من جديد تثبت المرأة قدرتها في أوقات الشدّة طبيبات وممرضات في طليعة "الجيش الأبيض" لمحاربة كورونا

القاهرة - جمال سالم 13 سبتمبر 2020

في أوقات الشدّة تُثبت المرأة دائماً قدرتها على الصمود في وجه التحديات والصعوبات، وهو ما تجلّى أخيراً في المعركة ضد فيروس كورونا المستجدّ، حيث تلعب الطبيبات والممرضات، وغيرهن من المشارِكات في المنظومة الطبية المصرية الناجحة، دوراً بارزاً في محاربة هذا الفيروس القاتل، وأثبتن أنهن يعملن بجدارة ضمن كتائب "الجيش الأبيض". فماذا تقول المقاتلات بالزي الأبيض؟ وكيف يواجهن خطر الفيروس الخفي الذي حيّر العالم ويزداد عدد ضحاياه يوماً بعد يوم؟


في البداية تؤكد الدكتورة أميمة أبو شادي، رئيسة الجمعية الطبية النسائية المصرية، أن دور الطبيبات في نشر التوعية بكل الأمراض وعلاجها لا يقلّ أهمية عن دور الأطباء، بل عن أدوارهم متكاملة في تحقيق رسالة الطب والوفاء بالقسَم الذي أدّاه الجميع في نقابة الأطباء بعد تخرّجهم، ولهذا فإن عضوات الجمعية حريصات على تنفيذ ما جاء بهذا القسَم في ممارسة عملهن، خصوصاً في أوقات الأزمات والكوارث وانتشار الأوبئة، وآخرها فيروس كورونا، وقبله فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي بكل أنواعه، خاصة "فيروس سي"، وكذلك الحملة الرئاسية "مليون صحة"، التي تم من خلالها علاج مختلف الأمراض العادية والمزمنة، وقد تم تشكيل فِرق من عضوات الجمعية شارك بعضها في مكافحة فيروس كورونا، وعمل بعضها الآخر على نشر التوعية الطبية في المجتمع، والإجابة عن كل الأسئلة تنفيذاً لمبدأ "الوقاية خير من العلاج".

تُنهي الدكتورة أميمة كلامها مؤكدةً أن بعض الطبيبات والممرضات تعرّضن لمخاطر انتقال العدوى إليهن، رغم حرصهن على اتخاذ كل الإجراءات الوقائية، ومع هذا يعملن بشجاعة وقوة ويصلن الليل بالنهار لتأدية رسالتهن في الدفاع عن حق العلاج لكل الحالات المُصابة بفيروس كورنا، حتى وإن وصل بهن الأمر الى التضحية بأرواحهن.


طبيب الخير

توضح الدكتورة أماني وهبة، رئيسة جمعية "طبيب الخير" لعلاج المرضى الفقراء، أنها شاركت وبالتعاون مع آلاف الطبيبات والأطباء في التصدّي لفيروس كورونا، سواء مباشرةً من خلال العاملين في المستشفيات الحكومية، التي فيها أقسام للحجر الصحي، أو عبر مستشفيات الوقاية، والتي تعمل فيها طبيبات بأعداد لا يُستهان بها، وهؤلاء يحملن أرواحهن على أكفهن، رغم اتخاذهن كل الإجراءات الوقائية.

وتؤكد الدكتورة أماني أن هناك مجموعة أخرى من الطبيبات والأطباء الأعضاء في الجمعية، تولّوا مهمة الكشف والاستشارات الطبية المجانية لكل من يحتاج إليها؛ من طريق الحضور الى عياداتهم الخاصة أو الاتصالات الهاتفية، ومن يجدون لديه أعراض الكورونا يحوّلونه فوراً الى مستشفيات الحجر الصحي لاستكمال التحاليل والفحوص الطبية، وبالتالي يتواصلون مع الحالات للاطمئنان عليها وتذليل أي عقبات.

وتشير الدكتورة أماني إلى أن الطبيبات الأعضاء في الجمعية - وهن بالمئات في مختلف التخصّصات - يقمن بدورهن في تقديم الخدمات الصحية مجاناً لغير القادرين على تحمّل نفقات العلاج.

وتختتم الدكتورة أماني حديثها قائلةً: "أنا فخورة بما تقوم به الطبيبات والممرضات في مختلف المستشفيات لمكافحة فيروس كورونا المستجدّ، حيث يشكّلن جبهة صدٍّ قوية ويتسلّحن بالشجاعة والثقة بالنفس، وقبل هذا كله يتوكّلن على الله في أداء واجبهن الطبي، رغم ما يتعرّضن له من مخاطر على حياتهن وحياة أسرهن ومن يخالطن في الأسرة والمجتمع.

