محمد الشيخ سليمان: حب الخيول صفة متوارثة في عائلتي

حوار: جولي صليبا 11 يناير 2021

عشق محمد الشيخ سليمان الفروسية منذ صغره. وفي العام 2016، قرر دخول عالم الخيول العربية وأسّس مربط الخيول الخاص به تحت مسمّى "مربط الشيخ" حيث ترك بصمته في بطولات الخيول العربية في كل أنحاء العالم. ومنذ تأسيسه أصبح هذا المربط معروفاً دولياً وفاز بالعديد من البطولات والمسابقات، أهمها بطولة العالم في باريس على مدار عامين متتاليين. "لها" التقت محمد الشيخ سليمان، بطل العالم الذهبي للخيول العربية الأصيلة، وكان لنا معه هذا الحوار...


- هل تعرّفنا على بداية علاقتك بالخيول والفروسية؟

علاقاتي بالخيول تعود إلى طفولتي إذ أنتمي الى عائلة تعشق الخيول. فمنذ نعومة أظفاري، كان جدّي يربّي الخيول العربية فعشقتها منذ زمن مبكر، وكنت أتوق لزيارة بيت جدّي كي يصطحبني كعادته لإلقاء نظرة على الخيول. لطالما أيقنت أنني سأمتلك يوماً ما فرساً عربية، لكنني لم أكن أتخيّل أنني سأمتلك مربطاً يحوي أكثر من 30 فرساً وخيلاً من خيرة الخيول العربية في العالم.

وعندما بدأ عملي يزدهر، أصبحت فكرة اقتناء خيل عربي من أبرز هواجسي، ولا أنسى يوم اشتريت أول فرس عربية بحيث وقعت في حبّها خلال ثوانٍ قليلة، وكانت "سيرانزا" بطلتي الأولى. فمن أولى سنواتنا لتأسيس المربط في عام 2016، شاركنا في بطولة العالم التي تُقام سنوياً في باريس، وفاقت توقعاتي حين فازت "سيرانزا" بالميدالية الفضية في بطولة العالم عام 2017.

واليوم، يضمّ "مربط الشيخ" أكثر من 30 حصاناً وفرساً، أنتجنا بعضها واقتنينا بعضها الآخر، وها نحن نعمل حثيثاً على برنامج الإنتاج الخاص بـ"مربط الشيخ"، آملين أن نصبح من أكبر المرابط إنتاجاً للأبطال المستقبليين، ومحققين تحسيناً في إنتاج الخيول العربية في العالم.


- ما أهم الجوائز التي حصدتها والبطولات التي شاركت فيها؟

حقق "مربط الشيخ" نجاحاً كبيراً في كل أنحاء الشرق الأوسط والعالم أجمع، وكانت له سيطرة حقيقية وملحوظة في بطولة العالم في باريس بحيث حصد نجاحاً هائلاً في وقت قياسي، وحاز في عام 2017 الميدالية الفضية ممثَّلاً بالفرس "سيرانزا". وفي العام 2018، كان فوز الفحل "إكواتور" ساحقاً حيث حصد الجائزة الذهبية وتُوِّج كبطل للعالم. وفي العام 2019، فازت الفرس "الجمرا" ببطولة العالم وعادت الى المربط بالميدالية الذهبية للسنة الثانية على التوالي، وهذا يُعدّ إنجازاً لم يسبق له مثيل. ولا تغيب عن بالنا طبعاً الجوائز المحلية والعالمية التي نالها المربط، ولا سيما الميداليات الذهبية في مسابقات عالمية مثل بطولة دبي والشارقة وغيرها الكثير من المسابقات العالمية الأخرى.

- لماذا اخترت الفروسية؟ ماذا يميّزها؟ وهل كان لها تأثير في شخصيتك؟

علاقتي بالخيول بدأت في مرحلة مبكرة نسبياً، بحيث أرى أن حب الخيول صفة متوارثة في عائلتي ومتناقلة على مرّ الأجيال. فجدّي اعتنى بالخيول العربية من قبلي، وها أنا اليوم أُكمل المسيرة التي بدأها. وللخيول معزّة خاصة في قلبي، ليس فقط لجمالها أو متعة تربيتها، وإنما لمكانتها المميزة في الدين الإسلامي حيث تُنسب الى أفضل الأنبياء والمرسَلين، الى نبيّنا محمد (صلّى الله عليه وسلّم) أحاديث نبوية عدة يذكر فيها مدى حبّه للخيول العربية وأهمية تربيتها، حيث اعتاد القول إن الخيل في نواصيها الخير والبركة، فأنا أؤمن بأن أحد أسباب مباركة الله في أعمالي وحياتي هو تربيتي للخيول، ففي قول الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) "الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الأَجْرُ وَالمَغْنَمُ"، وها نحن نسعى أن نمشي على ممشاه ونقتدي بهداه.


