المتحدّثة الإقليمية باسم اللّجنة الدولية للصليب الأحمر إيمان الطرابلسي: ما تعانيه المرأة خلال الحروب والنزاعات لا يمكن وصفه

فرح جهمي - فرنسا 28 مايو 2022

بينما يعيش العالم في نزاعات وحروب متنقلة لأسباب عدة، تؤكد أرقام الأمم المتحدة أن هناك أكثر من 135 مليون شخص بحاجة إلى نوع من المساعدات الإنسانية، و93 مليوناً بحاجة طارئة الى تلك المساعدات، وهو ما يستوجب الاستعانة بمنظمات المجتمع المدني والمؤسّسات المحايدة والمستقلة التي تتشكّل وتكون مهمتها الأساس إنسانية كحماية ضحايا الحروب والعنف وتقديم العون لهم. وهذا ما تقوم به المنظمة الأشهَر عالمياً في مجال العمل الإنساني والمتمثلة باللجنة الدولية للصليب الأحمر ICRC، بحيث تقدّم المعونة الى المحتاجين في مختلف مناطق النزاعات من خلال فريق عمل يضمّ مجموعة من الاختصاصات والمختصين والوظائف الفاعلة والمترابطة.


تعمل التونسية إيمان الطرابلسي في مجال الاتصال الإنساني، وهي المتحدّثة الإقليمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الشرقَين الأوسط والأدني، وتغطي بعملها 9 دول في العالم، من بينها دول في المنطقة العربية تعيش نزاعات كبيرة كفلسطين المحتلّة، ليبيا، اليمن، سوريا ولبنان. علماً أن لجنة الصليب الأحمر تتواجد في العديد من الدول العربية مثل مصر والأردن، وأيضاً في دول الخليج العربي مثل الكويت وقطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، وصولاً إلى إيران.

- ما هي طبيعة عملك في الصليب الأحمر الدولي؟ وكيف دخلتِ إلى هذا المجال؟

في البداية، أنا خرّيجة اتصال وصحافة وأعمل في مجال الاتصال المؤسّساتي منذ حوالى 10 سنوات، ولكن قبل ذلك عملت في مجال الصحافة في مؤسسات إعلامية تونسية وإقليمية وانتقلت بعدها للعمل في مجال الاتصال المنظّماتي، بحيث انضممت الى مركز المرأة العربية وكنت المسؤولة عن الاتصال الرقمي فيه واكتسبت حينها خبرة التواصل والاتصال من منظور حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ومن هنا بدأ اهتمامي بالعمل في مجال الاتصال الحكومي من خلال الالتحاق بفريق السفارة البريطانية في تونس، واستمررت بالعمل في هذا المجال الى حين تعرّض فندق في منطقة سوسة التونسية لهجوم مسلّح في العام 2015 راح ضحيته عشرات السيّاح، وكان معظمهم من البريطانيين. وخلال متابعتي وتغطيتي للحدث وما رأيته من مشاهد مؤثّرة للضحايا والجرحى وعائلاتهم، وجدتُ نفسي أقرب الى المجال الإنساني من ذاك الحكومي أو المؤسّساتي. وبالفعل سعيت جاهدةً لدخول هذا المجال لاستغلّ قدراتي كاختصاصية اتصالات لمساعدة المحتاجين، فانضممت آخر العام 2017 إلى فريق "أطباء بلا حدود" وانتقلت للعمل معهم في شمال شرقي سوريا ومنها إلى العراق. وفي العام 2019 عملت مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في كردستان العراق وكنت مسؤولة عن عمليات الاتصال. وبدأت بعدها العمل مع اللجنة الدولية للصليب الاحمر icrc، وهو حلم يراود كل مَن يعمل في المجال الإنساني، نظراً لأهمية اللجنة ومكانتها ميدانياً وللبُعد المادي على الارض.


