‏NARCISSISM - النرجسية ومخاطرها على الإنسان

21 نوفمبر 2020

تقول الأسطورة اليونانية: "النرجس" صياد شاب ذو جمال استثنائي. ذات يوم يعتدي عليه عدد من الأشخاص، فيتصدّى لهم بقوة. بعدها شعر بالعطش فقصد النهر ليشرب، وبينما كان يروي ظمأه رأى انعكاس وجهه على صفحة المياه، ولكثرة ما أُعجب بملامحه أُصيب بجنون حبّ الذات. ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف أبداً عن التفكير في نفسه، حيث حاول يائساً الاستيلاء على صورته، إلى أن سقط في مياه النهر وغرق.


إذا كانت الصورة الذاتية الجيدة أمراً حيوياً في بناء الذات من الناحية النفسية، وأن تكون في متناول الجميع، فتُسمّى "نرجسية الحياة". أما المبالغة في تقدير قيمة الصورة الذاتية، فتعمي الإنسان وتودي بحياته أحياناً، وتُسمّى "نرجسية الموت". إذا كان الإنسان متصالحاً مع صورته، فيمكنه رؤيتها في كل أنحاء العالم، كأن يستخدم تفكيره وهو يرى المناظر الطبيعية من خلال النافذة. لكن إذا ركّز على رؤية صورته فقط، فينسى العالم من حوله. ومن هنا يمكن القول إن "النرجسي" لا يستطيع أن يحبّ الآخرين لأنه يعتبر نفسه كائن الحبّ الوحيد. لذا تكون إثارة صورته غاية في حد ذاتها.

وعلى الرغم من عدم اكتراثه بالمحيطين به، قد يسعى النرجسي ليكون محبوباً من الآخرين، ويستميلهم كي يعتمدوا عليه. وكل هذا من أجل تعزيز نرجسيته، والتمتع بمزيد من التفكير في إبراز صورته المعكوسة في المرآة للآخرين. وقد يتبع النرجسي أحياناً أساليب الغش، جسدياً ومعنوياً. فمن الناحية الجسدية يُسيء استخدام الجراحة التجميلية ويُهمل العناية بجسمه، أما في الجانب المعنوي فيتمسّك بالمواقف المبنية على الأخلاق العالية، ويُلقي الخطابات الرنّانة، ويتظاهر بالتواضع والإخلاص، في وقت يتعمّد الظهور المتألق في الأماكن العامة.

ونظراً لأن "النرجسي" يستثمر كل شيء في صورته، فهو إذا فقدها خسر كل شيء. لذا فإن الشخص الذي يعشق جماله في المرآة، يمكن أن ينتحر حين يجد أنه لم يعد قادراً على التفكير في نفسه ورؤية صورته في عيون الآخرين.

ولا يشعر النرجسيون العظماء بالحاجة إلى الحب، وبالتالي يعطون انطباعاً عاماً بعدم فقدانهم أي شيء أو أي شخص. إننا نحسدهم على عدم تخليهم، مثلنا، عن الحركة الذاتية الطفولية. فهذا النوع من الاستقلالية النفسية لدى الطفل، بمجرد أن يكون لديه ما يحتاج إليه للشعور بالرضا، يبدو كافياً بحد ذاته. وبعبارة أخرى، الطفل لا يحتاج إلى الحب، فهو يُعطى له من خلال نظرة الوالدين.

لكن هل يساهم مجتمعنا بما فيه من أزمة تعليم واستهتار بالقيم في صنع المزيد من النرجسيين المنحرفين؟ سؤال لا يزال قيد الدرس وينتظر الإجابة الشافية في كل مكان في العالم... خصوصاً في ظل التقنيات الحديثة التي غذّت هذا الخيال: الآخر تحت تصرّفنا بشكل دائم، سواء عبر الهاتف الذكي أو مواقع التواصل الاجتماعي. يمكننا بسهولة حصر العالم في مرآة تعكس الإعجاب، وجعله ديكوراً لصورة شخصية... يمكننا أيضاً أن نحذف وبدون أي خجل الصور المهينة لأولئك الذين استخدمناهم لإرضاء نرجسيتنا المنحرفة.