الدكتورة فوزية العشماوي: مهمتي تصحيح صورة المرأة العربية لأنها مستقاة من "ألف ليلة وليلة"

القاهرة - جمال سالم 07 نوفمبر 2020

تُعدّ الدكتورة فوزية العشماوي، شخصية نسائية دولية مميزة، استطاعت أن تكون سفيرة فوق العادة للمرأة العربية في الغرب بعامة، والقارة الأوروبية بخاصة، فهي لم تكن فقط رئيسة قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة جنيف، بل تقلّدت العديد من المناصب الدولية، التي عملت من خلالها على تغيير الصورة النمطية السلبية عن المرأة العربية في الغرب، وخاضت في سبيل ذلك معارك إعلامية. كما نجحت العشماوي من خلال "اليونسكو" في تصحيح الصورة السلبية عن العرب والمسلمين في المناهج الدراسية الغربية، ونالت إعجاب قادة الغرب والعرب على حدّ سواء، لإيمانها بالحوار الحضاري ورفض الهيمنة الثقافية الأميركية، وكانت ممن توقّعوا فوز نجيب محفوظ بجائزة "نوبل"، لأنه كان موضوع أطروحتها للدكتوراه في جامعة جنيف. من هنا تأتي أهمية الحوار مع الدكتورة فوزية العشماوي، حيث التقتها "لها" في القاهرة أثناء حضورها أحد المؤتمرات الدولية ممثلةً لسويسرا.


- في البداية، نود التعرّف بإيجاز على مسيرتك "من بحر الإسكندرية إلى بحيرة جنيف" في سويسرا، وهو عنوان أحد مؤلفاتك.

أنا من مواليد مدينة الإسكندرية لأب مصري وأم من أصول سورية. تلقّيت تعليمي الابتدائي في مدرسة الراهبات الكاثوليك، التي كانت تهتم بالتعليم باللغات الأجنبية، وساعدني هذا على الالتحاق بقسم اللغة الفرنسية في كلية الآداب في جامعة الإسكندرية، والتي تعرفت فيها إلى زميلي عبدالعزيز أبو زيد، وعشنا قصة حب سرعان ما تكلّلت بالزواج، وأنجبت طفلين، وتم تعيين زوجي في كلية اللغات والترجمة في جامعة الأزهر، التي أرسلته في منحة دراسية الى سويسرا للحصول على الدكتوراه، ورافقت زوجي في سفره عام 1972، ولم أكتفِ بحصولي على ليسانس في الآداب من جامعة الإسكندرية عام 1965، وإنما درست في كلية الآداب في جامعة جنيف، واخترت تخصّص العلوم الإنسانية لأنني أحبّه كثيراً، وتابعت دراساتي العُـليا الى أن حصلت على الماجستير، وموضوعها كان "شخصية النبي محمد في الأدب الفرنسي"، ثم الدكتوراه وكانت الأطروحة حول "تطور أوضاع المرأة المصرية من خلال أدب نجيب محفوظ". ولم يقف طموحي عند هذا الحد، بحيث عملت مترجمة في السفارتين السعودية والإماراتية، وواصلت تفوّقي الجامعي حتى أصبحت رئيساً لقسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية في كلية الآداب في جامعة جنيف، وخبيرة تربوية في منظّمتَي "اليونسكو" و"الإيسيسكو"، ولدى اللجنة الأوروبية المشتركة في بروكسل، وتم اختياري رئيساً للجالية المصرية في سويسرا، ورئيساً للمنتدى الأوروبي للمرأة العربية والمسلمة، كما عُيّنتُ في منصب الأمين العام المساعد للاتحاد الإسلامي الأوروبي لاهتمامي بقضايا المرأة، من خلال عملي في أكاديمية جنيف العلمية، وكنت عضواً في كلٍ من: جمعية سويسرا والشرق الأوسط، المركز الثقافي الأوروبي في سويسرا، والجمعية الثقافية المصرية- السويسرية.


