"البيدوفيليا"... شبح اغتصاب الأطفال يؤرق عالمنا العربي!

فرح جهمي 17 أكتوبر 2020

يكاد لا يمر يوم من دون أن نسمع عن حادثة جديدة لاغتصاب طفل أو قاصر، إذ بدأت هذه الظاهرة تزداد في السنوات الأخيرة في مختلف الدول العربية وتخرج عن دائرة "التابو" والجرائم المسكوت عنها، خاصة أن بعض العائلات لا تزال تتستر على هذه الجرائم خوفاً من "العار"، إلا أن قوة مواقع التواصل الاجتماعي وسرعة تناقل الأخبار الموثّقة بالصور ومقاطع الفيديو ساعدت في دق ناقوس الخطر، على الرغم من أن الكثير من الحوادث المشابهة يبقى طي الكتمان.


لا تزال أسباب "اضطراب عشق الأطفال"، أو ما يُعرف علمياً بالبيدوفيليا غير معروفة حتى الآن، فالأطباء والعلماء لم يتمكّنوا بعد من تأكيد ما إذا كان هذا الاضطّراب ناجماً عن خلل جيني أم هو سلوك مُكتسب، لا سيما أن الأبحاث لم تُثبت وجود متغيّرات صحية لدى المعتدين على الأطفال، كالخلل في هورمونات الذكورة أو في هورمون السيروتونين، لذلك يربط علماء النفس التحرّش والاعتداء الجنسي على الأطفال باحتمال مرور المعتدي بحالة مشابهة خلال فترة الطفولة، تحوّلت إلى حالة مَرضية عند البلوغ، ولكن هذه النظرية لم تُثبّت بشكل نهائي ولا تزال الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة مجهولة.

الكبت وهيمنة الثقافة الذكورية

وفي هذا الإطار، أوضح المعالِج النفسي والباحث في علم الاجتماع جون بول سانشيز أن "أسباب الاعتداءات الجنسية على الأطفال ليست واضحة بشكل كامل"، مشيراً إلى أن "العديد من الدراسات ربطت حالات البيدوفيليا بشكل أساسي بسببين اثنين، وهما الكبت وهيمنة الثقافة الذكورية على المجتمعات". وكشف في حديث لـ"لها" أن "منسوب الكبت بكل أشكاله بات مرتفعاً في أغلب الدول العربية وخاصة الجنسي منه، فرغم التطوّر الكبير الذي تشهده تلك المجتمعات، لا تزال غير قادرة على تغيير عقلية البعض وسلوكياتهم".

ولفت سانشيز إلى أن "ضعف القوانين التجريمية والعقوبات المفروضة على المتهمين باغتصاب الأطفال وقتلهم، يساهم في انتشار هذه الظاهرة، وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً إضافياً في تفشّي هذا الوباء في المجتمع من خلال استمالة الأطفال أو الفتيات لاغتصابهم بسهولة، فكل شيء بات مباحاً ولا رقابة أو عقاب".

الطفلة زينب... مغتصبة وجثّة متفحّمة

يتعرض الآلاف من الأطفال والفتيات سنوياً للاغتصاب والانتهاك الجنسي وأحياناً القتل في مجتمعاتنا العربية، وكان آخرها في شهر أيلول (سبتمبر)، حيث ضجّت بيروت بحالة اغتصاب المراهِقة زينب الحسيني (14 عاماً)، ومن ثم حرقها وهي حيّة حتى لفظت أنفاسها الأخيرة وودّعت الحياة اختناقاً، على يد شاب في العشرين من عمره، تسقط كل دوافعه وأسبابه أمام هذه الجريمة البشعة بكل تفاصيلها. وقبلها بأيام، تعرّض الطفل المغربي عدنان بوشوف (11 عاماً) للخطف والاغتصاب من جانب شاب ثلاثيني ظهرت ملامحه بوضوح عبر كاميرات المراقبة، ومن بعدها أقدم مغتصبه على قتله بدمّ بارد، ليُعثَر على جثة الطفل مدفونة في حديقة عامة.

وفي آخر شهر آب (أغسطس)، فُقدت الطفلة اليمنية خديجة سمير، المقيمة في مصر مع والدتها لتلقّي العلاج بسبب معاناتها من مرض السرطان، وعُثر عليها بعد أيام من اختفائها وقد تعرّضت للاغتصاب من جانب شبّان مجهولين.

وفي مصر أيضاً، هزّت تفاصيل جريمة اغتصاب الطفلة أروى جمال (5 سنوات)، مشاعر الغضب في الشارع العربي بعدما أقدم قريب لوالدتها على اختطافها من أمام منزل عائلتها خلال لعبها وتركها بعد فترة من الوقت مُغتصبةً ومقتولة.


علامات لكشف الاعتداء الجنسي على الطفل

يتّخذ مصطلح الاعتداء الجنسي على الأطفال بحسب علماء الاجتماع أشكالاً متنوّعة، فمن القُبلات الحميمة إلى المداعبة من طريق لمس الأرداف والفخذين والأعضاء التناسلية، وصولاً إلى الاتّصال الجنسي المباشر وفضّ غشاء البكارة، وكلها جرائم في حق الطفولة ويقع على الأهالي مسؤولية كبيرة لتوعيّة أطفالهم من جهة، ومراقبتهم من جهة أخرى لملاحظة أيٍّ من علامات الاعتداء الجنسي عليهم. ويركّز علماء النفس والاجتماع على بعض العلامات المهمة التي تثير الشكوك بحصول مشكلة عند الأطفال، وفي مقدّمها "تغيّر المزاج"، حيث يمكن أن يصبح الطفل انطوائياً وقليل الكلام، أو يتحوّل إلى النقيض، كثير الحركة ويقوم بأعمال تخريبية. ومن العلامات المهمة أيضاً، غياب الطفل لفترات من الوقت أثناء وجوده في الشارع وعودته مضطرباً أو قلِقاً إلى المنزل.

