المستشارة التربوية غزل بغدادي: كلنا بحاجة الى شخص "ثقة" ونهدف إلى تمكين الأنثى لتصبح قوية ومستقلة

فرح جهمي - فرنسا 27 مايو 2022

"التجربة خير من ألف طبيب"، من هذه العبارة انطلقت السيدة غزل بغدادي في مشروعها مع طفلتها الصغيرة كنز، فحاولت من خلال السوشيال ميديا نقل تجربتها مع الطلاق وما تبعه من مشاكل مادية ونفسية أثّرت في حياتها وهي تعيش بمفردها في بريطانيا. وكان لا بدّ لشخصيتها المنفتحة وخبرتها في مجال التعليم والتعامل مع الأطفال من مساعدتها في التحدّث عما كانت تعاني منه، والتأثير في متابعيها من خلال كلامها الصادق والنابع من القلب. وتمكّنت غزل بعد ذلك من تطوير أفكارها ومحتواها وباتت منصّة للاستشارات التربوية بهدف تمكين المرأة لتصبح أكثر استقلالاً، مادياً واجتماعياً ولتمارس دورها كأمّ بطريقة صحيحة، وكل ذلك استناداً الى قاعدة أنه لكي تكون الأنثى قادرة على العطاء، سواء كان في منزلها ومع أولادها أو في عملها، لا بدّ من أن تكون هي نفسها سعيدة.


انطلقت الشابة السورية بأفكارها المختلفة بمشروع "علّمتني كنز"، وعملت على تقديم الاستشارات التربوية المجانية لكل من يطلب مساعدتها بأسلوب حيوي بسيط لتمكين المرأة وتعزيز دورها المجتمعي، وتوسيع دائرة الخيارات المتاحة لها لتكون أمّاً سعيدة ومعها طفل سعيد، وكل ذلك من خلال مساعدتها على الولوج إلى حقوقها وبناء قدراتها وتدريبها لإحداث التغيير الاجتماعي.


- ما هو دور المستشار التربوي بالنسبة الى المرأة والطفل؟

المستشار التربوي هو صديق العائلة، وشخص يرى الأمور من الخارج ويمكنه إعطاء الحلول والاقتراحات التي تحتاج إليها العائلة لتتأكد من أن جميع أفرادها سعداء، وحاصلون على حقوقهم ويقومون بواجباتهم. مهمتي دائماً تكون مع الآباء والأطفال، فأنا أساعد الأهل على الوصول إلى أفضل علاقة مع أطفالهم ليكونوا عائلة سعيدة، ونصل الى فكرة الطفل السعيد. ويلعب المستشار التربوي دوراً مهماً في تقديم النصائح وأفكار تربوية الى الآباء ترقى بعلاقتهم مع أطفالهم وتهدف إلى تربية الطفل بطريقة سليمة. ونعمل من خلال بعض الاقتراحات التي تختلف باختلاف المشكلة على تحسين الحياة الخاصة للمربّي لتمكينه من تخطي الصعوبات والمشاكل، كأن أقترح عليه الاستعانة بـ"اللايف كوتش" لبناء الوعيّ الكافي لديه، أو الاهتمام بوقته الخاص أكثر... إلخ.

- كيف يمكن المستشار التربوي دعم المرأة وتمكينها من حلّ المشاكل؟

المستشار التربوي هو يد المساعَدة التي تُقدَّم الى المربّي (الأمّ مثلاً)، وهو الشخص الذي يستطيع أن يقيّم السلوكيات والنماذج التربوية من منظور خارجي، ويعطي الحلول والأدوات المناسبة لمجابهة التحديات التي تواجهها العائلة. ومهمتي كمستشارة تربوية أن أكون الأذن المُنصتة، والعقل المتقّبل لما يمرّ به المربّي من صعوبات، وأن أناقش الحالات وأطرح الحلول وفق سياقها المناسب.

كما أن مهمتي الأساسية، سواء من خلال محتوى منصات السوشيال ميديا أو الجلسات الاستشارية، هي التأكد من أن عملية التربية تتم بسهولة ويُسر، والأهم من ذلك بسعادة، وأن أضمن بمشاركة الأمّ حصول الطفل على حقوقه كاملة، وتقديم الرعاية الضرورية له من خلال تطبيق مبادئ التربية بمحبّة وبشكل سليم. وفي إمكان المستشار التربوي أيضاً دعم المرأة من خلال الاقتراحات والنصائح المفيدة لتحسين حياتها وتمكينها من رعاية طفلها بالشكل الصحيح، إذ يمكن الاقتراح عليها زيارة طبيب نفسي، أو تخصيص وقت لنفسها وغيرها من الأفكار الضرورية لتكون أمّاً سعيدة مع طفل سعيد.