- ما المَشاهد التي أثّرت فيكِ خلال عملك الميداني في دولٍ تشهد حروباً؟

هناك الكثير من المشاهد التي تأثّرت بها خلال عملي. وتجلّى هذا الأمر مع بدء عملي مع منظمة "أطباء بلا حدود" في سوريا، حيث كانت هذه أول مهمة إنسانية لي في مناطق نزاع، ولم أكن حينها أمتلك الخبرة الكافية حول المعنى الحقيقي للحرب فتأثّرت كثيراً. ففي عام 2018، انضممتُ الى المنظّمة، وعملت في المستشفى الميداني الوحيد في المنطقة التي تشمل القامشلي وعين العرب "كوباني" وتل أبيض والرقّة، وكنت أرى السكان المتأثّرين بما يُسمى "تنظيم الدولة الاسلامية"، رغم أن هذا التنظيم كان قد اندحر في تلك الفترة ولم يعُد يسيطر على المنطقة، ولكن مشهد الدمار الشامل فيها كان مُرعباً، كذلك مشهد الناس العاجزين عن الهرب إلى المخيمات المجاورة، وغير القادرين على إعادة ترميم بيوتهم المدمّرة، واضطرارهم للعيش بين الأنقاض في مشاهد مأسوية لا تُنسى. كما تأثّرت خلال عملي في المستشفى الميداني برؤية المصابين والجرحى بشكل يومي نتيجة العبوات الناسفة وبقايا الألغام والقنابل الموجودة بين الأنقاض، وخصوصاً منهم الأطفال الذين أُصيبوا بجروح بليغة أو بُترت أطرافهم وتأثير ذلك في نفسيتهم ونمط حياتهم... مشاهد لن أنساها وستبقى محفورة في ذاكرتي.

- ما هي التحدّيات والمخاطر التي تواجه المرأة العاملة في المجال الإنساني؟

من البديهي أن يكون العمل في مناطق النزاع مختلفاً تماماً عن طبيعة أي عمل آخر بغض النظر عن نوع هذا العمل، وبالتالي أنا موجودة في المجال الإنساني كخبيرة اتصال، ولكن الصعوبات التي أواجهها هي نفسها التي يواجهها من يعمل ممرضاً أو متخصّصاً لوجستياً أو رئيس بعثة... إن حجم التعرّض للخطر يكون كبيراً بالنسبة إلى العاملين في المجال الإنساني، إذ يعيشون في مناطق ساخنة يكون العنف فيها متبادَلاً، والجميع يصبح عُرضةً للاستهداف والإصابة في أي وقت. وبالفعل لدينا الكثير من الزملاء في الصليب الأحمر الدولي قد تعرضوا إلى الاستهداف من بينهم من عطب او اصيب باعاقات أو لقيَ حتفه، أو اختُطف. مخاطر العمل في المجال الإنساني موجودة دائماً، ومَن يرغب الانخراط فيه، سواء كان رجلاً أو امرأة، عليه أن يعرف مُسبقاً أنه لن يكون في مكان عمل عادي، ولذلك فإن عملية انتقاء الموظفين للعمل في هذا المجال تكون دقيقة جداً، بحيث تتضمن شروطاً لعل أبرزها أن يتمتع الشخص بمواصفات صحية مناسبة للعمل الميداني اي ما يقلل احتياجاته الطبية الخاصة، لا سيما خلال الحالات القصوى او خلال العمل في مناطق يكون الاجلاء منها معقدا.

- بعيداً من الصعوبات التي تحدّثنا عنها، ما هو البُعد الإيجابي للعمل في مناطق الخطر؟

