الانتحار ظاهرة تتفاقم مع الأزمات في المجتمع... وعشرات النجوم ينهون حياتهم

فرح جهمي 02 ديسمبر 2020

ما الذي يدفع البعض ومن بينهم مشاهير إلى الانتحار؟ سؤال يتبادر الى الأذهان في كل مرة ينتشر فيها خبر عن نجم قرر إنهاء حياته بتعاطي جرعة زائدة من المخدرات أو تناول كمية كبيرة من حبوب الأدوية أو إطلاق رصاصة مباشرةً على نفسه... وكلها حالات يرجع سببها عادةً إلى الأزمات والضغوط النفسية التي يمرّ بها هؤلاء. لا يُعدّ الانتحار ظاهرة جديدة في مختلف المجتمعات، إلا أنّ اللافت انتشاره أخيراً بين الناس، حيث أعاد الإعلامي نيشان ديرهاروتيونيان هذا الأمر إلى الواجهة خلال استضافته نجم التوقعات ميشال حايك التوقعات اللبناني ميشال حايك ضمن حلقة تحت عنوان "حوار من نوع آخر"، حين طلب منه الأخير التخلّص من فكرة خطِرة ترتبط بكلمة الانتحار والابتعاد عن حمل السلاح، وذكّر نيشان بمحاولة سابقة للانتحار، ما شكّل صدمة للمشاهدين وعاد السؤال عن الأسباب.


التنمر أحد أبرز أسباب الانتحار

وفي هذا السياق، أوضح مستشار في مكتب للطب النفسي في مارسيليا أن الدلائل العلمية محدودة وغير واضحة حول الأسباب التي تدفع الأشخاص للانتحار، ولكن بشكل عام يرجع علم النفس الانتحار إلى المشاكل النفسية التي تعصف بالناس، حيث تشير الإحصائيات إلى أن 90 في المئة من الذين يحاولون الانتحار يعانون من مشكلة نفسية أو أكثر، ولكن في أغلب الأحيان لا تكون الإصابة قد شُخّصت طبياً لتلقّي العلاج اللازم.

ولفت المستشار إلى أن مكاتب الاستشارات النفسية حول العالم تستقبل العديد من الحالات التي تعاني من الاكتئاب الحاد، المترافق مع تعكّر مزاج المصاب بالاكتئاب وشعوره بالتعب وفقدانه الاهتمام بالأشياء ومع الوقت فقدانه للأمل، وهو أكثر من يحاول الانتحار. وأكد وجود حالات أخرى مثل الهوس الاكتئابي الذي يعاني الشخص المصاب به من تقلّب شديد في المزاج، وواحد من كل ثلاثة مصابين بهذا النوع من الهوس يحاول الانتحار. وهناك أيضاً الفصام، وهو حالة نفسية طويلة المدى، تدفع المريض للهذيان ورؤية أمور غير موجودة في الواقع. وتشير الإحصائيات إلى أن واحداً من كل عشرين مصاباً بالفصام يحاول الانتحار.

وأوضح المستشار أن التنمّر بسبب الشكل الخارجي أو السُّمنة أو فقدان الشهية العصبي من أول الأسباب الحالية لمحاولات الانتحار، خاصة عند الفئات العمرية الصغيرة والمراهقين. وتشير الاحصائيات الى أن واحداً من كل خمسة مراهقين يحاول الانتحار بسبب المضايقات والانتقادات.


معاناة أهل المنتحر

ويركز مركز الاستشارات النفسية عادةً في كل الدول على أهل المنتحر ومعاناتهم والضغوط النفسية التي يتعرضون لها، ويسعى إلى مساعدتهم نفسياً لعدم إلقاء اللوم على أنفسهم وعدم تحميلهم مسؤولية الانتحار. أما الأشخاص المحيطون بالشخص الذي يهدّد بالانتحار، فينصحهم الأطباء بالاستماع له باهتمام وعدم الاستهانة بمشكلته مهما كانت صغيرة في نظرهم، كما ينبغي مراقبته عن قُرب وإبعاده عن أدوات القتل والانتحار، مع ضرورة اللجوء إلى الطبيب النفسي لعلاجه.