- متى يكون الشخص بحاجة لمساعدة المستشار التربوي، وما الفارق بينه وبين المعالِج النفسي؟

كلنا بحاجة الى شخص "ثقة" نتحدث معه بحريّة ويرى الأمور من الخارج، خاصة في موضوع التربية، فالمربّي يحتاج إلى شخص خارجي يستمع إليه ويساعده في حلّ المشاكل بالطريقة الصحيحة. والفارق كبير بين المستشار التربوي والمعالِج النفسي، فأنا لست أخصائية نفسية بل تربوية، وهناك الكثير من الحالات التي أحوّلها مباشرةً إلى أخصائي نفسي. أنا أرى الأمور من الخارج، وأوجّه الأهل بالطرق الصحيحة أو الى الطريق الصحيح، في حين أن المعالِج النفسي مختص بالأمور النفسية. وتتمثّل مهمة المستشار التربوي في الأمور والخطط التربوية مثل: طفل يعاني نوبات غضب متكررة، يرفض النوم أو يتناول الطعام وهو يشاهد التلفاز، أو يقضم أظافره... هذه كلها تحديات تربوية تحتاج الى خطة مدروسة بالتعاون مع المربّي لتمكينه من معالجة الأمر.

وعلى الأم أن تدرك أنه إذا كان طفلها يشعر بالخجل أو يعاني رهاباً، أو يقوم بسلوكيات غريبة جداً للفت الانتباه، أو تظهر عليه علامات اكتئاب... فهذه كلها مشاكل نفسية تحتاج إلى تدخّل المعالِج النفسي، وهذا اللغط موجود ويحصل أحياناً حول المفهومين.

- حدّثينا عن تجربتك الناجحة مع "علّمتني كنز"، ومَن يساعدك في العمل على المشروع؟

"علّمتني كنز" بدأ بفكرة بسيطة وتحوّل اليوم إلى مؤسّسة تضمّ 25 موظفاً وموظفة، حيث نعمل جميعاً لهدف واحد وهو أن نصل إلى كل بيت وكل طفل في هذا العالم لتمكين الأمّ والأب. في الحقيقة، تجربة "علّمتني كنز" كانت ولا تزال مُتعبة، لكنها اليوم واحدة من أكبر وأضخم المنصّات التربوية العربية، وهذا إنجاز كبير.

- "علّمتني كنز" مشروع موجّه إلى كل مربٍّ، ما هي المصادر التي تعتمدين عليها؟

نسعى من خلال هذا المشروع التربوي الى توجيه المربّي بواسطة فريق المحتوى الذي يضمّ أقساماً عدة، ومن ضمنها قسم المحتوى العلمي المسؤولة عنه الدكتورة الصيدلانية بتول الساطي، والذي تتم فيه ترجمة المعلومات من مصادر طبّية موثوقة، أو التواصل مع أطباء وأخصائيين للحصول على معلومات محدّدة منهم. وهناك قسم المحتوى التربوي، الذي يتم فيه توليد الأفكار التربوية التي يجب الحديث عنها بناءً على احتياجات الأسرة من المشاكل والأسئلة التي تصل فريق "علّمتني كنز" يومياً. ولدينا أيضاً قسم التعليم، وهو أحدث قسم في المشروع، يقدّم محتوى خاصاً في ما يتعلق بالتعليم ويستهدف الأهل والمعلمين وكذلك الروضات والمدارس.

- كيف تواجهين الانتقادات والاتّهامات بالحصول على مردود مالي كبير لقاء الاستشارات التربوية؟

كل الأفكار الجديدة تتعرّض للانتقاد في بداياتها، بينما يتم فهم سياقها وإدراك أهميتها مع الوقت. الاستشارات التربوية واحدة من خدمات عدة تقدّمها أو ستقدّمها مؤسّسة "علّمتني كنز"، وهي فكرة غير مسبوقة في عالمنا عربي، تماماً كأي خدمة استشارية نفسية، صحية، زوجية.... "علّمتني كنز" مشروع بدأ كمنصة تربوية توعوية، بمحتوى مجاني عالي الجودة. وأي رائد أعمال أو شخص له خبرة سابقة في مجال بناء المشاريع يدرك أن استمرار أي مشروع بمحتوى مجاني يعني توقّفه. وبالتالي كانت الاستشارات الخدمة المدفوعة التي تم طرحها من خلال المشروع كخطوة أولى في الحفاظ على استمراريته، ولحقت بها الأكاديمية بالدورات والورشات المدفوعة.

في المحصّلة، إن طرح خدمات مدفوعة هو حق لأي ريادي أعمال يموّل المشروع بشكل فردي، خاصة أن هذه الاستشارات لبّت حاجة ماسّة عند الأمهات، وحظيت بقبول واسع، وحتى اليوم يتم حجز كل مواعيد الاستشارات في أقل من ٢٤ ساعة على إعلانها. نحن لا نطمح لتخطّي الانتقادات، فالمشروع ما زال في بدايته وسيكون هناك الكثير من الأفكار التي قد تلقى انتقاداً. ما يهمّنا هو التأثير الإيجابي في المجتمع، والمستقبل الذي نرسمه بالحب والسعادة والمعرفة.

