نساء رائدات في مواجهة كورونا

جولي صليبا 14 سبتمبر 2020

العالم كله في حالة تأهّب قصوى لمواجهة وباء كورونا، والكثير من الدول نفّذت إجراءات حظر وإغلاق شامل، وعلّقت الرحلات الجوية. ولمواجهة ما وصفته منظّمة الصحة العالمية بـ"عدو الإنسانية"، لا بدّ من قيادة حكيمة ورائدة للصمود أمام هذه الأزمة العالمية. اللافت هذه المرة هو بروز النساء في مواجهة أزمة كورونا. فمن آيسلندا إلى تايوان، وفنلندا، والدانمارك، وألمانيا ونيوزيلندا، تفوّقت النساء وأظهرن للعالم براعة لافتة في مواجهة الكارثة التي تعصِف بالبشرية. وقد كشف وباء الكورونا أن المرأة تملك ما يلزم من القوة لمواجهة أي خطر يهدّدنا. فقد أظهرت بعض النساء براعة فائقة في مواجهة كورونا وأعطين البشرية درساً في حُسْن ممارسة السلطة.


قول الحقيقة

وقفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في بداية تفشّي وباء كورونا، وأخبرت مواطنيها بهدوء أن هذا المرض خطير وقد يصيب 70 في المئة من السكان. وقالت: "إنه أمر خطير، خذوا الأمر على محمل الجد". وكانت ألمانيا من أولى الدول التي اعترفت بخطورة الوباء وتجاوزت بسرعة مراحل الإنكار والغضب والخداع التي سادت في دول أخرى. النتيجة؟ أرقام الإصابات بفيروس كورونا في ألمانيا أقل بكثير مما هي في الدول الأوروبية المجاورة. ويعود الفضل في ذلك طبعاً إلى حكمة أنجيلا ميركل في إدارة الأزمة.

أنجيلا ميركل التي تشغل حالياً منصب المستشارة الألمانية كانت في السابق زعيمة الاتحاد الديموقراطي المسيحي لمدة 18 عاماً. وهي في الأساس عالمة أبحاث تحمل شهادة دكتوراه في الكيمياء الفيزيائية، لكنها دخلت معترك السياسة في أعقاب ثورات 1989 وعملت لفترة وجيزة نائباً للمتحدث باسم أول حكومة منتخَبة ديموقراطياً في ألمانيا الشرقية برئاسة لوثر دي مايتسيره عام 1990. وبعد إعادة توحيد ألمانيا عام 1990، تم انتخاب ميركل في البوندستاغ عن ولاية مكلنبورغ-فوربومرن. كما عُيّنت ميركل في منصب وزيرة المرأة والشباب في الحكومة الاتحادية تحت قيادة المستشار هيلموت كول في العام 1991، ثم أصبحت وزيرة للبيئة في العام 1994. وبعد خسارة حزبها في الانتخابات الاتحادية عام 1998، تقلّدت ميركل منصب الأمين العام لحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي قبل أن تصبح أول زعيمة للحزب بعد عامين.

في العام 2005، عُيّنت ميركل بعد الانتخابات الاتحادية في منصب المستشارة الألمانية، وهي أول امرأة تتولى هذا المنصب.

في العام 2007، كانت ميركل رئيسة المجلس الأوروبي وترأست مجموعة الثماني، وهي ثاني امرأة تشغل هذا المنصب. كما لعبت ميركل دوراً حاسماً في إدارة الأزمة المالية على المستويين الأوروبي والدولي، وقيل عنها إنها صاحبة القرار في السياسة الداخلية.

سُمّيت ميركل مرتين ثاني أقوى شخصية في العالم من جانب مجلة "فوربس" الأميركية، وهو أعلى تصنيف حققته امرأة. وفي كانون الأول/ديسمبر من العام 2015، اعتبرتها مجلة "التايم" شخصية العام مع صورة لها على غلاف المجلة واصفةً إياها بمستشارة العالم الحرّ. في أيار/مايو 2016، لقّبتها مجلة "فوربس"، "أقوى امرأة في العالم" للمرة العاشرة.


القرارات الحاسمة

كانت تساي إنغ ون، رئيسة تايوان التي أُعيد انتخابها لولاية ثانية، بارعة جداً في مواجهة وباء كورونا. فعند انتشار الوباء في بلادها، فرضت العديد من الإجراءات التي منعت انتشار الفيروس، ولكن من دون الحاجة إلى عمليات الإغلاق التي أصبحت شائعة في الكثير من الدول.

اللافت أيضاً أن تايوان أرسلت 10 ملايين قناع وجه إلى الولايات المتحدة وأوروبا بهدف مساعدة شعوب تلك الدول على مواجهة الوباء. وتمكّنت تساي إنغ ون من إدارة الأزمة بطريقة وصفتها شبكة "سي إن إن" بأنها "من بين أفضل الاستجابات في العالم"، بحيث أبقت الوباء تحت السيطرة.

تساي إنغ ون هي أول امرأة يتم انتخابها رئيسة لتايوان. وتتزعم تساي، البالغة من العمر 63 عاماً، الحزب التقدمي الديموقراطي الذي يرغب في الاستقلال عن الصين. وقالت رئيسة تايوان في خطاب إعلان فوزها برئاسة تايوان إنها تتعهد بالحفاظ على الوضع القائم بين تايوان والصين، مضيفةً أن على بكين أن تحترم ديموقراطية تايوان، وأن الطرفين يجب ألا يستفزّا بعضهما بعضاً. اللافت أن تساي حققت فوزاً كاسحاً في الانتخابات الأخيرة التي أُجريت في كانون الثاني/يناير الماضي، إذ نالت عدداً قياسياً من الأصوات بلغ 8.2 مليون صوت، ما يزيد بـ1.3 مليون عن الأصوات التي فازت بها في انتخابات 2016.