- أخبرنا عن طبيعة علاقة الفارس بالخيل؟

منذ صغري وأنا أتدرّب على الفروسية وأركب الخيل. وفي فترة لاحقة، تدرّبت على قفز الحواجز والدرساج. وإلى يومنا هذا، كلما شعرت بالضيق أو الحاجة الى تنقية عقلي وتفريغ الطاقات السلبية، أمضي وقتي مع أحصنتي بعيداً من عالم الإنسان وضغوطات الحياة.

علاقة الخيّال بالحصان هي أشبه بعلاقة الأب بابنه، حيث يربي الأب ابنه ويعتني به ويحميه من كل مكروه، فيراه يكبر وينضج على مر السنوات، ويصبح الاثنان مثل روحين في جسد واحد. هذه هي حالي مع حصاني، بحيث أشعر بكل الأحاسيس التي تنتابه، وهو بدوره يستطيع التمييز وفهم لغة جسدي بحيث تصبح مشاعرنا واحدة.

- ماذا عن عروض جمال الخيل؟

جمال الخيل المثالي نأخذه من صفات الخيل في الطبيعة، مثل شكل الجسم وزاوية الأكتاف وشكل الرأس والعينين والقوائم والأنف... وكل مقياس من هذه المقاييس ساعد الحصان في الماضي كي ينجو ويعيش في الطبيعة البرّية.

في حقبة الخمسينيات، تقرّر إقامة مسابقات الجمال للخيل العربي، ويُنظَّم سنوياً الكثير من المسابقات العالمية التي تشترك فيها فقط الخيول من أصل عربي. وتُقام المسابقات الرئيسية في أميركا، وأميركا اللاتينية، وأوروبا والشرق الأوسط. لكن أهم تلك المسابقات، هي التي تُقام كل عام في باريس، وهي بطولة كأس العالم لجمال الخيل العربي، ويشارك فيها متنافسون من كل أنحاء العالم للحصول على لقب بطل العالم في جمال الخيل العربي.


- هل تخبرنا عن مقاييس جمال الخيول؟ وهل ترتبط بالخيل العربي فقط؟

نعم هناك مسابقات جمال لخيول من أصول أخرى غير الخيول العربية. ولتلك الخيول مقاييس جمال تختلف عن مقاييس الخيول العربية. وكما قلت فإن الحصان العربي له جمال مثالي يُقاس بستة مقاييس رئيسية، هي: شكل الجسم (التايب)، الرأس، الرقبة والكتفان، الجسم، القوائم، والحركة.

- لدى الخيول لغة إشارة جسد تحمل معاني مختلفة. كيف تسهّل هذه الإشارات طريقة التعاون بين المبتدئين والخيول؟

لغة جسد الخيول هي اللغة الوحيدة التي تتيح لها التواصل مع البشر، لذا لا يمكن التعامل مع الحصان من دون فهم لغة الجسد التي يتكلم بها، والتي تأتي من تصرفه في الطبيعة مع باقي القطيع. فمن حركات معينة يقوم بها الحصان، نفهم متى يكون مرتاحاً، أو سعيداً، أو واثقاً، أو خائفاً، أو جائعاً، أو عطشاناً. فعندما نرى الحصان يقلب أذنيه إلى الخلف، نفهم أنه غاضب. وحين نرى الأذنين متوجهتين إلى الأمام والرأس في الوسط مع تحريك اللسان على الشفتين، نفهم أنه مرتاح وواثق بخيّاله.

- هل من حقائق مثيرة عن الخيول يمكنك الكشف عنها؟

عالم الخيول كبير جداً وفيه العديد من الحقائق المثيرة. فعلى سبيل المثال، الحصان الأبيض لا يولد أبيض، بل بألوان عدة، ومع مرور الزمن يتغير لونه شيئاً فشيئاً الى أن يصبح أبيض. قد يولد الحصان بألوان عدّة منها الرمادي والبني، ويتغير لونه مع التقدّم في العمر. والحصان الأسود لا يولد أسود، بل باللون الرمادي الممزوج بالفضي.

