنسين.

كذلك حذّرت الأمم المتحدة من أن مشروع القانون المتجدّد سيولّد مشهداً غير مسبوق لمسألة الإفلات من العقاب على إساءة معاملة الأطفال. كما سيترك ضحايا الاغتصاب معرّضين لمعاناة طويلة من سوء المعاملة من جانب المعتدين عليهم، وبحالة نفسية سيئة قد تدفعهم الى الانتحار.


الحالة النفسية للمغتصبات

ويركز الرافضون لهذا القانون على الشقّ النفسي للمغتصبات، والتداعيات السلبية للاغتصاب بعد تعرّض الفتيات له، والتي تبدأ بالصدمة الكبيرة التي تُدخلهن بحالة نفسية صعبة، ويصبح لهن وجهات نظر سلبية عن أنفسهن. وفي ظل هذا القانون الجائر، ستتجنّب كثيرات منهن التحدّث عن الاعتداء الذي لحق بهن خوفاً من العقاب الأكبر من خلال تزويجهن إلى الجاني.

ويؤكد الأختصاصيون النفسيون أن الآثار السيئة التي تنشأ عن الاعتداء الجسدي تكون وخيمة على صحة المرأة الجسدية والنفسية، لأن الاغتصاب يؤدي الى تدمير النفس والروح والجسد، حيث تشعر المرأة المغتصبة بأنها مُهانة وفاقدة للثقة بنفسها، الأمر الذي قد يظهر على شكل أعراض كثيرة، من أهمها التبول اللاإرادي، الاضطراب المعوي والقيء، نوبات من البكاء، الإحساس بالإهانة الجسدية وعدم احترام الخصوصية، شدة الانفعال والغضب، القلق، اضطرابات في النوم، الرهبة من العلاقات الجسدية وفقدان تام للشعور بالأمان... وكلها قد توصل المرأة المغتصبة إلى الانتحار.

المغرب يتخذ خطوات جريئة للحدّ من حالات الاغتصاب

في كانون الثاني/يناير 2014، وافق البرلمان المغربي بالإجماع على تعديل المادة 475 من قانون العقوبات، والتي تعفي مغتصبي القاصرات من الملاحقة القضائية إذا قبلوا بالزواج منهن، وذلك بعد ضغط كبير من ناشطين، إثر انتحار شابة رفضاً للزواج من مغتصبها، طالبوا بحماية ضحايا الاغتصاب ومعاقبة المغتصِب.

وتنص الفقرة الثانية من المادة 475 والتي تم حذفها على أنه عندما يتزوج الجاني من ضحيته، يُعفى من عقوبة السجن التي كانت تتراوح بين سنة وخمس سنوات.

وفي شباط/فبراير 2020، وضعت الحكومة المغربية التي يقودها سعد الدين العثماني قانوناً مستعجلاً تنص بنوده على الإخصاء الجراحي للمغتصبين، أو حقنهم بهورمون يقضي على رغباتهم الجنسية، لوضع حدّ للمغامرات المشينة للمغتصبين وليكونوا عِبرة للآخرين.

وأثار هذا القانون الجديد سجالاً كبيراً في المغرب، حيث رحّبت به غالبية الجمعيات الحقوقية المدافعة عن حقوق الأطفال والنساء، والتي لطالما طالبت باتّخاذ إجراءات حاسمة وبفرض عقوبات قاسية للحدّ من حالات اغتصاب الأطفال والقاصرات. في حين اعترضت جهات حقوقية أوروبية على هذه العقوبة، واصفين إياها بأنها نوع من التعذيب الجسدي الذي يخالف اتفاقيات حماية حقوق الإنسان، وبالتالي تمسّ بأخلاقيات الحُكم العادل.

دول عربية تلغي قانون الزواج من المغتصب

في آذار/مارس 2018، ألغت السلطات الفلسطينية بعض الأحكام القانونية التمييزية ضد النساء، وفي مقدمها المادة 308 من قانون العقوبات لعام 1960 النافذ في الضفة الغربية. والمادة التي تم حذفها كانت تسمح للمغتصبين بالإفلات من الملاحقة القضائية ومن عقوبة السجن إذا تزوّجوا ضحاياهم. كذلك تم تعديل المادة 99، إذ يُحظَّر على القضاة تخفيف العقوبات على الجرائم الخطيرة، مثل قتل النساء والأطفال.

ونجحت السلطة الفلسطينية أخيراً في سدّ الثغرات القانونية الموجودة منذ عهد الاستعمار، على أمل أن تتبعها بخطوات أخرى باتجاه إلغاء أشكال التمييز في تسجيل المواليد، وقوانين الأحوال الشخصية، والفجوات في المحاسبة على العنف الأسري وغيرها من الثغرات التي تضرّ بحقوق المرأة.

وفي آب/أغسطس 2017، أنهى البرلمان اللبناني المادة 522 من قانون العقوبات، والتي كانت تكافئ المغتصب بالعفو عنه في حال تزوّج من الضحية عوضاً عن تلقّي عقوبة السجن. وكان على الضحية أن تتحمّل وزر جريمة اغتصابها.

كذلك ألغى الأردن في العام نفسه المادة 308 وسدّ ثغرة مماثلة في قانون العقوبات كانت تتيح للمغتصب الإفلات من العقوبة في حال تزوج الضحية أيضاً. ويأتي هذا القرار الأردني بعد مصادقة البرلمان التونسي على قانون يُجرّم العنف ضد المرأة تضمن إلغاء بند مماثل. وألغت مصر قانوناً مماثلاً في العام 1999. ولكن لا يزال في إمكان المغتصبين الإفلات من العقاب إذا تزوّجوا ضحاياهم في دول مثل الجزائر وليبيا وسوريا والبحرين والعراق والكويت والفيليبين وطاجيكستان.

وفي المحصّلة فإن مشروع القانون المتجدّد في تركيا، والذي يحمي المغتصب من العقوبة بالزواج من ضحيته، يعكس الوضع الذي تواجهه النساء حول العالم، ومن شأن القانون المقترح أن يحوّل الجُناة من مسجونين إلى أزواج ومقدّمي خدمات لصون شرف الفتاة.

 

يشار إلى أن قانون الزواج من المغتصب هو وسيلة قانونية تعفي الرجل أو الشاب من العقاب والملاحقة بتُهمة الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي أو الاختطاف أو أي أفعال مشابهة إذا تزوج الجاني من ضحيته الأنثى مهما كانت سنّها. يزعم مؤيدو هذا القانون الذي لا يزال ساري المفعول في العديد من دول العالم، أنه يحمي الضحية من عار الاغتصاب ويحافظ على شرف عائلتها.