حالة انتحار واحدة كل 40 ثانية

وبحسب إحصائيات منظّمة الصحة العالمية، فإن 800 ألف شخص سنوياً يموتون جراء الانتحار، بمعدل حالة واحدة كل 40 ثانية، في حين يجرّب أضعاف هذا العدد إنهاء حياتهم ولا ينجحون بذلك. وأشارت الإحصائيات إلى أن الانتحار ثاني أهم سبب للوفاة بين من تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، وتشهد البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل نسبة 79 في المئة من حالات الانتحار في العالم.

وأشارت دراسات المنظّمة إلى أن أكثر من 78 في المئة من الأشخاص الذين يقدمون على الانتحار في العالم العربي تتراوح أعمارهم بين 17 و40 عاماً، وأكثر من 69 في المئة منهم كانوا يعانون ضغوطاً اقتصادية ومالية صعبة.

كذلك أعدّت المنظمة نموذجاً للحدّ من حالات الانتحار حول العالم من خلال نظام متكامل لجمع البيانات يعمل على تحديد الفئات والأفراد القابلة للتأثر، وتقييد وسائل الانتحار بالحدّ من توافرها بمتناول الجميع بسهولة مثل المخدرات والأسلحة والأدوية، وتقديم خدمات شاملة للأشخاص المعرَّضين للسلوكيات الانتحارية، وتأمين الخدمات للمتضررين، ونشر الوعي من خلال حملات للتوعية بكيفية الوقاية من الانتحار.

أهم أسباب محاولات الانتحار حول العالم

يؤكد مستشار الصحة النفسية والإدمان في منظمة الصحة العالمية أن الحروب الأهلية المنتشرة والضغوط الاقتصادية والأوبئة والأمراض المزمنة تعتبر من أهم أسباب محاولات الانتحار حول العالم، لافتاً إلى أن البعض يلجأ إلى هذا الحلّ كنوع من الاستغاثة طلباً للمساعدة، وهم غالباً لا يريدون أن يموتوا، وإنما يحاولون أن ينبّهوا المحيطين بهم الى أنَّ أمراً خطيراً ما يحدث معهم ويعتقدون بأن جرعة الأدوية لن تقتلهم فعلاً، لكن حساباتهم تكون خاطئة، ما يؤدي إلى نتائج مأسوية.

ولفت المستشار إلى أن قرار الانتحار عند البعض يستند إلى أسبابٍ مختلفة مثل المعاناة من مرضٍ مزمن يتعذّر علاجه، ما يؤدي الى دخولهم في حالة من الاكتئاب، أو الذُهان، فيحاولون تخفيف معاناتهم بالموت.

هذا ويعتقد الكثيرون أن حياة المشاهير أقرب إلى الحياة المثالية والحلم، لكن حالات كثيرة أثبتت عكس ذلك، حيث يعاني العديد منهم، لا سيما بعض الفنانين الذين يتمتعون بقاعدة جماهيرية كبيرة، من شعور العزلة وعدم تقدير الذات والاكتئاب، وقد تصل بهم الحال إلى اتخاذ قرار بوضع حد لحياتهم عن سابق إصرار وتصميم.


وتعتبر يولاندا جيجليوتي، الشهيرة بـ"داليدا"، من أشهر النجمات اللواتي قررن إنهاء حياتهن عام 1987، بعد مرورها بحالة عاطفية غير مستقرة وتبعتها صدمات نفسية عدة صعبة، أوّلها وفاة أول حبيب لها في شبابها، وعكست الأغاني التي قدّمتها قبل وفاتها بسنوات الحالة النفسية السيئة التي مرّت بها، ودخلت بعدها في موجة اكتئاب شديدة، ما دفعها إلى تناول جرعة زائدة من العقاقير أنهت حياتها.