صحيح أننا نعاني الكثير من الصعوبات في مناطق النزاع، حيث نبقى لفترة طويلة في مكان خالٍ من الأمن والأمان بسبب الحرب الدائرة ولا تصلنا أي موارد، ولكن في المقابل هناك بُعد ايجابي يؤثر فينا ويعلّمنا الكثير كعاملين في المجال الإنساني، ويتمثل ذلك برؤيتنا لمدى صمود الناس وقدرتهم على التكيّف مع ما يتعرّضون له من أذى، والتعايش مع ظروف الحرب الصعبة ومخلّفاتها. وفي هذا السياق، أتذكر صمود الناس في العام 2019 بإقليم سنجار في العراق وإصرارهم على البقاء في أرضهم، وخاصة الأيزيديين منهم الذين أُجبروا على التأقلم مع الوضع الصعب بسبب هيمنة ما يُسمى بـ "تنظيم الدولة الإسلامية" وسيطرته على المنطقة، حيث تعرّضت الكثير من الأيزيديات للخطف والاغتصاب، ولا تزال الكثيرات منهن مفقودات وتنتظر عائلاتهن سماع أخبار عنهن. ورغم كل ذلك، يحاول الأيزيديون حماية النساء كي لا يتم إقصاؤهن عن المجتمع، ويبرز ذلك بوضوح من خلال يافطات معلّقة في شوارع مدينة سنوني في سنجار تقول بأن "المختطفات بطلات". وهو ما رأيته أيضاً في مدينة الموصل القديمة، والمدمّرة بالكامل، ولكن ما يبعث الأمل فيّ هو مشهد الأطفال الذين يلعبون بين أنقاض المنازل، ورغم أن لا مدارس لديهم أو موارد كافية من طعام وشراب وثياب وألعاب، فهم جميعاً ينظرون الى المستقبل بإيجابية، ويكشفون عن رغبتهم بأن يصبحوا أطباء ومهندسين، وتطمح غالبيتهم لمساعدة الناس. وهذه رسالة أمل لنا بأن الغد أفضل.

- في مناطق النزاع، هل من إجراءات خاصة تُفرض لحماية المرأة العاملة في الصليب الأحمر؟

كونك امرأة تعملين في مجال إنساني، لا يعني أن هناك تمييزاً من الجهة المنظِّمة، بل مساواة بين جميع العاملين، ولكن طبيعة العمل في مناطق معينة تدفع النساء إلى اتخاذ المزيد من الاحتياطات كي يتماشين مع القواعد الاجتماعية السائدة فيها. مثلاً، إذا كنتِ تعملين في منطقة محافِظة يرتدي أغلب نسائها الحجاب أو اللباس المحتشم، عليكِ اختيار الملابس المحتشمة وطريقة الكلام المناسبة كي تتماشي مع التقاليد والعادات السائدة في تلك المنطقة، وبالتالي تلقين القبول من المجتمع المحلي، لأنه الشيء الوحيد الذي يحميكِ ويسمح لك بالقيام بعملك على أكمل وجه.

- كيف تصفين ما تعانيه المرأة خلال النزاعات؟

في المجمل، تعتبر الفتيات والنساء من أكثر الفئات هشاشةً خلال النزاعات، ومهما سُلّط الضوء على هذا الأمر لا يمكن التأكد من الحجم الحقيقي لمعاناتهنّ خلال الحروب. ذلك أن النساء من مختلف الأعمار يتعرّضن للكثير من التأثيرات السلبية خلال الحروب، وهنّ أكثر فئة يمارَس عليها العنف المبني على النوع الاجتماعي، مما يؤثّر في أمنهن الاقتصادي إذ يفقدن القدرة على الوصول إلى مورد رزق كافٍ. كما تتأثر النساء سلباً حين تكون الخدمات الصحية محدودة جداً، وهو ما يشكّل خطراً إضافياً على حياتهن. وتشير الأرقام الأممية الى أن 60 في المئة من حالات الوفاة خلال الولادة تُسجّل في فترة النزاعات، حيث تلد النساء في أماكن غير مهيّأة طبياً، ولا تكون الولادة تحت إشراف أطباء متخصصين في مجال رعاية صحة الأم والطفل.