كذلك يمكن ملاحظة تشتّت الطفل وعدم تركيزه في الدراسة، إضافة إلى توقّفه فجأة عن ممارسة بعض العادات والنشاطات التي كان يقوم بها باستمرار. وعلى الأهل أيضاً ملاحظة جسد الطفل الذي قد يحمل علامات الإيذاء مثل الكدمات أو الحكّة في منطقة الأعضاء التناسلية، وأحياناً تظهر لديه سلوكيات جنسية غير سليمة.

نصائح لحماية الأطفال من الاعتداء الجنسي

في ظل انتشار حالات البيدوفيليا في العالم، قدّمت الجمعية البريطانية القومية مجموعة من النصائح الى الأهالي للحدّ من تلك الجرائم، حيث أوصت كخطوة أولى بمساعدة الطفل على فهم جسمه وشرح العلاقة الحميمة بالطريقة التي تلائم عمره.

وشدّدت الجمعية على ضرورة بناء علاقة موثوقة مع الطفل، ليتحدث بأمان عمّا يعانيه. ومن المهم أيضاً أن يعلّم الأهل أطفالهم "احترام النفس"، وقول "لا" للأشياء التي لا يرتاحون لها. وفي النهاية مراقبة استخدامهم للانترنت والتلفزيون داخل المنزل، ومتابعتهم باستمرار في الخارج وإبقائهم بالقرب منهم وأمام أعينهم.

علاج الضحايا حاجة وضرورة ملحّة

هناك أشكال متنوعة من العلاجات النفسية والعقلية التي لا بدّ لضحايا الاغتصاب الوحشي من الخضوع لها على يد الطبيب النفسي المختص، علماً أن عملية الشفاء قد تستغرق وقتاً طويلاً ومجهوداً كبيراً.

وتؤكد الدراسات العلمية الحديثة أن العلاج الفردي واحتواء العائلة يشكلان المرحلة الأولى الأساسية لعلاج الضحية كي تبدو مستقرة وقوية وقادرة على التعبير عن مشاعرها بحريّة لبدء مرحلة العلاج الفعلي عند المعالِج المختص، والتي قد تحتاج لأكثر من سنة ونصف السنة من الجلسات المتتالية بحسب شخصية الطفل وحالته.

وما يجهله الكثيرون هو أن المُصاب باضطراب عشق الأطفال، يصنَّف في الطب كمريض عقلي خطير، خاصة حين يتسبّب في ضرر شخصيّ أو أذى للآخرين عندما يمارس رغباته الجنسية الخطيرة ويعتدي على الأطفال من خلال التحرّش بهم أو اغتصابهم، وبالتالي هو أيضاً يحتاج إلى العلاج السريع.

وقد أكد باحثون أجروا اختبارات على دماغ بعض المصابين باضطراب عشق الأطفال لمعرفة أسباب هذه الظاهرة، وجود علاقة قوية بين إشارات يرسلها الدماغ وميول هؤلاء الشاذّة، حيث أظهر رصد نشاط المخ لدى الأشخاص المصابين بالبيدوفيليا أنهم يعانون من نشاط غير سليم في مناطق تنشط عادة عند رؤية البالغين وليس الأطفال.

وفي المحصلة، يبدو أن لائحة ضحايا الاغتصاب في مجتمعاتنا لن تنتهي، بل بات الاغتصاب جريمة تتكرر بشكل شبه يومي، لذلك لا بدّ من حركة جريئة لإعادة النظر في آليات حماية الطفولة من خلال الثقافة الجنسية التي تجعل الأطفال أكثر وعياً وقادرين على حماية أنفسهم من مخاطر التغرير بهم وجرّهم إلى الاغتصاب، لا سيما أن أغلب البلدان العربية تشهد في الفترة الأخيرة حالة من الانفلات الاجتماعي والأمني جعلت نسبة الجريمة تزداد ووصلت إلى حدّ التوحش والتباهي بالجُرم، لأن عامل الخوف انتفى لدى المجرم بسبب تراجع هيبة الدول وغياب عقوبات جدّية رادعة.

وعليه، لا بدّ من تركيز الأهل على دورهم المهم في تنشئة أطفالهم بوعي وحذر، وأن تعود المدارس في دولنا العربية للاضطلاع بدورها كمؤسسات تربوية وللتنشئة الاجتماعية، وذلك بعد تراجعها في السنوات الأخيرة. كما لا يمكن إهمال دور الإعلام التثقيفي والترويجي لنشر المعلومات والوعيّ. والمطلوب أيضاً عودة هيبة الدول والقضاء من خلال التشدّد في القصاص وفرض عقوبات قاسية ورادعة لإنقاذ أكبر عدد من الأطفال ومنع الاعتداءات العشوائية السهلة عليهم.