- برأيك، كيف هو وضع النساء في الوطن العربي اليوم؟

كوني على احتكاك مستمر ومباشر بعالم النساء منذ أكثر من خمس سنوات، أستطيع القول إن وضع الأنثى في وطننا العربي في تحسن وتطوّر كبيرين. المرأة العربية أصبحت اليوم أكثر قوةً وعياً بحقوقها وأعلى استحقاقاً، ولا شك في أن لمنصات التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في هذا التطور.

الرهان اليوم هو على الثورة التربوية التي يشهدها العالم العربي منذ خمس سنوات أو أكثر، والتي تهدف إلى التخلص من العادات التربوية القديمة. أسعى أنا ونساء كثيرات إلى تسليط الضوء على المنهج الصحيح لتربية أنثى قوية مستقلة واثقة من نفسها. وأعتقد أن الثغرة الأولى التي تواجه الحملات النسوية هي أن أغلب النساء لا تصلهن تلك الأفكار ويبقين غير مدركات لكامل حقوقهن. فالمرأة في مجتمعاتنا اعتادت هذا الشيء

في حياتها، وأن كل ما يعتبر في مجتمع آخر تخطياً لحقوقها هو أمر عادي بالنسبة إليها، لذا من المهم الدخول الى بيوتهن لإيصال تلك الأفكار التوعوية وتمكينهن أكثر في المجتمع، وهذا يحتاج إلى الكثير من الوقت، ولكن السوشيال ميديا باتت تسهّل هذا الأمر وبسرعة قياسية.


- من خلال السوشيال ميديا، نقلتِ تجربتك مع الانفصال وتربية طفلة بمفردك، ما الصعوبات التي واجهتها؟

أنا أحب المشاركة، فأي معلومة أسمعها أو أطبّقها أو أكتشفها، أشعر برغبة شديدة بمشاركتها مع مَن حولي ونشر الفائدة. أمومتي لابنتي "كنز" ألهمتني منذ اللحظة الأولى، خاصة أنني شغوفة بعالم الطفل منذ سنوات طويلة. وسائل التواصل الاجتماعي كانت المحطة المثلى لأشارك أفكاري وخبرتي وتجربة أمومتي مع أكبر عدد ممكن من الناس. ثمة حاجة في العالم العربي الى مثل هذه المعلومات العملية بعد وصول منصة "فيسبوك" لأكثر من 10 آلاف متابع خلال أقل من شهر على انطلاقها.

واجهتُ الكثير من الأشخاص المخالفين والناقدين، وتعرّضت للاستهزاء والتنمّر، فالصعوبات كثيرة خاصة في البداية لأن الأفكار كانت جديدة، لكن اليوم وبعد 5 سنوات من العمل المستمر والتركيز على هدف واحد، يتمثل بنشر المفهوم الصحيح للتربية السليمة، بات الأمر أكثر سهولةً ومتعةً ونجاحاً.

- ما هي نصائحك لكل امرأة مطلّقة لتتمكّن من تخطّي مشاكلها؟

الانفصال تحدٍّ صعب على الأب والأم والأطفال بدون شك، لكنه مثل تحديات كثيرة صعبة نمر بها في هذه الحياة.

أنصح كل أنثى بعد الانفصال بأن تركّز على صحتها النفسية قبل أي شيء، حتى تكون قادرة على الاعتناء بأطفالها وممارسة دور الأمومة على أكمل وجه.

- كم ساعدك تخصّصك في مجال الإعلام بإنتاج محتوى لافت؟

في الحقيقة، العوامل التي ساعدتني على صناعة محتوى إبداعي كثيرة، أولها بدون شك دراستي للصحافة والإعلام. تخصّصي في هذا المجال قدّم لي قاعدة قوية في اللغة العربية والطرق الصحيحة لإيصال الأفكار. لكن العامل الأقوى والأهم كان محاولاتي الدائمة لأضع نفسي مكان المتلقي، قبل كتابة أي مقال أو التحضير لأي ورشة عمل أو دورة تدريبية. بعد ذلك تراكمت خبرتي في هذا المجال حتى صرت اليوم قادرة على صناعة محتوى أفضل وأبسط وأكثر إبداعاً، وبالتالي قادر على الوصول بشكل مؤثر وسريع إلى المتلقي.

- كيف تخطّطين لتطوير دورك عبر السوشيال ميديا، وما هي مشارعيك المستقبلية؟

في البداية، أنا سعيدة جداً لكوني ألعب هذا الدور، طموحي كان دوماً التأثير الحقيقي الفعال، وهو ما أقوم به. وأطمح اليوم لتوسيع نطاق هذا التأثير بالوصول إلى كل طفل وكل أنثى على هذا الكوكب، وأخطّط لمشاريع كثيرة سيتم الإعلان عنها في وقتها، لكنني أتمنى أن يكون قسم كبير منها على الأرض، خاصة بعدما بدأ وباء كورونا يختفي وتختفي معه عوائق الانتقال والسفر.