نماذج مشرّفة

تؤكد الدكتورة فادية عبدالجواد؛ التي تُعدّ نموذجاً عالمياً للتحدّي، لكونها أول طبيبة صمّاء في العالم تتخرّج في كلية الطب، وتمارس عملها منذ 33 عاماً، واستعادت حاسة السمع الكامل بعد 41 عاماً، تؤكد أن شجاعة الطبيبات المصريات ليست وليدة اليوم، وإنما متوارثة عبر الأجيال، ويشهد على ذلك من تعامل معهن في مصر وخارجها، ولهذا أنا فخورة بما تناقلته وسائل الإعلام العالمية أخيراً عن جهود الطبيبات المصريات في الخارج خلال أزمة كورونا، وعلى رأسهن الدكتورة نرمين بطرس، الطبيبة الرئيسية في المركز الطبّي في مستشفى جامعة بروكديل في براونزفيل، والتي لا تتوقف عن العمل حتى في منزلها، لتقديم الاستشارات الى المتدربين الذين يعملون تحت إشرافها، وقد وصفتها إحدى الصحف الأميركية بأنها "بطلة اليوم"، لعملها الشاق منذ الإعلان عن الإصابات بفيروس كورونا، حيث تعمل أكثر من مئة ساعة أسبوعياً، وكذلك الدكتورة هبة مصطفى خرّيجة كلية الطب في جامعة الإسكندرية عام 2004، والحاصلة على دكتوراه في علم الأحياء الدقيقة من جامعة كانساس عام 2014، التي تواظب وبالتعاون مع زميلتها الأميركية الدكتورة كارون كارول، على إجراء تحاليل وفحوص طبية تتعلق بفيروس كورونا المستجد لأكثر من ألف شخص يومياً، مما يخفّف الضغط على المختبرات الطبية، ويساعد على كشف أكبر عدد من المصابين بهذا الفيروس في العالم.


وتضيف الدكتورة فادية موضحةً: "أنا شخصياً، ورغم أنني كنت خلال الأيام الماضية في الرعاية المركزة إثر تعرّضي لجلطة رئوية، لم أتوقّف يوماً عن نشر الوعي الصحي حول مخاطر فيروس كورونا، وكيفية الوقاية منه، سواء بين المرضى داخل المستشفى أو الأسر الصديقة والأقارب وعبر وسائل التواصل الاجتماعي. فأنا كباقي الطبيبات المصريات، لا أتأخر أبداً في تقديم المساعدة الطبية، وأعمل ليلاً ونهاراً لمكافحة كل الأمراض، سواء قبل ظهور وباء كورونا أو بعده، والذي يحاول الأطباء في كل دول العالم اختراع علاج له وإنقاذ البشرية منه".

شجاعة وقلق

تقول الدكتورة مها عبدالحميد: "أعمل في مستشفى حكومي منذ سنوات، ولم أشعر بالقلق أثناء الكشف على الحالات مثلما هو الوضع حالياً، حيث نحرص على تطبيق كل تدابير الوقاية من فيروس كورونا، فنرتدي الملابس العازلة والقفّازات ونضع الكمّامات ونستخدم المعقّمات...، وأرى أن خير من يجسّد القلق الذي تعيشه الطبيبات، وأعضاء المنظومة الطبية، الطبيبة الأميركية كورنيليا جريجز، التي تعمل في مدينة نيويورك، أكبر البؤر التي تفشى فيها وباء كورونا في الولايات المتحدة الأميركية، حيث كتبت رسالةَ وداعٍ مؤثّرة إلى أطفالها كي تُنقل إليهم في حال وفاتها، بسبب المرض الذي تعمل على مواجهته وتحاول إنقاذ حياة المصابين به، ونشرت صورة لها عبر حسابها على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرت فيها مرتديةً قناعاً واقياً للوجه، وتبدو كأنها على وشك التوجه للقيام بإجراء ما".


وتوضح الدكتورة مها: "كلنا مثل الطبيبة الأميركية التي كتبت رسالة لأطفالها الصغار وأرفقتها بصورة لها توثّق طبيعة عملها المسؤول، والجهد الذي تبذله لإنقاذ المصابين بفيروس كورونا. كما أننا كطبيبات لا نكتفي بما نقوم به في المستشفى، بل نعيش حالة طوارئ داخل أسرنا خشية انتقال العدوى، خاصة أننا تابعنا في مصر حدث استشهاد الدكتور أحمد اللواح الذي انتقلت إليه العدوى، وبعد وفاته تم اكتشاف انتقال العدوى إلى ابنته وزوجته".

حرب حقيقية

التقطت الدكتورة هيام عبدالحميد، طبيبة في أحد المستشفيات، خيط الحديث قائلةً: "نحن في حرب حقيقية مع عدو خفي، لكننا سننتصر في النهاية حتى لو بذلنا حياتنا في سبيل إنقاذ حياة الآخرين، ذلك أننا نحرص على اتخاذ الاحتياطات اللازمة داخل المستشفى وخارجه مع أسرنا، ونقدّم نصائح للمرضى الذين جاؤوا للعلاج من أعراض نزلات البرد، التي تتشابه كثيراً مع أعراض كورونا، فإذا اشتبهنا بحالة إصابة، نُلزم الشخص بالخضوع للتحاليل والفحوص الطبية اللازمة، فإذا كانت نتائجها إيجابية يتم تحويله إلى الحجر الصحي، ويتم التعامل معه في إطار المعلومات الطبية المتاحة عالمياً، وكلها اجتهادية ولا تُفضي الى الشفاء التام، بحيث إنها محاولات لمحاصرة الفيروس والقضاء عليه من خلال تنشيط مناعة الجسم، التي تكون عادة ضعيفة لدى كبار السنّ وذوي الأمراض المزمنة".


