جوليان معلوف: المخرج يصنع المشهد مثلما يراه لا كما يتوقعه الناس

حوار: جولي صليبا 07 أبريل 2021

جوليان معلوف هو مخرج لبناني موهوب بدأ مسيرته المهنية بالمسلسل الكوميدي"C.I.A."  حيث تولّى إخراج 80 حلقة منه. وبعد خوضه غمار الإخراج التلفزيوني في عدد من المحطات العربية، انتقل إلى إخراج مسلسلات الدراما. تعاون مع شركة الإنتاجM&M Pro ، وأخرج أكثر من 160 حلقة لمسلسلات تلفزيونية مثل "مش أنا" و"الحب الحقيقي" و"بالقلب"، وكلها حصدت نجاحاً جماهيرياً كبيراً.  يُبدع جوليان معلوف حالياً في إخراج مسلسل "خرزة زرقا" الذي يُعرض على محطة OSN، ويتعاون فيه مع "صباح ميديا ​​برودكشن"، إحدى أكبر شركات الإنتاج في الشرق الأوسط. يقول جوليان إنه يعتبر نفسه محظوظاً لامتلاك هذا الشغف في صناعة الأفلام. في هذا الحوار، يتحدث جوليان عن وضع الدراما في الوطن العربي، والتنافس الحاصل بين النجوم وكتّاب السيناريو، ويفشي بعض الأسرار عن حياته الشخصية.


- عملك الجديد "خرزة زرقا" لافت جداً وقد تعاملت فيه مع نجوم كبار، أمثال كارمن لبّس وفادي إبراهيم ومعتصم النهّار على سبيل المثال لا الحصر. أخبرنا عن كواليس هذا العمل.

يعرف جميع العاملين في قطاع التلفزيون والسينما أن كواليس التصوير تكون عادة صعبة وتتطلّب مجهوداً كبيراً. ويزداد الوضع صعوبةً في ظل جائحة كورونا التي نعيشها والتي أثرت سلباً في كل تفاصيل حياتنا. لذا، كانت كواليس تصوير مسلسل "خرزة زرقا" الأصعب على الإطلاق، لأن أجواء كورونا خيّمت على الممثلين، ومكان التصوير، وفريق العمل، والأجواء بعامة. إلا أن كل هذا التأثير السلبي لجائحة كورونا لم يفسد علينا عملنا، ونجحنا بعون الله في التصوير طوال 120 يوماً من دون أية مشاكل. وأعتقد أن هذا إنجاز بحد ذاته، لأن أهم عنصر لنجاح العمل هو شعور فريقه بالارتياح والأمان، مما يفضي حتماً إلى عمل رائع يعشقه الجمهور.

- هل من الأسهل إدارة نجوم كبار أم ممثلين مبتدئين؟

أعتقد أن التعامل مع النجوم الكبار والممثلين المبتدئين صعب على حد سواء. إلا أن التوجيهات وطريقة التعامل هي التي تختلف. فالنجوم الكبار أصحاب خبرة طويلة وتقنية عالية، ويستطيعون أداء الدور بشكل صحيح ومُقنع. أما الممثلون المبتدئون فيحتاجون إلى توجيهات المخرج لتقمّص الشخصية وجعلها حقيقية من خلال التصرفات، حركات الجسم، وطريقة الكلام. هؤلاء الممثلون المبتدئون يضيفون الكثير من الحيوية إلى العمل.


- ما الخبرة التي خرجت بها من هذا العمل؟

أستطيع القول إنني تعلّمت شيئاً جديداً في كل يوم تصوير في مسلسل "خرزة زرقا". أكسبني هذا المسلسل خبرة كبيرة، وعلّمني كيف أعطي أفضل ما عندي في أقصر وقت. ففي بعض الأحيان، كنا نضطر إلى تصوير مشهد رئيس Master Scene خلال نصف ساعة فقط، وعلينا بالتالي بذل كل جهودنا لإنجاز مشهد مثالي وإيصال كل الأحاسيس الصادقة خلال هذا الوقت المحدّد. حاولت أيضاً تغيير طابع المسلسل التلفزيوني الطويل Soap Opera في هذا العمل وتقديمه بنمط مختلف، وأعتقد أن النتيجة جاءت مُرضية فعلاً.

- هل أنتَ من المخرجين المتطلّبين أم المتساهلين في أعمالهم؟

أنا من المخرجين الواضحين. أشرح منذ البداية النتيجة التي أريدها وأضع إطاراً للشخصيات، وأباشر العمل على هذا الأساس. لذا، تجدونني في بعض الأحيان متطلّباً جداً، وإنما يكون ذلك لمصلحة العمل. وفي أحيان أخرى، أتساهل بعض الشيء، لتأتي النتيجة في مصلحة العمل أيضاً.