- هل كان لتعلّمك في مدرسة راهبات رغم أن جدّك أزهري تأثير إيجابي في مسيرتك العلمية؟

بالتأكيد، فدراستي في مدرسة راهبات ولَّدت فيَّ حسّ قبول الآخر المختلف في الدين إلى أقصى درجة، لأن الدين الإسلامي يحترم الاختلاف العقائدي، وأنا عايشت هذا بنفسي منذ طفولتي، حيث كنت أرى في المنزل عبادة الله وتأدية الصلوات في الإسلام، وتطبيق الطقوس والشعائر المسيحية في المدرسة، فترسّخ عشقي للأديان منذ الصغر، حتى أنني لم أكتف بالتأليف في العلوم الإنسانية والأدبية، بل ترجمت كتاب "منابع تاريخ الأديان" لفيليب بورجوه، بمعنى أن هذه الازدواجية الدينية جعلتني أكثر تسامحاً، وهذا أفادني كثيراً خلال فترة دراستي وتدريسي في الغرب، وشجّعني على الدفاع عن المرأة العربية والمسلمة بدون أي تعصب.

- سافرت مع أطفالك إلى سويسرا، فما هي المبادئ التي حرصت على غرسها في نفوسهم؟

كل ما استفدت منه خلال دراستي في مدرسة الراهبات استفاد منه أولادي في دراستهم بالمدارس السويسرية، حيث حرصت على تعليمهم مبادئ الإسلام واللغة العربية، وفي الوقت نفسه بيّنت لهم موقف الإسلام المتسامح مع الآخر، ففي القرآن الكريم آية في سورة "الكافرون"، تقول: "لكم دينكم ولي دين"، ولهذا عاش أولادي في سلام نفسي واجتماعي في البيئة السويسرية التي نشأوا فيها، وحافظوا على هويتهم العربية والإسلامية من الذوبان في المجتمع السويسري، كما ساعدني زوجي على التفوّق العلمي من خلال معاونتي في تربية الأبناء.

- حدث موقف في الساعات الأولى لولادتك ترك بصمة في حياتك، وجعلك تنذرين نفسك للدفاع عن حق المرأة وكرامتها، فما هو هذا الموقف؟

من المواقف التي لا تُنسى وتركت بصمة في حياتي، التناقض في ردّ فعل والدتي ووالدي في الدقائق الأولى لولادتي، كما روى لي شهود عيان... فقد كنت البنت الثالثة في أسرة تتشوّق لأن تُرزق بصبي، وكان موقف والدتي تحديداً سلبياً تجاه إنجاب البنات، ولهذا حين تأكدت من "الداية" أنني أنثى، قالت لها "سيبي سرّتها"، وهذا يعني تعرّضي للموت السريع، وعندما سمع أبي - رحمه الله - من وراء الباب هذه الجملة، التي تعني الحُكم بالإعدام، دخل بسرعة وقال للجميع "لا تؤذوا ابنتي حبيبتي، فمن يؤذيها سأقتله"، وبذل جهداً لكي يكون متسامحاً على مضض مع أمي، وقال لها "حمداً لله على سلامتك"، فردّت بانكسار "بنت ثالثة"... فأجابها بانفعال: "كل البنات رزقها واسع، وأنا راضي باللي يرزقني به ربنا". هذا الموقف ظل محفوراً في ذاكرتي ولا يزال، خاصة أن أمي وبعد سنوات طويلة أنجبت ولداً فصار محور اهتمامها، والغريب أن تجارة والدي ازدهرت بقوة عندما كنا بناتٍ فقط، وبعد ولادة أخي تعرّض لأزمة مالية شديدة أودت بحياته. هذا المشهد الدرامي لم أنسه يوماً، وجعل مني محامية تستميت في الدفاع عن حقوق المرأة، في كل مراحل حياتي، سواء حين كنت في مصر أو بعدما سافرت إلى سويسرا التي أمضيت فيها قرابة نصف قرن مدافعةً عن المرأة العربية والمسلمة في الغرب.

- تقولين إنك كنت محامية وسفيرة للمرأة العربية في الغرب حيث شغلت مناصب مرموقة، منها رئيسة منتدى المرأة في الغرب، نود التعرف على بعض ما قمت به في هذا المجال؟

للأسف، صورة المرأة العربية في التراث الثقافي الأوروبي والأميركي مستمدة من "ألف ليلة وليلة"، حيث يتخيّل البعض أن المرأة البدوية تحرص على إرضاء نزوات الرجل فقط، وتعيش حياةً أقرب الى العبودية، ويتصوّرها البعض الآخر مجرد بدوية تعيش في الصحراء وترتدي ملابس تقليدية في عصور ما قبل التاريخ، وترعى الإبل والأغنام والماعز، وهذه الصورة تكرّسها وسائل الإعلام ومناهج الدراسة والأعمال الأدبية والفنية الغربية، ولهذا كان دوري تقديم الصورة الصحيحة للمرأة العربية بشكل عملي، من خلال شخصيتي أنا، أي المرأة المتفوّقة في عملها، وتدرّس الأوروبيين، وتحاضر في المنتديات، وتعمل مترجمةً في سفارتَي السعودية والإمارات، وتخدم بلدها من خلال التعاون مع السفارة المصرية في سويسرا... بالإضافة إلى اعتمادي لدى "اليونسكو" خبيرةً تربويةً لتصحيح الصورة عن العرب والمسلمين، خاصة ما يتعلق بالمرأة في المناهج الدراسية لدول الاتحاد الأوروبي، وتعاوني مع العديد من المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