- ما هو العمر المثالي لتعليم الأطفال الفروسية؟ وهل تحتاج هذه الرياضة إلى لياقة بدنية معينة؟

ركوب الخيل أو حتى الانجذاب إليها لا يمكن تحديده بجيل معين. فحتى الأطفال الصغار يمكنهم ركوب الخيل. وفور تطوير قدرة الطفل على السيطرة على جسده، يصبح قادراً على ركوب الخيل. ننصح عموماً بتعليم الأطفال ركوب الخيل بدءاً من عمر 5 سنوات بحيث يكون الطفل قادراً على السيطرة على جسده وعلى الخيل. ومثلما أوصى سيدنا محمد (صلّى الله عليه وسلّم) بركوب الخيل، يوصي أيضاً العلماء والخبراء النفسيون بهذه الرياضة إذ أثبتت التجارب أن ركوب الخيل لدى الأطفال ينمّي قدراتهم العقلية والقيادية، حيث يجلس الطفل في مكان مرتفع نسبياً متحكّماً بكائن كبير وضخم، مما يعزّز ثقته بنفسه ويقوّي شخصيته وبنيته بشكل ملحوظ.

والجميل في ركوب الخيل أن هذه الرياضة لا تميّز بين غني وفقير، امرأة ورجل، ولا حتى بين عربي وأجنبي. فالحصان يتقبّل فارسه من دون أي اعتبار للطبقة الاجتماعية أو الاقتصادية التي ينتمي إليها.


- كيف أنشأت أول مرابط خيلك؟

تأسّس "مربط الشيخ" عام 2016. لم يستغرق هذا المربط وقتاً طويلاً للوصول إلى المسرح الدولي والاعتراف به كواحد من الأكثر نجاحاً وسرعةَ نموٍ في العالم، حيث فاز ببطولة العالم في باريس وأوروبا.

حقق "مربط الشيخ" للخيول نجاحاً كبيراً في كل أنحاء الشرق الأوسط، لكن في باريس ذاع صيته وبات اسم المربط مشهوراً في كل أنحاء العالم. سجّل المربط تطوراً ملحوظاً، حيث فاز بالكأس الفضية في عامه الأول، وفاز أخيراً ببطولة العالم للخيل العربية في عامَي 2018 و 2019. وبفضل تفاني الفريق وشغفه بسُلالة الخيول العربية، أصبح "مربط الشيخ" معترفاً به دولياً، ويتمتع بنجاح عالمي.

ومنذ تأسيس المربط، ركزت أنا وفريقي على تحسينه وتطويره حتى يصبح معترفاً به دولياً. سافرنا إلى كل دول العالم للبحث عن المهرات والمهور ذات الجودة العالية للاكتساب والمشاركة في فريق "مربط الشيخ". في بعض الأحيان، كان علينا تحمّل رحلة طيران مدتها 20 ساعة لمجرد الذهاب لرؤية حصان، والعودة في اليوم التالي.

والتوجيهات والقرارات الصحيحة التي اتخذناها، دفعت آل الشيخ إلى حصد الألقاب وجعل اسم المربط على رأس القوائم في فترة زمنية قصيرة جداً. لقد فزنا بلقبين لبطولة العالم ولقب عالمي احتياطي واحد، ونخطّط حالياً للتنافس على أعلى الجوائز في بطولة العالم لهذا العام أيضاً. هدفنا ليس فقط جمع ألقاب "مربط الشيخ"، وإنما أيضاً صنع إرث يدوم لسنوات حيث يمكن المربط أن يترك بصماته في كتب تاريخ سلالة الخيول العربية.

- ماذا عن تجربتك في إدارة الأعمال أولاً؟ وكيف تنظّم وقتك بينها وبين مربط الخيول؟

في طفولتي، كنت مهووساً بالعمل التجاري، وأردت دائماً أن أبدأ عملاً خاصاً بي، خصوصاً في تلك الأيام حيث لم يكن البيع والتداول عبر الإنترنت أمراً شائعاً. بدأت في شراء مختلف الأشياء من eBay لأبيعها لجيراني. وهكذا اعتدت أن أجني مصروف الجيب الخاص بي. عندما التحقت بالمدرسة الثانوية ودير الفرنسيسكان في الناصرة، تفوّقت في الدراسة وفزت بجوائز في الرياضيات وكنت طالباً ممتازاً.