- من ينافسك اليوم على ساحة الدراما؟

أنافس حالي، وأعيش هذا الصراع كل يوم مع نفسي. أتساءل عن السبل لتطوير أدائي بهدف تقديم الأفضل دائماً. ما من منافسة بين المخرجين، وإنما رؤية خاصة بكل مخرج. ولذلك سأذكر اسم شخص يعجبني كثيراً عمله في الإخراج، وهو المخرج رامي حنا، فأنا أحب عمله كثيراً والمنطق الذي يعتمده في معالجة القصة.

- من هو المخرج الذي يُلهمك؟

المخرج الأميركي كوينتن جيروم تارانتينو Quentin Tarantino من دون أي شك. أحب عمله كثيراً، ومبدأه الذي يقول إن المخرج يصنع المشهد مثلما يراه شخصياً، لا كما يتوقعه الناس. فمن الجميل أن يقدّم المخرج دوماً شيئاً جديداً وفق نظرته هو.

- قدّم فيليب أسمر أعمالاً لاقت نجاحاً على الساحة العربية. ما رأيك في أسلوبه؟

بصراحة، لا أتابع كثيراً المسلسلات العربية، ولذلك لا أريد أن أظلم أحداً. لكنني أجد أعمال فيليب أسمر جميلة جداً ومختلفة عن غيرها، خصوصاً أنه يضفي عليها دائماً نكهة مميزة ويجتهد كثيراً في عمله. ولذلك تُرفع له القبّعة.


- مع أي شركة إنتاج أحببت العمل أكثر؟

أحببت العمل مع كل شركات الإنتاج التي تعاونت معها، بدايةً من مارك قديح وبرنامج CIA على قناة MTV اللبنانية وصولاً إلى M&M G8 وشركة "الصبّاح" أخيراً. المهم بالنسبة إلى المخرج أن يشعر بالارتياح مع شركة الإنتاج التي يتعاون معها حتى يتمكّن من اختيار ما يناسب الصورة التي يضعها.

- من هي شركة الإنتاج التي أطلقت موهبة جوليان معلوف؟

بدأت العمل في عمر 17 عاماً مع شركة M&M production للمخرج ميلاد أبي رعد والمنتجة ماي أبي رعد، وتعلّمت تقنيات المونتاج ورحت أطوّر مهاراتي شيئاً فشيئاً.

إلا أن أول عمل من إخراجي كان مع المخرج مارك قديح الذي دعم موهبتي وعلّمني الأمور المهنية بالطريقة الصحيحة، وكان عمري آنذاك 23 عاماً. أستطيع القول إن مارك قديح هو مرشدي.

- هل شركات الإنتاج تعطي فرصاً للوجوه الجديدة؟

بالتأكيد. والدليل على ذلك أن وجوهاً جديدة تشارك في كل المسلسلات التي يتم إنتاجها حالياً. لكنني أودّ الإشارة إلى أن الكثير من الأشخاص يحصلون على فرصة المشاركة للمرة الأولى في مسلسل أو فيلم، لكن الأهم هو الاستمرارية والحفاظ على المكانة في المجال السينمائي أو التلفزيوني. يُفترض بأي شخص أن يطوّر نفسه ويحرص على الاستمرار مهما كان مجال العمل الذي يخوضه، لأن لذّة العمل تكبُر مع الشخص، وتتطوّر مع تطوّره.

- نلاحظ أن شركات الإنتاج تتعامل مع الأسماء نفسها. لماذا برأيك؟ وهل هذا يقلّل من الفرص التي ستُعطى للمواهب الشابة؟

صحيح أن بعض شركات الإنتاح تتعامل مع الأسماء نفسها على الدوام، لكن ذلك يُعزى إلى النجاح الكبير الذي حققته هذه الأسماء وساهم طبعاً في نجاح المضمون. إلا أن هذا لا يقلّل أبداً من فرص المواهب الجديدة، لأن كل موهبة ستحظى حتماً بالفرصة التي تناسبها وتستحقها. المهم هو العمل على تطوير الذات والمهارات، وعدم التراخي والتكاسل، علماً أن الكسل موجود بكثرة لسوء الحظ في هذه الأيام.

- تعاونت مع كتّاب سيناريو كثر. مع من ارتحت في العمل أكثر؟

سؤال صعب بعض الشيء، لأن نوع النص يختلف مع كل كاتب من كتّاب السيناريو. لكن إذا كان لا بد من ذكر أسماء، أختار حتماً مارك قديح وطارق سويد. لكن أودّ الإشارة إلى أنني لم أجد بعدُ النص الذي يعبّر عن أفكاري وما أريد إيصاله للجمهور.