وتحذّر الدكتورة هيام من التهاون مع هذا المرض الفتّاك، وتدعو الجميع - خاصة داخل الأسر خلال فترة الحجر الصحي - إلى تنفيذ التعليمات الطبية كاستخدام المعقّمات وغسل اليدين والوقوف بعيداً عن الآخرين مسافة لا تقلّ عن المتر، وعدم التقبيل والاحتضان والمصافحة باليد. كما تطلب من الأزواج أن يكونوا على قدر المسؤولية، لأنهم الأكثر خروجاً من المنزل واحتكاكاً بالآخرين، وغالبية حالات انتقال العدوى بالمرض داخل الأسرة تكون من طريقهم، وتزيد المأساة إذا كان الزوج مدخّناً، حيث يكون أكثر عرضةً للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي ومنها كورونا".

الأدوية حياة

تشير الدكتورة الصيدلانية هدى محمد فضل، رئيسة مخازن الأدوية في أحد المستشفيات، إلى أن أصعب اللحظات التي تعيشها خلال عملها، سواء قبل ظهور كورونا أو بعده، هي عدم توافر الأودية للمرضى الذين يأتون الى المستشفى، سواء ممن تم تشخيص حالاتهم في العيادات الخارجية، أو المرضى المحجوزين بالمستشفى، وكذلك عدم قدرة بعض المرضى على شراء الأدوية مرتفعة الثمن، لأن العلاج يعني التخلّص من الآلام، ورسالتنا في الحياة هي التخفيف من هذه الآلام.


وتأمل الدكتورة هدى أن يتوصّل الأطباء في مختلف دول العالم إلى علاج لفيروس كورونا وغيره من الأمراض الفتّاكة، للتخفيف من آلام المرضى، التي تنتقل إلى الأطباء المعالِجين الذين يشاركون مرضى كورونا وأسرهم معاناتهم النفسية والعضوية، بسبب هذا الكابوس الذي جعل العالم يعيش حالة من الرعب غير المسبوق.

ممرضات فدائيات

تعزف الممرضات المصريات سيمفونية بطولية وفدائية في مواجهة فيروس كورونا، حتى أن بعضهن أُصبن به ودخلن مستشفى الحجر الصحي. وتؤكد الممرضة سارة ممدوح في مستشفى الحميات، أنها وزميلاتها يتعرضن يومياً للمخاطر من خلال الاحتكاك المستمر مع المرضى، سواء الآتين من العيادات الخارجية أو المحجوزين. ورغم اتخاذهنّ كل الإجراءات الوقائية، تشعر الممرضات بخطر انتقال العدوى إليهنّ، في ظل تداول ما تنشره وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن إصابة، بل ووفاة بعض الممرضات رغم اتخاذهن كل الاحتياطات الضرورية.

وتؤكد سارة أنها وزميلاتها الممرضات في كل المستشفيات المصرية، يؤمنَّ بأنهنَّ صاحبات رسالة، وضمن "ملائكة الرحمة والجيش الأبيض"، ومستعداتٍ للتضحية بأرواحهنّ في سبيل إنقاذ حياة المرضى. ورغم ما يُنشر عن الأعداد الهائلة لضحايا كورونا، لا يخفن بل يزددن شجاعةً وتصميماً على الوقوف في خندق التوعية الصحية والعلاج والمتابعة، هذا طبعاً بالاشتراك مع الطبيبات والأطباء، وأسعد لحظة يعيشها الجميع يوم شفاء مريض وخروجه من المستشفى، أو التخفيف من القلق النفسي لمن يجيء الى المستشفى، ويشتبه بإصابته بالكورونا.


وتختتم الممرضة سارة ممدوح حديثها، مؤكدةً أن رسالتها هي وزميلاتها الممرضات لا تقتصر على المستشفيات فقط، بل تمتد إلى نشر الوعي الصحي لدى أسرهن وأقاربهن وجيرانهن وصديقاتهن، مع التأكيد أن وسائل الوقاية معروفة للجميع، لكن الأهم هو الالتزام بتطبيقها، فهذا خير من العلاج الذي لا يزال غامضاً الى اليوم.

المختبرات الطبية

تعد العاملات في المختبرات الطبية في المستشفيات من المجنّدات في "الجيش الأبيض"، حيث تقول أمنية جابر حافظ، تعمل في مختبر طبّي في أحد المستشفيات: "يأتي إلينا الشخص وهو يعاني قلقاً كبيراً ويثير فينا الشفقة عليه، إذ أصبح مفهوم "كورونا" لدى العامة يعني "الموت" وسط هذه الأجواء المُقلقة، وأسعد لحظات حياتي حين تظهر نتائج التحاليل سلبية، حيث تعني حياةً جديدةً للمريض الذي جعله الإعلام متوتراً وقلقاً على حياته بمجرد الإصابة بنزلة برد، لتشبيهه أعراض الكورونا بأعراض الأنفلونزا".