- خلال إقامتك في سويسرا التقيت بالعديد من الشخصيات العربية، فكيف كان انطباعهم عنك وعن الدور الذي تقومين به؟

كنت موفّقة جداً خلال نصف قرن عشتها في مدينة جنيف السويسرية، حيث التقيت بكثير من الشخصيات البارزة، لأن مدينة جنيف من أهم الملتقيات الدولية، واحتضنتْ عدداً كبيراً من المؤتمرات المؤثّرة عالمياً، ومنها منطقة الشرق الأوسط، خاصة ما يتصل بالصراع العربي– الإسرائيلي، فقد التقيت الرئيس الراحل محمد أنور السادات وزوجته السيدة جيهان السادات، الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الملكة نور زوجة الملك حسين ملك الأردن الراحل، الملكة رانيا حرم العاهل الأردني الحالي، الملكة سبيكة حرم ملك البحرين، الشيخ حمد بن خليفة ملك البحرين، وكل رؤساء سويسرا، الرئيس الجزائري السابق أحمد بن بللا، الدكتور بطرس غالي الأمين العام الأسبق لمنظمة الأمم المتحدة، وغيرهم الكثير. والطريف أن المسؤولين الغربيين تعجبوا من وجود عربية مسلمة بهذه الكفاءة والتحضّر والانفتاح الفكري على الثقافات العالمية.

- استضافتك مصر أخيراً في المؤتمر الدولي بعنوان "مصر تستطيع بالتاء المربوطة" ‏الذي تنظّمه وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين في الخارج بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة، فما هي حيثيات اختيارك وتكريمك في مصر رغم أنك من العقول المهاجرة؟

رغم هجرتي وبقائي في الغُربة حوالى خمسين عاماً، لم أتوقف يوماً عن معايشة هموم الوطن العربي، خاصة ما يتصل بالمرأة العربية، حيث نصّبت نفسي سفيرةً فوق العادة للمرأة؛ بجانب اختياري رئيسةً للجالية المصرية في سويسرا، وحضوري غالبية المؤتمرات العربية والإسلامية ممثلةً للدولة السويسرية، ويكفي أن أذكر أنني شاركت في غالبية المؤتمرات الثلاثين التي نظّمتها وزارة الأوقاف ممثِلةً لسويسرا، وتم تكريمي من مختلف الرؤساء المصريين، فحصلت على وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، ووسام الشرف للعلوم والآداب، وجائزة نادي الروتاري في القاهرة، ونادي روتاري ماريوت الإسكندرية، وجائزة سفيرة الإسلام، وجائزة مؤسسة العدالة والسلام من دبلن، وجائزة مؤتمر فيينا، وغيرها الكثير تقديراً لدوري الدولي في إرساء أُسس التفاهم والحوار بين الحضارات والأديان.


- رغم تشكيك العديد من الرموز الثقافية العربية في حيثيات فوز الأديب العالمي نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الأدب، كنتِ الوحيدة التي توقعت له هذا الفوز قبل أن يحصل على الجائزة بأعوام، فماذا تقولين عن هذا الأديب الفذّ الذي كان محور أطروحتك للدكتوراه في جامعة جنيف "عن تطور المرأة في المجتمع المصري من خلال أدب نجيب محفوظ"؟

أقول للمشكّكين: اتّقوا الله، ولا تظلموا هذا الأديب العالمي الذي يُعدُّ فخراً لكل العرب، فقد تُرجمَت كل أعماله في غالبية الدول، بل ويتم تدريسها في الكثير من جامعات العالم، وعندما اخترته موضوعاً لأطروحتي للدكتوراه، واعترف لي بأن لا صحة لما انتشر عنه من أنه حصل على نوبل لأنه جسّد الذات الإلهية في أعماله، أو لأنه وافق على التطبيع مع إسرائيل، علماً أنه أخبرني أن أول رسالة دكتوراه عنه كانت عبرية في تل أبيب، ورشّح لي بعض الروايات التي أفادتني في دراستي، مثل "زقاق المدق" و"بداية ونهاية" و"ميرامار" وغيرها، ولهذا توقّعت من خلال دراستي لنتاجه الأدبي أنه من أبرز من رشّحتهم لجائزة نوبل، لإبداعه الأدبي قبل كل شيء، ولهذا استضافوني في احتفالية دار الأوبرا بمرور 30 عاماً على منح الروائي الكبير نجيب محفوظ جائزة نوبل في الآداب عام 1988.