- أبدعت في إخراج مسلسلات كثيرة، منها "الحب الحقيقي"، "مش أنا"، "بالقلب"، والآن "خرزة زرقا"... أي مسلسل هو الأحبّ إلى قلبك؟

في مسلسلَيّ "بالقلب" و"خرزة زرقاء"، كان ممتعاً فعلاً تطوّر الشخصيات ومشاكلها وعقدها من أماكن التصوير التي جرى اختيارها. وهذا الأمر ممتع جداً.

- هل تقتصر مهمة المخرج على إدارة الممثلين فقط أم أنه يتدخل في تفاصيل أخرى؟

المخرج هو قائد الأوركسترا، يتدخّل في كل التفاصيل، ويختار كيف يكون شكل الممثلين، وشكل البيت الذي يليق بكل شخصية، وتصاميم الملابس وألوانها... وحتى الطعام الذي يتم تقديمه على الطاولة... ففي النهاية، مسؤولية العمل تقع عليه، ويجدر به إنجاز عمل جيد بطريقة احترافية وضمن الوقت المحدّد.

- من هو برأيك أفضل ممثل شاب في الوقت الراهن؟ وأفضل ممثلة؟

كل ممثل يعمل على تطوير أدائه في كل دور يلعبه، سواء كان هذا الدور كبيراً أو صغيراً، هو ممثل ناجح في الوقت الحاضر.

- ما هو المسلسل الذي أخرجته وتتمنّى أن تعيد إخراجه كي تغير في أسلوبك؟

جوابي هو مسلسل "مش أنا". فقد كان هذا أول مسلسل من إخراجي، ولو أُتيحت لي الآن فرصة إخراجه من جديد، لنفّذته بطريقة أكثر نضوجاً، علماً أن المسلسل لاقى نجاحاً كبيراً أثناء عرضه.

- عشتَ تجربة أليمة مع موت أخيك في سنّ مبكرة. كيف أثر فيك هذا الحدث؟

أنا شخصياً متصالح جداً مع فكرة الموت، ووجودها أساسي في الحياة. علينا أن نتقبّل واقع خسارة الأشخاص الذين نحبّهم. وأشعر أنه أصبح لديّ الآن ملاك في السماء يساعدني أكثر مما لو كان على الأرض. فهو الآن يملك قوة خارقة!

- هل يسرقك العمل من حياتك الشخصية؟

الإخراج هو أسلوب حياة بالنسبة إليّ. لذا، ترونني دائماً أحضّر وأتعلّم وأفتّش عن نصوص جديدة. أعمل ليلاً ونهاراً طوال أيام الأسبوع، حتى عندما أخرج مع أصدقائي. الإخراج مهنة لا تعرف الملل أبداً.

- هل يمكن أن تختار زوجتك من الوسط الفني؟ أم تفضّلها من خارجه؟

لا مشكلة في أن تكون من الوسط الفني طالما هي إنسانة مستقلّة وجميلة وذكية وتعرف تماماً ما الذي تريده.


- مأساة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس... كيف أثرت فيك؟ وهل أوحت لك بعمل يخلّد ذكرى شهداء هذا الانفجار؟

أثرت فيّ هذه الفاجعة كثيراً، وأكدت لي أننا في لبنان لا نعيش أبداً في أمان، ويمكن أن نموت في أية لحظة وتنتهي كل أحلامنا. أعتقد أن انفجار الرابع من آب/أغسطس أوحى لجميع الفنانين، لأن ما حدث هو تراجيديا بحدّ ذاته، ولا يمكن أن يحصل إلا في الأفلام. أعمل حالياً على فيلم قصير (Short Movie) يخصّ الانفجار وسأقدّمه لروح الضحايا الذين هم على قيد الحياة الآن، أي الشعب اللبناني.

- ما هي مشاريعك المستقبلية؟

لا يمكن طرح السؤال على مخرج يعمل في لبنان وسط هذه الأجواء السوداوية. ولكنني أحضّر لفيلم قصير وأنتظر أعمالاً جديدة فيها تحديات إضافية.

- كلمة أخيرة لقرّاء "لها"...

لا تستسلموا لليأس، واجعلوا المحبّة أولوية دائمة في عملكم، أياً كان. اعشقوا المهنة التي تمارسونها، وآمنوا بقدراتكم، ولا تسمحوا للظروف بأن تؤثر سلباً فيكم. فالظروف السلبية يمكن أن تكون فرصة لتحسين الذات وتطويرها. لا تصغوا إلى تعليقات الآخرين، وكونوا مثلما تريدون أنتم، بحيث تشعرون بالرضى عن أنفسكم. وفي النهاية، شكراً من القلب على هذه المقابلة...