كذلك أنهت أشهر رموز الإغراء في خمسينيات القرن الماضي، عارضة الأزياء والممثلة الأميركية مارلين مونرو حياتها بعدما بدأ نجمها في الخفوت بسبب مهاجمة الصحافة لها، وتدنّي أجرها من المنتجين، مما أوقعها تحت ضغوط نفسية حادة، وصارت تتردّد على الطبيب النفسي، وتتناول عقاقير الاكتئاب، إلى أن وجدتها مدبّرة منزلها ميتة في فراشها عام 1962 ليتبين أنّ سبب الوفاة كان تسمّماً إثر تناول كمية زائدة من الأدوية.

وفاجأ النجم والمخرج الأسترالي هيث ليدجر الجميع بخبر وفاته عام 2008، رغم النجاح الكبير الذي كان يحققه في أدواره السينمائية في هوليوود، وفوزه بجائزة أفضل ممثل وأفضل ممثل دولي من دائرة نقاد السينما في نيويورك، والمعهد السينمائي الأسترالي، وترشّح بعد وفاته لجائزة الأوسكار، وجائزة بافتا. وعُرف ليدجر بأشهر أدواره "الجوكر" في فيلم (The Dark Knight)، لكنه اختار انهاء حياته بتناول كمية كبيرة من العقاقير الطبية.

وفي العام 2014، دفع اليأس بالنجم الكوميدي الأميركي روبن ويليامز إلى الانتحار من خلال قطع شريان يده اليسرى ثم شنق نفسه بحزام، وأكّد مقربون منه أنه كان يعاني من مشاكل مالية ومن الاكتئاب وإدمان الكحول، فضلاً عن معاناته من بداية مرض باركنسون.

كذلك أقدمت الراقصة الشرقية والممثلة اللبنانية داني بسترس في العام 1998 على الانتحار برصاصة في الرأس أُطلقت من بُعد 30 سنتيمتراً، رغم الشهرة الكبيرة التي كانت تتمتع بها حينذاك في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وتوفي الممثل اللبناني إلياس رزق عام 1986 منتحراً برصاصة أطلقها على رأسه، بسبب كثرة المشاكل المادية التي عانى منها.

في المحصّلة، من شأن معرفة الأسباب النفسية التي تدفع الأشخاص ومن ضمنهم المشاهير إلى الانتحار، أن تسهّل مهمة التدخّل لإنقاذ حياتهم وتقليل أعدادهم الضخمة سنوياً، إلى جانب الوعي والدعم الأسري والمؤسّساتي والحكومي الذي يساعد هؤلاء الأشخاص على إعادة التفكير بالانتحار والتراجع عنه في كثير من الأحيان. وكذلك تقع على الصحافيين والإعلاميين مسؤولية كبيرة في كيفية معالجة هذه الظاهرة باعتبار الانتحار فعلاً سيئاً وليس حلّاً لإنهاء الآلام أو للخروج من الأزمات.

الإنتحار بالأرقام

في أحدث تقاريرها عن الانتحار، قالت منظمة الصحة العالمية إن حالات الانتحار في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تصل إلى 79 بالمئة منا حالات الانتحار في العالم. يذكر أن العالم يشهد وفاة 800 ألف شخص سنويا بسبب الانتحار. ويعني هذا الرقم أن شخصا يقدم على الانتحار كل 40 ثانية حول العالم، كما يفوق عدد ضحايا الانتحار كل عام، قتلى الحروب. وأفاد التقرير بأنه في مقابل كل حالة انتحار، هناك الكثير من الأشخاص الذين يحاولون الانتحار كل عام، ولا ينجحون. ويعتبر الانتحار ثاني أهم سبب للوفاة بين من تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما.

القتل العمدي للنفس

تعتمد منظّمة الصحة العالمية تعريفاً ثابتاً للانتحار، وهو أنه "القتل العمدي للنفس". ويبلغ نصيب الدول المنخفضة ومتوسطة الدخل 75 في المئة من حوادث الانتحار على مستوى العالم. ويبلغ عدد الرجال المنتحرين ثلاثة أضعاف النساء المنتحرات في البلدان الأعلى دخلاً، بينما تكون النسبة 1.5 رجل مقابل امرأة واحدة في البلاد المنخفضة ومتوسطة الدخل.