- ما سبب اختيارك لأدب نجيب محفوظ دون غيره من الأدباء؟

لأنه الوحيد من الأُدباء العرب المشهورين الذين لم يتأثروا في كتاباتهم بمدارس الأدب الغربي، وكتب كل رواياته الشهيرة عن حارات القاهرة، ولهذا كان أكثر الأدباء صِـدقاً في وصف المجتمع المصري؛ وتبيان المشكلات التي يعاني منها، خاصة قضايا المرأة المصرية التي عبّر عنها بصدق، ولهذا سيظل أدب نجيب محفوظ واقعياً ويكشف حقيقة موقف المجتمع المصري والعربي من المرأة، بما فيها من إيجابيات وسلبيات.

- في عام 1998 كلّفتك اللجنة الأوروبية المشتركة في بروكسل والصندوق الوطني السويسري للبحوث العلمية بإجراء بحث عن أوضاع العرب والمسلمين في سويسرا، ففعلتِ وكانت نتائج الدراسة صادمة لهم، فما السبب؟

أشرفتُ على فريق عمل قام بإجراء مسحٍ شاملٍ ودراسةٍ إنثروبولوجية لأوضاع العرب والمسلمين في سويسرا، وتوصلت الدراسة بالأدلة إلى أن هناك تمييزاً على مستوى قوانين الإقامة ضد الأجانب الوافدين، والقادمين من الدول العربية عامة، ودول شمال إفريقيا خاصة، إلا أنه لم يكن هناك آنذاك أي مظاهر للكراهية ضد العرب والمسلمين، مثلما هو حادث اليوم للأسف الشديد، في ظل انتشار الفوبيا ضد كل ما هو عربي وإسلامي، وترويج الإعلام الغربي للصورة النمطية السلبية عن النساء العربيات والمسلمات، خاصة بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2011، حيث لعب الإعلام دوراً مهماً في تشكيل رأي عام مُـعادٍ لنا ولكل أطفالنا في المدارس، ونسائنا في الشوارع وأماكن العمل، بصرف النظر عن كفاءتهن، لهذا دخلت في سِجالات كثيرة مع وسال الإعلام السويسرية منذ التسعينيات حتى الآن، دفاعاً عن حقوقنا كمواطنين عرب ومسلمين نعيش في مجتمعات غربية، لكن للأسف ما زال الرأي العام محكوماً بعقلية القرون الوسطى عنا.

- يتعجّب البعض من عدم ارتدائك الحجاب إلا في المؤتمرات الإسلامية فقط، فما هو السبب؟

كما يقال "لكل مقام مقال"، وأنا أرى أن الحجاب ليس رُكناً من أركان الإسلام أو شرطاً من شروط الإيمان، ورغم أن القرآن قد نصّ عليه، وإذا كان هناك خلـل في وضع المرأة اليوم، فهو مِـما جناه عليها المجتمع الأبوي والتأويلات الخاطئة للنصوص، وأحترم من يقولون بفرضية الحجاب، لكنني أحترم أيضاً الآراء الأخرى التي ترى أن من لا ترتديه ليست خارجة عن الإسلام، بل إن بعض السافرات يخدمن الإسلام أكثر مما تخدمه المنتقبات، فالإيمان في القلب وليس في المظهر فقط، والله يعلم بالسرائر ويحاسب عليها، وأنا خدمت قضايا العروبة والإسلام بخمس لغات عالمية أجيدها، ولي أكثر من 30 مؤلَّفاً بمختلف اللغات، ودعوت الى تحالف دولي من مختلف ثقافات وحضارات العالم لمواجهة الثقافة الاستهلاكية الأميركية، حتى لا تبتلعنا جميعاً، ولعل خير دليل على ذلك أن الاتحاد الأوروبي يسعى حالياً إلى ترسيخ هوية أوروبية جديدة.