من جهة أخرى، نجحت جاسيندا أرديرن، رئيسة وزراء نيوزيلندا، في السيطرة على وباء كورونا في مرحلة مبكرة إذ فرضت العزلة الذاتية على جميع الأشخاص الوافدين إلى نيوزيلندا فيما الوباء لا يزال في بدايته، وحظّرت على الأجانب الدخول إلى نيوزيلندا بعد فترة وجيزة من تفشّي الوباء. هكذا، تمكّن الوضوح والحسم من إنقاذ نيوزيلندا من العاصفة.

وكانت جاسيندا أرديرن قد بدأت حياتها المهنية بالعمل كباحثة في مكتب رئيسة الوزراء هيلين كلارك، ثم عملت لاحقاً مستشارةً لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير. تم انتخابها في العام 2008 رئيسةً للاتحاد الدولي للشباب الاشتراكي، وشغلت هذا المنصب لما يقارب العشر سنوات.

تولّت جاسيندا زعامة حزب العمال النيوزيلندي منذ آب/أغسطس 2017، وكانت أصغر رئيسة حكومة في العالم عندما انتُخبت رئيسةَ وزراء في سنّ السابعة والثلاثين. بعد أن أنجبت ابنتها في العام 2018، حضرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مع طفلتها الرضيعة فلفتت أنظار العالم أجمع، فضلاً عن أنها تحظى باحترام دولي كبير نظراً لجهودها في دعم شباب العالم والدعوة إلى الاهتمام بالمُناخ وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة.


استخدام التكنولوجيا

قدّمت آيسلندا، بقيادة رئيسة الوزراء إرنا سولبرغ، فحوصاً مجانية لفيروس كورونا لجميع مواطنيها، فيما تعاني معظم الدول نقصاً في فحوص الكورونا وعدم القدرة على إجراء اختبارات لجميع الأشخاص الذين يعانون أعراض هذا الفيروس الخطير. كما أنشأت آيسلندا نظامَ تتبّع دقيقاً لحالات الكورونا، ولم تضطر إلى إغلاق المدارس. واللافت أن كاترين أخضعت نفسها للعزل المنزلي بعد اكتشاف حالة إصابة بفيروس كورونا في مدرسة ابنها الأصغر، وأعلنت أنها ستبقى في المنزل إلى حين ظهور نتائج الفحص تماشياً مع توصيات السلطات الصحية. إلا أن النتيجة جاءت سلبية في ما بعد.


وفي فنلندا، استطاعت سانا مارين، أصغر رئيسة وزراء في العالم، أن تحمي بلادها من جائحة كورونا من خلال اللجوء إلى المؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي لحضّ النساء وتشجيعهنّ على محاربة وباء كورونا. لقد أيقنت سانا مارين أن المؤثرين عبر السوشيال ميديا قادرون فعلاً على إيصال المعلومات إلى أكبر عدد من الناس، ولذلك اعتمدت عليهم لنشر الحقائق حول إدارة الوباء.

سانا مارين حاصلة على شهادة الماجستير في العلوم الإدارية، وهي سياسية فنلندية وعضوة في الحزب الاشتراكي الديموقراطي الفنلندي ونائبة في البرلمان الفنلندي منذ العام 2015. ثم شغلت منصب وزيرة النقل والاتصالات بين حزيران/يونيو وكانون الأول/ديسمبر 2019. انتُخبت سانا مارين في 8 كانون الأول/ديسمبر رئيسةً للوزراء في فنلندا لتصبح أصغر رئيسة وزراء في العالم حالياً، وأصغر رئيسة وزراء في تاريخ فنلندا، وثالث رئيسة وزراء في فنلندا.

نشر الحب

استخدمت رئيسة وزراء النروج، إرنا سولبرغ، فكرة مبتكرة لاستخدام التلفزيون والتحدّث مباشرةً مع أطفال بلادها حول وباء كورونا. فقد أقامت إرنا مؤتمراً صحافياً مخصّصاً للأطفال دون سواهم، وردّت على أسئلة الصغار من كل أنحاء البلاد، وحاولت قدر المستطاع تبديد خوفهم من الوباء.


إرنا هي زعمية حزب المحافظين في النروج منذ العام 2004، ورئيسة الوزراء الحالية، وكانت عضواً في البرلمان النروجي منذ العام 1989، وشغلت منصب وزيرة الحكم المحلي والتنمية الإقليمية بين عامَي 2001 و2005، واشتهرت حينذاك بتبنّيها مواقف متشدّدة في ما يخص سياسة الهجرة ومنح حق اللجوء للأجانب. وقد أطلقت عليها وسائل الإعلام النروجية لقب "إرنا الحديدية". بعد فوزها في انتخابات أيلول/سبتمبر 2013، أصبحت إرنا ثاني امرأة تتولّى رئاسة وزراء النروج بعد غرو هارلم برونتلاند، ثم أُعيد انتخابها في العام 2017 لأربع سنوات جديدة.