درست إدارة الأعمال في الجامعة، ولكن كان يسكنني شغفٌ بإطلاق مشروع خاص بي. هكذا، قررت العمل في أحد المشاريع التجارية، وبعد ثلاث سنوات من العمل الشاق تمكنت من الانتقال إلى مجال العقارات. ومع الوقت، امتلكت بالفعل شركة عقارات وفنادق ومربط خيول تنضوي كلها تحت اسم "مجموعة الشيخ".

- كيف تساهم في تطوير رياضة الفروسية وتعزيزها في المجتمع الإماراتي؟

المجتمع الإماراتي محب للخيول بعامة والعربية بخاصة، وللإمارات دور مهم في معظم مسابقات الخيول العالمية. ونأمل بدورنا أن يحفّز ما يحققه "مربط الشيخ" من إنجازات وإنتاجات الجيل الشاب على الانضمام الى هذه الرياضة والمساعدة في تطويرها وتعزيزها لدى الشعب الإماراتي. وأودّ الإشارة هنا إلى التعاون بين ولي العهد الشيخ عمّار بن حميد النعيمي و"مربط الشيخ"، الذي فاز في مزاد "مربط الشيخ" العلني الخيري خلال شرائه لمهر غير مولود من بطلة العالم "الجمرا" الملقّحة من الفحل "شانجاهاي إي إيه". تم التبرّع بكامل مبلغ المزاد العلني الخيري لمنظمة "اليونيسيف" لدعم وإنقاذ أطفال لبنان. فنحن نزرع بذور الخير على أمل أن تنبت جيلاً مُلهماً بهذه الرياضة، وإظهار ما قد تحققه هذه الرياضة من أهداف سامية.


- هل ترى نفسك ملهماً للشباب العربي العاشق للخيول؟

في كل مسابقة يشارك فيها "مربط الشيخ"، أُفاجأ بعدد الشباب الملهمين الذين يحضرون المسابقة لكي يكونوا جزءاً من إنجازات "مربط الشيخ" ويشعرون بانتمائهم إليه. فعدد الشباب الحاضرين في صالات العرض يتضاعف في كل مرة عنه في سابقتها، وهذا الأمر يسعدني كثيراً.

وبعد كل فوز أو إنجاز، تصلني رسائل التقدير من كل أنحاء العالم العربي، والتي يعبّر أصحابها عن امتنانهم لجهود "مربط الشيخ"، ففي كلماتهم نبرة اعتزاز بمربط عربي يحصد المرتبة الأولى في معظم المسابقات التي يشارك فيها، وتحديداً في بطولة العالم المُقامة في باريس. فهذا الأمر يُلهم الكثير من الشباب ومربّي الخيول وأصحاب المرابط الصغيرة لرفع سقف طموحهم والسعي للوصول الى العالمية، مما يسعدني ويجعلني راضياً عن نشر بذور الإلهام لهذه الرياضة والإنجازات التي استطعنا تحقيقها في وقت قصير نسبياً.

- ما هي خططك وطموحاتك المستقبلية؟

إنجازات "مربط الشيخ" الكثيرة على المستويين المحلي والعالمي، رفعت سقف طموحاتي وخططي المستقبلية. ففي السنتين الأخيرتين، حاز المربط العديد من الجوائز العالمية، وأهمها بطولة العالم لجمال الخيل العربي في سنتين متتاليتين. كما بدأ المربط في السنتين الأخيرتين ببرنامج إنتاجي على أمل أن ينتج أفضل وأجمل الخيول العربية التي يمكن أن تفرض مكانتها وإنجازاتها في مجال الخيول العربية حول العالم يوماً ما. وها نحن اليوم نترقب ظهور المهر "شريف الشيخ" والمهرة "بهية الشيخ"، وهما من إنتاجات "مربط الشيخ"، واللذين سنستطيع مشاهدتهما لأول مرة في صالات العرض عام ٢٠٢١، كما نركّز جهودنا في تكثيف برنامج الإنتاج الخاص بـ"مربط الشيخ"، آملين أن نصنع أبطالاً مستقبليين، من إنتاج هذا المربط الخاص .