كذلك تعاني النساء في مناطق النزاعات من العنف الجسدي والجنسي، الذي هو انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني. وهذا العنف لا يكون معزولاً بل متصلاً بأمور أخرى كالتعذيب والقتل وتجنيد الأطفال. والخطير في الأمر، أنه رغم وجود ضوابط وقانون للحدّ من هذه الانتهاكات، فلا شيء يحول دون الاستمرار بممارسة العنف الجنسي خلال الحروب في مختلف دول العالم. ومن المهم أيضاً الإشارة إلى أنه خلال الحروب والأزمات في العالم عموماً وفي منطقتنا العربية خصوصاً، يتم إقصاء المرأة من عمليات اتخاذ القرار، وتُحرم من المشاركة في الحلول والوصول إلى استراتيجية لإعادة البناء، كما لا يُحتسب رأيها أو وجهة نظرها خلال طرح أي رؤية استشرافية لما بعد النزاع.

- ما هي المعتقدات الخاطئة السائدة بين الناس عن العمل الإنساني؟

قد يرى البعض أن العاملين في المجال الإنساني متعجرفون أو مثاليون ويعرّضون أنفسهم للخطر في أماكن النزاع بلا أي سبب. ويعتقد كثرٌ بأن جميع العاملين في المجال الإنساني يتواجدون على جبهات النزاع وفي الميدان فقط ليوزّعوا الطعام والشراب ويقدّموا المساعدات الطبية لإغاثة الناس، لكن هذا الاعتقاد خاطئ، لأن العمل الإنساني ليس تطوّعاً، بل هو عمل مُحدّد بعقد وساعات عمل وراتب شهري وتحكمه قواعد تنظيمية، وفيه رئيس وفريق عمل، ويتم تقسيم العاملين وتوزيع المهام بحسب الحاجة ومجال الاختصاص، وبالتالي يقوم كل شخص بالعمل الموكل إليه.

- ما هي نصائحك لكل شابة ترغب بالعمل في المجال الانساني؟

طالما أن جزءاً كبيراً من النزاعات تحدث في العالم العربي، فعلى الشابات العربيات الراغبات بالانضمام الى المجال الإنساني معرفة أن الأمر سيكون أسهل عليهن من نظيراتهنّ القادمات من دول أجنبية، لأنّ لديهنّ اطّلاعاً مسبقاً على خصائص تلك المناطق الاجتماعية والثقافية، ولن يعانين من اختلاف اللغة والثقافة، مما يسهّل عليهن عملية التواصل مع الناس وتقديم المساعدة لهم. ومن المهم أيضاً أن تعرف المرأة الراغبة بالعمل في المجال الانساني أن هذه التجربة لا تُقدّر بثمن لناحية تكوين شخصيتها وما ستتعلمه، ولكن في المقابل ستدفع ثمناً باهظاً، لأنها تكون مُجبرة في أغلب الأوقات على الابتعاد عن عائلتها لفترات طويلة، إضافة إلى تعرّضها للضغوط النفسية والمخاطر الأمنية التي ذكرناها في السابق.


النزاعات في وطننا العربي تعرّي ممارسات العنف القائمة على النوع الاجتماعي مثل تزويج القاصرات والأطفال والاغتصاب في إطار الزواج، ولكن العنف الجنسي في الوطن العربي يتم التعامل معه على استحياء بصفة عامة، نظراً لحساسية القضية على المستويين الثقافي والاجتماعي. وبحسب الأرقام الأممية العامة في العالم العربي وليس في مناطق النزاعات فقط، هناك 37 في المئة من النساء والفتيات تعرّضن لأحد أشكال العنف في حياتهن، وليس العنف الجنسي فقط، ومن المرجح أن تكون الأرقام أكثر بكثير لأن أغلب الضحايا لا يبلّغن عن تعرّضهن لأي نوع من أنواع العنف، خوفاً من المجتمع ووصمة العار بحيث يتم إقصاؤهن من العائلة أو البيئة التي ينتمين اليها. وبالتالي لا أرقام محدّدة تُثبت عدد المعنَّفات جنسياً في الوطن العربي، لأن عملية التوثيق والوصول الى معلومات دقيقة تكشف مدى تفشّي العنف لا تزال عملية صعبة جداً.