اضطراب ما بعد الصدمة.. إشارات تكشفه وطرق علاج تلطّف المأساة

سناء دياب 09 سبتمبر 2020

حدث الانفجار الكبير في بيروت، وتحديداً في المنطقة المرفأ. أزهق الكثير من الأرواح وغيّر حيوات وبتر أحلاماً وأسقط من حساب الوقت أعماراً. ونحن، الباقين على قيد التنفس، نعتقد أننا نجونا ولا نعلم أننا ربما لم نفعل وأن ما نحن عليه مجرد حياد جسدي أمام هول المأساة. والحقيقة أننا قد نكون أصبنا، في مكان ما من نفوسنا، بشرخ، بجرح أو أن هوّة حدثت في قلوبنا وذاكرتنا لبعض الوقت أو لكل الوقت. نجونا؟ لا شك في أننا لم ننجُ من اضطراب ما بعد الحدث المؤلم، من اضطراب ما بعد الصدمة.


اضطراب ما بعد الصدمة

مع وقوع الانفجار الكبير في مرفأ بيروت، اهتزّ العالم. فالحدث جلل والمأساة كبيرة. وخلف البحار شعر الناس بالألم. فماذا عمّن عايشوا الحدث؟ عن أولئك الذين تهشّمت مشاهد حياتهم في جزء من الثانية؟ هي الأسئلة التي بدأ يطرحها الكثير من خبراء علم النفس متحدّثين عمّا يسمى "اضطراب ما بعد الصدمة". وبحسب التعريف العلمي، يعني هذا ردود الفعل التي يتم إظهارها بسبب الخوف والشعور بالخطر على أثر التعرّض لحادث ما أو مشاهدة آخرين يتعرّضون له. وفي هذه الحالة، يمكن ذكر حوادث السير والجرائم والكوارث الطبيعية والانفجارات والسرقات والتعدّيات المختلفة ومآسي الحروب. في البدء، قد لا يشعر من يعاني الصدمة بأعراضها، إلا أنها تبدأ بالظهور بشكل واضح بعد مرور أسبوع أو أكثر على الحادثة. ويمكن أن يترافق هذا مع مشاعر مثل الحزن والاكتئاب والقلق والأرق... ويبقى أن نعرف المزيد من التفاصيل لنتمكن من تفادي الانحدار إلى ما هو أكثر صعوبةً وتعقيداً من ذلك. ولهذا استشرنا الاختصاصي في علم النفس الدكتور نبيل عطالله.


التفاعل

بحسب عطالله، تتفاوت درجة التفاعل مع الأزمات الكبرى بين شخض وآخر. فهذا يتبع برأيه طبيعة الشخصية ومدى القدرة على تحمل الصدمات المختلفة. كما يرتبط بما إذا كان هذا الشخص قد اختبر أحداثاً مماثلة أم لا. وبرأيه فإن أعراض الصدمة يمكن أن تظهر بعد مرور مدة ما على وقوع المشهد الأليم، ويمكن أن تتفاقم في حال لم يُعمل على علاجها. كما أن علاج الأطفال يصبح أكثر سهولةً لأنهم أكثر قوةً في هذه الحالة من الراشدين، وبالتالي يعبّرون عن ألمهم من خلال الصراخ أو البكاء أو الامتناع عن تناول الطعام أو حتى الأحلام المزعجة.

التعرّف على الصدمة

يمكن التعرف على الصدمة من خلال بعض الإشارات. وذكر عطالله في هذا السياق أنه يمكن الاختصاصيين النفسيين المحترفين التقاطها.

● فقد يعاني المصابون بالصدمة من الكوابيس، وقد تدهمهم الصور المرعبة على شكل وميض وبطريقة مفاجئة. وهو ما يمكن أن تدل عليه حالة الشرود والقلق المستمر.

● يمكن أن تتطور الحالة لتتحول إلى هلع أو إلى اضطرابات تنفسية.

● يواجه بعض الأشخاص بفعل الصدمة أعراضاً جسدية مثل الغثيان والرغبة في التقيؤ وتشنج المعدة، إضافة إلى الصداع النصفي.

● يمكن أن يُظهر هؤلاء أيضاً عدم رغبة في القيام بأي عمل أو التفكير بأي خطة أو أمر جدّي أو الخروج برفقة العائلة أو الأصدقاء أو ممارسة أي نشاط. وقد يرفضون الذهاب إلى أي مكان بمفردهم خوفاً من مواجهة خطر ما. بل إن هذا قد يترافق مع خوف غير مبرّر على حياة الآخرين وأعمالهم وعلاقاتهم.

● يلجأ المصابون بالصدمة أحياناً إلى حلول مؤقتة من أجل نسيان الحدث المؤلم. ولهذا يختار بعضهم الأكل المستمر أو النوم لساعات طويلة أو مشاهدة الكثير من الأفلام. وهذا يمكن أن يتحول إلى إدمان.

● تترافق حالة الصدمة لدى بعض الأشخاص مع اضطرابات غذائية.

● من الممكن أن تنعكس هذه الحالة سلباً على العلاقة الزوجية.

● في المرحلة الأخيرة، قد تسبب الصدمة تحولاً تاماً في الشخصية، وتُحدث انقلاباً سلبياً في الحياة المهنية والاجتماعية في حال لم يتم تدارك الأمر واتّباع طرق العلاج الصحيحة.


العلاج

رأى الاختصاصي أن من الأفضل الاهتمام بالحالة النفسية للأشخاص الذين يعانون من تداعيات حدث أليم بعد مرور مدة قصيرة. واعتبر أن العلاج المبكر أمر مفيد جداً وضروري. ولهذا نصح المعنيين بالتحدث أولاً إلى أشخاص آخرين اختبروا تجربة مماثلة. وفي هذه الحالة، من المهم برأيه الاستماع ثم التعبير بشكل صريح عن الذات أيضاً. كما أشار إلى أهمية الاعتماد على خبرات الأطباء والمعالجين النفسيين الذين يختارون المدرسة المناسبة لكل حالة ويتيحون لكل شخص التحدّث عن معاناته ومشاعره بشكل واضح وصريح. أما الخبر السار الذي نقله إلى كل المتألمين فهو أن 90% من الأشخاص الذين يواجهون الصدمات الكبرى يمكن أن يتخلصوا من تأثيرها مع مرور الوقت.

صدمة كورونا

يتوقع أن يصيب اضطراب ما بعد الصدمة الكثير من سكان العالم بسبب انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد. وهو ما أشار إليه في وقت سابق خبراء صحة تابعون للأمم المتحدة. ولفتوا إلى أن أزمة صحة نفسية تلوح في الأفق بسبب التداعيات الاجتماعية والاقتصادية للوباء. وفي هذا الصدد، قالت ديفورا كيستل مديرة إدارة الصحة العقلية في المنظمة إن العزلة والخوف وعدم وضوح الرؤية وعدم توافر الاستقرار الاقتصادي، عوامل يمكن أن تؤدي إلى مشاكل نفسية لدى عدد كبير من الأشخاص.